عشرون برهانًا على بطلان تثليث النصارى

عشرون برهانًا على بطلان تثليث النصارى

أبو العطاء الجالندهري

أقول، وأنا على بينة مما أقول، أن عقيدة التثليث من أضعف العقائد حجة وأقلها تثبتًا أمام النقد الصحيح، وقد لا يكون من بين سائر عقائد الملل المختلفة عقيدة تبلغ ركاكتها وهوانها. ومما لا شك فيه أن هذه العقيدة ليست من مخترعات النصارى ومبتكراتهم الخاصة، بل هي بقية من بقايا القرون المظلمة. وكان الوثنيون من اليونان والمصريين والهنود القدماء يعتقدون بأن الآلهة ثلاثة، ولما خالط النصارى الأول البسطاء أهل اليونان ذوي الحضارة العريقة في القدم وانبهرت عقولهم أمام فلسفتهم وعلومهم، أرادوا أن يتشبهوا بهم ويلبسوا ديانتهم لباس الثالوثيين، فقالوا: الأب إله والابن إله وروح القدس إله. فالحقيقة هي هي، وإنما الأسماء تغيرت.

إذا أردنا أن نقنع أحد المسيحيين بعدم صحة عقيدة التثليث، وقلنا له أن الدلائل العقلية تنقض هذه العقيدة ولا يقوم برهان عقلي على صحتها، فما هو بتابع قولنا، ولا بملقٍ سمعه إلى كلامنا. فلا بد إذن أن نسوق إليهم براهيننا من نفس الكتاب المقدس الذي اعتادوا أن يقدسوه ويخضعوا لبياناته.

البرهان الأول

إن الوصية الأولى وأهم الوصايا في التوراة هي:

“إسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ”. (اَلتَّثْنِيَة 6: 4-5).

والمسيح كما يقول صاحب كتاب “اتفاق المبشرين”: “نبي ديانته على أساس العهد القديم، ولم يرفض حرفًا واحدًا أو نقطة واحدة من الناموس”.

فلا يمكن أن يبني ديانته على التثليث بدل التوحيد الذي هو أساس العهد القديم. ولا شك أن الاعتقاد بأن الله واحد بيّن جدًا في ديانة اليهود، ولم يدرك أحد قبل هؤلاء الثالوثيين أن التوراة تشير إلى تثليث الآلهة، وإلى يومنا هذا لا يسع النصارى إلا أن قالوا:

“وحدة الله ظاهرة في العهد القديم أكثر منها في العهد الجديد، والتثليث بين في العهد الجديد خفي في العهد القديم” (قاموس الكتاب المقدس)

فالتوراة والوصية الأولى تنقضان التثليث، وتثبتان الوحدة لله . وبين العقيدتين منافاة كما تبين لك عبارة صاحب القاموس أيضًا.

وأما الزعم بأن الأناجيل ذكرت التثليث فنأتي عليه فيما بعد.

البرهان الثاني

يقول المسيح :

“وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ” (يُوحَنَّا 17: 3).

فطوبى للموحدين الذين يؤمنون بأن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، ولا أقنوم فيه، وإنما المسيح رسول الله. لهم الحياة الأبدية وهم الورثة لملكوت السماء، وأما المثلثون فلا يعرفهم المسيح، فيطرحون إلى حيث البكاء وصرير الأسنان.

البرهان الثالث

من عقائد النصارى “إن الأقانيم الثلاثة تتقاسم جميع الأعمال الإلهية على السواء” (قاموس الكتاب المقدس). فإذن لكل إله أعمال مقسومة لا يتعاطاها الثاني، والمسيح يقول:

“كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَثْبُت”. (مَتَّى 12: 25).

وإلى هذا الخراب يشير القرآن الكريم حيث يقول:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (الأنبياء: 23).

البرهان الرابع

ورب قائل يقول: إن الأقانيم الثلاثة لا تختلف في إصدار أوامرهم، كما يقول الوثنيون في أوثانهم، بل الابن والروح القدس يصدران عن رأي الأب، ويطيعان قوله، لأنه هو الأعظم، فلا انقسام هناك.

فأقول إن المطيع إذن ليس بإله، وإنما المطاع بالمعنى الكلي هو الإله الوحيد، فبطلت عقيدة التثليث. ولو كانت الألوهية موجودة في كل واحد منهم لما قال المسيح: “لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي” (يُوحَنَّا 14: 28). وصدق الله العظيم، إذ قال:

قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (الإسراء: 43).

البرهان الخامس

نِعْمَ ما قال المسيح:

“لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ”. (مَتَّى 6 : 24).

وحينما شكت إليه مرثا أخت مريم عدم مشاركتها إياها في خدمة الضيوف وجلوسها عند قدميه، قال لها:

“مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا”. (لُوقَا 10: 41-42).

وهذا نداء ضمير المسيح وصوت قلبه الطاهر الفاني في حب وحدة الله. فهل لكم أن تلبوه، وتكونوا من الموحدين.

البرهان السادس

يقول المسيح!

“وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ”. (مَرْقُسَ 13: 32).

وإن في نفي علم الابن والروح المقدس وإثبات ذلك العلم للأب وحده لدليلاً يبطل عقيدة التثليث ويقدم على صدق التوحيد برهانًا جليًا.

البرهان السابع

جاء في إنجيل متى:

“وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟ فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ”. (مَتَّى 19: 16-17).

فالإله واحد وهو الله، وليس المسيح ولا الروح القدس بإلهين.

البرهان الثامن

يقول المسيح:

“وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي”. (مَتَّى 20: 23)

يقول (من أبي) ولا يقول (من أبي ومن الروح القدس ومني أيضًا). فإذن ليس من متصرف بالأكوان ولا من قاض بما يشاء إلا الله الواحد، والباقون كلهم له عبيد خاضعون.

البرهان التاسع

قال المسيح:

“أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي” (يُوحَنَّا 5: 30).

فالرب الذي لا مانع لحكمه ولا راد لقضائه ومشيئته نافذة في كل شيء هو الإله الوحيد، وليس له هناك ثان ولا ثالث.

البرهان العاشر

خاطب المسيح اليهود قائلا:

“وَلكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ”. (يُوحَنَّا 8: 40).

يعترف المسيح بأنه إنسان قد كلم الناس بالذي سمعه من الله. فإذا كان هو الإله، والثلاثة في الواحد، فكيف يصح سمعه من الله؟ والحق أن الله واحد والمسيح عبده.

البرهان الحادي عشر

يذكر مرقس أن المسيح حين بلغ الألم منه جهده وهو على الصليب صرخ قائلاً:

“إلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي”. (مَرْقُسَ 15: 34)

وغير خافٍ أن هذه الجملة تدل على أن للمسيح إلهًا وهو واحد لا ثلاثة.

البرهان الثاني عشر

يقول لوقا أن يوحنا المعمدان كان “يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا” عند نهر الأردن، فجاء إليه المسيح، واعتمد منه تلك المعمودية، ثم “رَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”. (لُوقَا 4: 1).

فلو كان المسيح والروح القدس كلاهما إلهًا لما كان له الامتلاء من محل، وهل يمتلئ الإله من الإله؟ ولماذا؟

البرهان الثالث عشر

أوصى تلاميذه قائلاً:

“وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”. (مَتَّى 23: 8-9).

إذا كان المسيح أحد الأقانيم الثلاثة والثلاثة في الواحد فلم لا يدعوه النصارى أبا على الأرض؟ ولماذا يكتفي هو بكونه معلمًا لهم فقط. فالحق أن عقيدة التثليث لأوهن من خيط العنكبوت.

البرهان الرابع عشر

قال المسيح:

“نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ”. (مَتَّى 26: 38-39)

وكلمة المسيح “يا أبتاه، إن أمكن فلتبعد عني هذه الكأس” صريحة بأن الله وحده بيده مقاليد السماوات والأرضين، وهو الإله الحق. ليس المسيح ولا الروح القدس بإلهين.

البرهان الخامس عشر

ورد في الرسائل:

“يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ 2: 5)

وهذا نص صريح بأن الإله واحد، وأن المسيح إنسان، ليس بإله. فالثانوية والثالوثية في ضلال مبين.

البرهان السادس عشر

جاء في الرسالة إلى العبرانيين:

“فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ”. (اَلرِّسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ 5: 7).

ولا يعقل أن تكون تضرعات المسيح لنفسه كما لم تكن للروح القدس، فإذن جميع صلواته وتضرعاته كانت “للقادر أن يخلص من الموت” وهو واحد لا ثلاثة.

البرهان السابع عشر

أجاب المسيح أحدًا من الكتبة:

“إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ. فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ: جَيِّدًا يَا مُعَلِّمُ. بِالْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ اللهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ.” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 12: 29-32).

ومن الجلي أن مراد الكاتب كان ذلك التوحيد الذي ذكر في التوراة الذي كان اليهود به يؤمنون. فاستحسن المسيح جوابه وقال له: “لست بعيداً عن ملكوت الله”. إذن فالتوحيد هو الهدف الذي كان يومئ إليه المسيح ولم يكن يعتقد بالتثليث.

البرهان الثامن عشر

قيل في ذم المشركين:

” وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى، وَالطُّيُورِ، وَالدَّوَابِّ، وَالزَّحَّافَاتِ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ إِلَى رُومِيَةَ 1: 23).

وبما أن هذا الاعتراض يرد على عقيدة التثليث أيضًا فلا شك في بطلانها، لأنها تقتضي أن يبدل مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي فنى ومات.

البرهان التاسع عشر

جاء في رسالة كورنثوس الأولى ما نصه:

“أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ 11: 3).

فالرأس الذي هو فوق الجميع وفوق المسيح أيضًا هو الله الواحد لا الثلاثة.

البرهان العشرون

ورد في صفات الرب:

“الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ”. (رِسَالَةُ بُولُسَ إِلَى تِيمُوثَاوُسَ 6: 15-16)

والعبارة في غاية الوضوح في إثبات التوحيد وإبطال التثليث.

هذه عشرون برهانًا على بطلان عقيدة النصارى من نفس كتابهم المقدس فبأي حديث بعدها يؤمنون؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك