في رحاب القرآن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (البقرة : 9)

 شرح الكلمات:

آمَنَّا: سبق أن ذكرنا عند شرح كلمات قوله تعالى الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أن للإيمان ثلاثة معان، وهي الاعتراف، والتصديق، والثبات على الشيء. ويقول الإمام الراغب في شرح الإيمان: “الإيمان يُستعمل تارةً اسمًا للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام…. ويوصف به كل مَن دخل في شريعته مُقِرًّا بالله وبنبوّته…. وتارةً يُستعمل على سبيل المدح ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء؛ تحقيق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بحسب ذلك بالجوارح.”

فالمؤمن الحقيقي عند الراغب مَن يتصف بالصفات الثلاث المذكورة، ولو فاتته صفة منها فلا يستحق أن يسمى مؤمنا.

لقد صرح الله في القرآن الكريم أن مجرد الإقرار باللسان أو مجرد اليقين بالقلب دون الإقرار باللسان لا يعني شيئا، بل لا بد من اجتماعها، قال الله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (الحجرات 15)، أي أنهم يدّعون الإيمان ولكن ادعاءهم ليس صحيحا، إذ يقولون بألسنتهم أنهم قد أسلموا، ولكن الإيمان لم يدخل قلوبهم بعدُ، ومثل هؤلاء لا يكونون مؤمنين حقا، فدعوى إيمانهم باطلة.

وقال الله تعالى عن آل فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ (النمل 15)، أي أنهم أنكروا آيات الله بظاهرهم وبعملهم، ولكن قلوبهم كانت مستيقنة بصدقها.

باختصار، لا يعني الإيمان الإقرار باللسان فقط أو اليقين بصدق الشيء في القلب فقط، بل لا بد للإيمان من تصديقٍ بالقلب وإقرارٍ باللسان وعملٍ بحسب ذلك.

التفسير:

كان الحديث بدءًا من قوله تعالى هُدًى لِلْمُتَّقِينَ إلى قوله تعالى وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ عن الذين هم ثابتون على الإيمان وينتفعون حقًّا بما فيه من فوائد وبركات. ثم بدأ الحديث من قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ حتى ما قبل هذه الآية عن الطائفة الثابتة على الكفر والعصيان وعما يستحقونه من نتائج ذلك، وقد تضمن ذِكرهم أيضا تلك الطائفة الكافرة الذين هم كفار عقيدةً ولكن قلوبهم خالية من التعصب، حيث إنهم مستعدون لقبول الحق عند انكشافه ويسعون لمعرفته؛ ذلك أن الله تعالى لما قال إن الكافرين الذين قد صار إنذارك لهم وعدمه سواء عليهم وهم متعصبون لدرجة أنهم قد أبوا إلا إنكار الحقّ، فيُستنتج من ذلك ضمنيا أن الكافرين الذين يستمعون للحقّ وهم مستعدون لقبوله عند استيعابه، فإنهم سيؤمنون عند انكشاف الحق عليهم بالتدريج. أما الآية قيد التفسير فقد تحدث الله فيها عن طائفة أخرى: طائفة المنافقين. والمنافقون نوعان نظرًا إلى جماعة المؤمنين: النوع الأول هم الذين قد انضموا إلى جماعة المؤمنين في الظاهر فقط، وقلوبهم منكرة. لقد انضموا إلى صفوف المؤمنين من أجل المصالح المادية أو العصبية القومية. والنوع الثاني من المنافقين هم قوم قد صدّقوا بالحق نتيجة الأدلة العقلية، ولكنهم ليسوا أقوياء الإيمان بحيث يضحّون من أجله تضحية كاملة. فهؤلاء مقصرون لضعفهم في العمل وليس لضعفهم في العقيدة، ويوافقون الكافرين ويُبدون لهم المودة عند شدة المعارضة، ظانين أن الله تعالى ما دام سيجعل الحقّ غالبًا فلا حرج من المداهنة تفاديًا لبعض الأضرار. إنهم لا يدركون أن الجميع لو سلكوا هذا الطريق فمن يقوم لتأييد الحق. لا يفكرون أن الحقّ سيعليه الله لا محالة، ولكن لماذا لا يفكرون في مصيرهم هم؟ لو انتصر الحقّ وعُدّوا من منكري الحق فماذا ينفعهم ذلك؟

والآية قيد التفسير تتحدث عن النوع الأول من هذه الطائفة الثالثة الذين كانوا لا يؤمنون بالقرآن الكريم بقلوبهم ولكنهم انضموا للمسلمين في الظاهر، حيث يخبر الله تعالى أنّ هناك قوماً قد انضموا إلى المسلمين في الظاهر، ولكن قلوبهم منكرة لحقائق الإسلام، حيث يقولون بأفواههم نؤمن بالله وباليوم الآخر، ولكن لا يؤمنون في قلوبهم.

لقد ذكر الله تعالى هنا الإيمان بالله وباليوم الآخر دون ذكر الإيمان بوحي الله وبأنبيائه أو غيرهما، وسبب ذلك أن أول حلقة من سلسلة الإيمانيات هي الإيمان بالله، وآخرُ حلقة منها هي الإيمان باليوم الآخر، فذكر الله تعالى الحلقتين الأولى والأخيرة وتركَ الحلقات التي بينها توخيًّا للإيجاز، لأن ذكر البداية والنهاية يتضمن تلقائيا ذِكْرَ ما بينهما. فمع أن الله تعالى قد نقل هنا قول الكفار على سبيل الإيجاز بأنهم يقولون نؤمن بالله واليوم الآخر، ولكنهم يعنون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر وبكلّ العقائد الأخرى. وهذا الأسلوب متبّع في لغتنا أيضا، حيث يقولون: قد فهمتُ كل شيء من الألف إلى الياء.

وقد اتبع القرآن الكريم هذا الأسلوب كثيرا، ذلك لأنه كتاب جامع للعلوم والمعارف كلها، فكان على القرآن الكريم أن يبين القضايا الروحانية والمادية الحيوية كلها، وأن يتضمن الإلهيات، وعلم الأفلاك، والضرورات المادية، ومبادئ الاقتصاد، وأساسيات الاجتماع، والأحكام المدَنية والأخلاقية، وأحكام العبادات وما يتعلق بالعباد، وواجبات الحاكم والرعية والأغنياء والفقراء وأصحاب المصانع والعمال، ويذكر حقوق الزوجين وأفراد الأسرة وواجباتهم، وأحكام الحرب والسلم، ومبادئ القضاء، وأحكام الأكل والشرب، وعشرات ومئات غيرها من الأحكام والتوجيهات، مع بيان حِكَمها وعللها. كما كان عليه بيان آيات الله المتجددة، ومهمات الأنبياء السابقين ومعاملة الله معهم، والإخبار عن أنباء المستقبل ليزداد المؤمنون في كل زمن إيمانا، ويجد الكافرون فيه عبرة وهدى. فكيف لكتاب صغير الحجم أن يتناول هذه الأمور كلها لولا هذا الإيجاز اللطيف المعجز. وهل يحتوي العهد الجديد إلا على موضوع أو موضوعين، ومع ذلك فهو أكبر حجمًا من القرآن الكريم؟! والحال نفسه بالنسبة إلى العهد القديم، وكتاب الهندوس الفيدا. وسواء أاعترَفَ أحد بصدق مباحث القرآن الكريم حول مختلف القضايا والمسائل أم لا، إلا أنه لن يجد مناصا من الاعتراف أن قائمة معارف القرآن ومطالبه أكبرُ كثيرا مما ورد في الكتب الأخرى، ومع ذلك فإن إيجاز القرآن لم يجعل بيانه غامضا كالألغاز. إن مضامين ديوان المتنبي لا تساوي ما ورد في ركوع واحد من القرآن الكريم، ومع ذلك فإن هذا الديوان ضخم، ثم هو ليس إلا ألغازا. أما القرآن الكريم فإنه قد تناول مئات القضايا والمسائل بإيجاز، ومع ذلك لم يصبح بيانه لغزا، بل كل إنسان يفهم مضامينه قدر كفاءته، ويجده كتابا يبين المسائل بلغة سهلة مفهومة، ولا يجد فيها عبارةً تبدو له وكأنها لغز.

والبديهيّ أن هذا الإيجاز لا يتأتى إلا باتباع مثل هذه الأساليب اللطيفة، كأن يُكتفى عند ذكر تقسيم طبيعي للشيء بدايتَه ونهايته، وعند استخلاص العبرة من قصة تُحذف الزوائد ويُذكر منه ما يخص الموضوع، وأن تُستعمل كلمات ذات معاني واسعة، وجمل ذات تراكيب محكمة، بحيث يؤدي كل معنى لكل لفظ فيها بالاشتراك مع الكلمات الأخرى إلى موضوع جديد مستقل، وأن تُرتَّب الآيات ترتيبا بحيث لو أُخذت آية منها مفصولةً عن السياق لدلّت على معنى غير ما تدل عليه إذا ما قرئت مع الآيات الأخرى، ثم تدل مجموعة من الآيات على مفهوم، أما إذا قرئت مع مجموعات من الآيات الأخرى دلَّت على مفهوم آخر. وقد اتبع القرآن الكريم كل هذه الأساليب لبيان مواضيع واسعة للغاية بكلمات قليلة جدا.

لقد اضطُّرِرت لبيان هذا التفصيل لأن بعض الجهلة يستنتجون من مثل هذه الآيات بأنه يكفي المرءَ الإيمانُ بالله واليوم الآخر، إذ لم يُذكر هنا إلا هذان الأمران. إن هؤلاء ينسون هذه المبادئ الهامة القيمة التي اتّبعها القرآن الكريم من أجل الإيجاز والشمول، وقد كثر استعمالها في القرآن كما هو واضح على الذين يتدبرون في معانيه.

لعل أحدا يقول هنا: إن استدلالك هذا بدعة واختلاق من عندك، فكيف نعلم أن القرآن الكريم قد ذكر هنا الحلقة الأولى والأخيرة للإشارة إلى كل حلقات السلسلة من الإيمانيات؟ ولماذا لا نفهم أن القرآن الكريم إنما أراد بيان هذين الأمرين لأنهما أساس الإيمان؟

والجواب: إن من معجزات القرآن الكريم أنه يقوم بنفسه بشرح قواعده وأساليبه هذه في آيات أخرى، فالإيجاز الموجود في هذه الآية نجد شرحه في آية أخرى حيث قال الله تعالى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (الأَنعام 93)، أي أن هذا الكتاب عظيم إذ قد أنزله الله تعالى، وقد جمع فيه كل التعاليم الضرورية التي نزلت في الصحف السابقة، وقد أنبأت تلك الكتب السماوية بنزوله، فحقّق بنزوله أنباءَها، وقد نزل لهداية وإنذار أهل أم القرى ومَن حولها من العالم أجمع، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهذا الكتاب أيضا، ويداومون عَلَى صَلَواتِهِم بكل حرص.

فانظرْ كيف بين الله تعالى هنا بكل وضوح أن الإيمان بالآخرة يستلزم الإيمان بالقرآن. ومَن آمن بالقرآن فلا بد أن يؤمن بمحمد ، لأن الدنيا لم تجد القرآن إلا به . كما ثبت من هذه الآية أن الإيمان بالملائكة أيضا مندرج تحت الإيمان باليوم الآخر، فمن آمن بالقرآن لا يسعه إنكار الملائكة، لأن القرآن الكريم يذكرهم مرارا. بل قد ذكرت هذه الآية أمرا آخر وهو أن الإيمان بالآخرة يتضمن ضرورة القيام بالأعمال الصالحة، لأن مَن آمن باليوم الآخر فلا يؤمن بالقرآن الكريم فقط بل يعمل به أيضا.

باختصار، إن هذه الآية تشهد على صحة استدلالي بأن الإيمان لا يعني الإيمان بالله واليوم الآخر فقط وأن لا حاجة إلى سواهما، كلا، بل إن هذين الأمرين هما الحلقتان الأولى والأخيرة من سلسلة الإيمان، وقد ذكرهما الله تعالى خاصةً للإشارة إلى السلسلة كلها.

ويمكن تفسير قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ (البقرة 9) أن يكون هذا مقولة للمنافقين، فيحتمل أن يكون هؤلاء يرددون هذه الكلمات عمدًا لخداع المؤمنين. كانوا يريدون بها إيهام المؤمنين أنهم يؤمنون بكل عقائد الإسلام، ولكن في قرارة قلوبهم كانوا يقولون: نؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن لا نؤمن بالقرآن ولا من جاء به. لا شك أن كثيرا من كفار العرب كانوا يكفرون بيوم القيامة، ولكن لم يكونوا جميعاً يكفرون به، بل كان بينهم من يؤمن بالحياة بعد الموت، حيث نجد إشارات إلى ذلك في رواياتهم وأشعارهم، وكان القاطنون منهم في المدينة وحولها يحملون أفكارا صحيحة نسبيًّا، وذلك لتأثرهم بعقائد أهل الكتاب من يهود ونصارى بحكم اختلاطهم بهم. والمنافقون المذكورون هنا كانوا من أهل المدينة نفسها.

خلاصة الكلام أن هذه الآية تشير إلى الخدعة التي كان هؤلاء المنافقون يحاولون بها خداع المؤمنين، والآيات التالية تذكر خداعهم واستهزاءهم أيضا.

وقد بدأ الله تعالى هذه الآية بقوله ومِن الناس ، ومِن الحِكم وراء ذلك استثارةُ ما في المنافقين من مشاعر إنسانية، ذلك أن القرآن الكريم كلما ذكر كلمة الناس إنما أشار بها إلى ما في البشر من قدرات وكفاءات جيدة، وإلا فمن أسلوب القرآن الكريم عند الحديث عن منكري الحقّ أن يستعمل كلمة الكافرين أو الضمير أو اسم البلاد أو الشعوب. فقوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ طعنٌ لطيفٌ بالمنافقين تنبيهًا لهم إلى الإصلاح، حيث لفت أنظارهم إلى أنّ الفرق بين الإنسان والحيوان أن الحيوان يسلك طريقا واحدا محددا لا يحيد عنه، أما الإنسان فيتصرف بحسب ما يمليه عليه العقل، فعليكم أيها المنافقون إكرام إنسانيتكم، وأقل ما يمكن أن تفعلوه هو أن تتبعوا ما ترونه حقا، فإذا كان قومكم قد دخلوا في الإسلام بينما ترون الإسلام سيئا، فكان الأولى بكم ألا تقلدوهم تقليد الأنعام، بل تتمسكوا بعقيدتكم المخالفة للإسلام.

أما قوله تعالى وَمَا هُمْ بمؤْمِنينَ فإنه تنبيهٌ إلى أنه لا يوجد فيهم ذرة من الإيمان؛ ذلك لأن حرف الباء بعد ما النافية يفيد التأكيد، أما لو أُريدَ مجرد بيان عدم إيمانهم لاستعمل كلمات أخرى مثل: “وهم منافقون”.

وهذا النوع من المنافقين، أي الكافرون في قلوبهم والمؤمنون بألسنتهم، قد ذكرهم القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (المائدة 62). والمراد من قوله تعالى وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ أنهم عندما جاءوكم كانوا كافرين، وعندما خرجوا من عندكم كانوا كافرين أيضا. ومن هذه الآيات قوله تعالى قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (المائدة 42). ومنها قوله تعالى يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ (آل عمران 168).

إن الآيات المذكورة أعلاه والآية قيد التفسير تفنّد بقوة مزاعم قوم يزعمون أن الإسلام أمَر بإدخال الناس فيه قسرًا. والواقع أن بعض المسلمين أيضا واقعون في هذا الخطأ، وقد عزا أعداء الإسلام خطأ هؤلاء المسلمين إلى الإسلام، وجعلوا الطعن في الإسلام شغلهم الشاغل. ولو أن هؤلاء المسلمين المنخدعين وكذلك أعداء الإسلام تدبروا في هذه الآية وحدها لعلموا أن الإسلام يعارض الجبر كليةً، لأن الجبر والإكراه يؤدي إلى النفاق. إن إدخالك المرء في الإسلام جبرا يماثل قولك له: عليك أن تتظاهر بالإسلام وإن لم يقتنع به عقلك ولم يطمئن به قلبك. والدين الذي يجيز هذا بل يحبذه، لا بد أن يعتبر المنافقين جزءًا من جماعته ولن يطردهم منها، لأنه يقبل في جماعته شخصا لا يؤمن به حقا، مع ما في النفاق من عيب وسوء. ولكن القرآن الكريم يلوم المنافقين بشدّة، كما هو واضح في الآيات المذكورة آنفا، ويعلن أن هؤلاء مَا هُمْ بِمؤمنين . وواضح أن الدين الذي لا يقبل في صفوفه المنافقين ولا يُدخل فيه إلا من اطمأن به قلبه وصحّت عقيدته، فلا يمكن أن يُدخل فيه أحدًا بقوّة السيف، بل لن يجيز ذلك. لقد قال الله تعالى صراحة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (الحجرات 16).

فالإسلام يشترط اليقين من أجل الإيمان، والدينُ الذي يشترط للإيمان اليقينَ القلبي لن يجيز الجبر والإكراه في الدين أبدًا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك