في عالم التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (الكهف: 68)

التفسير:

تشير الآية إلى موضوع البحث الوارد في الآية 144 من سورة الأعراف الوارد ذكرها آنفا من أن موسى وقومه لن يمكنهم الوصول إلى ذلك السمو الروحي الذي قدر للنبي وأتباعه أن يصلوه. وتشير أيضا إلى أن الصبر والثبات الذي أظهره أتباع موسى لم يبلغ درجة ذلك الصبر والثبات الذي أظهره أتباع محمد . إن المسيحيين قد قدموا بالفعل مثالاً أحسن من اليهود في مواجهة المصاعب، لكنهم أيضا استسلموا وقت اشتداد المحن، فقد شكا المسيح بنفسه من تخاذل تلاميذه وبلادتهم الفكرية، ولم يكن واثقًا من أنهم أدركوا مقامه الروحي. (راجع متى 17: 17).

كذلك تقدم لنا الآية مقارنة بين طبيعتي موسى وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام. فلقد سأل موسى رفيقة في السفر عن أشياء لم يدركها دون أن يتحلى بالصبر، بينما نرى النبي صبر حتى أنزل الله إليه شريعة كاملة ومفصَّلة. هذا الفرق بين طبيعة ومزاج هذين النبيين ينعكس كذلك في سلوك أتباعهما؛ فبينما استمر اليهود يضايقون موسى بكل أنواع الأسئلة الفضولية، نرى أن سلوك أصحاب النبي قد امتاز بضبط النفس وبعزة أكبر. وقد تجنبوا توجيه أسئلة مريبة له في أمور الدين. وكان هو وأتباعه متمسكين بالتعاليم الواردة في الآية:

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (طه: 115){وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} (الكهف: 69)

التفسير:

تبين الآية أنه لم يكن من السهل على اليهود قبول النبي محمد ، فقد أدخل الإسلام تعاليم جديدة، وجاء بأهداف جديدة، بينما ظل اليهود على تحاملهم وأفكارهم المسبقة، معتبرين أنفسهم شعب الله المختار والوارثين الوحيدين للعلوم الإلهية. لذا كان من الصعب عليهم أن يبدلوا هذه الأفكار دفعة واحدة. فقد قبل العرب.. الذين لم يكن لهم سابق اختبار بالوحي الإلهي، ولم تكن لديهم معتقدات ومبادئ مقررة.. قبلوا النبي بلا تأخير بينما أحجم اليهود مترددين. ولقد كان إعراضهم عن الإيمان بعيسى للأسباب نفسها.

قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (الكهف: 70)

التفسير:

يظهر من هذه الآية كذلك أن سفر موسى كان رؤيا، بالنظر لكونه نبيا مستقلاً لا يمكن أن يلزم نفسه بإطاعة شخص آخر مهما كانت مرتبة الروحية في أمور شرعية. فقد كان موسى قائد وزعيم شعبه من قِبل الله تعالى، فلا يمكن أن يبحث عن إرشادات وتوجيهات من أية جهة غير القدرة الإلهية. كذلك تشتمل الآية على الإشارة بأنه سيكون من واجب أتباع موسى المعاصرين للنبي أن يؤمنوا به. وربما إلى هذا الأمر يشير الحديث ” لو كان موسى وعيسى حيَّينِ لما وَسِعَهما إلا اتِّباعي”. (ابن كثير).

قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (الكهف: 71)

التفسير:

تثبِت هذه الآية ضمنيا التفوُّقَ الروحي للنبي على موسى . فبينما ظل موسى يسأل رغم تعهده بأن لا يسأل بعد، نرى النبي.. في معراجة.. قد لزم الصمت بمجرد أن طلب إليه جبريل ذلك بدون أي تعهد سابق بشيء.

Share via
تابعونا على الفايس بوك