الذكرى السنوية العاشرة لهدايتي

الذكرى السنوية العاشرة لهدايتي

هاني طاهر

  •  كل أحمدي مخلص قادر على المناظرة وإقناع الخصم أنه على خطأ.

في مثل ضحى هذا اليوم من عام 1998 قلتُ في نفسي: أشهد الآن أن حضرة ميرزا غلام أحمد صادقٌ وأنه هو المهدي. كان ذلك حين كنتُ أقرأ في تفسير المنار لرشيد رضا العبارة التالية: “ففراره إلى الهند وموته في ذلك البلد ليس ببعيد عقلا ولا نقلا”. (المجلد 6، ص 36)

فبعد أن قال بوفاة المسيح وعدم صعوده إلى السماء وجد هذا المفسر نفسه أمام شبهة بدت عويصة، وهي: “إذا كان المسيح قد نجا من أعدائه بعناية إلهية خاصة، فأين ذهب؟ ولماذا لم يقْفُ له أحدٌ على عين أو أثر؟”

ولم يجد رضا بدًّا من تلميحه إلى إيمانه بإغماء المسيح على الصليب، وإن كان ذلك من خلال نقل أقوال آخرين.

ولكن هذا لا يجيب على سؤال: “أين ذهب بعد ذلك؟” فما كان من المفسّر إلا أن أفرد عنوانا خاصا بالمسألة، وهو: “القول بهجرة المسيح إلى الهند، وموته في بلدة سِري نَكر في كشمير”.. وتحت هذا العنوان ذكر قول ميرزا غلام أحمد في تحديد قبر عيسى عليه السلام، ثم ذكر تفسيره للآية

  وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ .

وكان واضحا أنه يؤمن بما ينقل؛ ليس لدقته وإسهابه في نقْل ذلك فحسب، بل لنقْله الأدلة القرآنية على هذا التفسير، ولعدم نقْله رأيا آخر. ثم تعليقه الشهير “ففراره إلى الهند وموته في ذلك البلد ليس ببعيد عقلا ولا نقلا”. وكان واضحا أن رشيد رضا يتبنى قول ميرزا غلام أحمد في مسألة من أخطر المسائل.. وكان واضحا أنه لم يستطع الردّ على شبهة النصارى إلا باللجوء إليه.

فإذا كان المسيح عيسى عليه السلام قد مات، وإذا كان قبره في كشمير، وإذا كان ميرزا غلام أحمد هو من قال بذلك، وإذا كان كبير مفسري العرب في القرن العشرين قد عجز عن الردّ على أخطر شبهة إلا باللجوء إليه، وإذا كان الرسول قد بشر بنـزول المسيح، ولم يوفِّق بين هذه المسائل غير ميرزا غلام أحمد، فلا بدّ أن يكون كلّ ما قاله صحيحا، وبالتالي فهو صادق في ما أعلنه، لأنه لم يَعُد هناك احتمال آخر في المسألة.

في تلك اللحظة المزدحمة بهذه الخواطر آمنت بالمسيح الموعود عليه السلام. لم تكن هذه اللحظة من دون مقدمات، ولكنها كانت لحظة تتويج لبحثٍ مفصّل في كتب الجماعة الإسلامية الأحمدية.

عندما قررتُ أن أبحث في مسألة الإمام المهدي والمسيح الموعود وما تؤمن به الجماعة الأحمدية كان يبدو كل شيء جديدا وغريبا. ولكن الجدّة والغرابة لم تكن عائقا في طريقي يومًا بفضل الله؛ فالمهم هو الحقّ والدليل والمنطق والعقل وما يأمرنا به الله سبحانه. ومع ذلك ففي الأمر صعوبة، فكيف ينـزل المسيح ولم يخرج الدجال بعد؟ وأين يأجوج ومأجوج؟ وو… ولكن ما أسرع أن تجد أن الدجال عندهم شيء آخر، وقد خرج! وسرعان ما يتبين لك أن التفسير المتداول ليأجوج ومأجوج هو إلى الخرافة أقرب، وأن الأحمديين قد أحكموه إحكاما. كما كان التساؤل الأول: كيف يكون ميرزا غلام أحمد نبيًّا ونبيُّنا خاتم النبيين؟ ولكنك تجد تفسيرا يرفع من شأنه وينسجم مع السياق ويثبت تناقض التفسير المتداول الذي يقول برجوع نبي من السماء مع تفسيره الخاتم بالآخر في الآية. ومع ذلك فقد بقي الكثير في الذهن ليُطرح مع الزمن. وظَلَلْنا نفاجَأُ بالجديد، ولكن بأدلته السلسة.. فالمرتد لا يقتل، والقرآن لا نسخ فيه، والجهاد دفاعي، والهدهد اسم رجل وليس العصفور المعروف، وغير ذلك كثير. كان الحسم في هذه المواضيع كلها لا يبدو سهلا، خصوصا مع العناد وسوء الظنّ، فقد ظلّ في ذهننا لفترة: لعلّ هناك أشياء أخرى خاطئة، فلننتظر حتى نعرف كلّ شيء ونقرأ كل الكتب!! فقد كان الإيمان صعبًا، ولكن تبيّن أنه لذيذ.. ورغم أن السخرية كانت تنتظرنا، لكنا كنا واثقين من سموّ هذا الفكر وانتصاره على فكر القسوة والخرافة.

وإذا كانت عبارة رشيد رضا هي الشعرة التي قصمت ظهر بعير عدم إيماني بالمسيح الموعود عليه السلام، فإن عبارة المودودي التالية هي التي وضعت الإسفين الأول فيه.. فَتَحْتَ عنوان: “الأسباب الأساسية الثلاثة للنـزاع” بيّن المودودي أهمية معاداة الأحمدية، فكان سببه الأول عنده هو: “نشاط أتباع هذه النحلة الجديدة، وتحمسهم للدعوة إلى فكرتهم، ومثابرتهم على المجادلة والمناظرة، مما جعل كل رجل منهم يُحْدِث صراعا عنيفا في بيئته ووسطه الذي يعيش فيه”. (ما هي القاديانية، ص 107).

كانت هذه عبارة أكبر خصوم الأحمدية؛ والخير ما شهدت به الخصوم.. فتساءلتُ: هل يمكن لعملاء أو أتباع عميل أن يكونوا نشطاء حمسين مثابرين على المناظرة، ويُحدث كلٌّ منهم صراعا فكريا في محيطه؟ كلا ثم كلا، لا بدّ من البحث والتدقيق، فالمسألة ليست كما يلخصونها لنا بكلمة.

وبدأ البحث في جماعة كنتُ أرى أن كل ما فيها باطل، ويوما فيوما صارت هذه الصورة تضعف على حساب توسع مساحة بطلان الفكر المقابل.. حتى جاء كبير المفسرين وخصم ميرزا غلام أحمد فشهد له بأخطر مسألة وأدقّها والتي وحدَها تثبت أنه عليه السلام هو المسيح الموعود، وأنه لا عودة لعيسى عليه السلام.

فسبحان الله الذي جعل بداية هدايتي على يد كبير الخصوم في الهند، وتوّجها على يد كبير الخصوم العرب. والحمد لله الذي جعل هذه الذكرى العطرة تمرّ في سنة اليوبيل وفي العشر الأواخر من رمضان.

Share via
تابعونا على الفايس بوك