الفتنة أشد من القتل ردا على فيلم الفتنة لخيرات فيلدرز (الحلقة الثالثة)

الفتنة أشد من القتل ردا على فيلم الفتنة لخيرات فيلدرز (الحلقة الثالثة)

أيمن عودة

طبيب، باحث، كاتب وشاعر
  • الإسلام يدين أي عمل إرهابي ضد الأبرياء
  • لا لقتل المرتد في الإسلام

__

الإسلام يشجب ويدين العمليات الإرهابية:

بعد أن بيّنا أن القتال المذكور في القرآن الكريم  موجه ضد المقاتلين والمعتدين من غير المسلمين، لا بد لنا أن نؤكد وفق هذا المبدأ أن الإسلام لا يقبل بل يدين أي عمل إرهابي يوجه ضد الأبرياء من الناس مهما كان دينهم وعقيدتهم، حيث شدد سيدنا محمد على هذه المسألة في حرصه على مقاتلة المعتدين فقط، إذ كان يأمر الجنود المسلمين قبل خروجهم للحرب بعدم التعرض للأبرياء وغير المقاتلين من الناس  ولو كانوا ينتمون إلى الفرقة المعادية، حيث ورد في أحاديث الرسول أنه كان يأمر جيشه قبل المعركة بما يلي: لا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة، ولا تقتلوا وليداً ولا متبتلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعا…..

وبناء على هذه الأوامر نستنتج بشكل يسير أن كل الأعمال الإرهابية التي يُقتل فيها الأبرياء لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ وأن ما تقوم به بعض الفرق الإسلامية من تفجير وقتل وتدمير بشكل عشوائي لا أساس له في الإسلام، بل هو جريمة نكراء يتحمل عواقبها من ينفذ هذه العمليات ومن يحرّض عليها ومن ينظّر لها على حد سواء، وما على هؤلاء المسلمين إلا أن يكفوا عن هذه الأعمال ويتقوا غضب الله وعقابه. وبما أن القرآن يشجب ويدين كل هذه الأعمال الإرهابية فليس من الممكن أن يُحمّل القرآن الكريم وسيدنا محمد مسؤولية ما تقوم به هذه الفرق الإسلامية الإرهابية.

«النفس بالنفس» أي القتل هو فقط في حق القاتل، نستنتج بشكل يسير أن كل الأعمال الإرهابية التي يُقتل فيها الأبرياء لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ وأن ما تقوم به بعض الفرق الإسلامية من تفجير وقتل وتدمير بشكل عشوائي لا أساس له في الإسلام،

 لا قتل للمرتد في الإسلام

لا شك أن الكثير من مشايخ المسلمين يؤمنون ويروجون لقتل المرتد عن الإسلام، إلا أن هذا الموضوع مختلَف فيه بين علماء المسلمين، فمنهم من يؤمن بوجوب قتل المرتد ومنهم من لا يؤمن بذلك، وقد اختلفوا في العديد من جوانب هذا الموضوع؛ أهمها في تعريف المرتد، أهو الذي يعلن ارتداده عن الإسلام بشكل علني واضح، أم ذلك الذي يرتكب الكبائر من الذنوب، أو من يجهل أصول الدين.

وأما العلماء الذين يقولون بوجوب قتل المرتد، فقد اختلفوا في طريقة تنفيذ هذا الحكم عليه، وبالمدة التي يجب أن تتاح للمرتد أن يرجع إلى دينه الإسلامي.  إذا، فالمسألة يشوبها اختلاف وجدل كبيران، لا سيما في التعريف الأساسي للمرتد، وفي هذه الحال لا يمكن الاتكال على هذا اللغط والجدل الفكري عديم القطعية من أجل تقرير مصير أرواح  وحياة الأشخاص الذين قد يُظن أنهم يستحقون القتل في الوقت الذي لا نجد فيه أي أساس لقتل المرتد في القرآن الكريم.

إن السبب الأساس الذي حدا بالكثير من المشايخ للإيمان بوجوب قتل المرتد، هو فهمهم الخاطئ لبعض الأحاديث النبوية وبعض الحوادث التي سُردت في التاريخ الإسلامي -والتي في أغلبها ضعيفة المصداقية – دون الرجوع والتحقق من هذه المسألة وفق تعاليم القرآن الكريم، والذي هو المرجع الأساسي الذي يجب الاعتماد عليه في إنزال مثل هذه الأحكام المتعلقة بالموت والحياة في مثل هذه المسألة الحساسة، مسألة الارتداد.

ونحن أتباع الجماعة الإسلامية الأحمدية نعلن على سبيل التحدي للقاصي والداني، من مسلمين وغير مسلمين، وبالذات لأعداء الإسلام الذين يستغلون هذه المسألة من أجل تشويه سمعة الدين الإسلامي الحنيف، نعلن أن القرآن الكريم لا يحتوي ولو على آية واحدة توجب قتل المرتد عن الدين الإسلامي، وأن القول بوجوب قتل المرتد  ما هو إلا خطأ  فادح وقع فيه بعض المشايخ، لعدم فهمهم هذا الموضوع ولاعتمادهم أحاديث مشكوكا في صحتها، أو أنها قد فهمت بشكل خاطئ؛ وما على هؤلاء إلا الاعتماد على القرآن الكريم من أجل فهم هذه الأحاديث والفصل في هذه المسألة.

وبالاعتماد على القرآن الكريم، لا نجد آية واحدة تأمر بقتل المرتد عن الإسلام، بل على النقيض من ذلك، فإن القرآن الكريم يحفظ الحرية الدينية للجميع، ويعطي لكل شخص حقه في اختيار الدين الذي يريده ويرضاه، وذلك وفق تصريح العديد من الآيات القرآنية  التي ذكرناها آنفا.

ومن الأدلة القاطعة على أنه لا قتل للمرتد في الإسلام، هو أن القرآن الكريم قد ذكر المرتدين في العديد من الآيات القرآنية، إلا أنه في أيٍّ من هذه الآيات لم يذكر أي عقاب يجب إنزاله في حق هؤلاء المرتدين بواسطة المسلمين أنفسهم، بل إن ما ذُكر في هذه الآيات، أن هؤلاء المرتدين سوف يلقون عقابا من الله عز وجل فقط، ولإيضاح هذه المسألة نورد بعض هذه الآيات التي تذكر مسألة الارتداد:

… وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ   (البقرة 218) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ  وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا  وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ   (آل عمران 145) إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا  (النساء 138) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ  ذَ‌لِكَ فَضـْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَـاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( المائدة 55)

من كَفَرَ بِالله مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ( النحل 107)

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ  (محمد 26)

فلو تمعنا بالآية التالية:

إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا  ( النساء 138)

نرى أنها تعطي الإمكانية للمرتد أن يعود إلى دينه مرة أخرى، فلو كان القرآن الكريم أوجب قتل المرتد، لما أُعطيت هذه الإمكانية، بل لأمر القرآن بقتل المرتد منذ البداية قبل اعتناقه مرة أخرى الدين الإسلامي.

ثم إن كل هذه الآيات المذكورة أعلاه، لا تذكر أية عقوبة دنيوية يجب إنزالها بالمرتدين، وإنما تذكر فقط أنهم لن يضروا الله بعملهم هذا، وسوف تحبَط أعمالهم وسينالهم عقاب وغضب من الله عز وجل، دون أي ذكر للقتل في مسألة ارتدادهم.

إن كل هذه الآيات المذكورة أعلاه، لا تذكر أية عقوبة دنيوية يجب إنزالها بالمرتدين، وإنما تذكر فقط أنهم لن يضروا الله بعملهم هذا، وسوف تحبَط أعمالهم وسينالهم عقاب وغضب من الله عز وجل، دون أي ذكر للقتل في مسألة ارتدادهم.

ومما يدعم ما نقوله هنا، سيرة سيدنا محمد ، والذي لم يأمر بقتل أي شخص لمجرد ارتداده عن الإسلام، لقد حدث أن أمر الرسول بقتل عدد قليل جدا من المرتدين، ولكن ليس بسبب ارتدادهم، بل لأنه بالإضافة لارتدادهم قد اشتركوا في جرائم قتل وإثارة الفتنة والتحريض ضد المسلمين، ولو أنهم اكتفوا فقط بالارتداد لما أمر الرسول بقتلهم كما لم يأمر  بقتل غيرهم من المرتدين. ولنؤكد أن الرسول لم يأمر بقتل أحد لمجرد ارتداده نذكّر هنا بأنه لم يأمر بقتل مسيلمة الكذاب، الذي ارتد عن الإسلام  وادعى النبوة؛ ثم لم يأمر  النبي محمد بقتل رجل جاء إليه يطلب منه أن يرد له بيعته، أي أن هذا الرجل أعرب عن نيته بالردة أمام الرسول ، إلا أن الرسول لم يأمر بقتله كما جاء في صحيح البخاري في الحديث التالي :”عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أعرابيا بايع رسول الله على الإسلام فأصابه وعْكٌ. فقال: أقلني بيعتي. فأبى.ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي. فأبى. فخرج، فقال رسول الله : المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها.”

وبناء على كل هذا نقول مرة أخرى لا قتل للمرتد في الإسلام. وأما فلدرز وأعوانه الذين لا يدَعون فرصة للتهجم على القرآن الكريم، فلو عملوا ليل نهار من أجل استخراج آية واحدة من القرآن الكريم تأمر بقتل المرتد لن يستطيعوا ذلك، وهذا على سبيل التحدي. وإذا كان بعض المشايخ يقولون بقتل المرتد فيجب أن توجه لهم أصابع الاتهام وليـس للقرآن والإسـلام والمسلمـين كلهم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك