القدرة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وأصحابه أجمعين.

أما بعد.. فبما أن الله قد أخبرني بوحيه المتواتر أنّ موعد وفاتي قد دنا، وقد تواتر هذا الوحي إلى درجة هزّت أصول كياني وفَتَرتْ فـيّ الحياةُ، لذلك رأيتُ من المناسب أن أسجل بعض النصائح لأحبتي وكذلك لجميع الراغبين في الاستفادة من كلامي. فأولا أطلعكم على ذلك الوحي المقدس الذي أخبرني بقرب أجلي مما دفعني لأُقدم على هذه الخطوة. وفيما يلي ذلك الوحي الذي نزل باللسان العربي، كما سأورد فيما بعد الوحي الذي نزل بالأردية:

 “قَرُبَ أجلُك المقدّر، ولا نُبقي لك من المُخْزِيات ذِكرًا. قَلَّ ميعادُ ربّك، ولا نُبقي لك من المخزيات شيئًا. وإمّا نُرِيَنَّكَ بعضَ الذي نَعِدُهم أو نتوفيَنَّك. تموت وأنا راضٍ منك. جاء وقتك، ونُبقي لك الآياتِ باهراتٍ. جاء وقتك ونبقي لك الآياتِ بيّناتٍ. قَرُبَ ما توعدون. وأمّا بنعمة ربك فحدِّثْ. إنه مَن يَتَّقِ الله ويصبرْ فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين.”

يخبرني كلام الله أن الحوادث واقعة والآفات نازلة على الأرض، فمنها ما يقع أثناء حياتي ومنها ما يقع من بعدي. وإنه سوف يرزق هذه الجماعة كل تقدم وازدهار، بعضه على يدي وبعضه الآخر من بعدي.

هذه هي سنة الله الجارية، ومنذ أن خلق الإنسان في الأرض مازال يبدي هذه السنة دون انقطاع أنه ينصر أنبياءه ومرسليه. ويكتب لهم الغلبة، كما يقول:

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي

والمراد من الغلبة هو أنه كما أن الرسل والأنبياء يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، فإن الله تعالى يظهر صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرة الحق الذي يريدون نشره في الدنيا، غير أنه لا يكمِّله على أيديهم. بل يتوفاهم في وقت يصحبه الخوفُ من الفشل باديَ الرأي، فيُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا. وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتملة لحدٍّ ما.

فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتنقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق ، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق ، وأظهر نموذجًا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم وعده الذي قال فيه:

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا …..

فيا أحبائي، مادامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم.

فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها.

وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي (يتوقف انتخاب هؤلاء على اتفاق رأي المؤمنين، فمن اتفق عليه أربعون مؤمنا بأنه يتأهل لأخذ البيعة باسمي فهو مجاز لذلك. وعليه أن يكون أسوة حسنة للآخرين).

فالله يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله التي أُرسلت من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذه الغاية نصب أعينكم، ولكن باللطف وحسن الخلق وكثرة الدعاء.

(الخزائن الروحانية ج ۲۰، الوصية ص ۳۰۱ إلى ۳۰۷)

Share via
تابعونا على الفايس بوك