الغرض من بعثة الأنبياء.. إنقاذ الناس لا إهلاكهم
  • الرسل خير البشر لذلك يختارهم الله تعالى لانجاز رسالته ويميزهم عن العالمين
  • يعاقب الله تعالى الناس نتيجة أعمالهم وليس لتعذيبهم فقد أرسل محمدا هاديا ومنذرا.
__
وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون  (الرعد: 5)

شرح الكلمـات:

قِطَعٌ: جمعُ قطعةٍ، والقطعةُ: الحصةُ من الشيء (الأقرب).

مُتَجاوراتٌ: تجاور القومُ: جاورَ بعضهُم بعضاً (الأقرب).

صِنوانٌ: الصِنوُ: الأخُ الشقيقُ؛ الابنُ؛ العَمُّ. وإذا خرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكل واحدة منهنّ صِنْوٌ وصُنْوٌ والاثنان صِنْوانِ وصِنْيان والجمعُ صِنوانٌ. وقيلَ الصِنوُ عامٌّ في كل فرعين يخرجان من أصل واحد في النخل وغيره (الأقرب).

الأُكُل: الثمرُ؛ الرِزقُ الواسع (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: لا تقولوا: ما وجه تفضيل محمد علينا، فهو أحد أحفاد عبد المطلب! ألا ترون إلى الأرض كيف أن القطع المجاورة منها أيضاً تتفاوت في قدراتها على الخصب والإنتاج، فما تُنبته هذه القطعة من زرع أو شجر أو ثمر لا تقدر القطعة المجاورة لها على إنباته. وما أكثر ما نجد هذه الظاهرة في بلاد “كشمير” حيث توجد حقول من الزعفران في قطع أرض معينة بينما لا تجده في الأراضي الأخرى لأنها لا تصلح لإنباته. ونفس المشهد يمكن أن تراه في منطقة “بارا” الواقعة في إقليم “سرحد” (بباكستان)، حيث تشتهر أراضيها بإنتاج نوع خاص من الأرز العالي الجودة، ولكن الأرز المزروع في الأراضي المجاورة لها ليس بنفس الجودة. وتلاحَظ الظاهرة نفسها في الحيوانات، فإن “غزال المسك” مثلاً إذا تُرك ليرعى في منطقة معينة أنتَجَ أجود أنواع المسك، أما إذا نُقل إلى منطقة غيرها فإما أن ينتج مسكاً رديئاً أو لا ينتجه أصلاً.

فالله تعالى يلفت أنظار الكفار إلى هذه الظاهرة ويقول: ما دمتم تجدون هذا التفاوت حتى في قطع الأرض، فلماذا تستبعدون وجوده في الناس؟ ولماذا لا يستطيع الواحد منهم أن يصبح إنسانًا ربانيًا سماويًا بينما يبقى الآخر شخصًا أرضيًا ماديا؟

وأشار القرآن بقوله تعالى يسقى بماء واحد أن هذه الأشجار تتفاوت ثمارها لونًا وطعمًا مع أنها تُسقى بماء واحد، ولكن أمركم أيها الكفار مختلف. فإن محمدًا يشرب مما ينـزل عليه من ماء الوحي السماوي، وأما أنتم فتشربون ما يقدمه لكم الشيطان من ماء كدر، لأنكم ترفضون سماع كلام السماء وتُصغون إلى وساوس الشيطان.

لقد كان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- أيضاً من أهل مكة ولم يكن لأيّ منهما شأن يذكر قبل الإسلام، أما بعد اتخاذهما محمدًا أبًا روحيًا لهما اشتهر كل منهما كأحد أعظم العظماء في العالم، حيث أشاد بإنجازاتهما الأعداء قبل الأصدقاء ولا يزالون.

وقد يعني الله تعالى بقوله  يُسقى بماء واحد أنه لا جرم أن محمدًا كان منكم وعاش في نفس المحيط والظروف التي عشتم فيها، ولكن لا تستغربوا  فضلَه عليكم، ألا ترون أن الأشجار من نوع واحد تُسقى من ماء واحد ومع ذلك تختلف ثمارها طعمًا وجودة. فلا تنظروا فقط إلى توحُّد الظروف والأسباب، بل انظروا أيضًا إلى كيفية استغلال الإنسان لها. إن السيف إذا كان بيد الغِمر الجاهل فلا جدوى منه ولا فائدة، ولكنه حليفُ فتح وظفر إذا ما استله البطل المحنك المجرب. لقد كان أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- أيضاً من أهل مكة ولم يكن لأيّ منهما شأن يذكر قبل الإسلام، أما بعد اتخـاذهما محمدًا أبًا روحـيًا لهما اشـتهر كل منهما كأحـد أعظم العـظماء في العالم، حيث أشاد بإنجازاتهـما الأعداء قبـل الأصدقاء ولا يزالون.

وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِـكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْـلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ   (الرعد: 6)

شرح الكلمـات:

الأغلالُ: “الغُلّ: طوقٌ من حديد أو قِدٍّ ( أي جلدٍ) يُجعل في العنق أو في اليد، ومنه قيل للمرأة السيئةِ الخُلقِ: غُلٌّ قَمِلٌ، وأصلهُ أن الغل كان يكون من قِدٍّ عليه شَعرٌ فيَقملُ في عنُق الأسير فيؤذيه، فيكون الغُلّ القَمِل أنكى. وجمعهُ أغلال وغلول. ويُقال: هذا غُلّ في عنقك” (الأقرب).

   التفسـير:

يقول الله تعالى: لا تستغربوا إذا كتب الله النجاح لرسوله محمد وأصلح الدنيا على يده، وإنما العجب أن لا يهتم الله بإصلاح الدنيا رغم فساد أهلها إلى هذه الدرجة، لأنه يتنافى مع النواميس الإلهية أن يخلق العين ولا يخلق النور الذي تبصر به وأن يخلق الأنثى ولا يخلق الذكرَ الذي يتسبب في ظهور قواها الكامنة. كما أنه مثير للغرابة أن يتزاوج الذكر والأنثى ولا ينجبا شيئاً. فلا تقولوا: كيف يمكن أن يتم إصلاح العالم على يد محمد ، وإنما العجب من تفكيركم الغبي أن تقولوا:كيف يمكن أن تنهض أمة بعد السقوط، وكيف نحيا بعد الممات! فإذا كان العون قد نزل من السماء وماء الحياة قد تيسّر فلا غرابة في ذلك أبدًا!

ووضح بقوله أولئك الذين كفروا بربهم أن هذا اليأس المستولي على قلوبهم إنما هو نتاج كفرهم ورفضهم.

الواقع أنه لا غرابة في قنوط هؤلاء الذين يتّبعون المبادئ الزائفة التي اخترعوها من عند أنفسهم، منحرفين عن الصراط الذي حدده الله لهم. وليس للقانط إلا الفشل في مراميه والاحتراق في جحيم حسراته.

ومن المؤسف أن هذه هي حالة المسلمين اليوم، لأنهم يريدون معالجة مشاكلهم بغير ما وصفه الله لها من علاج. فبدلاً من أن يهتموا بنشر الإسلام وإصلاح أخلاقهم والابتهال والإنابة إلى الله، والاستسلام لأمره، يريدون علاج مصائبهم في اتباع الغرب في ثقافته ونظامه الاقتصـادي من بنوك ورِبا وتأمين للحياة وغـيرها.

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَا   (الرعد: 7)

شرح الكلمـات:

الـمَثُلات: الـمَـثُلةُ: العقوبةُ، يُقال: حلّت به الـمَـثُلة. والـمَـثُلة: ما أصاب القرون الماضية من العذاب وهي عبرٌ  يُعتبر بها (الأقرب).

التفسـير:

أي عندما يقال لهم أن يتحرروا من أغلال التقاليد الفارغة، وينهضوا للرقي والتقدم مستغلين ما وهبهم الله من قدرات ووسائل، وإلا فإنهم سيصبحون كالغصن الجاف الذي لا مصير له إلا النار، يقولون: حسناً، ائتنا بالنار التي تهددنا بها. وكأنهم عندما يُدعَون إلى الخير يرفضون معرضين، وحينما يحذَّرون من العذاب يطالبون به مستعجلين، ولا يدركون أن العذاب يحل دائمًا عند بعثة الأنبياء، وهو قادم الآن لا محالة. فكان الأجدر بهم أن يسألوا الله فضله بإصلاح أنفسهم، بدلاً من أن يطالبوا بالعذاب تعنتاً وعنادًا.

هذا هو بالضبط ما يحدث في زمن كل نبي، حيث لا يطلب أعداء النبي الأغبياء فضل الله ورحمته، ولا يقولون: اللهم إنْ كان هذا حقاً فارزقنا طاعته، بل يقولون: اللهم إن كان هذا حقاً فأمطِرْ علينا عذاباً من السماء.

وأما قوله تعالى وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم فبيّن فيه حكمة عظيمة حيث قال: إننا لا نهدف مِن بعث الأنبياء لأن نهلك الناس وإنما لننقذهم. ألا ترون أن أهل الدنيا يرتكبون ظلمًا تلو الظلم، ولكنا لا نزال نعاملهم بالمغفرة، ولا نستعجل بالعذاب رغم استعجالهم به، لأن ذلك منافٍ لسنّتنا في العذاب. نريد أن نشملكم بالمغفرة، فلذا نسير بحسب الخطة التي ستؤدي إلى نجاة أكبر عدد ممكن منكم.

وإن ربك لشديد العقاب أي يجب أن لا تنخدعوا وتسيئوا فهم سنتنا هذه، فتظنوا أنكم ناجون من العذاب. إنما تتاح لكم هذه الفرص لكي تصلحوا أنفسكم، أما إذا لم تصلحوها فسوف نعاقبكم لا محالة. وتذكَّروا أنه ليس أحد أشد منا عقاباً وعذاباً.

واعلم أَنَّ قوله تعالى وإن ربك لشديد العقاب لا يعني أن الله تعالى قاسٍ في إنزال العذاب، بل المراد أن عذابه أشد إيلاماً من عذاب الآخرين، فإنه يصيب بآلامٍ ومعاناةٍ تفوق احتمال البشر.

كما أشار باستخدام كلمة “العقاب” إلى أنه سبحانه وتعالى لا يعذّب دونما سبب، بل يكون عذابه نتيجةً حتميةً لأعمال الإنسان. لأن (العقاب) من (العقب) وهو مؤخر القدم، فالعقاب ما يأتي خلف الإنسان ويتعقّبه من ورائه لا محالة، مثل الوليد الذي يتبع أمه أينما اتجهت.

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (الرعد: 8)

التفسـير:

أي بالرغم من أننا قد أظهرنا الآيات مراراً وتكراراً، ووعدناهم بإنزالها مستقبلاً، إلا أن الكفار لا ينفكون يطلبون الآيات قائلين: كيف نؤمن ولم يُرنا الله أية آية؟ وهم يعنون بالآية العذاب، لأنه لا معنى للآية عندهم إلا أن يهلكهم الله ويتضح من دراسة القرآن أن مطالبة الكفار بالآية تعني دائماً نزول العذاب، إلا أنْ تكـون هناك قرينة صارفة عن هذا المعـنى.

ويرد الله على مطلبهم قائلاً: إنما أنت منذر ولكل قومٍ هادٍ أي أن هؤلاء الأغبياء لا يفكّرون أن الله تعالى قد جعلك منذرًا، بل هذا هو اسمك الحقيقي إزاء من لا يصدّقك. فلماذا لا يبرحون يسألوننا عن الأمر الذي قد سبق أن أوضحناه أيما إيضاح؟ عليهم أن يتذكروا أيضًا قولنا ولكل قوم هاد .. فإننا نهتم بهداية كل أمة. فلو جاءهم العذاب قبل أن يهدي هذا الرسول مَن يريد الهدى من بينهم لم يعد هو هاديًا لقومه. فلينتظروا حتى يهتدي على يده الناس، وأما من يتبقى بعدهم فسوف يصبح لهم الرسول منذرًا. وهذا هو ما حدث تمامًا في حياة النبي ، فكان يهتدي على يده مِـن القبائل والطوائف مَن كان الهدى من نصيبه. أما الباقون من كبرائهم الذين أصروا على كفرهم فقد هلكوا بالعذاب في آخر المطاف. ولم يزل الأمر هكذا إلى أن جاء الله بأمره الحاسم للموقف، فكتب لنبيه وأصحابه الغلبة الكاملة  نهائيًا.

الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ  (الرعد: 9)

شرح الكلمـات:

تَغيضُ: غاضَ الماءُ غيضاً: نَقَصَ أو غارَ فذهب في الأرضِ، وفي الصحاح: قلَّ فنضَبَ. وغاضَ ثمن السلعة: نَقُصَ، ويُقال: غاضَ الماءُ والثمنُ. وما تغيض الأرحام :أي ما تنقص تسعة أشهر. الغيضُ: السِقْطُ الذي لم يتم خَلقه (الأقرب).

تزدادُ: مِن زادَ. يقال: ازددتُ مالاً وازداد الأمر صعوبةً. وازداد الراهن دراهمَ من المرتهن أي أخذها زيادة على رأس المال. “وهل تزداد”.. أي هل تطلب زيادة على ما أعطيتكَ، يقوله المعطي للآخذ. والزيادة أن ينضمّ إلى ما عليه الشيء في نفسه شيءٌ آخر (الأقرب).

التفسـير:

لقد أعلن الله تعالى في الآيات السابقة عن تأييده لرسوله ، باتخاذ تدابير خفية إذ بيّن أنه خلق كل شيء في الكون زوجين، حتى إن السماء والأرض أيضاً زوجان، فإحداهما مؤثِّرة والأخرى متأثرة، وتحافظ تلك على حياة هذه بطرق غير مرئية. كذلك الحال في العالم الروحاني، حيث يكون بعض الناس بمثابة الذكر فيؤثرون، ويكون غيرهم بمثابة الأنثى فيتأثرون. وقد أخبر الآن في هذه الآية أنه بالفعل قد بَعث – وفق هذا القانون- شخصا هو بمثابة الذكر في الأمور الروحانية ولا يمكن لأحد إحراز أية درجة في العالم الروحاني بدون إنشاء العلاقة معه.

فالمراد من قوله تعالى الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد أننا على علم بخفايا أعداء رسلنا، ونعرف ما في طبائعهم من مَلكات خفية، وما إذا كانت تتأثر من تأثير روحاني أم بتأثير شيطاني، ومن الذي سيزدهر ومن الذي سيُباد ويُهلك. وقد أشار القرآن بذلك إلى أن الذين سيقبلون دعوة النبي سوف يزدادون ويباركون، وسوف تُصقَل قدراتهم ومَلكاتهم. وأما الذين سيقبلون تأثير الشيطان ضد النبي فسوف يهلك الله أولادهم وأتباعهم.

وقد يكون الحَمْل هنا بمعناه المعروف، والمراد أننا نعلم ماذا ستفعل أجيالكم، فإن نساءكم لن يلدن إلا الذرية التي سوف تدين لمحمد رسول الله ، أما الحمل الآخر فيضيع. وهذا ما حدث فيما بعد، حيث إن الأجيال الجديدة للكفار من أهل مكة دخلت في حظيرة الإسلام بكثرة، ولم يستطع الآباء رغم اضطهادهم للأبناء أن يحولوا دون إسلامهم، وما كان لهم إلا أن يحترقوا حسدًا وحسرة على إسلامهم.

لقد ساعد هذا التدبير السماوي كثيرًا على ازدهار دعوة النبي ، ولكن لم يستطع الكفار في بداية الأمر أن يتنبهوا إلى ذلك.

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (الرعد: 10)

   شرح الكلمـات:

الغيب: غابتِ الشمس وغيرها تغيبُ غيباً إذا استترت عن العين. واستُعمل الغيب في كل غائب عن الحاسة، ويضادُّه الشهادةُ (المفردات). فلكلٍّ من الغيب والشهادة معنيان: الأول هو أن الشهادة  ما يُظهره الإنسان وأن الغيب  ما يُخفيه. والثاني: الشهادة ما تدركه الحواس الظاهرة، والغيب ما كان أسمى من أن تُحيطه المدارك الإنسانية.

من الذي تريدون محاربته. هل تريدون أن تحاربوا الله الذي يعلم مكائدكم كلها، الظاهرة منها أو الخفية، والذي هو “الكبير” أي القادر على إحباط خططكم في لمح البصر.

فقوله تعالى: عالم الغيب والشهادة تحذير للكفار بأننا نعلم كل مكرٍ تمكرونه سواء كان ظاهرًا أو خفيا. ومن كان غافلاً عن مكر عدوه بينما يكون العدو مُطّلعاً على أسراره فإنه لا يقدر على مقاومته. فحذارِ ثم حذارِ.

الكبير: ذو الكبر، والكِبر: الشرفُ؛ الرفعةُ في الشرف؛ العظمةُ والتجبُر (الأقرب).

المتعالِ: تعالى: ارتفعَ، والمُتَعال: رفيع الشأن. (الأقرب)

والفرق بين الكبير والمتعال هو أن “الكبير” يدل على الرفعة التي يقصد بها المقارنة للتأثير في الآخرين، مثلما يفعل الشخص المصاب بالكبرياء، حيث يحاول أن يثبت بأنه أكبر من غيره. أما “المتعال” فتدل على الرفعة التي فيها معنى الاستغناء، أي أنه أرفع وأسمى من أن تُعقد المقارنة بينه وبين خلقه.

بذكر هاتين الصفتين لقد أنذر الله تعالى الكفارَ بأنه لا وجه للمقارنة بين قدرتنا وبين ما تملكون من قوة. فلستم بشيء أمام قدرتنا. فأنا “الكبير” وسوف أحبط جهودكم وأخيّب مكائدكم، سأسحقكم متى شئت. وأنا المتعال الغني فلن ينقص هلاككم من ملكوتي شيئًا.

التفسـير:

لقد بيّنت الآية سرّاً هامًا للنجاح، إذ تخبرنا أنه لا بد أن نكون على علم بمكائد الأعداء للتغلب عليهم. فإن كنا مطّلعين على خططهم استطعنا أن نتفادى أضرارهم، وإلا سنبقى مهدَّدين بالخطر كل حين.

ثم قال: عالم الغيب والشهادة أي يا أيها الحمقى، ألا تفكرون، من الذي تريدون محاربته. هل تريدون أن تحاربوا الله الذي يعلم مكائدكم كلها، الظاهرة منها أو الخفية، والذي هو “الكبير” أي القادر على إحباط خططكم في لمح البصر. وهو “المتعال” أي أنكم لا تدرون بمكره وبما يخطط لإبادتكم. فكيف يمكن لكم محاربته؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك