تحقق دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في شخص  المصطفى صلى الله عليه وسلم
  • دعاء سيدنا إبراهيم ع أن يصبح هو وأولاده وسيلة لإقامة الصلاة وأن يبارك في جهوده ع
  • إبتهال سيدنا إبراهيم ع لطلب المغفرة له ولأولاده.
  • إن الله يمهل ولا يهمل بالعذاب.
  • إن الله تعالى هو الذي يحدد النتائج على كل  عمل وهو سبحانه يفوق على كل كائن قوة وقدرة
__
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (الآية 41)

شرح الكلمـات:

مقيم الصلاةِ: قامَ الأمرُ: اعتدلَ. قام على الأمرِ: دام وثبت. وأقامت السوق: نفقت. وأقام الصلاةَ: أدام فعلَها. وأقام للصلاةِ: نادى لها. وأقام اللهُ السوقَ: جعلها نافعةً (الأقرب). فقوله ربِّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي يعني وفِّقنا لإقامة الصلاة واجعلنا الداعين إليها والمروِّجين لها.

التفـسير:

هناك سؤال يطرح نفسه: لماذا يقول سيدنا إبراهيم ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي.. بعد أن تشرّف بالنبوة ورُزق أولاداً شبّوا وكبروا ونذرهم لله تعالى؟ هل بعد كل هذا كان يشك في أنه ربما لن يستطيع إقامة الصلاة؟

والجواب: إنه لم يقصد هذا بالدعاء، وإنما كان يقصد أن يصبح هو وأولاده وسيلة لإقامة الصلاة وترويجها في العالم. ذلك أن إقامة الصلاة تكون فرديةً وقوميةً أيضاً. وسيدنا إبراهيم يقصد هنا أن يبارك الله في جهوده بحيث تكون دوما معه جماعة من مقيمي الصلاة خلال حياته، وكذلك مع أولاده في كل زمن، كي يساعده هؤلاء في إقامة الصلاة وترويجها على المستوى القومي في كل زمن، وذلك بحثّ الناس على الصلاة، وبهذا يصبح داعياً ومروِّجاً للصلاة إلى يوم القيامة.

هذا المقام أرفع وأعلى بكثير من مقام الذين يقيمون الصلاة بشكل ذاتي، لأنهم يقيمون صلاتهم فقط، أما سيدنا إبراهيم فيدعو ربّه أن يوفقه ليكون وسيلة لإقامة صلوات الناس جميعاً.

الواقع أن قول إبراهيم ومن ذريتي يمثل نبأً ودعاءً لبعث الرسول ، إذ يقول: كما وفّقتني يا ربّ أن أكون سبباً يساعد الناس على إقامة صلواتهم، كذلك أخرج من ذريّتي شخصاً يجعل الناس مقيمي الصلاة.

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ   (الآية 42)   

شرح الكلمـات:

اغفِر لي: غفَرَ الشيءَ غَفْراً: ستَرَه. غَفَرَ المـَتاعَ في الوعاء: أدخله وستره. غَفَرَ الشيبَ بالخِضاب: غطّاه. وغفر اللهُ له ذنبَه غفْراً ومغفرةً وغُفراناً: غطّى عليه. غَفَر الأمرَ بغُفْرته: أصلحه بما ينبغي أن يُصلَح به (الأقرب).

فالمراد من قوله ربّنا اغفر لي : 1. يا ربّ، استرني أي امحُ وجودي لينكشف وجودك للناس، أي اجعلني تجلياً من تجليات وجهك الكريم.

  1. غطِّ يا رب بَشَريَّتي برداء ألوهيتك.. أي لتكن نتائج جهودي لائقةً بعظمتك وشأنك.
  2. أصلِحْ لي الأمور كلها، واستر تقصيرات أولادي وحقّق لهم الرقي كما وعدتني.

التفسـير:

ثمّة سؤال يجب الرد عليه وهو: أن النبي يكون معصوماً من المعاصي فلماذا يقول سيدنا إبراهيم: ربّنا اغفر لي ؟

الجواب: هذا كلام من فم العارف بالله تعالى. ذلك أن الإنسان الذي لا يكون عارفاً بالله يكون أضيق أفقاً ونظراً، فلا يرى ولا يفكر إلا في الناس حوله. ولكن العارف بالله تعالى يكون بعيد النظر واسع التفكير وينظر إلى الله دائماً. إنه يدرك جيداً أن الإنسان لا حقيقة له أمام الله رب العالمين. إذ شتان ما بين الذرة والشمس. أليس هو مما خلقه الله بيده؟ أليست حياته هبة من الله؟ أليس الله هو الذي يمكّنه من الاهتداء. ولنِعْم ما قال الشاعر غالب بالأردية ومعناه: لقد قدّمتُ نفسي لله تعالى، ولكنّها أيضاً كانت هبة منه .فالحق أنني لم أستطع أن أقدم إليه شيئاً.

وبما أن النبي يكون عارفاً بالله حق العرفان، لذلك يدرك كل الإدراك أنه ما من عمل ولا إنجاز يحققة إلا  بتوفيق من الله وبحوله وقوته فقط. كذلك يبتهل سيدنا إبراهيم إلى ربّه قائلاً: يا ربّ، استر وجودي ولتتجلَّ ذاتك أنت للعالم أكثر فأكثر. وكأن المراد من قول سيدنا إبراهيم اغفر لي هو: إنني أتوسل إليك باسم حبك لي، أن استرني بردائك. أي.. امْحُ وجودي حتى تتجلى ذاتك عن طريقي. والبديهي أنه كلمّا تجلّت ذات البارئ تعالى عن طريق العبد  كان النجاح حليفه.

أما إذا استُخدمت كلمة “الغفران” في حق أناس غير الأنبياء تغيَّرَ معناها بحسب درجات صلاحهم. فإذا دعا أحد من المؤمنين الكمّل قائلاً: ربنا اغفر لي فالمراد، يا ربّ، ارحمني من التقصيرات التي تحول دون إحراز الكمال الروحاني. أما إذا دعا به مؤمن متوسط الدرجة، فالمراد: يا ربّ، استر أخطائي ووفِّقْني للرقي العالي. وإذا دعا به مؤمن عادي فالمراد: يا ربّ، ثبّتْ قدمي على الإيمان، حتى لا تهلكني ذنوبي. وإذا دعا به من يبحث عن الدين الحق فالمراد: يا ربّ، اغفر لي ذنوبي حتى لا تقف عقبةً دون اهتدائي إلى صراطك الحق.

الواقع أن قول إبراهيم ومن ذريتي يمثل نبأً ودعاءً لبعث الرسول ، إذ يقول: كما وفّقتني يا ربّ أن أكون سبباً يساعد الناس على إقامة صلواتهم، كذلك أخرج من ذريّتي شخصاً يجعل الناس مقيمي الصلاة.

فالحق أن معاني هذه الكلمة تختلف من شخص إلى آخرككلمة الجبّار، فإذا وُصف بها الله فتعني: الذي يجبر القلوب ويصلحها، وإذا وُصف بها أحد من البشر فتعني: الطاغية المستبد المتجاوز للحدود.

ثم اعلم أن الله تعالى يعلن عن أنبيائه: الله يجتبي من رسله (آل عمران:180)..  وما دام الله يختارهم ويصطفيهم فكيف يمكن أن يقتربوا من المعاصي؟ وإذا كان الله يفصلهم عن أهل الدنيا ويقربهم إليه فكيف يمكن أن يقترب منهم الشيطان الذي يتهرب من قرب الله تعالى، كما صرّح الله بذلك في موضع آخر إذ قال للشيطان: إنّ عبادي ليس لكَ عليهم سلطان (الحجر: 43).  فما دام الله يحمي حتى الإنسان الذي يحظى بأدنى درجة في العبودية والروحانية من هجمات الشيطان، فما بالك بالأنبياء الذين يحظون بحماية خاصة من الله تعالى. كلاّ، لا يستطيع الشيطان الاقتراب منهم.

وقال سيدنا إبراهيم: يوم يقوم الحساب ، لأن هذا الحساب يتم في الدنيا وأيضاً في الآخرة! فالمراد من دعائه -نظراً إلى الحساب الدنيوي- عندما تظهر نتائج الأعمال، فاستر يا ربِّ، بَشَريتي برداء ألوهيتك، وغطِّ على تقصيراتي، فلا تكون الثمار بحسب الجهود بل تكون عظيمة بحسب شأنك العظيم. وإذا أُريد به الحساب الذي يتم في الآخرة فالمعنى: يا ربِّ عاملني عندئذ بما يليق بشأنك لا بما يكون بحسب جهودي البشرية،كما أرجوك أن تعامل والديّ وأولادي بالمغفرة بحسب درجاتهم الروحانية.

وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (الآية43و44)

شرح الكلمـات:

تَشخص: شَخَصَ الشيءُ شُخوصاً: ارتفع. وشَخَصَ بصرُه: فتح عينيه وجعل لا يطرف مع دورانٍ في الشحمة. وشخصَ المـَيّتُ بصرَه وببصره: رفعه. وشخص من بلد إلى بلد: ذهب. وشخص الرجلُ: سار في ارتفاع. وشخص السهمُ: ارتفع عن الهدف (الأقرب).

مُهطِعين: هطَعَ الرجلُ: أسرع مُقبلاً خائفاً؛ أقبَلَ ببصره على الشيء فلم يرفعه عنه. وأهطَعَ البعيرُ: مدَّ عنقَه وصوَّب رأسه. وأهطع في السير: أسرع وأقبل مسرعاً خائفاً، لا يكون إلاّ مع خوف؛ وقيل: نَظَرَ بخضوع (الأقرب)

مُقنِعي رؤوسِهم: أقنَعَ رأسَه: نَصَبَه، وقيل: لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وجعل طرْفه موازياً لما بين يديه. أقنعَ الصبيَّ: وضع إحدى يديه على فأسِ قفاه وجعل الأخرى تحت ذقنه وأماله إليه فقبّله. وأقنع حلقَه وفمَه: رَفَعَه لاستفاءِ ما يشربه من ماء أو لبن أو غيرهما. وأقنع بيديه في الصلاة: رفَعَهما في القنوت. وأقنع رأسَه وعنقَه: رفعه وشَخَصَ ببصره نحو الشيء لا يصرفه عنه (الأقرب)

هواءٌ: الهواءُ: الشيءُ الخالي؛ الجبانُ لخُلُوِّ قلبه عن الجرأة (الأقرب)

التفسـير:

يخاطب الله هنا رسوله قائلا: إن تأخر العذاب عن المكيين لا يعني أننا غافلون عن أعمالهم، بل إننا نمهلهم لأسباب أخرى. ولم يصرح بهذه الأسباب لفظاً لأنه قد ذكرها في الآيات السابقة قبل قليل عند الحديث عن دعاء إبراهيم ، إذ تضرّع إلى ربه قائلاً: لو خرج من أولادي من يرتكب الشرك فإنني أتبرأ منه كليةً، ولكنك يا ربِّ غفور رحيم، فإذا عاملتَهم برفق مما يحقق لهم الرقي الروحاني فأنت أحق به. ودعاؤه هذا يعني أنه كان يتمنى لهم الهداية، ولذلك أعطى الله سبحانه وتعالى المهلة لأهل مكة الذين كانوا من ذريته، لكي يهتدي منهم من يشاء. ولكن الأشقياء منهم كانوا يتمردون نتيجة هذه المهلة بدلاً من أن يهتدوا، لذلك كان لا بدّ أن تنقلب هذه المهلة إلى العقاب.

لقد قال تعالى: عمّا يعمل الظالمون ولم يقل (عمّا يعمل أعداؤك من مكة)، وذلك لبيان أمرين؛ الأول: أن يؤكد على أن الظالم مهما أُعطي من مهلة فإنه يلقى مصيره المحتوم في آخر المطاف. والثاني: أن يُطَمئِن رسوله وأصحابه إذ يقول: نحن نعلم أن هؤلاء ظالمون، ولسنا بغافلين عمّا يصبُّون عليكم من ظلم وعذاب، ولكننا نمهلهم لأن إبراهيم تضرّع إلينا بأن نعامل أولاده برفق وغفران إذا ما صاروا ظالمين. وكنّا تقبلنا دعاءه وبسبب ذلك امتنعنا عن إنزال العذاب عليهم إلى الآن.

وبعد توضيح سبب تأخير العذاب أخبر الله رسوله بقدوم العذاب. فأشار إلى علامات هذا العذاب قائلاً: إنه سيكون عذاباً مفاجئاً. يصيب الكفار بالدهشة والذهول، فيرفعون رؤوسهم لرؤية ما حلّ بهم، وسوف تنبهر عيونهم وستطير قلوبهم شَعاعاً.

هذا ما حَدَثَ بالضبط يوم فتح مكة. فعندما نقض المكّيون عَهدد صلحِ الحديبية، زَحَفَ النبي بالجيش الإسلامي على مكة دون أن يشعر أهلها بقدومه. وكان أبو سفيان حينذاك قد رجع من المدينة قبل يومين بعد مفاوضات فاشلة مع المسلمين. ففاجأه جيش المسلمين، قبل أن يصل إلى مكة. وعندما رأى أبو سفيان وأصحابه نيران المسلمين المـُعسكرين حول مكة بالليل أُخذوا بالدهشة وقالوا: ما رأينا كالليلة نيراناً قط ولا عسكرًا. وبدأوا يخمّنون قائلين: هذه نيران قبيلة كذا أو قبيلة كذا، ولم يخطر بخَلـَدهم أنها نيران جنود المسلمين. وعندما مرّت بهم طلائع الجيش الإسلامي عرفوا الحقيقة. وبينما أبو سفيان في حيرته إذ جاءه العباس على بغلةٍ وكان صديقاً لأبي سفيان في الصغر، وقال له: اركب ورائي وإلا ستُقتل. فتردّد في الركوب، فأركبه العباس وراءه على البغلة عَنوةً، وأخذه إلى خيمة النبي ، وقال له: يا رسول الله، هذا أبو سفيان يريد أن يُسلم. فذعر أبو سفيان وتردّد. فقال له العباس: ألم ينكشف عليك زيف دينك؟ لا تهلك نفسك وأَسلِـمْ. وأخذ يد أبي سفيان ومَدَّها إلى رسول الله ليأخذ منه البيعة. لكن الرسول تردّد لحظات خوفاً من أن يكون العباس قد أكْرَهَهُ على الإسلام، ولكنه عندما وجد أبا سفيان مصراً على البيعة أخذها منه.

فقال أبو سفيان: يا رسول الله، إني رئيس مكة وحديث الإسلام، أرجو أن تشرفني شرفاً خاصاً. فقال النبي : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقال أبو سفيان: داري ليست بكبيرة! فقال : من دخل الكعبة فهو آمن. فقال: إنها أيضاً لا تسعهم! فقال : من أغلق عليه باب داره فهو آمن. فقال أبو سفيان: يكفي هذا. ثم أسرع إلى أهل مكة وأخبرهم بزحف النبي ، وأعلن للقوم عن الأمان الذي منحه النبي إياهم. (السيرة الحلبية).

ليس من الصعب على المرء أن يقدر معاناة قلوب أهل مكة.. الذين كانوا مغرورين بقوتهم ومنعتهم بحيث لم يتصوروا زوال حكمهم وعلى هذا النحو. فكم كانت معاناتهم عندما سمعوا زعيمهم -الذي ذهب إلى المدينة قبل أيام لعقد اتفاقية مع المسلمين – يعلن: يا أهل مكة! ادخلوا مساكنكم وأغلِقوا عليكم الأبواب إن كنتم تريدون الأمان والحياة، فإن محمداً الذي أخرجتموه قبل عشر سنوات وحيداً طريداً.. قد جاء يقرع أبواب مكة بجيش عرمرم جرّار! لا شكّ أنهم عندما سمعوا الخبر تكون عيونهم قد شخصت، وأنهم كانوا يمدون أعناقهم وهم ينظرون إلى الجيش المسلم القادم إليهم.لم يكن أي شيء آخر يشغل بالهم عندئذٍ. لا جَرمَ أن قلوبهم صارت هواءً وطارت شَعاعاً.. عندما أغلقوا عليهم الأبواب وقبعوا في البيوت، وصاروا يطلّون من الشبابيك على الجيش الإسلامي وهو يمر بأزقة مكة. ألم يقدّم القرآن هنا أَصدَقَ تصوير لحالتهم هذه يا تُرى؟

كم تجرّع المكيون الغُصَص عندئذٍ. لا شكّ أنهم كانوا يقولون في أنفسهم: كنا أجبرنا محمداً على أن يترك مكة تحت ستار الليل حينما كانت أبوابها مغلقة، وها قد فاجأَنا الآن في وضح النهار فاتحاً منتصراً وأبوابها مغلقة أيضاً. لقد كانت الأبواب مغلقة في ليلة هجرته، لأننا لم نرد أن نعطيه الأمان، وأما اليوم فالأبواب مغلقة مرة أخرى، لأن محمداً أعطانا الأمان. اللهم صلِّ على محمد وبارك وسلم.

الواقع أن التدبير الإلهي الخفي هو الذي جعل المكيين لم يشعروا بزحف النبي ، مع أنه جاءهم بالطريق العادي الذي يمر به الناس ذهاباً وإياباً، ولم يكن وصول خبر مسيرة النبي إلى المكيين أمراً صعباً، ولكن الله تعالى  أعماهم عن أخبار المسلمين. وهكذا تحقق النبأ العظيم عن فتح مكة.

  وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (الآية 45)

التفسـير:

اعلمْ أن الحديث هنا عن عذاب الآخرة. مع العلم أن القرآن الكريم كلمّا ذكر عن عذاب الدنيا أردَفَه بذكر عذاب الآخرة دائماً، لأن عذاب الدنيا يشكل دليلاً على عذاب الآخرة.

وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (الآية 46)            

شرح الكلمـات:

ضربنا لكم الأمثال: (راجع شرح الكلمات للآية رقم 25 من هذه السورة)

التفـسير:

أي أن معظم الناس يسكنون في نفس المناطق والقرى التي أقام فيها قبلهم قومٌ آخرون ذوو منعة ونفوذ، ولكنهم رفضوا رسالة السماء فأُهلكوا بالعذاب. ومع ذلك فإن هؤلاء الساكنين الجدد لا يتّعظون بمصير الذاهبين، وإنما يصرُّون على أن يختبروا عذاب الله بأنفسهم.

وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (الآية 47)

شرح الكلمـات:

الجبال: (راجع شرح الكلمات للآية رقم 32 من سورة الرعد)

التفسـير:

لقوله تعالى وعند الله مكرهم مفهومان: الأول: أنه تعالى هو الذي يحدّد النتائج على كل عمل، لذا فإنه لا بدّ أن تبوء مكائدهم ضد رسول الله بالفشل، لأن الله تعالى سوف يحبطها. والثاني: أن مكرهم مسجل ومحفوظ عند الله تعالى، بمعنى أنه قد أحبط مكائدهم في الدنيا فلم يستطيعوا أن يلحقوا بها الضرر بمحمد ، ولكنها محفوظة باقية عنده سبحانه وتعالى ليعاقبهم عليها.

وقوله تعالى وإنْ كان مكرهم لِتَزول منه الجبال .. اعلمْ أن كلمة الجبل تعني مجازاً رئيس القوم ومليكهم، كذلك المصاعب والعقبات. ونظراً للمعنى الأول تعني الآية أن تدابيرهم لم تكن قوية بحيث تنسف الجبال أي تقلب الحكومات وتخلع الملوك كما يستطيع القرآن الكريم ذلك، فما دام ضعفها أمراً ثابتاً فكيف يمكن أن يحاربوا هذه الحكومة السماوية ويضروا بها محمداً . ذلك إذا اعتبرنا كلمة (إن) نافية.

والمعنى الثاني هو أنه بالرغم من أن مكائدهم كانت قوية محكمة بحيث تزيل جميع العقبات من طريقهم، ولكنهم كانوا يبارزون الله الذي يفوق كلَّ كائن قوةً وقدرةً، لذلك لم تنفعهم مكائدهم إزاءه شيئاً. وذلك إذا اعتبرنا كلمة (إن) شرطية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك