لم يكذب إبراهيم ولا كذبة واحدة

لم يكذب إبراهيم ولا كذبة واحدة

أبو العطاء الجالندهري

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا

مقام النبوة وارتكاب الكذب!

إن مقام النبوة محاط بسياج يعصم صاحبه من ارتكاب الرذائل واقتراف السيئات، وإن صاحب هذا المقام يسمو ويعلو بحيث يستحيل عليه الانحطاط إلى الدناءة مثل الغش والكذب والخديعة، وإن النبوة مكانة سامية لا يلحقها ما يشين جمالها ويذهب برونقها. والكذب أقبح القبائح وأعظم السيئات، ومصدر الرذائل ومنبع الشرور، ولولاه لكانت البشرية في مأمن من ويلات كثيرة، ولعاش الناس في وئام وسلام دائمين. إن مقام النبوة يمثل الطهارة التامة والنقاوة الكاملة، ويعبر عن سمو مكانة وعلياء نفس صاحبه. وإن الكذب يمثل النجاسة الكاملة والخساسة التامة، ويدل على انحطاط صاحبه الخلقي وإخلاده إلى النقيصة النفسية. فالنبوة والكذب إذن ضدان لا يجتمعان، وبينهما ما بين الثريا والثرى، ولا يعقل أن النبوة يلقاها الكاذب، كما لا يتصور أن الذي ارتقى إلى مقام النبوة أن يكذب ويكون من السافلين، ويقول ما ليس بحق، وقد أرسله الله بالحق ليعلم الناس الصدق وقول الحق.

أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم

كان سيدنا إبراهيم من أشرف قومه، اجتباه الله لمقام النبوة وبعثه إليهم بشيرًا ونذيرًا، ورفع مكانته وجعل الحكم والنبوة في ذريته إلى أبد الآبدين واصطفاه على العالمين. وكان هو ولن يزال صاحب مجد وسؤدد. وانحدر من صلبه أنبياء كثيرون. وهو دوحة وجميع حملة ألوية الهداية والسلام غصون تلك الدوحة وفروعها. فأكرم وأنعم بها من دوحة جليلة وأنعم وأكرم بإبراهيم من نبي جليل. وإذا أدرك الإنسان منزلة سيدنا إبراهيم وجلالة شأنه لا يمكن له أن يظن أن إبراهيم كان قد كذب أو كان يسعه الكذب ولو مرة واحدة. فالمقام الإبراهيمي لا يتفق وارتكاب الكذب أبدًا.

تهمة شنيعة على إبراهيم

لا ينقضي عجب المرء حين يرى مكانة إبراهيم الروحية من جهة ومن جهة أخرى اتهام ذريته إياه بارتكاب الكذب لا مرة واحدة بل ثلاث مرات. إن اليهود والنصارى والمسلمين كلهم يقدسون إبراهيم ويعدون الانتماء إليه مجدًا وفخرًا، ثم يرجعون القهقرى ويقولون إنه كان يكذب في بعض الأحيان. وقد يكون لليهود بعض العذر في ذلك لأن كتبهم حرفت وعبثت بها يد المحرفين وعميت عليهم الحقيقة. وقد كانت للنصارى في ذلك غاية سوء وهي أن يثبتوا أن جميع الأنبياء مذنبون. ولكن المسلمين فما بالهم حذوا حذو اليهود والنصارى وقالوا إن إبراهيم ذلك النبي الأعظم الأقدس كذب ثلاث كذبات؟ إن هذا، ولعمري، غاية في الإساءة والإجحاف بالذي اتخذ الصدق شعارًا ودثارًا، والذي جعل النطق بالحق في وجوه الظالمين ديدنا وسجية. وإنها لتهمة أقبح التهم وفرية أعظم الفرى، وإن الله ورسوله وجميع المؤمنين براء منها.

وربما يقول بعض الناس كيف تقول هذا وقد أورد الإمام البخاري في كتابه ما لفظه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : “لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثًا” (الجزء الثاني كتاب الأنبياء). وقد تكررت هذه الرواية موقوفة على أبي هريرة وجاءت مفصلة في أكثر من موضع من كتاب الإمام البخاري ومن كتب الأحاديث الأخرى. فهل بعد هذا الحديث الصريح تنكر أكاذيب إبراهيم الثلاث؟

وإني أقول لقائل هذا القول بأن كل رواية تنسب إلى أبي الأنبياء الصادقين كذبة واحدة، ولا أقول ثلاث كذبات، هي مكذوبة على سيدنا محمد ، وهو وأصحابه الأبرار بريئون منها. وإنه ليهون علي وعلى كل مسلم يغار على كرامة الأنبياء أن يحكم بكذب رواة هذه الرواية واختلاقهم إياها من عند أنفسهم أو أخذهم إياها من اليهود والنصارى مأخذ القبول كروايات إسرائيليات أخرى كثيرة، ثم عزوهم إياها إلى الرسول زورًا وافتراء. وليس لدي أدنى شك في أن الرسول لم يقل هذا الكلام قط.

الحديث والقرآن المجيد

إن للحديث النبوي مكانة محترمة في قلب كل مسلم وإن أحاديث الرسول لها جلال ومقام كريم في الدين الإسلامي، ولكن ليس كل ما يعزى إليه قوله وحديثه، لأن الكثير من المنافقين والزنادقة وضعوا أقوالاً من عند أنفسهم، ثم نسبوها إلى الرسول ، حتى التبس أمر الحديث الصحيح وغير الصحيح على كثير من العلماء أيضًا. وأما آيات القرآن الكريم فلا يعتريها شك ولا يطرأ عليها أي شبهة. فهو كلام الله على وجه القطع واليقين. لا ريب فيه هدى للمتقين.

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

ومن المعلوم أن الحديث إذا تعارض مع نص القرآن تعارضًا لا يزول بتأويل الحديث فهو مردود ومرفوض، لأن القرآن على كل حال يفضل على كل حديث آخر. وإذا كان بعض الناس يرجحون جانب الحديث على كتاب الله فإنا نقدم آيات القرآن المجيد على كل ما سواه من كتاب وحديث، ولا نقبل إلا ما وافق نصوص الفرقان الحميد. وأما ما يناقضه فهو عندنا منقوص من أساسه. ولا شك أن حديث “ثلاث كذبات” من هذا القبيل.

مقام إبراهيم في القرآن الكريم

وهنا من الضروري أن نسرد الآيات التي وردت في بيان مقام إبراهيم ليتضح لكل ذي بصيرة أن إبراهيم أعلى وأرفع من أن يكذب أو يقول ما ليس بحق، وأن حديث الكذبات الثلاث لا يتفق ومنزلة إبراهيم في القرآن المجيد. يقول الله :

  1. وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الصافات: 84-85).
  2. فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (هود: 75-76).
  3. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (الزخرف: 27-28).
  4. وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (الأنبياء: 52-53).
  5. وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأَنعام: 75-76).
  6. وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الأَنعام: 81-82).
  7. وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة: 125).
  8. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (الصافات: 105-107).
  9. وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (البقرة: 131-132).
  10. إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (النحل: 121-123).
  11. رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إِبراهيم: 38).
  12. قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (الشعراء: 76-82).
  13. وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (ص: 46-48).
  14. قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (آل عمران: 96).
  15. وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (النساء: 126).
  16. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (النجم: 37-38).
  17. قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة: 5).

أيها القارئ العزيز! ذلك سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء صاحب القلب السليم، والحليم الأواه المنيب، الذي تبرأ من الشرك منذ نعومة أظفاره وأُرضع بلبان التوحيد شغوفًا به. هذا هو إبراهيم الذي حاج قومه وحجبهم وأفحم المشركين إفحامًا تامًا، ولم يخف لومة لائم في سبيل إعلاء كلمة الله العليا غير وجل ولا هياب. وإن إبراهيم هو الذي أبلى بلاء أعظم حين أقدم على ذبح وحيده وصدق الرؤيا وأسلم لله رب العالمين. وإن إبراهيم هو الذي كان وحده أمة قانتًا لله حنيفًا، وكان متوكلاً عليه تعالى كل التوكل عندما أسكن ابنه بواد غير ذي زرع لا أنيس ولا سمير هناك. نعم ذلك هو إبراهيم الذي وفّى وآثر إقامة التوحيد على عداوة قومه وبغضائهم، فكان أن اتخذه الله خليلاً وأخلصه بخالصة ذكرى الدار وجعله من عباده المصطفين الأخيار.

إن هذا هو سيدنا إبراهيم. فهل يتصور أن نبيًا ذا شأن عظيم كهذا يكذب ثلاث كذبات؟ كلا، والذي بعث محمدًا بالحق، ثم كلا! إن المرء لا يكذب إلا إذا كان جبانًا خائفًا على ماله أو عرضه أو نفسه، وكان ممن يؤثرون المنفعة المادية على الفائدة الروحية إذا رأوا أن الصدق متلف عليهم بعض المنافع المرجوة. فهل كان سيدنا إبراهيم جبانًا يخشى الناس؟ كلا! بل كان أشجع الشجعان. وكيف يخاف قومه وهو لا يخالف آلهتهم؟ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (الشعراء: 76-78). ثم هل كان إبراهيم يؤثر المنفعة المادية على الفائدة الروحية؟ كلا! بل هو الذي صمم على ذبح ولده الوحيد حين بلغ معه السعي لأجل رؤيا رآها. ثم أقدم على ما لم يقدم عليه بشر من قبل ولا من بعد، وهو ترك زوجته وابنه في صحراء قفراء امتثالاً لأمره تعالى. إن إبراهيم لم يشك قط في قدرته تعالى على شيء وهو الذي أراه الله ملكوت السماوات والأرض.

أفليس من الظلم العظيم بعد ذلك كله أن يقال بأن إبراهيم كذب ثلاث كذبات؟ أفليس من القول السخيف والكلام السقيم أن تعزى ثلاث كذبات إلى من صدق الرؤيا ولم يرتبك في الإقدام على ذبح ولده لأجلها؟

الخلاصة أن مقام إبراهيم في القرآن وعلو شأنه الروحي ينفيان نسبة الأكاذيب إليه نفيًا باتًا. والعقل يستنكف أن يتردى إلى مستوى قبول الكذبات المفترات على ذلك النبي العظيم والإيمان المجسم في شخص إبراهيم .

القرآن المجيد ينص على اختلاف رواية الأكاذيب

ثم إذا تدبرنا آيات القرآن المجيد وجدناها تنطبق في صراحة ووضوح بأن الرواية القائلة بأكاذيب إبراهيم موضوعة مفتراة.

1.يقول الله تعالى: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (مريم: 50-51). وهذه الآية الكريمة تنص على أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب قد جعل الله لهم لسان صدق عليًا. وليت شعري كيف يجمع القائلون بكذبات إبراهيم بين تلك الأكاذيب وبين قوله : وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا .

2.قال سيدنا إبراهيم داعيًا ربه: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (الشعراء: 84-85). كأن إبراهيم شعر بأن هناك خلفًا من ذريته يسيئون إليه باتهامهم إياه بارتكاب الأكاذيب فقال: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ . فأوجد الله الجماعة الإسلامية الأحمدية في الْآخِرِينَ ، التي تعلن بكل قوة أن إبراهيم لم يكذب أبدًا وإن كل رواية تقول بكذب إبراهيم مكذوبة.

3.يقول تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (الصافات: 109-112). وإن قوله تعالى في الآية يدل على قبول دعاء إبراهيم الذي مر ذكره آنفًا.

4.يقول تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (مريم: 42). فنحن مأمورون بذكر إبراهيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . ولفظ الصديق معناه: “كثير الصدق. الكامل فيه. الذي يصدق قوله بالعمل. البار الدائم التصديق” (المنجد).

وقال الإمام محمد الرازي: والصديق يوزن السِكِّيت، الدائم التصديق وهو أيضًا الذي يصدق قوله بالعمل (مختار الصحاح).

وقال الإمام الراغب الأصفهاني: والصديق من كثر منه الصدق. وقيل بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله” (كتاب المفردات).

فالقرآن المجيد يقرر أن إبراهيم صديق أي لا يمكن أن يأتي منه الكذب. وفيه تدليل على أن رواية الأكاذيب مختلفة وليست بصحيحة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك