حوار طريف حول عقيدة موت المسيح وحياته

حوار طريف حول عقيدة موت المسيح وحياته

أبو العطاء الجالندهري

للأستاذ أبو العطاء الجالندهري، رحمه الله

كان محمود وخالد صديقين، وكانا مولعين بالبحث والتدقيق واتفق أن محمودًا قرأ كتب الأحمدية وحبذ مبادئها، فاعتنقها وانضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية.

ثم ذهب محمود ذات يوم إلى بيت صديقه زائرًا فرآه على غير عادته كئيبا سابحًا في بحر الخيال والتّفكر فقال له: ما بال أخي أراه حزينًا فأجابه؟ خالد: إنني كلما فكرت في مصير العالم الإسلامي وجدته مخيفًا، ورأيت أن تدهوره لا يقف عند حد وكنت أعتمد على أن المسيح ابن مريم سوف ينزل من السماء وينشر الإسلام في أقطار العالم في سويعات، ويهلك الكافرين بنفسه، وإذ بابني الأكبر يفاجئني بأنه اقتنع بموت المسيح الطبيعي، لأن الأحمديين ملأوا العالم بنشراتهم ولم يستطع أحد أن يرد على أدلتهم التي تثبت موت المسيح ابن مريم ، ولم يأت أحد بدليل يقنع العقلاء بحياة المسيح الجسدية في السماء، فلما سمعت مقولة ابني إسماعيل هذه غضبت عليه غضبًا شديدًا حتى طردته من البيت، لأنه يريد أن يسلبني آخر ما أتوكّأ عليه لإصلاح بني قومي وإعادة مجدهم الغابر.

محمود: لا يا أخي، ليس المعقول أن تطرد فلذة كبدك لأجل هذا الأمر وكان عليك أن تتريث حتى تسمع أدلته ولربما أقنعك بموت المسيح.

خالد: أي حاجة للاستماع إلى هذه السخافات وإن سادتنا المشائخ والعلماء يقولون بحياة عيسى ابن مريم .

محمود: هل العلماء معصومون من الخطأ؟ يقول الله تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ فمن الواجب أن تسمع ما يقول القائلون بموت المسيح أيضا.

خالد: عهدي بك متصلبًا متعصبا لعقيدة حياة المسيح، فمالي أراك اليوم توصيني بالاستماع إلى أدلة هؤلاء القاديانيين!

محمود: كنت ولا أزال غيورًا على الحق، ولكني وإيم الحق تبين لي أخيرًا أن المسيح قد مات كما جاء في آيات القرآن المجيد الكثيرة، وفوق ذلك إن عقيدة حياة المسيح تنال من كرامة سيدنا محمد وتجعل موقف الإسلام من المسيحية موقف المستجدي من الغني المعطي.

خالد: أحسب أن الغضاضة التي تبدو في كون المسيح حيًا في السماوات جالسًا عند الله منذ ألفي سنة، وكون سيدنا محمد مدفونًا في المدينة المنورة، ليست بشيء وقد يكون للعلماء فيها تأويل.

محمود: أنا خبرت بما لديهم من تأويلات ركيكة، وشاهدت بعيني رأسي كبيرًا منهم يخرس أمام قس عندما أتى الأخير بهذا الذكر يا أخي خالد، هل من فائدة في بقاء المسيح في السماوات هذه المدة كلها وهل من حكمة فيه؟ وهل لا يكون قول النصارى بلاهوتهم أقرب إلى الصواب إذا آمنا بأن المسيح لا يأكل ولا يشرب ولا يتغير على مرور قرون من السنين، بل هو الآن كما كان حسب قول السادة المشائخ.

خالد: أراك تحاول أن تزلزل عقيدتي وتضعف إيماني بحياة المسيح، ولكنك لن تظفر مني بما تروم، وإن هذه البيانات العقلية لا تنفعك شيئًا لأنني أعلم كما قال القرآن الكريم: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

محمود: تدبر يا أخي، هل انحصرت قدرة الله في إبقاء المسيح في السماوات، وإذا أثبت أن المسيح قد مات أفلا يثبت صدق قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .؟ مات إبراهيم ونوح وموسى وداود وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام حتى مات سيد الخلق وأفضل المرسلين ألم تكن لله قدرة على كل شيء قدير عند موت هؤلاء كلهم، وإنما ظهرت قدرته في المسيح فقط؟ أليس من المضحك المبكي أن كل الأنبياء ماتوا وكان  الله على كل شيء قديرًا، ولكن لو مات المسيح لما ثبت كونه على كل شيء قديرًا؟ لو أنصفت لعرفت أن القدرة الإلهية في أن يخلق الله مثل المسيح، بل أفضل منه من أتباع سيدنا محمد خاتم المرسلين، وأما إبقاؤه تعالى لسيدنا المسيح المرسل إلى بني إسرائيل فهو دليل على أن الله خاف من عدم قدرته على خلق مثل المسيح، سبحانه وتعالى عما يقولون.

خالد: يظهر أن عقيدة موت المسيح تغلغلت في نفسك، وصرتَ من المناظرين الماهرين فلنذهب إلى خطيب الجامع وهو يلزمك الحجة من كتاب الله.

قام الاثنان من مجلسهما، وبعد هنيهة كانوا في بيت الخطيب، وحمى وطيس الجدال بين الخطيب ومحمود الأحمدي وكان خالد مصغيًا إلى ما يجري بينهما من الكلام.

الخطيب: لماذا خرجت يا محمود من الإسلام وأفسدت عليك آخرتك بقولك بموت المسيح وقد حصل الإجماع على حياته.

محمود: سيدي! أنا مسلم وسأكون في الآخرة إن شاء الله من عباده الصالحين أؤمن بموت المسيح لأن القرآن المجيد قد نص عليه، ولم يحصل إجماع الأمة على حياة المسيح قط، بل بالعكس أجمع الصحابة عند وفاة الرسول على أن جميع الأنبياء، وفيهم المسيح ابن مريم، قد ماتوا. روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه أن أبا بكر خطب يومئذ مؤكدا أن الرسول قد توفي، لأن بعض الناس، ومنهم عمر بن الخطاب، كانوا ينكرون ذلك، وقال : “من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ،

وقال (الراوي): والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حنى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فَعُقِرتُ حتى ما تقلَّني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي قد مات”. (صحيح البخاري، كتاب التفسير)

الخطيب: دعنا من هذه الثرثرة وهات برهانا من القرآن الكريم كما زعمت إن كنت من الصادقين، أليس من المستغرب أننا نقرأ القرآن ليل نهار ولم نجد فيه ذكر موت المسيح ، وأنت وأمثالك من القاديانيين يجدون هذا الذكر؟

محمود: قال تعالى:

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (آل عمران: 55)

الخطيب: أنا أعرف هذه الآية ولكنها تذكر وَرَافِعُكَ إِلَيَّ فكيف تستدل بها على موت المسيح؟ سبحان الله كيف مُسخت العقول.

محمود: ولكن قبل ذكر الرفع يوجد قوله إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ولذلك من الضروري أن يموت المسيح أولا ثم يرفع إلى الله. ونحن لا ننكر الرفع، ولكن نقول أنه حصل بعد التوفي كما يقتضيه ترتيب الآية الكريمة.

الخطيب: أنت مخطيء! أليس لنا حق أن نؤخر عند التأويل قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ بعد قوله تعالى: وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ؟

محمود: كلا! ليس لأحد الحق أن يؤخر ما قدمه الله، ولا يجوز تحريف كلام القرآن عن مواضعه، وما أدراك أن (متوفيك) متأخر (ورافعك) متقدم؟

الخطيب: أنتم عامة الناس لا تفهمون هذه الأسرار فلنفترض أن (متوفيك) هو المتقدم، ولكن معنى (متوفيك) حسب تفسيرنا (رافعك) ، فلا ذكر لموت المسيح في الآية ولا يصح معنى متوفيك مميتك أبدًا.

محمود: ورد في صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس قال: متوفيك، مميتك. فما قولكم في ابن عباس؟

الخطيب: أين هذا القول؟ وإذا ثبت فنقول إن ابن عباس أخطأ في هذا القول.

محمود: يوجد هذا القول في كتاب التفسير من صحيح البخاري في باب مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وإيراد البخاري إياه في صحيحه يدل على أن الإمام البخاري أيضًا كان يعتقد بذلك.

الخطيب: كلاهما مخطئ هل نحن مقلدون لهؤلاء الناس؟ حسبنا كتاب الله.

محمود: عجبًا تعرضون عن أصح الأقوال ثم تدعون بالإجماع على حياة المسيح؟ يا حضرة الخطيب، لا يجوز تفسير متوفيك إلا بمميتك لأن لفظ التوفي إذا ورد بهذه الهيئة، أي عندما يكون من باب التفعيل، ويكون الله فاعله والإنسان مفعولا به، ولا توجد ثمة قرينة صارفة مثل الليل والمنام، فلا يكون معنى التوفي إلا الموت، أعني قبض الروح التام وأنا أتحداك أن تذكر لي مثالا واحدًا ينقض هذه الدعوى.

الخطيب: تتحداني أنا؟ وأنا أكبر عالم في هذه المدينة.

محمود: أنا أتحداك أنت وكل من يدعي العلم أن ينقض هذا القانون وإن لم تستطيعوا أن تنقضوه فعليكم بالاعتقاد بموت المسيح.

الخطيب: والله لن نؤمن بموت المسيح لو انقلبت علينا الأرض، وأما تحديك فها أنا ذا أنقضه بقول الله تعالى:

هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الأنعام: 61)،

ومعنى يتوفاكم بالليل لا يكون مميتكم بالليل بل معناه يقبض الأرواح في المنام، فالقول بأن معنى التوفي لا يكون إلا الموت غير معقول كما جاء في قوله تعالى:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر:43).

محمود: اسْمَحْ لي يا حضرة الخطيب، بأن أقول: إنك ما فهمت كلامي، لأنك ذكرت الآيتين وفي كلتيهما قرينة صارفة موجودة وهي لفظ الليل في الأولى ولفظ المنام في الثانية، لذلك هاتان الآيتان لا تنقضان التحدي بتاتًا. وآية: (متوفيك) التي نحن الآن بصدد البحث فيها، ليس فيها ذكر الليل والمنام فما استطعتم نقض التحدي ولن تستطيعوا! إقرأ الآية التالية لآية سورة الأنعام التي ذكرتها وهي:

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ

يظهر لك بقرائتها أن لفظ التوفي بغير قرينة الليل والمنام لا يكون له معنى إلا الموت وقبض الروح التام. وإنك كنت قلت إن معنى متوفيك هو رافعك، ولكنك لم تفهم، لو كان هذا صحيحا لما جاء لفظ (رافعك إليّ) بعد (متوفيك)، وثانيًا هل يعني (التوفي) الرفع َ في هاتين الآيتين اللتين ذكرتهما الآن أيضا؟

الخطيب: أنا كنت أسمع أن القاديانيين يفسرون القرآن برأيهم وها قد جربت اليوم بنفسي.

محمود: بل العكس، حضراتكم تفسرون القرآن برأيكم ولقد ورد لفظ التوفي في حق الكفار كما في قوله تعالى في سورة الأنفال:

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ،

ومعناه الموت، وورد في حق المؤمنين كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ، وكما في قوله تعالى : وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ، ومعناه الموت، وورد في حق يوسف كما في قوله : تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ومعناه الموت، وورد في حق سيد البشر كما في قوله:

وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ،

ومعناه الموت، ولكن إذا ورد لفظ التوفي في حق المسيح في قوله تعالى: يَا عِيْسَى إنِّي مُتَوَفِّيْكَ فمعنى التوفي يختلف عندكم، لماذا؟ أليس هذا هو التفسير بالرأي بعينه؟

الخطيب: انتهينا من البحث في هذه الآية فهات آية أخرى إذا كانت تدل على موت المسيح؟

محمود: يقول تعالى:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

ويتبين من هذه الآية الشريفة أن جميع الرسل الذين كانوا قبل الرسول ، وفيهم المسيح بن مريم، قد خلوا وماتوا.

الخطيب: أنا أقول: إن المراد من (الرسل) جميع الرسل إلا المسيح، ويجب أن تفهم هذا التفسير جيدًا.

محمود: أنا أقول إن لفظ (الرسل) شامل للمسيح وغيره من المرسلين، ولو كان المسيح مستثنى من هذا الخلو، وكان حيًّا في السماوات، فهل يصح استدلال أبي بكر على موت الرسول ؟ وهل يعقل أن الصحابة ولا سيما سيدنا عمر بن الخطاب y، يهدأ بالهم لموت الرسول أفضل البشر في حين كان المسيح جالسًا يمين الله بالجسد العنصري عندهم؟ وأنا لا أعدو الحقيقة إذا قلتُ إن هذه الآية جاءت للتأكيد على موت المسيح خاصة، وذلك لأن قوله تعالى :

مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ

دل على موت جميع الرسل الذين أتوا قبل المسيح، وأما المسيح فبقي ذكر موته فقال تعالى:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ

أي إن المسيح أيضا قد مات.

الخطيب: كلامك معقول، ولكن تفسِّر لفظة (خلت) بـــ(مَرَّتْ)، ونقول إن سائر الرسل خلوا بمعنى ماتوا، وأما المسيح فقد خلا بمعنى رفع إلى السماء بالجسد.

محمود: إن هذا والله لغريب، تريدون أن تؤيدوا قول النصارى في حياة المسيح المادية في السماء، وهم يتخذونها حجة على لاهوته. إن هذا التفسير المعوج لا يجوز، لأن القرآن المجيد يفسر بعضه بعضًا، وأنت رأيت أن لفظ (خلت) تكرر في آية المسيح وآية النبي محمد ، فلا بد وأن يكون لهما معنى واحد. وثانيا لا يوجد هذا الاستثناء للمسيح في الآية التي بين أيدينا. وثالثا روح اللغة العربية واستعمال القرآن المجيد لا يتفقان وهذا الاستثناء الأعوج في هذه الآية الكريمة. يقول الله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ويقول صاحب الديوان (الحماسة):

إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ قؤوْلٌ بما قال الكرام فَعولُ ورابعا: إن تفسير (خلَلَتْ) موجود في قوله تعالى أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ فخلوُّ جميع الرسل الذين جاءوا قبل النبي لم يكن إلا بإحدى هاتين الطريقتين لا ثالثة لهما: الموت أو القتل وبناءً على ذلك من الضروي أن نؤمن، يا حضرة الخطيب، بأن المسيح قد مات، لأن نص القرآن الكريم يدل على أنه لم يُقتل، فلم يكن خلوه إلا الموت كما ورد في قوله تعالى:

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ .

الخطيب: بس بس، لا تُطل اليوم هذا البحث، وأنا سمعت أن لكم حجة قوية في زعمكم في آية فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ، وأنا لدي أشغال أخرى في هذا اليوم، وأريد أيضا أن استعد لإبطال حجتكم، فلذلك تذهبون الآن وتحضرون يوم الخميس القادم ووقتئذ نكمل البحث. قام محمود وخالد للعودة، فودعهما الخطيب إلى الباب.

ذهب محمود وخالد إلى الخطيب يوم الخميس وإذا به وسط جمع من المشائخ وحوله أكداس من الأسفار فسلَّم الاثنان على الجميع ولكنهما لم يتلقيا ردًا للتحية، فجلسا في مكان قد أُعدّ لهما، وقال لهما الخطيب: إننا اليوم على أتم استعداد لإثبات أن سيدنا المسيح بن مريم حي بجسده في السماوات، ولكننا لا نريد أن نعيد البحث في الآيتين اللتين قد تكلمنا عنهما في المرة الماضية.

محمود: لا تودون أن تردوا على ما أثبتناه من قوله تعالى:

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ،

وقوله تعالى:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ،

ولكني أرجوكم، كما وعدتموني، أن تناظروني في إثبات وفاة المسيح وحياته من حيث الآية الشريفة:

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .

الخطيب: القرآن المجيد مجمل، ولذلك لا يمكن أن نجعله مدار البحث، وأما الآية التي تريد أن تكون محور كلامنا اليوم فلا أرى لك مبررًا لهذا الإصرار الشديد عليها، ومع هذا إنني جمعت اليوم كتبًا كثيرة، وهؤلاء علماؤنا سوف يشهدون لي بالأغلبية عليك.

محمود: حسبنا كتاب الله كما قال سيدنا عمر بن الخطاب ، وليس هناك شيء يوثق به أو يعتمد عليه أكثر من القرآن الكريم، لأنه هو الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وإن لي حقا أن أطلب منكم البحث في معنى قوله فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ، لأنكم وعدتموني به وها إني أبين لكم استدلالنا بهذه الآية الشريفة على موت المسيح وأرى كيف تستطيع أنت وشهداؤك نقض برهاننا.

يجيب سيدنا عيس بن مريم عن سؤال الرب تبارك وتعالى إياه: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ، ويقول فيما يقول:

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ

أي ما قلت لهم هذا القول، بل أمرتُهم بعبادة الإله الواحد، وبقيت رقيبًا عليهم ولم أتركهم لكي يتخذوني وأمي إلهين ما دمتُ فيهم، وفعلاً كانوا موحدين طول بقائي بينهم، ولكن فلما توفيتني، أي قبضتَ على روحي وأَمَتَّني، كنت أنت الرقيب عليهم فاتخاذ النصارى المسيح وأمه إلهين متى جرى؟ تقول الآية بأنه حصل بعدما توفي سيدنا المسيح بن مريم، وبما أن النصارى قد اتخذوهما إلهين فيجب علينا أن نجزم بأن المسيح قد مات.

وثانيا : إن الآية

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ

تدل صراحةً على أن المسيح إما أن يكون موجودًا في قومه شهيدًا عليهم، وإما أن يكون قد توفي ومات. فإذا لم نجده موجودًا بين أظهر النصارى فلا شك في أنه قد توفي ومات، لأن نص القرآن الحكيم يحصر حال المسيح في اثنين: الوجود في قومه أو التوفي، ومحال أن لا يكون المسيح في النصارى ولم يكن قد مات.

الخطيب: هذا الكلام يقوله المسيح يوم الحشر أمام الرب فكيف تستدل على موته الآن؟

محمود: إن ما قلتُه واضح وليس له علاقة بأن هذا القول متى قيل أو يقال. فلنفرض أن هذا القول يقوله المسيح بعد مليون سنة من النشور لا يهمنا وقت القول، بل نفس الكلام، لأن المسيح أقرَّ فيه بأنه لم يزل شهيدًا على النصارى إلى أن وافته الوفاة، وعندئذ، بعد التوفي، لم يبق شهيدًا عليهم، فاتخذوه وأمه إلهَين، فاتخاذ النصارى إياه وأمه إلهين لم يكن إلا بعد موته، وكذلك لم يغب المسيح عن قومه إلا بموته، وبناء على هذا الاستدلال الواضح أقول إن ذكر القيامة والحشر هنا لا ينفعكم شيئًا.

الخطيب: نقول إن معنى (فلما توفيتني) هو فلما أخذتني إلى السماء، فيقول المسيح إنه كان شهيدًا على النصارى حتى أخذه الله إلى السماء.

محمود: لا يجوز تفسير (التوفي) في مثل هذه الآية إلا بالموت وقبض الروح، كما قلنا سابقًا وتحديناكم، فلم تستطيعوا نقضه وإذا كان معنى (التوفي) الرفع إلى السماء فكيف تفسرون قوله تعالى يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ بمعنى الرفع مرتين ثم إن النبي قد فسر (فلما توفيتني) بالموت حيث قال في حديث أورده الإمام البخاري في صحيحه:

“وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب، أصيحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدًا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم”. (كتاب التفسير)

إن النبي يقول كما قال المسيح (فلما توفيتني)، فما معنى توفي سيد البشر ؟ الموت أم الرفع؟

الخطيب: النبي توفي بمعنى مات وأما المسيح فتوفي بمعنى رفع جسده إلى السماء، وأنت ماذا يضيرك لو سلمت معنا أن (فلما توفيتني) يعني فلما أخذتني بالجسد إلى السماء، وعندئذ تعرف أن المسيح حي في السماء.

محمود: تلك إذًا قسمةٌ ضِيزى، ولست أدري كيف تسوغون هذا التلاعب باللغة العربية وبأيات القرآن المجيد؟ ومن الغريب أنكم لا تستطيعون إثبات حياة المسيح إلا إذا حرفتم الكلمات الإلهية عن مواضعها وغيرتم ألفاظ العربية الفصحى عن معانيها، وبعد ذلك تقولون ماذا يضيرك.

الخطيب: أنا لا يمكنني أن أتحول عن أن معنى (فلما توفيتني) هو فلما أخذتني إلى السماء وما دمت لا تقول بهذا القول لا فائدة في بقاء المناظرة بيننا.

محمود: هذا سلاح العاجز عن إقامة البرهان على دعواه، ولكني إتمامًا للحجة أقول: إن المسيح لن يرجع إلى الدنيا مرة أخرى مهما كان معنى (التوفي) ههنا، لأنه يقول بين يديه تعالى ما معناه: كنت رقيبًا على حالة قومي وهم لم يتخذوني إلهًا، وأما بعدما توفيتني فلست أدري ماذا أحدثوا بعدي، بل كنت أنت الرقيب عليهم، أي لا أعلم هل اتخذوني وأمي إلهين ومتى اتخذوا؟ فليتدبر حضرة الخطيب! لو كان المسيح عائدًا إلى الدنيا ونازلاً من السماء فيكون قد رأى ما تزعم النصارى من لاهوته وعبادة الصلبان، فكيف يكذب أمام الله ويقول إني لا أعلم من هذا الاتهام شيئا؟ فعلى كل حال لا ينفعكم هذا التحريف ولا يثبت به حياة المسيح وقد حصحص الحق فالإم تنكرون؟

الخطيب، وقد رَمَى بنظره إلى الأرض: يظهر أن البحث في هذه الآية من أدق الأبحاث، وأنا لا أستطيع اليوم أن أرد على كل ما تقول، لأنك، كما يتبين، على أتم استعداد، فأمهِلني أسبوعا آخر حتى أدقق النظر في هذه المسألة من حيث القرآن المجيد فإلى الخميس المقبل.

أتى محمود وخالد غداة الخميس إلى بيت الخطيب، فألفياه لدى الباب ينتظر مجيئهما، وكانت علائم الارتياح بادية على وجهه، فسلما عليه ومدَّا أيديهما للمصافحة، فحيَّ الخطيب بأحسن منهما وصافحهما، وذهب بهما إلى غرفة خاصة في داخل الدار قد أُعدت لهذا الاجتماع. وبينما كانوا مارين أبصرهم أولاد البيت فتصايحوا: جاء الأحمدي، جاء الأحمدي، فأسرع إلى لقائهم إسماعيل نجل خالد الذي أعاده أبوه مساء موقرًا محفوفا بالكرامة إلى بيته، ودخلوا جميعا في الغرفة كأنهم إخوان متحابون وليسوا بخصوم.

التطور الجديد في موقف الخطيب نحو محمود وخالد، وهذا العطف عليهما واستقبالهما بهذه الحرارة، إن دل على شيء فهو أن الخطيب قد شعر بضعف حجته، ولان قلبه، ورأى أن من الصواب أن يطرح التعصب جانبًا ويحقق المسألة على بينة وبصيرة، فكان طيلة هذا الأسبوع يراجع القواميس، ويمعن النظر في فحوى الآيات القرآنية لا سيما تلك الآيات التي استدل بها محمود على إثبات وفاة المسيح بن مريم ، لأنه كان أدرى الناس بأن حجة محمود في هذا الباب ناصعة وأن مجادلته معه كانت مكابرة، ومهما اشتدت لهجة كلامه وعلا صوته في أثناء المناظرة، ولكن قلبه كان يلومه على هذه الشدة والقسوة في الكلام،

بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ .

وكان محمود يعلم أن الحق له الغلبة والتأثير ولو بعد مدة من الزمان، ولكنه لم يخطر بباله أن هذا الشيخ المتعصب سينقلب هذا الانقلاب العجيب خلال أسبوعين، ولكن الله يهدي من يشاء.

فساد السكوت الغرفة بضع دقائق عقب دخولهم وأخيرا قال الخطيب: إنني يا أخي محمود، تدبرت الآيات الثلاث التي ذكرتها فيما مضى، وتفكرت في استدلالك بها على موت سيدنا عيسى بن مريم ، فوجدت نفسي عاجزًا عن نقض استدلالك فقلت في سري أذهب إلى شيخ الإسلام في العاصمة لعلي أجد عنده الجواب الصحيح.

فقصدته يوم الأحد الفائت، وذكرت له القصة برمتها فقال: اعرض علي تلك الآيات فقلت: أولا، يقول الله تعالى:

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا

فلا بد أن يحصل التوفي قبل الأمور الثلاثة الموعود بها ومعنى متوفيك مميتك كما قال ابن عباس .

وثانيا قوله تعالى على لسان المسيح بن مريم:

وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

فإما أن يكون المسيح موجودًا في قومه ناهيا إياهم عن الإشراك بالله، وإما أن يكون قد توفي ومات.

ولا أكتمكم أيها الإخوان، أن شيخ الإسلام لم يستطع أن ينقض هذه الأدلة، وعبثا حاول إقناعي بعدم ضرورة هذه الأبحاث وعدم مخالطة الأحمديين. فعدت إلى مدينتي وقد تحقق لدي أن القرآن المجيد لا يبرهن على حياة المسيح الجسدية في السماء، ولذلك لا أناظركم اليوم، بل أريد أن أستمع من الشيخ الفاضل محمود إذا كانت هناك آيات أخرى تؤيد هذه العقيدة.

محمود: أولا أحمده تعالى الذي شرح صدركم، وأراح ضميركم، وأنار لكم سبيل الحق، فاتبعتموه، ثم أذكر لكم الآيات الأخرى لمزيد الإيضاح، وقد مر بنا ذكر الآيات الثلاث:

يقول تعالى :

مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ

فالمسيح لم تتغير فيه سنة الله عما كانت عليه في سائر الرسل، فلا بد أن يخلو كلما خلوا، ويموت كما ماتوا، وليس من سنته تعالى أن يُبقي أحدًا من الرسل في السماوات قبل الموت، وأما قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ فهو صريح بأن المسيح وأمه لا يأكلان الآن لماذا لا يأكلان؟ نحن نقول: إنهما ماتا فلا يأكلان، والمشائخ يقولون ماتت مريم فلا تأكل، ولكن المسيح حي ولا يأكل، وهذا ينافي قوله في حق الأنبياء:

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ

يقول تعالى:

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ

أي لم يبق بشر على حالة واحدة لا تتبدل، ولا يجوز أن يبقى الأولون، والمسيح منهم، ويموت النبي ولكن المشائخ انعكست عندهم الآية، حيث يفتون بإسلامنا ما دمنا نقول بأن موسى وإبراهيم ونوحا وإدريس وهارون ويوسف عليهم السلام ماتوا، حتى هم أنفسهم لا يتحرجون في القول بموتهم، بل يموت سيد البشر محمد بن عبد الله ، ولكنا إذا قلنا بأن المسيح الذي كان بشرًا قبل النبي قد مات، فهم ينهالون علينا بفتاوي الكفر والزندقة.

يقول المسيح : وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا فإذا قيل بحياة المسيح فلا بد من إثبات صلاته وزكاته أيضًا ولست أدري لماذا لا يتفكر المشائخ في أن عقيدة حياة المسيح تقتضي عدم نسخ شريعة التوراة في حق المسيح أو نزول القرآن على المسيح في السماء، في حين كان ينزل على النبي في الأرض، ثم أين هي الزكاة التي يؤديها المسيح إذا كان حيا؟ وإلى من يؤدي؟

يقول المسيح :

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا

ذكر المسيح ثلاثة أوقات للسلام عليه، وهي لا تختلف من الأوقات التي ذكرها الله في حق يحي عليهما السلام.

يقول تعالى:

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ .

وهذه الآية تحكم بموت جميع الآلهة الباطلة عند نزول الآية، والمسيح كان منهم. فهو، كمثل عُزير وغيره، ميت غير حي، ولا يشعر أيان يُبعث ويحشر، لأن علم الساعة عند الله وحده.

إن النصارى اتخذوا المسيح إلهًا من دون الله، ونطقت الآية بموت كل من اتُخذ إلها من دون الله إلى تلك الساعة، فمات المسيح وتوفي.

يقول تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ، ويقول: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا . ويقول: فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ، هذه الآيات وأمثالها تبين قانونا لكافة البشر ولجميع أفراد ذرية آدم بأنهم في حالتي الموت والحياة لا ينفذون من الكرة الأرضية، والمسيح بصفته بشرا يجب عليه أن يقضي بقية أيام حياته في الأرض ويموت فيها.

يقول تعالى: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ، ويقول تعالى:

وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا .

فإذا كان المسيح لم يُتوفى بعد ومضت عليه عشرون قرنا، فهل تفيد عودته المشائخ بفائدة بعد هذه السنَّة الإلهية في الذين يطول بهم العمر؟ ولن تجد لسنة الله تبديلا.

انتهى السيد محمود من إلقاء بيانه، وقام الخطيب وأعلن اقتناعه بموت المسيح بن مريم ، فسبحان مقلب القلوب، يصرفها كما يشاء.

Share via
تابعونا على الفايس بوك