بالله عليكم يأيها المغرضون.. لا ترتكبوا الجرائم والمظالم باسم حبيبنا المصطفى

بالله عليكم يأيها المغرضون.. لا ترتكبوا الجرائم والمظالم باسم حبيبنا المصطفى

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • قتل المصلين في حرم مساجد الله لهو أكبر إثم واجرام
  • سيبقى المسلمون الأحمديون في باكستان يرفعون راية التوحيد رغم أنف الظالمين

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

إن الأحداث التي وقعت في لاهور بباكستان في الأيام الأخيرة -حيث استُشهد المسلمون الأحمديون بمنتهى الظلم والوحشية وهم يؤدّون صلاة الجمعة- قد ضرب فيها الظالمون أبشع أمثلة الوحشية حيث سفكوا دماء مصلين بينهم شاب يبلغ من العمر 17 أو 18 عامًا وعجوز يبلغ 92 أو 93 عامًا، بينما سمح المسؤولون عن تنفيذ القانون بإراقة هذه الدماء البريئة لمصلحة لهم، فلم يسارعوا لإغاثة المظلومين في حينها؛ ولو فعلوا ذلك فلربما أُنقذت أرواح غالية عديدة.

على أية حال، وكما قلت من قبل وكما قال معظم الأحمديين، فليس رَدُّ فعلِنا إلا قولنا: إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله. فإننا لا نتوسل إلا إلى الله الذي يجيب دعاء المضطرّ كما أعلن بنفسه بأنه هو الذي يقبل دعاء المضطرّين ويكشف الضرَّ عنهم، ويدفع الأذى عن المظلومين الذين تضيق عليهم الأرض بما رحبت، والذين يبتهلون إليه في اضطرار واضطراب، حيث قال :

  أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ الله قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (النمل:63)..

أي أخبِروني: مَن ذا الذي يستجيب دعاء المضطرّ الذي لا يملك حيلة، إنه هو الله الذي يرفع عنه الأذى، وهو الذي سيجعلكم، يا مَن تبتهلون إليه، ورثةَ الأرض كلها في يوم من الأيام. أهناك معبود سوى هذا الإله ذي القدرة المطلقة؟ قليلا ما تتذكرون.

فإننا نحن المسلمين الأحمديين نؤمن بهذا الإله الذي يملك القوة كلها، والذي يتصف بالصفات الكاملة كلها، لذا فمن المحال أن نقول إن الله تعالى كان يجيب المضطر في الماضي ولكنه لا يجيبه الآن، ويستحيل أن نقول إنه تعالى كان يجعل الخلفاء مباشرةً في الماضي– الذين جاءوا في صورة أنبياء- أما الآن فقد تعطلت فيه هذه الصفة، كلا، بل إنه تعالى قادر اليوم أيضًا على أن يجعل من يشاء كليمًا، وبالفعل قد تجلى بصفته هذه في هذا العصر أيما جلاء فجعل سيدَنا المسيح الموعود خاتَمَ الخلفاء. فالله الذي قد بعث المسيح الموعود اليوم سوف ينجز ما وعده به يقينًا، ولسوف يستجيب أدعية أتباعه المتضرعة حتمًا، بل إنه يستجيب لها فعلاً.

غير أن الله تعالى يمكن أن يشرّف بمكالمته ومخاطبته مَن يتّبع النبي حق الاتّباع فيبوّئه مقام النبوة، وبالفعل قد بوّء المسيحَ الموعود هذا المقامَ، لكي يكشف للناس التعاليم الحقة التي نزلت على النبي والتي كانوا قد نسوها على مر العصور…

يقول سيدنا المسيح الموعود :

“المضطرّ في كلام الله تعالى إنما يعني مَن يُلقَى في الضر اختبارًا لا عقابًا”.

وبناء على ما رأيناه من شهادة الله الفعلية ومِن مشاهد استجابته لأدعيتنا فإننا نوقن على وجه البصيرة أننا نُلقى في الابتلاءات بأمر الله تعالى حتمًا، ولكن لا على سبيل العقاب، بل لاختبار قوة إيمان المؤمنين منا، فتاريخ جماعتنا الممتد إلى 121 عامًا لشاهدٌ على أنه كلما ابتلى الله تعالى أبناءها بقدرٍ منه زادهم ثباتًا ووجّههم إلى الدعاء والابتهال، ثم استجاب أدعيتهم المتضرعة وصرخاتهم الأليمة وجعلهم يقطعون ثانيةً أشواط التقدم والازدهار أكثر من ذي قبل، محققًا فيهم قوله: وبَشِّرِ الصابرين . فهل تظنون أن الله تعالى لن يستجيب لتضرعات أبناء الجماعة اليوم وهم يتعرضون في باكستان للاضطهاد الذي ظهر في أبشع أشكاله وأبغضها في الهجوم الشرس الذي شُنّ عليهم، في اثنين من بيوت الله، وفي وقت كانوا يعبدون الله فيه، ثم ظلوا أثناء الهجوم صابرين بهمة وثبات داعين الله تعالى باضطرار وابتهال، بل لا يزال الأحمديون في كل مكان من العالم في قلق واضطراب ويتضرعون إلى الله تعالى باكين مبتهلين. أقول: أتظنون أن الله لا يستجيب لأدعيتهم المتضرعة؟ كلا، بل إنه سيستجيب لهم بإذنه حتمًا، فهذا وعدٌ منه. أتحسبون أن غيرة الله لن تثور على هذه الفظائع التي صُبّت ولا تزال تُصَبّ على الذين يرفعون اسم الله تعالى؟ كلا، بل إنها ستثور يقينًا، نعم إنها ستثور يقينًا، نعم إنها ستثور يقينًا.

لماذا يُصَبّ هذا الظلم على المسلمين الأحمديين يا ترى؟ إنما سببه أن المعارضين يقولون لنا: تَخَلَّوا عن المفهوم الحقيقي لـ “لا إله إلا الله محمد رسول الله” واتّبعوا المفهوم الذي نؤمن به، والذي فيه إساءة إلى الله ورسوله. فأقول لهؤلاء القوم: اعلموا أن المسلم الأحمدي يمكن أن يرضى بضرب عنقه، ولكنه لن يطيق الإساءة إلى الله ورسوله . إنه لن يقبل تحديدا وقصرًا لصفات الله تعالى، ولن يطيق التقليل من مكانة محمد رسول الله أفضلِ الرسل وخاتم النبيين . فإننا عندما نعلن أن: “لا إله إلا الله” فنعني أن ربنا هو المعبود الحق منذ الأزل وسيظل كذلك إلى الأبد، ونعلن أن جميع صفات معبودنا الحقيقي يمكن أن تتجلى –بل إنها تتجلى فعلاً- اليومَ كما كانت تتجلى من قبل، فإنه قد بعث عبدًا مختارًا له في هذا العصر أيضًا كما كان يبعث عباده المصطفين مع وحيه وإلهامه لإصلاح الأمم الفاسدة في الماضي. في الماضي كان الله يرسل أنبياءه بشريعة جديدة حينًا، وبدون شريعة جديدة حينًا آخر، إلا أنه تعالى قد أكمل الشريعة ببعثة النبي وإنزال القرآن الكريم عليه، فهو المنهج الكامل المتكامل الكفيل بسد حاجات البشر في كل عصر إلى يوم القيامة، غير أن الله تعالى يمكن أن يشرّف بمكالمته ومخاطبته مَن يتّبع النبي حق الاتّباع فيبوّئه مقام النبوة، وبالفعل قد بوّأ المسيحَ الموعود هذا المقامَ، لكي يكشف للناس التعاليم الحقة التي نزلت على النبي والتي كانوا قد نسوها على مر العصور، ولكي يبين للعالم أننا حين نقول “لا إله إلا الله” فلا نرددها بلساننا فحسب، بل نعلن أن معبودنا هو ذلك الإله الذي لا يزال حتى اليوم متصفًا بصفاته الكاملة كما كان من قبل الأزل، والذي هو قادر اليوم على استجابة أدعية الذين يخلصون لدينه ويريدون إرساء وحدانيته كما كان من قبل، لذا فيمكن أن يبعث في الدنيا -بل قد بعث فعلا- شخصًا يكشف وجه الإله الحق الواحد الأحد لأهل الدنيا. إذ ما الفائدة في أن نظلّ نقرّ بلساننا أن “لا إله إلا الله” ونقوم بعبادته، ومع ذلك لا يستجيب لأدعيتنا التي نبتهل فيها لغلبة دينه وإرساء حُكمه في العالم؟ وما الجدوى من ابتهالاتنا التي نصرخ فيها قائلين ربنا قد ساءت حالة أتباع دينك الكامل والأخير، فابعثْ مَن يعود بهم إلى أعتاب معبودهم الحق ويجعلهم عباد الرحمن مرة أخرى، فيرد الله علينا -والعياذ به: لا شك أنني أنا المعبود الحق، ولكني لن أجيب دعاءكم هذا.

ترون المسلمين غير الأحمديين يصرخون حتى اليوم أنه لا بد من نظام الخلافة لإخراج سفينة الإسلام إلى بر الأمان، ومع ذلك يقولون عن خاتم الخلفاء الذي بعثه الله تعالى اليوم بقلبٍ متفانٍ في حب النبي : كلا، من المحال أن يبعث الله الآن شخصًا بهذا القدر والمنزلة.

ولم يتبوأ المسيح الموعود هذا المقام.. أعني درجة المسيحية وإمامة هذا العصر.. إلا ببركة حبه وطاعته الكاملين للنبي ….

فالحق أن عندنا إدراكًا تامًا لقولنا “لا إله إلا الله”، ذلك أننا حين أعلنّا أن لا معبود سوى الله تعالى وأنَبْنا إليه وعبدْناه، فإنه تعالى قد أجابنا وقال: ها قد استجبتُ ابتهالاتِكم فأرسلتُ العاشق الصادق لمحمد رسول الله لتوطيد وحدانيتي في هذا العصر، فاذهبوا وكونوا من أنصاره في سبيل نشر وحدانيتي في العالم وللقضاء على أي نوع من الشرك في الدنيا. ولكن معارضينا لا يطيقون ذلك فيقولون لنا: يمكنكم أن تقولوا مثلنا بألسنتكم فقط: “لا إله إلا الله”، ويمكنكم أن تعلنوا بأفواهكم أن لا معبود سوى الله، ولكن لا تقولُنَّ إن الله قادر على أن يرسل إلى الدنيا مصلحًا أو مسيحًا أو نبيًا، استجابةً لأدعيتنا وابتهالاتنا.

فأقول: اسمعوا وعُوا يا مناهضي الأحمدية، إن إلهكم ومعبودكم يمكن أن يكون محدودَ القدرات هكذا، أما إلهنا الأحد والمعبود الحق فهو متصف بالصفات الكاملة كلها، ومالكٌ للقوة كلها، ومن المحال أن نتخلى عن هذا الإله أبدًا أبدًا أبدًا، وإنْ قُطعت رقابنا.

ثم إنكم أيها المعارضون، تريدون منا أن ننكر أن محمدًا هو رسول الله الخاص الذي لا بد للإنسان من الإقرار برسالته حتى يصح إقراره بوحدانية الله وكونِه المعبود الحق، أما بدون ذلك فمن المستحيل الآن وإلى يوم القيامة أن يحظى أي إنسان بقرب الله تعالى، وأن تبلغ الأدعية معراج القبول عند الله تعالى. اعلموا أن الله تعالى أكثرُ استجابةً لدعاء الذين هم أحبُّ إليه، والوصفة التي منحنا الله إياها لاستجابة الدعاء من خلال الإعلان الذي قام به على لسان رسوله في القرآن هي:

  إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله (آل عمران:31).

فما دمنا نعلن بحب الله تعالى فمن المحال أن لا نستوعب سمو مكانة النبي ، ولا نكون مستعدّين لاتّباعه اتّباعًا كاملاً. ولم يتبوأ المسيح الموعود هذا المقام.. أعني درجة المسيحية وإمامة هذا العصر.. إلا ببركة حبه وطاعته الكاملين للنبي ، فقد قالت الملائكة -في المشهد الذي رآه حضرته في الكشف بهذا الشأن قبل تشرُّفه بهذا المقام- مشيرين إليه: “هذا رجل يحب رسول الله”. وقد شرح حضرته هذا الوحي فقال هذا يعني أن أكبر شرط لنيل هذه الدرجة إنما هو حب رسول الله ، وأن الملائكة أعلنت أن هذا الرجل هو أشد الناس حبًا للرسول . فالحق أن سيدنا المسيح الموعود إنما بلغ هذا المقام نتيجة إدراكه السليم لمكانة محمد رسول الله ، ومن خلاله تيسر له هذا الإدراك أيضًا.

يقول حضرته :

 ” لقد نلتُ -بفضل الله لا نتيجة جهدي وجدارتي- حظًا كاملاً من تلك النعمة التي أُعطِيَها الأنبياءُ والرسل والأخيار قبلي، وكان محالاً أن أنال هذه النعمة لو لم أتّبع سبل سيدنا ومولانا وفخر الأنبياء وخير الورى محمد المصطفى .”

ويقول أيضًا:

“إن كل ما نلتُه إنما نلتُه ببركة اتّباعي له ، وإني أعلم -بما عندي مِن علم حق وكامل- أن من المحال أن يصل أحد إلى الله تعالى ويحظى بالمعرفة التامة بدون اتّباع هذا النبي .”

 إذًا، فبواسطة إمام هذا العصر الذي أرسله الله مسيحًا ومهديًا قد تيسر لنا هذا الإدراك لسموّ مكانة النبي ، أعني إدراكنا أن الله تعالى يُدخل عباده -نتيجة اتّباعِهم للنبي حقًا وتفانيهم في حبه حقًا والعملِ بحسبه حقًا- في زمرة الذين أنعم الله عليهم ويجعلهم نتيجة إنعامه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. أي أنهم يتبوأون مقاماتهم العالية فعلاً.

إذن، فإننا نؤمن أن الذين يعرفون سموّ مكانة محمد رسول الله معرفةً صادقة ويحبونه حقًا، فإن الله تعالى قادر على أن يمنحهم مراتب هؤلاء القوم الذين هم أقرب الناس إليه، بل يمنحهم إياها فعلاً، بينما يقول لنا المعارضون، عليكم أن تعرّفوا مكانة النبي خلافًا لهذا التعليم القرآني وإلا فسنضرب أعناقكم. إذا كنتم جاهزين للعمل بـ “لا إله إلا الله” بحسب مفهومنا فبها ونعمت، وإلا فاستعِدّوا للموت، وإذا كنتم جاهزين لتعريف محمد بحسب مفهومنا فبها ونعمت، وإلا فاستعدّوا للقتل. وجوابنا للمعارضين هو: نُقسم بهذه الشهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” – التي ستفصل بيننا وبينكم يوم القيامة فيما إذا كنا أو أنتم مَن يفي بها- أنه يمكنكم أن تصبّوا علينا ما شئتم من ظلم وجور واضطهاد مغرورين بقوّتكم الفانية وبمساندة الحكومات، إلا أننا نُشهِد الله على أن مفهوم الشهادتين الحقيقي الذي نفهمه هو الذي يبشّر بالجنة في الحياة الآخرة الخالدة. والحق أنه مِن هاتين الشهادتين وبتفهيم الله تعالى قد تيسر للمسيح الموعود الفهم الحقيقي لختم النبوة، ثم علّمنا إياه. فكلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” هي نداء قلوبنا في هذه الدنيا، وهي التي ستشهد لنا في الآخرة آخذةً أعداءنا من تلابيبهم.

…وإننا نعلن بأعلى صوتنا أن بعثة المسيح المحمدي تكشف عظمة مقام ختم نبوته ، لأن تشرُّف فردٍ من أمته بهذا المقام السامي لدليلٌ على علوّ شأنه . وقد بيَّن سيدنا المسيح الموعود هذا المعنى في بيت شعر له تعريبه:

إن شأن أحمد ( ) لأرفعُ من التصور والخيال، إذ ترون أن خادمه قد صار مسيحَ الزمان.

فنحن الذين نثبت ونؤكد سموّ مكانة سيدنا محمد المصطفى وأحمد المجتبى متمسكين بهذا التعليم السامي، وإننا لن نتوانى ولن نتردد في إرساء عظمة محمد خوفًا من تهديد شيخ أو عالم أو حكومة بنهب أموالنا وإزهاق أرواحنا، أو رعبًا من فتاوى قتلِنا أو برؤية أحبّائنا يُستشهدون بالقنابل وطلقات الرشاشات. إننا نعلم أن العدو لن يرتدع أبدًا عن تصرفاته الغاشمة الدامية، لأن هذا هو ديدنُ إخوان الشيطان، غير أن ما يحزّ في قلوبنا هو أن هؤلاء الظالمين يرتكبون هذه الفظائع باسم رسولي الحبيب الذي هو أمير السلام والمحسنِ إلى الإنسانية . إن هؤلاء الظالمين يحْرمون الضعفاء من كل سندٍ باسم هذا الرسول العظيم الذي جاء سندًا للضعفاء ومأوى للأرامل والأيتام، فيمارسون هذا الظلم ليجعلوا الأطفال يتامى والعرائس أرامل، ثم يوزّعون الحلويات فرحًا على هذه الجريمة. إن هؤلاء الظالمين ينتهكون حتى أبسط القيم الإنسانية وباسم ذلك الرسول العظيم الذي جعل الجاهلين الهمجيين أناسا ربانيين. أيها الظالمون، بالله عليكم! بالله عليكم!  لا تشوِّهوا سمعة رسولي الحبيب . إذا كنتم لا تريدون الكفّ عن تصرفاتكم الغاشمة بسبب فطرتكم الممسوخة فهذا شأنكم، وإذا كنتم لا تتورعون عن هذا الظلم والوحشية فلا تتورعوا، وإذا كنتم تريدون صبّ كل ظلم وجور على المسلمين الأحمديين الأبرياء فافعلوا كما يحلو لكم، وإذا كنتم تأتون هذه الموبقات إرضاءً لحكومة فافعلوا كما بدا لكم، ولكن بالله عليكم لا ترتكبوا هذه الرذائل باسم رسولي الحبيب . إنكم أنتم الذين تسيئون إلى الشهادة الحبيبة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، لا الأحمديون كما تزعمون. وإن كنتم تظنون أنكم على الحق فتَضرّعوا إلى الله وابتهِلوا لكي يُري آيةً بحقكم، ولكن اعلموا جيدًا أن أدعيتكم وآهاتكم ضد هذا المحبِّ الصادق للنبي ، والذي بعثه الله في هذا الزمن الأخير، ستتبخّر كلها في الهواء. فقد تحدى سيدنا المسيح الموعود جميع معارضيه وقال إن الله لن يستجيب لأدعيتهم التي يدعون بها عليه، حيث كتب :

 “أقول للمشايخ المعارضين ومَن لفّ لفيفهم ونصيحةً لله: إن السب والشتم ليس من شيمة الشرفاء. فإن كانت هذه هي سجيّتكم فشأنكم. وإذا كنتم تحسبونني كذابًا فبإمكانكم أيضًا أن تدْعوا عليّ جماعاتٍ في المساجد أو فرادى، واسألوا الله تعالى استئصالي باكين مبتهلين، فلو كنتُ كاذبًا فلا بد أن تستجاب أدعيتكم -والحق أنكم تقومون بمثل هذه الأدعية دومًا- ولكن اعلموا أنكم حتى ولو ركّزتم على الدعاء عليّ حتى تنجرح ألسنتكم، وخررتم ساجدين بالبكاء والابتهال حتى تهترئ أنوفكم، وتتآكل حدقات عيونكم، وتسقط رموشها من كثرة الدموع، وتضعف أبصاركم من كثرة البكاء، حتى تصابوا بنوبات الصرع أو الماليخوليا مِن جراء ضعف الدماغ، فلن تُستجاب دعواتكم، لأنني جئت من عند الله تعالى، فكل من يدعو عليّ سوف ينقلب عليه دعاؤه، وكل من يلعنني فإنه لعنته ترتدّ عليه وتصيب قلبَه دون أن يشعر…. إن روحي تتّسم بذلك الصدق الذي أُعطيَه إبراهيم ، وإن لي مع الله تعالى نسبة إبراهيمية. لا يعرف سرّي غير الله. إن المعارضين يُهلكون أنفسهم عبثًا، فلستُ بغراس يمكن استئصاله بأيديهم. فلو اجتمع أسلافهم وأخلافهم وأحياؤهم وأمواتهم ودعوا لهلاكي فسوف يردّ ربي كل تلك الدعوات في وجوههم لعناتٍ. ألا ترون أن مئات الأعداء منكم ومئات العقلاء منكم يتركونكم وينضمّون إلى جماعتنا باستمرار. هناك ضجة في السماء وإن الملائكة تجذب القلوب الطاهرة إلينا. فهل بإمكان الإنسان أن يردّ قدر السماء هذا؟ وإن كان فرُدّوه إن استطعتم، وامكروا كل مكر وكِيدوا كل كيد لجأ إليه أعداءُ الأنبياء ضدهم واسعوا جاهدين ولا تدّخروا وسعًا، وادعوا عليّ حتى تُشرفوا على الموت، ثم انظروا هل تضرونني شيئًا. إن آيات الله تنهمر من السماء كالمطر الغزير، لكن الأشقياء يعترضون من بعيد. فكيف نعالج قلوبًا قد طُبع عليها. اللهم! ارْحمْ هذه الأمة، آمين”. (أربعين رقم 4، الخزائن الروحانية مجلد 17 ص471- 473)

إن التصرفات الغاشمة التي يرتكبها أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية ضدها لدليل على أنهم عاجزون عن مواجهتها بالدعاء والبرهان، لذا فإنهم يريدون مقاومتها بالقوة والسلطان كما هو ديدن أعداء الأنبياء، فأقول لهم: حاربونا بقوتكم وبالحكومة التي تتباهون بهما، بل الحق أنكم لا تزالون تحاربون بهما منذ 121 عاما، فهل توقّفَ تقدُّم الأحمدية وازدهارُها؟ كلا، بل إن الأحمدية لا تزال تقطع أشواط التقدم والرقي في كل طرف وصوب، ويتوجه أصحاب النفوس الطيبة إلى الأحمدية بعد كل موجة من المعارضة، بل قد انضم بعد أحداث الاضطهاد الأخيرة العديدُ من ذوي الفطرة النقية إلى الأحمدية.. الإسلامِ الحقيقي، فلا تزال تأتيني بيعات كثيرة بعد فاجعة لاهور. لا شك أن هذه الفئة المثيرة للفتن قد ازدادت عداءً وبذاءةً بعد هذه الحادثة، ومع ذلك يتوجه الناس إلى الأحمدية بعد أن سمعوا عن هذه المجزرة.

وإذا كنتم تريدون صبّ كل ظلم وجور على المسلمين الأحمديين الأبرياء فافعلوا كما يحلو لكم، وإذا كنتم تأتون هذه الموبقات إرضاءً لحكومة فافعلوا كما بدا لكم، ولكن بالله عليكم لا ترتكبوا هذه الرذائل باسم رسولي الحبيب .

ومن الغريب المؤسف أن القنوات التلفزيونية تبثّ برامج هؤلاء المعارضين المليئة بالسباب والبذاءة دونما رادع ووازع، أما إذا رغبت إحدى القنوات في استضافة الأحمديين لبيان تفاصيل الفاجعة في ضوء الحقائق، أو لبيان مساهمات الأحمدية في تأسيس باكستان، فإن البرنامج يلغى فيما بعد بحجة عدم السماح به من قِبل الجهات المعنية وذلك إما خوفًا من المشايخ أو من الحكومة، أو يقول مسئولو القناة نفسها من عند أنفسهم أنه لم يُسمح لهم بهذا البرنامج. ذلك أنهم يعلمون جيدا أنه إذا أتيحت للجماعة الفرصة لبيان موقفها فسوف تتمزق الحجب التي وضعها المشايخ المزعومون على عيون العامة بدعايتهم المسعورة ضدنا، وسينقطع رزقُهم الذي يكسبونه بكيل الشتائم للأحمديين واستعمال اللغة النابية البذيئة ضد سيدنا المسيح الموعود . فالحق أن هؤلاء المشايخ المغرضين قد جعلوا باكستان رهينةً لسوء حظها، والحكومات هي الأخرى قد اتخذت هؤلاء المشايخ آلهةً لها وتغضّ الطرف عن تصرفاتهم الغاشمة.

فيا مَن تتمادون في الظلم مغرورين بقوتكم وكثرتكم، اتقوا الله الذي يقول:

  سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ،

فلا تستعجلوا هلاككم بتصرفاتكم هذه. استمِعوا إلى نداء المحب الصادق للنبي الذي هو منادي هذا الزمان، فهو آيةٌ من آيات الله. ولا تظنّوا أن عداوتكم له لن تضرّكم شيئًا، ولا تعتبروا هذه المهلة التي يمنحكم الله انتصارًا لكم، فإنما تُعطَونها بحسب وعد الله تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ . هلا تدبرتم كلماتِ الإنذار الإلهي التالية حيث قال : إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ . فاعلموا أن الله تعالى حين يكيد بالمعتدين فإنه يحيط بهم  من حيث لا يحتسبون. إننا لا نعرف كيف يكيد الله بهؤلاء الظالمين، ولكننا على يقين أن الله يُنجز وعده دائمًا، ولسوف ينجزه بحقنا أيضا بإذنه.

يقول سيدنا المسيح الموعود : “إن الذي يحارب المبعوث الرباني فهو لا يحاربه وإنما يحارب اللهَ تعالى. واعلموا أن الله بطيء في العقاب، ولكن الذين لا يكفّون عن شرورهم ويعادون رسولَه ويؤذونه بدلاً من الخرور على أعتاب الله معترفين بذنوبهم، فإن الله يبـطش بهم في نهاية المطاف يقـينًا.

فلو قيل للمؤمن الصادق إنك لن تنال شيئا نتيجة أعمالك، وليس هناك جنة ولا نار، ولا راحة ولا متعة، فإنه لن يتواني مع ذلك في فعل الخيرات ولن يتخلى عن حب الله تعالى، لأن عبادته وعلاقته مع الله وتفانيه في طاعته لا تكون طمعًا في جزاء أو أملاً في أجر.

فيا أيها الأحمديون، لا تنـزعجوا من هذه الاعتداءات، لأن هذا هو قدر الجماعات الإلهية منذ الأزل، ففوِّضوا أمر هؤلاء الظالمين إلى الله تعالى. أما تقدُّم الجماعة الإسلامية الأحمدية فلم يتوقف بمثل هذه الأحداث في الماضي قط ولن يتوقف أبدا في المستقبل أيضا إن شاء الله. إننا نؤمن أن الله سيعاقب الظالمين حتمًا، نعم إنه سيعاقبهم يقينًا. أما نحن فعلينا أن نُنيب إلى الله تعالى ونسترحمه، فإننا قد أعلنّا:

  رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فآمَنّا ..

أي لقد استجبنا لنداء مناد قال لنا: آمِنوا بأن لا إله لكم إلا الله، آمِنوا أن ربَّ السماوات والأرض هو الله ذو القوة المتينُ. آمِنوا بأن خالق السماوات والأرض وما بينهما وربَّها هو الله . آمِنوا بأن النبي هو أفضل الرسل وخاتم النبيين وأن الشريعة قد اكتملت عليه. آمِنوا بأن القرآن الكريم هو الشرع الأخير الذي أنزله ربُّ العالمين على سيدنا محمد . آمِنوا بأن الملائكة حق وأنها لا تزال تقوم بالمهامّ الموكولة إليها اليوم كما كانت تقوم بها في الماضي، وأن الملائكة التي كانت تتـنـزل بالوحي والإلهام ما زالت تعمل اليوم بنشاط كما كانت تعمل في الماضي، وأن تأييداتِ روح القدس لا تزال ترافق المبعوثين الربانيين اليوم كما كانت ترافقهم في الماضي. آمِنوا بأن الكتب نزلت على أنبياء الله السابقين. آمِنوا بأن جميع الرسل كانوا من عند الله تعالى حيث جاء بعضهم بشريعة جديدة وكتاب جديد وبعضهم جاء لنشر شريعة النبي السابق. آمِنوا بأن الرسل كلهم من عند الله وأن كلهم سواسية من هذه الناحية. آمِنوا بأن الله تعالى قد أرسل حسب وعده ذلك المبعوث التابع للنبي الذي كان سينـزل في الآخرين تحقيقًا لنبوءة القرآنِ والنبيِّ .

بعد سماع كل هذه الأمور مِن هذا المنادي لَبّيناه قائلين: فَآمَنَّا . فيا أيها المسيحُ الموعود والإمامُ المهدي، ويا أيها المحب الصادق للنبي ، إننا نؤمن بأنك نفس المهدي الذي كان الله تعالى قد وعد بإرساله في هذا الزمن، وإننا نعاهدك أيها المسيح الموعود أننا سنطيعك طاعة كاملة ونتّبع الشريعة الكاملة التي نزلتْ على النبي محمد والتي قد عهِد اللهُ إليك مهمة نشرها في العالم في هذا الزمن.

ويا الله، يا مجيب الدعوات، ويا مَن هو الغفور الرحيم، نسألك معترفين بذنوبنا التوفيقَ للوفاء بهذا العهد إلى آخر لحظة من حياتنا، ذلك العهد الذي قطعناه مع مبعوثك حين بايعناه.

  رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ .

إننا لا نستطيع الوفاء بعهد البيعة ما لم نستغفر الله من ذنوبنا على الدوام وما لم نسعَ لنتجنّب السيئات. لن تكون وفاتُنا مع الأبرار ما لم نراقب أعمالنا وما لم نسعَ جاهدين للوفاء بعهد البيعة كل حين وآن.

ما أسعَدَنا أولئك الذين وفّوا بعهد بيعتهم ونالوا من الله شهادة الرضوان! إننا نسمع قصص هؤلاء الشهداء في هذه الأيام، وقد كتب لي بعض الأحمديين في رسائلهم أننا نسمع ذكر الشهداء في خطبكم وإننا نعرف بعضا منهم معرفة شخصية وإننا لنشهد على أن كل واحد منهم قد وفّى بعهده حقًّا، وأنه نجم مضيء بلا ريب. هناك نجوم، مثل النجم القطبي، تهدي الناس في ظلمات البر والبحر، أما هؤلاء الناس فهم يهدوننا إلى سبل مرضاة الله تعالى، وإلى الزروع المخضرّة من الحب والوفاء. لا شك أن هؤلاء قد أوفوا بعهد البيعة.

يقول سيدنا الإمام المهدي بعد ذكر استشهاد صاحبزاده عبد اللطيف:

“يتقوى أملي بجماعتي كثيرا، لأن الله وفّق بعضًا من أبنائها للتضحية بأرواحهم إضافة إلى إنفاق أموالهم في هذا السبيل، مما يكشف جليًا أن مشيئة الله تريد أن تخلق في هذه الجماعة أناسا كثيرين يتحلون بروح كروح صاحبزاده المولوي عبد اللطيف الشهيد.”

ثم يذكر كشفًا له ويقول:

 “رأيت أن غصنًا عاليًا لشجرة السَرْوِ قد قُطع من حديقتنا، فقلت: ازرعوه في الأرض ثانية حتى ينمو ويزدهر.”

 ثم طبّق حضرته هذا الكشف على حادث استشهاد صاحبزاده عبد اللطيف فقال:

“ففسّرت الكشف المذكور أن الله تعالى سوف يخلق في جماعتي أناسا كثيرين يقومون مقامه. وإنني على يقين أن تفسير كشفي هذا سيتحقق في حين من الأحيان.” (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية المجلد 20)

فمما لا شك فيه أن هذا الكشف ينطبق على الذين أوفوا بعهدهم مضحّين بأموالهم وأنفسهم، فهم الفروع المتفرعة من ذلك الغصن الذي زُرع في الأرض بصورة صاحبزاده عبد اللطيف الشهيد . إن الله تعالى أعلمُ مَن سيهبه الله درجة الشهادة ومن ذا الذي سيوفِّقه الله للخدمة في مجال آخر، ولكن ما يجب على كل واحد منا اليوم هو أن يسعى للفوز بقرب الله تعالى، وذلك بالوفاء بعهد بيعته وبالسعي جاهدًا لأن يُحدِث في نفسه ذلك الانقلاب الروحاني العظيم الذي كان المنادي الرباني   في هذا العصر يريد منا أن نُحدِثه في أنفسنا، أعني ذلك الانقلاب الروحاني وتلك العلاقة بالمسيح المحمدي التي كان الشهيد صاحبزاده عبد اللطيف يتحلى بها. لذا فعلينا أن نبذل كل ما في وسعنا لنكون صورة متجسدة لشهادة أن “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وإلا فإن قولنا

  ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان

سيكون هتافا فارغا.

ماذا يريده المسيح الموعود منا؟ وما هو الطريق الذي دلّنا عليه لتكميل إيماننا؟ هذا ما سأتناوله الآن بإيجاز.

يقول حضرته : “إن الأمر الأساسي الذي يدل على إيمان المرء هو الإيمان بالله تعالى. وهذا الإيمان لا يبلغ درجة عليا ما لم يحب المرء اللهَ تعالى حبًا خالصًا.”

فالمسلم مَن سلّم لله تعالى وجوده كله ونذر له حياته كلها  ابتغاءَ مرضاته، وكانت غايته الوحيدة من حيث المعتقد والعمل هي الفوز برضا الله فقط. إن المؤمن الحقيقي يحب الله تعالى موقنًا أن ربه الحبيب هو خالقه ومالكه، فيضع عنقه على أعتابه تعالى. فلو قيل للمؤمن الصادق إنك لن تنال شيئا نتيجة أعمالك، وليس هناك جنة ولا نار، ولا راحة ولا متعة، فإنه لن يتوانى مع ذلك في فعل الخيرات ولن يتخلى عن حب الله تعالى، لأن عبادته وعلاقته مع الله وتفانيه في طاعته لا تكون طمعًا في جزاء أو أملاً في أجر.

ثم يقول :

“عليكم أن تتوبوا إلى الله توبة نصوحا وتُرضوه بصدقكم ووفائكم حتى لا تغيب شمسكم.”

إذن، فلا بد لنا من علاقة قوية مع الله تعالى لكي تبقى الشمس المحمدية طالعة مضيئة على الدوام ولكي ننتفع دائمًا من نورها الذي انتفعنا منه ببركة بيعتنا للمسيح المحمدي بينما لم ينتفع منه غيرُنا من المسلمين رغم طلوع الشمس المحمدية بدون انقطاع.

بعد أحداث الإرهاب والعنف الأخيرة لا أزال أتلقى رسائل كثيرة يخبرني فيها أصحابها أن هذه الأحداث قد زادتهم قربًا من الله تعالى وقد زادتهم إيمانًا على إيمانهم، إلا أنه من واجب كل أحمدي الآن أن يثابر على بلوغ المزيد من مدارج قرب الله تعالى، وعندها ستنظرون كيف يحقق الله -الذي هو ربنا والذي يملك القدرة كلها- الوعود التي قطعها مع المسيح الموعود ، وكيف يسارع إلى تأييدنا وكيف يردّ في نحور الأعداء كل مكر يمكرونه وكل كيد يكيدونه. لقد رأينا إلى يومنا هذا التأييدات الربانية الفعلية بحق جماعة هذا المسيح المحمدي، وهذا ما يعترف به الأعداء أيضا، فإن الله تعالى قد حمى الجماعة الإسلامية الأحمدية دائما، وكان ولا يزال يرشدها إلى سبل جديدة للتقدم والازدهار، ولسوف يفعل كذلك  في المستقبل أيضا.

يقول المسيح الموعود : “يوجد في الوقت الحالي فريقانِ اثنان بفضل الله تعالى، فمن ناحية ترى جماعتنا بكامل انشراح صدر أنها على الحق، ومن ناحية ثانية يرى أعداؤنا مِن جراء غلوّهم أن كل أنواع الوقاحة والكذب جائز لهم ضدنا. لقد رسّخ الشيطان في قلوبهم أن لا بأس في ممارسة أي نوع من الافتراء والبهتان بحقنا، وليس جائزا فحسب بل هو مدعاة للثواب.

أقول: إن هذا الأمر يحدث اليوم أيضا، فقد أخبرني أحد الإخوة أن قريبًا له ركب سيارة الأجرة ذات يوم بعد هجوم الإرهابيين على مسجدنا في لاهور، فسأل سائقَ السيارة وهما يتجاذبان أطراف الحديث: ألا ترى أن ما جرى للأحمديين هو ظلمٌ حيث أُطلِقت عليهم النيران في المسجد؟ فقال السائق: كلا، بل إن ما حدث صحيح تماما إذ كان هؤلاء ينسجون في معبدهم مؤامرة خطيرة كان من شأنها أن تدمِّر الأمة الإسلامية بأسرها -والعياذ بالله.

الواقع أن هؤلاء المشايخ المزعومين قد قاموا بغسل عقول العامة الذين يجهلون الحقيقة ورسّخوا في أذهانهم هذه الأمور وغيرها من البهتانات بترديد قصصهم المزورة ضد الأحمدية مرة بعد أخرى، وذلك تبريرًا لاضطهاد أبنائها.

على أية حال، يقول المسيح الموعود بهذا الصدد لقد فقد هؤلاء التمييز بين الصدق والكذب، لذا يجب أن لا نهدر جهودنا في التصدي لهم.. يعني أنه لا حاجة بنا للرد على تُهمهم بل يجب أن ننتظر حكم الله، والحري بنا أن نبذل أوقاتنا في الدعاء والاستغفار بدلاً من إضاعتها في الرد على بذاءتهم وسبابهم. غير أن نشر الدعوة واجب علينا لأن كثيرا من أصحاب الفطرة السليمة يريدون معرفة الحقيقة، فلا بد أن نرشدهم إلى الحق. وبالفعل إن الناس يأتوننا من تلقاء أنفسهم بعد رؤية ما حدث، لذا فإن مهمة نشر الدعوة سوف تستمر في كل الأحوال. ولكن ليس صحيحا أن نتصدى لهؤلاء المشايخ ونردّ على كل ترهاتهم وشتائمهم، بل علينا أن نبذل هذا الوقت في الدعاء والاستغفار، ولا حاجة للخوض في النقاش العقيم مع هؤلاء علماء السوء ذوي الألسنة السليطة، لأنهم لن يؤمنوا بحال من الأحوال، لأن في ذلك انقطاع أرزاقهم.

إذًا، فلو انصرفنا إلى الأدعية وقمنا بها حقَّ القيام، ولو عملنا حقًا بتعاليم المسيح المحمدي إمامِ هذا العصر، وأحدثنا في أنفسنا تغييرات طيبة يتوقعها منا، وزيّنّا ليالينا بالدعاء والابتهال، خاضعين لله تعالى مستغفرين، فلن تضرّنا شيئًا هذه المعارضةُ والاضطهادات الهادفة لإضعاف أسس الجماعة، بل سوف تجني الجماعة في المستقبل ثمارها في شكل نجاحها وازدهارها حتمًا ويقينًا، بل إنها لتَجنيها الآن أيضا، ولن تقدر قوة من قوى الدنيا –مهما كانت ومهما فعلت- على الحيلولة دون تقدم الجماعة وازدهارها. فلو ازددنا صلةً بالله تعالى باستمرار لرأينا نجاحات الجماعة الإسلامية الأحمدية العظيمةَ في حياتنا.

إن العدو غبي جدًا إذ يظن أن الخسائر التي نتكبدها في أموالنا ستُبعدنا عن ديننا. وإن العدو لأحمقُ وقليل الفهم إذ يزعم أن الخسائر التي نتكبدها في أرواحنا ستُضعف إيماننا. إنا لقوم قد كنا ولا نزال نضرب أمثلة رائعة مذهلة، فإن أرملة أحد الشهداء في لاهور قد أرسلت – يومَ الجمعة الذي تلا استشهاد زوجها – ابنَها البالغ من العمر 9 سنوات أو 10 إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة وقالت له: عليك أن تصلي الجمعة في المكان الذي استُشهد فيه والدك حتى تذكر دائما أنه قد استُشهد لهدف نبيل، ولكي يكون لديك شعور دائم أن الموت لا يقدر على أن يُخوّفنا أو يَثنِينا من تحقيق هدفنا العظيم.

وأقول: إن الأمم التي يولد فيها مثل هؤلاء الأولاد، والتي تقوم فيها الأمهات بتربية أولادهن على هذا النحو، لا تخاف الموت أبدا، ولا يستطيع عدو وأية قوة دنيوية أن تعيق تقدُّمها أبدًا. أما الخسائر في الأرواح والأموال فقد سبق أن أخبرَنا بها ربُّنا قبل 1400 عاما، كما سبق أن قدّم أصحابُ سيدِنا ومُطاعِنا محمدٍ المصطفى خاتَمِ الأنبياء أسوتَهم الرائعة بهذا الصدد، وعندما ربط الله الآخرين بالأولين أوضح أيضًا أن هؤلاء الآخرين سيضربون كالأولين أمثلة رائعـة في مجال التضـحيات. ثم بشّر الله تعالى الآخـرين بالفتوحـات والجنات أيضًا لقـاء هـذه التضحـيات بقوله تعالى: وبَشِّرِ الصابرين .

لا شك أن الأحداث الحالية التي قدّمت فيها الجماعة تضحية كبيرة، قد وجَّهتنا إلى الله تعالى أكثر من ذي قبل، ومِن واجبنا الآن ألا نَدَعَ جذوة هذه العاطفة النبيلة وهذه الحرقة الإيمانية تخبو، وألا ندَع هذه التضرعات والابتهالات أمام الله تخمد، وألا ندَع هذا المحاولات التي تتم لإحداث التغييرات الطيبة في نفوسنا تضعف، وألا ندَع تضحيات إخواننا -الذين ضحوا بأرواحهم ودلّونا على طرق جديدة للتضحية- تذهب سُدًى بحال من الأحوال. فلو صوَّبنا أفكارنا إلى هذا النهج لرأينا بإذن الله مشاهد نصرة الله بشكل خارق، ولسمعنا الله تعالى يقول بصوتٍ مُدَوٍّ يحيي القلوبَ الميّتة: ألا إن نصر الله قريب ، ولـرأينا بأُمِّ أعيننا تحقُّقَ البشارة الإلهيـة: إنا فتحْنا لك فتحا مبينا .

…عليك أن تصلي الجمعة في المكان الذي استُشهد فيه والدك حتى تذكر دائما أنه قد استُشهد لهدف نبيل، ولكي يكون لديك شعور دائم أن الموت لا يقدر على أن يُخوّفنا أو يَثنِينا من تحقيق هدفنا العظيم.

فاخضعوا أمام الله تعالى، واصرخوا بشدةٍ أمام ربكم الذي يملك القوة والقدرة كلها ويجيب الدعوات حتى يهتزّ عـرش الرحمن. وفّقـني الله وإياكم لمثل هذه الأدعية.

ربنا إننا ضعفاء ومقصرون ومع ذلك أَرِنا دائمًا كيف تحقّق ما وعدتَ مسيحَك والمحب الصادق لنبيّك . ربنا اصفحْ عن تقصيراتنا، واغفرْ لنا ذنوبنا، واحملْنا في حضن رحمتك. ربنا لا تجعلْ أي ابتلاء أو اختبار يُضعِف إيمانَنـا، بل زدنا إيمانًا على إيمانٍ دائما. اللهم اسـترْنا، ونجِّنا من شرور المعـارضين والمنـافقين، وارزقْنا النـصر والفتـح على المناهضين.

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ .

الآن سندعو معًا، فاذكروا في دعائكم كافة الشهداء وعائلاتِهم، وجميع الأسرى في سبيل الله أيضا. كان الله معكم وحماكم وأوصلكم إلى بيوتكم بخير وعافية. تعالوا اشترِكوا معي في الدعاء.

Share via
تابعونا على الفايس بوك