بُطلان عقيدة الكفَّارة النصرانية!

بُطلان عقيدة الكفَّارة النصرانية!

أبو العطاء الجالندهري

عشرون حجة على أن المسيح لم يُرد أن يموت مصلوبًا

إن عقيدة الكفارة من أهم العقائد النصرانية، وبنقضها ينقض بنيان المسيحية الحاضرة. يعتقد كل مسيحي بأن المسيح كان إلهًا، ومات مصلوبًا لأجل خطايا العالم، فلاهوت المسيح وموته الصليبي ركنان من أركان النصرانية، وعُمدتان من عُمد الكفارة المسيحية، وإذا أبطلنا لاهوت المسيح أو أبطلنا موته الصليبي فقد أدحضنا حجة النصارى. وقد فعلناه فيما سبق من كتاباتنا. ولكن بما أن نفس موت المسيح أيضًا لا يكون كفارة عن الذنوب عند النصارى.. إذا لم يأت موته عن طواعية ورضى نفس، نريد اليوم أن ندلي بعشرين حجة إنجيلية، تدل على أن المسيح لم يرد أن يموت مصلوبًا، ولم يكن لله حاجة في صلبه، وبذلك نثبت أن عقيدة الكفارة داحضة على كل حال، ومالها من قرار، حتى ولو فرضنا موته الصليبي أيضًا.. لأن موته لم يقع إلا رغمًا عنه، ولم يكن به راضيًا، بل كان من الكارهين. وغير معقول أن إنسانًا بخيلاً يُسرَق ماله فيتخذ هذا الضياع صدقة، ويفتخر بطيبة طويته، ويدعو الناس إلى أن يحذوا حذوه؛ أو الذي أكلت الذئاب خرافه.. فيقول ذبحتها في سبيل الله كي أنال أجرًا عنده وثوابًا.

فإذن والحال هذه إذا أثبتنا من الأناجيل أن المسيح على فرض أنه مات مصلوبًا، لم يمت إلا مكرهًا.. هدمنا بنيان الكفارة، وأزحنا هذه العقيدة من ميدان البحث.

الحجة الأولى

“وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هذَا فِي الْجَلِيلِ، لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ”. (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 7 : 1).

يقول الإنجيل أن المسيح هرب من أمام أهالي اليهودية، لأنهم أرادوا قتله، وهو لم يرد أن يقتل، ولو كان يريد ذلك ما هرب، فإذا كان القتل قد حدث فهو لم يكن حسب إرادته.

الحجة الثانية

حينما شعر المسيح بأن وقت موته قد آن:

“ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: “نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا. ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. وَقَالَ: يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 14: 33-36)

إن هذه العبارة الإنجيلية لا تترك مجالاً للكلام لهؤلاء الذين يزعمون أن المسيح سلم نفسه بإرادته للقتل. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذه الدهشة وذلك الاكتئاب؟ ولماذا هذا الخرور على الأرض، وتلك الصلوات الحارة؟ ولماذا يطلب صرف تلك الكأس عنه؟

الحجة الثالثة

يقول مرقس:

“وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ وَاجْتَازُوا الْجَلِيلَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ، لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 9: 30-31).

ومن البديهي إذن أن المسيح كان يخفي نفسه خشية الموت وفرارًا من القتل، وما كان يريد أن يموت مصلوبًا، ويقدم تضحية. فإن صلب بعد، كما يزعمون، كان قد غُلب على أمره.

الحجة الرابعة

يقول متى: “لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 2: 5-6).

وإذا فرضنا صحة هذا النبأ فمن الواجب أن نؤمن بأن إرادة الله ووظيفة المسيح، راعي شعب إسرائيل، لا تتفقان مع قتله السريع بأيدي شعبه.

الحجة الخامسة

يقول متى:

“إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 2: 13). ثم يقول:”فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 2: 19-20)

إن هذه العبارة تصرح في وضوح وجلاء بأن الله ما كان يريد أن يهلك المسيح، ويقتل، فأشار على يوسف النجار أن يذهب به وبأمه إلى مصر، وهكذا كان.

الحجة السادسة

“فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 9: 13).

وهذا النص صريح يدل على أن المسيح لم يكن يحسب أنه يقتل يوما ما، وبالتالي ل يكن مستعدًا له ولا راضيًا به، وإنما كان داعيًا يدعو الخطاة لكي يتوبوا إلى الله؛ ففي قوله: (إني أريد رحمة لا ذبيحة)، وفي تشبث المسيح به برهان يوضح أن موت المسيح الصليبي، إن وقع فهو لم يكن بإرادة الله، ولم يرض به المسيح قط.

الحجة السابعة

يخاطب المسيح بني إسرائيل قائلاً:

“لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 23: 35).

إن المسيح يجرم اليهود بأنهم سفكوا دماء الأبرياء، وسوف يسفكون دماء أتباعه، ولكنه لا يذكر قتلهم إياه نفسه، وفيه دليل على أنه كان يعلم أن اليهود لا يقدرون على قتله أبدًا.

الحجة الثامنة

يقول يوحنا إن المسيح قال لليهود:

“أَلَيْسَ مُوسَى قَدْ أَعْطَاكُمُ النَّامُوسَ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ النَّامُوسَ! لِمَاذَا تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي؟ أَجَابَ الْجَمْعُ وَقَالوُا: “بِكَ شَيْطَانٌ. مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَقْتُلَكَ؟” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 7: 19-20).

يدل كلام المسيح على أن اليهود كانوا يأتمرون به، فاستنكر هذه المؤامرات لقتله وقال: (لماذا تطلبون أن تقتلوني). وأما لو كان المسيح يود أن يقتل، أو لو كان القتل غاية مجيئه، كما تزعم النصارى اليوم، لما قال هذا القول أبدًا.

الحجة التاسعة

إن إخوة يسوع طلبوا منه أن يصعد معهم إلى اليهودية في عيد المظال ويظهر نفسه للعالم، فأجابهم يسوع:

“أَنَا لَسْتُ أَصْعَدُ بَعْدُ إِلَى هذَا الْعِيدِ، لأَنَّ وَقْتِي لَمْ يُكْمَلْ بَعْدُ”. قَالَ لَهُمْ هذَا وَمَكَثَ فِي الْجَلِيلِ. وَلَمَّا كَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ صَعِدُوا، حِينَئِذٍ صَعِدَ هُوَ أَيْضًا إِلَى الْعِيدِ، لاَ ظَاهِرًا بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 7: 8-10)

ولسنا الآن بصدد البحث في أن المسيح صدق في قوله (أنا لست أصعد بعد إلى هنا العيد)، أم لم يصدق، بل إنما نريد أن نثبت أن المسيح ما كان يريد أن يموت مصلوبًا، وذهابه في الخفاء متواريا عن أعين النظارة أكبر حجة على صحة ما نقول.

الحجة العاشرة

يقول مرقس إن الناس كانوا مختلفين في أمر المسيح، فسأل بعض تلامذته:

“فَقَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ! فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 8: 29-30).

أليس انتهار المسيح تلاميذه وزجره إياهم دليلاً على أنه كان يتكتم أشد التكتم فرارًا من القتل؟

الحجة الحادية عشرة

يذكر متى الإنجيلي أن هيرودس (قطع رأس يوحنا في السجن)، ثم حين بلغه خبر يسوع قال لغلمانه: “هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 14: 2).

يقول متى:

“فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ مُنْفَرِدًا” (إِنْجِيلُ مَتَّى 14: 13)

لماذا هذا الهلع يا أيها الناس، إن كان المسيح يريد أن يقتل ويسفك دمه في سبيل خلاص البشر؟ يتضح من الأناجيل أن المسيح كان يفر من مكان إلى مكان، وكثيرًا ما يخفي نفسه لئلا يقتل، وحقًا إنه لم يتشجع بعض التشجع إلا بعد أن أرى أن الأمر قد قضي، وأن القضاء قد حُمَّ، وكان ما خاف أن يكون. فشتان بين المسيح الذي يصوره بعض الخياليين من غلاة النصارى وبين المسيح الذي نتبينه في بيانات البشيرين.

الحجة الثانية عشرة

يقول متى:

“حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 16 : 20).

لماذا هذه الوصية؟ ومن ذا الذي يرتاب بعدها في أن المسيح لم يرد قط أن يموت مصلوبًا، ولم يكن جاء لهذه الميتة التي تجعله ملعونًا من الله حسب نصوص التوراة؟

الحجة الثالثة عشرة

أراد اليهود مرة أن يقتلوا المسيح رجمًا فقال لهم: “بسبب أي عمل ترجمونني؟” فقالوا: “لأنك تجعل نفسك إلهًا، وأنت إنسان. فأجابهم المسيح بأن الأولين من الأنبياء ورد في حقهم قول الله: (إنكم آلهة)، فأي حرج إذن في قولي: (إني ابن الله)، يعني إن كلا القولين على سبيل المجاز، وأن قوله أقل درجة مما ورد في حق الأنبياء الآخرين. ثم يقول يوحنا:

“فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَمَضَى أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 10: 39-40).

إن قول المسيح وعمله كلاهما يدل على أنه لم يرد أن يموت مصلوبًا، بل أنقذ نفسه من الموت بكلامه وبتسلله من بينهم.

الحجة الرابعة عشرة

قال المسيح وهو في طريقه إلى موضع صلبه ما نصه: “إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟” (إِنْجِيلُ لُوقَا 23: 31).

وإنها لكلمة رجل مسوق إلى الموت سوقًا لا مشتاق إليه، وهي تدل دلالة واضحة على أن المسيح لم يكن راضيًا بعمل اليهود هذا. فإذن موته، إن وقع، ليس بكفارة لذنوب النصارى.

الحجة الخامسة عشرة

قال المسيح لبعض أتباعه: “نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي”. ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 26: 38-39).

وليس من عاقل يشك في أن صاحب هذا القول: “مكره لا بطل”. إن كل جزء من أجزاء هذه العبارة يصرح بأن المسيح كان في حالة قلق واضطراب مما همت به اليهود من قتله وسفك دمه بلا ذنب، فهو يدعو أصحابه لكي يسهروا معه.

الحجة السادسة عشرة

ومن البديهي أن قتل المسيح لو كان بإرادته، ولو كان هو يرى هذا القتل ضروريًا لنجاة البشر، لما قال ما قاله لبيلاطس وهذا نصه:

“الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ” (إِنْجِيلُ يُوحَنَّا 19: 11).

إن كان زعم النصارى بأن المسيح أسلم نفسه صحيحًا لكان عمله هذا أعظم خطية له حسب قوله. وإني أرى أن هذا النص هو القول الفصل بيننا وبين النصارى، لأنه يبين كيف كان قلب المسيح حينذاك، ويوضح أن المسيح ما كان يرى موته ضروريًا ولا في محله، فهو يخطّئ الذي أسلمه إلى بيلاطس لكي يقتل.

الحجة السابعة عشرة

يقول لوقا في إنجيله:

“فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ” (إِنْجِيلُ لُوقَا 23: 25).

ويظهر من هذا القول أن ما جرى مع المسيح في حادث الصلب لم يكن طبق مشيئته، بل حسب مشيئة اليهود، لأن بيلاطس أسلمه لمشيئتهم.

الحجة الثامنة عشرة

يقول بولس عن المسيح في رسالته الثانية:

“وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ ضَعْفٍ، لكِنَّهُ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ” (رِسَالَةُ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ 13: 4).

فلو لم يكن المسيح ضعيفًا لم يصلب ولم يمت هذه الميتة الرديئة حسب قول بولس. والذي يموت مصلوبًا لأجل ضعفه لا يجمل به ولا بأتباعه أن يفتخروا بذلك الموت، ويعدوه كفارة لذنوب بني البشر، ويتخذوا ذلك المائت إلهًا وربًا قديرًا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون!

الحجة التاسعة عشرة

جاء في الرسالة إلى العبرانيين عن المسيح:

“الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ” (اَلرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ 5: 7).

وماذا يستطيع قسوس النصارى أن يقولوه أمام هذا التصريح الصارخ، إن المسيح يجأر ويتضرع إلى الله، وتسيل الدموع من عينيه مدرارًا، ويصيح ويصرخ صراخًا شديدًا لينجيه الله من الموت.. يقضي المسيح أيامه قلقًا، ويبيت لياليه سهرانًا، ويدعو ربه القادر ليخلصه من الموت، ولكن مع كل هذا وذاك تقول طائفة من النصارى إن المسيح كان يحب حبا جما أن يموت مصلوبا، وفعلا مات طائعا، ليرفع عنهم الخطايا والآثام. وإن هذا، وأيم الحق، لقول عجاب.

الحجة العشرون

قلنا إن المسيح تشجع بعض التشجيع بعد ما ألقى عليه القبض، ولكن هذا لا يعني أنه أحب أن يموت هذه الميتة الخبيثة، لأن رواة الأناجيل يروون لنا أن صاح المسيح وهو على الصليب بصوت عظيم قائلاً: “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي” (إِنْجِيلُ مَتَّى 27: 46).

وهذا آخر ما نطق به المسيح حسب رواية الإنجيل. فإذن هو لم يرض بهذا الموت إلى آخر الوقت.

وخلاصة الكلام أن المسيح ليس بإله، ولم يمت على الصليب، ولكنه إن مات على سبيل الافتراض مات مكرهًا. وهذه عشرون حجة من نفس الأناجيل تدل على دعوانا. فعقيدة النصارى على كل حال لا ينهض على صحتها برهان، ولا يقوم على صدقها دليل معقول.

Share via
تابعونا على الفايس بوك