تفكيك الفكر العدواني الإجرامي

تفكيك الفكر العدواني الإجرامي

التحرير

  • رغم وجود الاتصالات الحديثة في جميع أنحاء العالم إلا أنها لم تستخدم لنصرة دين الحق إنما استخدمت لتعبئة القلوب والعقول بما لم يأمر به الاسلام ولا سيدنا محمد المصطفى
  • أكد أمير المؤمنين نصره الله على أن لا نرد الكره بالكره وأن لا نشحن أنفسنا بالحقد والثأر بل نتبع شعارنا : لا كراهية لأحد فالله تعالى كفيل بمعاقبة المجرمين.

__

تطالعنا التقارير الإخبارية كل سنة بآلاف المدنيين الأبرياء شيوخًا ونساءً وأطفالاً تذهب دماؤهم هدرًا في العديد من المجتمعات الإسلامية على أيدي شباب مسلمين، مفجرين أنفسهم تارة، ومعتدين بالسلاح أخرى. والأدهى والأمَرّ أنهم بأعمالهم الإجرامية هذه يعتقدون أنهم يجاهدون ويستشهدون في سبيل الله وأنهم سينالون الجنة.

فيلبس أحدهم حزامًا ناسفًا ويندس في جموع المواطنين الأبرياء ويفجر نفسه، أو يتسلل إلى مسجد غاص بالمصلين ويرشهم رشًّا عشوائيا فيسقط العشرات من القتلى والجرحى من غير ذنب. هذه الأعمال الإرهابية والوحشية تتكرر يوميًا على الساحة الإسلامية ويدعي فاعلوها أنهم يجاهدون في سبيل نصرة الدين وإعزاز الإسلام. وتنقل وسائل الإعلام المشاهد المأساوية للضحايا وآثار الدمار والدماء دون أن تثير الدوافع لاتخاذ موقف حاسم لتفكيك الفكر العدواني الإجرامي الذي غزا عقول بعض شبابنا وتمكّن منها واستولى على نفوسهم وزيَّن لهم الضلالة هدى.

فبالرغم من آلاف ضحايا هذا الفكر الوحشي الذي يعيث في الأرض فسادًا، لم نسمع بوقفة حازمة جادة تجاه المنابر الدينية التي تملأ قلوب وعقول كثير من الشباب بـ”ثقافة الكراهية” التي تدفعهم إلى تدمير ذواتهم وإرخاص قيمة الحياة في نفوسهم. أما السلطات الأمنية فلا زالت تُغلِّب العامل السياسي في مواجهتها للأعمال الإرهابية، وتكرس جهودها على المعالجة الأمنية دون استئصال عروق المرض الفكري الذي تمكن من عقول بعض شبابنا المتحمس دينيًا. ومن خلال محاولات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع شُكلت بعض اللجان لتوعية من ابتُلِيَ بداء الإرهاب وراجعت مراجعة سطحية المناهج التعليمية بهدف تنقيحها من العناصر الفتاكة، ولكن ما جدوى كل هذا مع بقاء الجذور السامة في بنية الخطاب الديني؟!

وهكذا تبقى الحلول والإجراءات المتخذة تجاه الفكر العدواني الإرهابي، حلولاً سطحية أشبه بالمسكنات المؤقتة  التي لا تصل إلى أصل الداء العميق المتمكن من المفاصل الفكرية والثقافية المسيطرة في مجتمعاتنا. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام.. لماذا يتردد أصحاب السلطة في اتخاذ موقف حاسم من الفكر المتطرف عبر تطهير مؤسسات ومنابر أخفقت في تحصين شبابنا ضد آفة الإرهاب؟! إلى متى يتم في مجتمعاتنا تغليب العامل السياسي على العامل العقائدي الصحيح؟!

إن الكراهية تهاجم كل معالم المحبة وتمحقها محقًا تحت غطاء شعارات دينية زائفة.

يجب على مجتمعاتنا أن تراجع نفسها وتقف وقفة تأملية تفحص من خلالها الآليات الضالة التي أوصلتنا إلى هذه المأساة. وتتساءل لماذا نحن في هذا الحال بالرغم من توفر وانتشار وسائل التوعية من محطات إذاعية وفضائيات دينية وهلم جرًّا. جميعها فشلت في إنتاج ثقافة مانعة على أرض الواقع تجاه الفكر الديني المتطرف. لماذا تحول بعض شباب المسلمين إلى “قنابل” ضد مجتمعاتهم وأوطانهم؟ لم هذا الاستخفاف بحياة الناس؟ هذه التساؤلات وغيرها تضعنا أمام الأمر الواقع هو أننا نعيش فزعة لم يشهد لها تاريخ الإسلام مثيلا يمكن أن تشخص بمصطلحات الطب الحديث بالسرطان الذي هو خلل تهاجم من خلاله بعض مكونات الجسم مكونات أخرى. وهذا تحديدا ما نراه على الساحة الإسلامية حيث إن الكراهية تهاجم كل معالم المحبة وتمحقها محقًا تحت غطاء شعارات دينية زائفة.

واستولت هذه الكراهية العمياء على قلوب الحاقدين الفاشلين في تحقيق أي شيء يُذكر أو يُسمى فأطالوا اللحي وارتدوا العباءات ونصبوا أنفسهم حماةً ودعاةً للدينِ والدينُ منهم براء، وزرعوا سمومهم في عقول كثير من الشباب المتحمس لخدمة الدين وألقوا بهم وبضحاياهم إلى التهلكة. إن هؤلاء المتاجرين بدماء شبابنا لا زالوا وذرياتهم في أمن ونعمة بينما آلاف الشباب ذهبت دماؤهم هدرًا.  وتناسوا سماحة الشريعة الإسلامية وعفو الدين الحنيف واستخرجوا استنباطات خاطئة مبنية على نصوص جردوها من سياقها. هذا إلى جانب قراءات مشوهة لتاريخ الإسلام اتخذوها صرحًا ايديولوجيا يبررون من فوقه جرائمهم وإساءتهم للدين الحنيف ولرسول الأمن والسلام سيدنا ومولانا محمد المصطفى . ونود أن ننوه في هذا الصدد بعظمة ما  أدلى به حضرة أمير المؤمنين (أيده الله) مؤخرا في كلمة ألقاها خلال جلسة جماعتنا بألمانيا معقبا على الهجوم العدواني الذي ذهب ضحيته ما يقارب تسعين مسلما أحمديا في لاهور، باكستان وهم يؤدون صلاة الجمعة.. “بالله عليكم يا أيها المغرضون.. لا ترتكبوا الجرائم والمظالم باسم حبينا المصطفى “. ولم يتوعد حضرته بأخذ الثأر ولم يهدد من قريب أو بعيد أي جهة أو طرف ولكن وضع القضية في محكمة العدل الإلهية.. حقًّا إنه نداء تاريخي عظيم ينـزه الرسول الكريم ويدافع عن مكانته وفي نفس الوقت يبرز خلوه من رائحة الكراهية بل يتضوع بعبير الحب الصافي حتى لألد الأعداء، حيث إنه نابع  من شعار الجماعة المستوحى من صميم القرآن الكريم.. “الحب للجميع ولا كراهية لأحد”. ولا شك أن هذا الشعار يحمل بين طياته الدواء الشافي من سرطان الإرهاب الذي تتخبط فيه الأمة، ولن تُحل الأزمة بدونه، حيث إنه نتاج حِربة سماوية أُعطيت لإمام هذا الزمان حضرة الإمام المهدي الذي ألف الله بين قلوب أتباعه.

ولا شك أن هذا الفكر الذي أثبت نجاعته على ما يزيد من المائة والعشرين السنة المنصرمة من تاريخ الجماعة لقادر على تفكيك الفكر العدواني وأن يحل محله.

إنها دعوة صادقة نرفعها من منبر “التقوى” داعين  المولى عز وجل أن ينور بصيرتكم ويهدينا وإياكم لسواء السبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك