قصة الشبيه

قصة الشبيه

هاني طاهر

  • القصص القرآنية أرفع مما يتصور البشر فهي كلام الله تعالى الحق.
  • تطابق قصة المسيح في الأناجيل مع ما ورد في القرآن الكريم عن صلب المسيح ونجاته وسفره إلى الشرق.

__

لقد اهتزّ العالم لقتل مصريٍّ في قرية لبنانية والتمثيل بجثته وإهانتها، ثم قابل الصحافيون أمه وأباه وجيرانه، وعرفوا تفاصيل قصته.. مع أنه رجل هامشي لا يعرفه أحد وليس ذا خلق. ولكن القتل الوحشي مع تعليق الجثة يثير عطف الناس واهتمامهم. وفي موقع العربية.نت رأيت 1600 تعليق على خبره، بينما لا يزيد معدل التعليقات على الأخبار الأخرى عن مائة تعليق.

تصوّر أن يدّعي أحد بعد سنوات أن هذا الشخص لم يكن فلانا، بل شبيهه!!!

دعنا نتصور أيضًا أن هذا المصري رجل ذو خلق عظيم، وأنه كان قد أعلن أنه نبيّ أو المسيح المنتظر، ثم أتى بالعديد من المعجزات، وكان يشفي الأمراض المستعصية، وهذا مما يذيع صيته في الآفاق، ثم آمن به عدد من الناس، ثم قام أهل قريته بالتعاون مع السلطات بتعليقه على الصليب لساعات بعد الحكم بتكفيره، وجاء الناس من كل حدب وصوب لمشاهدة هذا المنظر المأساوي.. ثم ظهر أن هذا الرجل قد مات على الصليب، ثم أُنزل مِن الصليب، ثم أُخذ إلى قبر مثل غرفة، ثم شوهد قبره خاليا من جسده بعد أيام..

لنتخيل أن بعض الناس بعد سنين من الحادث قد أنكروا أن يكون هو الذي كان على الصليب، بل شبيهٌ له!! فأي سخف سيكون في قولهم هذا؟!

تصوروا الآن، تمر السنوات من دون أن يتحدث أحد عن شبيه، ويرى مئات الناس المسيح نفسه معلقا على الصليب، ولم يقُل هذا المعلق لست المسيح، ولم يعلن أي شخص أن قريبه هو المعلَّق بدل المسيح… فالسؤال: مَن هو هذا الشبيه؟ أليس له اسم؟ أليس له عنوان؟ أنَزَل من السماء؟ أليس له أقارب؟ أأعلن أحد فقدان أحد أقاربه مثلا حتى نقول أن الشبيه قد يكون هو؟

على كل حال، كنتُ قد سمعت قصة أكثر سخفًا؛ مفادها أن اليهود كانوا قد ضربوا يهوذا الاسخريوطي ضربا مبرحا حتى صار وجهه يشبه وجه المسيح لشدة الضربات وهولها!! وكأن وجه المسيح يشبه وجه شخص أوسِع ضربًا حتى تشوّه!!!

مثال هذا المصري المعلّق مفيد في تخيّل القضية.

قصة المسيح ليست مثل قصة قتيل القرية اللبنانية، بل هي قصة نبي عظيم، قصة سجّلها تلامذته العظام رضي الله عنهم، وتلامذة تلامذته. نعم، رضي الله عن صحابة المسيح وتابعيهم، مثل متى ومرقس ولوقا ويوحنا الذين خلّدوا لنا هذه السيرة العطرة، سيرة المسيح الذي صبر على أذى قومه؛ صَبَر على آلام التعليق على الصليب، وصبر على الاتهامات الباطلة بالردّة التي كالوها له، وظلّ يدعو لهم بالهداية.

ما أعظم قصة المسيح! وما أعظم صبره على الصليب! وما أعظم أدعيته لله أن ينجيه من الموت على الصليب! وما أعظم استجابة الله لأدعيته! وما أعظم نجاته من هذه الميتة اللعينة! وما أعظم خروجه من القبر! وما أعظم هجرته إلى القبائل الإسرائيلية الأخرى!

لو كتب مؤرخ عابر عن أحداث وقعت قبل آلاف السنين لتلقوها بالتبجيل والتعظيم، لكنهم لا يريدون أن يأبهوا لما كتب أربعة من صحابة المسيح وتابعيهم! فلماذا هذا الاحتقار؟ اعتبِروهم مجرَّدَ مؤرخين إن لم تريدوا أن تحترموهم وتقدِّروهم. ألا تستحق شهاداتهم التصديق فيما اتفقوا فيه على الأقلّ؟

ومع ذلك، ومع دعوتي الجميع إلى أن يقرءوا قصة المسيح من الأناجيل الأربعة، التي هي أربع سير للمسيح، إلا أني أقول: إن القرآن الكريم هو الذي يؤكد أن المسيح قد عُلِّق على الصليب ونجا من الموت منه، وسافر إلى بلاد الشرق ليبلغ القبائل الإسرائيلية. لكن الأناجيل تعطي تفصيلا لما أُجمل في القرآن، وتحكي تفاصيل أخرى لم ترد في القرآن أيضا.

أما الآية الكريمة التي تؤكد  تعليق المسيح على الصليب ونجاته من الموت عليه، فهي قوله تعالى:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء)

فالآية تقرر ما يلي:

1: يزعم اليهود أنهم قتلوا المسيح.

2: الحقيقة أنه لم يُقتل، ولم يُصلب.. أي لم يكُن ميتًا على الصليب قط.

3: عملية الصلب اشتبهت عليهم، فظنوه قد مات على الصليب، لكنه لم يكن قد مات.

4: اليهود والنصارى ظلوا في شك من هذا الموت على الصليب، فبعضهم قال: لم يمت على الصليب، وبعضهم قال: بل مات عليه.

5: القائلون بموته على الصليب يتبعون الظنّ.

6: لم يُقتل المسيح قط.

7: لم يُلعن المسيح، بل رفع الله درجته ومكانته.

الحكمة من إيراد هذه القصة

مشكلة الفكر التقليدي هو عشوائيته في تناول المواضيع، وجهله بالحكمة كل الجهل، فهو لا يريد أن يفكر في سبب إيراد أي قصة قرآنية، وكأن معرفة الحكمة أو جزء منها تتنافى مع طاعة الله.

إنه لا بد من معرفة لماذا ينفي الله الصلب عن المسيح. وما المشكلة لو مات على الصليب؟ ولماذا يهتمّ القرآن الكـريم بنفي هذه الميـتة؟

إنما سبب ذلك أن النصارى بنوا عقيدة ضخمة على هذه الميتة، فقالوا: إنه قد مات ميتة ملعونة، وذلك ليكفِّر عن خطايا البشر.. وتطوَّرَ هذا القول حتى وصل الى القول بالثالوث وبألوهية المسيح، فلو نُفي موت اللعنة لانتهت أسس الثالوث من جذورها.

هذه هي القضية، وهي قضية عظيمة، وفي إيراد ذلك حكمة جدُّ عظيمة. وكان لا بد للقرآن أن يحكم في هذا الأمر الخطير، لينقض عقيدة يتبناها ملايين الناس، وينقذهم من أوهامها ويعيدهم إلى ربهم الأحد.

بالنسبة إلى القائلين من المسلمين أن الله تعالى قد أصعد عيسى الى السماء، نقول: ما فائدة أن يصعد إلى السماء؟ وما المشكلة لو مات في الأرض؟ وما العار أن يُستشهد النبي؟

ونقول لمن يقول من المسلمين بوفاته لاحقا بعد حادثة الصلب حيث صُلب آخر.. نقول لهم: ما المشكلة لو مات على الصليب حسب تصوركم؟ ولماذا نجّاه الله من الصلب ما دام سيموت بعد حين من غير أن يتصل بأحد من أتباعه، ومِن غير أن يقوم بعمل صالح؟

الحقّ أنهم متخبِّطون جاهلون متعصِّبون، وإلا ما الذي يضطرهم للإصرار على أقـوالهم الغبيّة بعد أن علموا أقوالنا التي تغـطي جوانب القضية كلها، وتجيـب على الموضوع إجـابات شاملة لا تذر صـغيرة ولا كبـيرة إلا وتـضعها في موضـعها ونصـابها؟

لقد وعد الله المسيح بأن ينجّيه من ميتة الصلب، ووعده بأنه سيهاجر إلى بقية القبائل الاسرائيلية ليبلغ دعوة ربه، ووعده بأن ينصره نصرا عزيزا مؤزرا، وهذا ما حصل.. لذلك فقد هاجر المسيح الى بلاد الشرق وبلغ دعوة ربه. يقول الله تعالى إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ..  فنقول لمن يقول بوفاته لاحقا وهو هارب من بني إسرائيل من غير أن يتصل بأحد: أين النصر الذي حققه الله للمسيح ما دام قد ظلّ هاربا حتى مات؟ هل الهروب نصر؟ كما نقول للقائلين بصعوده إلى السماء: هل الهروب الى السماء نصر؟

المشكلة أنهم لا يعرفون الإجابات المتكاملة، بل همُّهُم الحرفيّةُ الجَهولة مهما كانت النتائج.. همُّهُم الاعتراض والمماحـكة والعبَـث.

إن قصة الشبيه قصة كرتونية تتعارض مع عشرات القضايا ولا تجيب عن عشرات الاعتراضات وتسيء الى الله ورسـوله.. فـحتّامَ يضعون رؤوسهم في الرمـال؟!

Share via
تابعونا على الفايس بوك