سنة الخلفاء الراشدين المهديين
التاريخ: 2011-05-27

سنة الخلفاء الراشدين المهديين

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الخلافة ومستوى الطاعة المطلوب من المؤمنين
  • مغبة عدم طاعة الخلافة
  • الطاعة شرط استمرار نعمة الخلافة
  • ثمار التمسك بنظام الخلافة
  • وحدة جماعة المؤمنين في إقامة الصلاة
  • الزكاة والتضحيات المالية تحت رعاية الخلافة
  • استمرار الجماعة الإسلامية الأحمدية بعد المسيح الموعود دليل صدق
  • الخلافة ومن يناوءها

 __

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور 54- 57)

هناك آية من هذه الآيات التي تلوتها أمامكم تُعرف بآية الاستخلاف كما لاحظتم من خلال سماعكم ترجمة معانيها أيضا. ولقد شرح المسيح الموعود هذه الآية في كتبه المختلفة وسلط الضوء على مختلف جوانبها، ولكنه في كتابه أو بالأحرى في كتيب الوصية ذكر من هذا المنطلق بشارة إقامة نظام الخلافة في الجماعة الإسلامية الأحمدية. لقد ألّف حضرته هذا الكتيب في ديسمبر 1905 وضمّنه بعض المواضيع الهامة مثل التقوى والتوحيد ومكانته والخلافة ومشروع نظام الوصية لنيل قرب الله تعالى وتمتين أسس الجماعة وتأسيس نظام التضحية المالية فيها، وهو في الحقيقة نظام فريد يُعنى بأداء حقوق الله وحقوق العباد بأحسن صورة ولا يوازيه أي نظام اقتصادي آخر، لأن جميع النظم الأخرى تخلو من التقوى ولا تراعي إلا فئة معينة من الناس، أو لا تغطي إلا جوانب معينة من حياة الإنسان. باختصار هناك تفاصيل وجزئيات كثيرة لهذا الموضوع ولكنني أقدم لكم بعض المقتبسات من هذا الكتيب لحضرته .

لقد بدأ نظام الوصية منذ تأليف هذا الكتيب.. أي في 1905م، أما ما ذكره حضرته من أمر هام في سياق شرحه آية الاستخلاف في هذا الكتيب – وهو موضوع الخلافة الأحمدية – فقد تحقق بعد وفاته.. أي بعد تأليف هذا الكتيب بثلاث سنين وتحديدًا في 27 مايو 1908م. فإن نظام الخلافة لهو نظام أنعم الله تعالى به علينا بعد أن حُرمنا منه طيلة ثلاثة عشر قرنًا من الزمان.

والمعلوم أن الخلافة الراشدة تأتي لمواصلة مسيرة الرسول، وهي استمرار للنبوة وبركاتها في الحقيقة. فقد قال النبي : عليكم بسنتي وسنة خلفاء الراشدين المهديين. ولقد قال ذلك لأن الخلفاء الراشدين يواصلون مهمة النبي وسنته وشريعته.

قبل أن أقدم لكم مقتبسات من كلام حضرته بهذا الخصوص أعرّج قليلا على شرح هذه الآيات التي استهلَلْتُ بها الخطبة حتى تأخذوا بعين الاعتبار أحكام القرآن المتعلقة بالخلافة. تضمنت هذه الآيات خطة عمل كاملة للمؤمنين بالله ورسوله والمبايعين للخلفاء، وأول ما ذكر فيها هو الرد على السؤال: ما هي الطاعة وما مستواها المطلوب بشكل حقيقي؟ ليست الطاعة أن تقسموا بالله جهد أيمانكم أنكم مستعدون لخوض الحرب مع العدو كلما اقتضت الحاجة، كلا، بل لا تغني هذه الأقسام ولا طائل منها ما لم تظهروا طاعة كاملة في كل شيء؛ ولكن لو أبديتم الطاعة الكاملة لبرهنتم على صدق دعاويكم المتعلقة بالتضحية بأنفسكم عند لزوم الأمر، أما لو لم تتقيدوا بالعمل بما أمر به الله تعالى ورسوله لثبت أن دعاواكم الكبيرة أيضا كاذبة. فالأصل في هذا الموضوع كله هو الطاعة الكاملة بشكل عملي. فلو لم تطيعوا عمليًا في الأمور الصغيرة لبدت دعاواكم الكبيرة جوفاء لا معنى لها. ولقد وضح الله تعالى هذه النقطة بقوله

: إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

أي لعلكم تستطيعون خداع الناس ولكن لا تستطيعون خداع الله الذي هو بكل شيء عليم وخبير، وكلُّ خفيٍ ظاهرٌ وماثلٌ أمامه. فيجب أن تضعوا في الحسبان دائما أن الله تعالى يرانا في كل حين وآن، ويتحتم على كل مؤمن أن ينتبه إلى هذا الأمر دائما. وعندما يستيقن المرء أن الله تعالى يرانا فلا يكتفي بالأحلاف للطاعة فقط بل تظهر منه طاعة بالمعروف على صعيد الواقع، وينفذ كل حُكم معروف بالطاعة الكاملة، ويكون حريصا على طاعة الله ورسوله ويبذل في هذا السبيل قصارى جهده. من المعلوم أن طاعة الأمير ونظام الجماعة أيضا ضرورية إلى جانب طاعة الله ورسوله كما يقول الله تعالى:

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم

وتتوجب طاعة الخليفة أيضا بطبيعة الحال. ثم يخاطب الله تعالى أولئك الذين لا يقومون بالطاعة الكاملة بل يعملون بحسب رغباتهم الشخصية، ويقول بأنكم ستواجهون مغبة عدم عملكم بالأوامر والإعراض عنها، وأنتم المسؤولون عن ذلك، ولن يُسأل الرسولُ عن أعمالكم ولن تقع المسؤولية بهذا الصدد على الرسول قط، إذ قد بلّغكم أوامر الشريعة، ثم بلّغكم الخليفةُ أوامرَ الله ورسوله نيابة عن الرسول وطاعةً له. إذًا فإن الناصحين ومبلّغي أوامر الشريعة قد أدَّوا واجبهم، ثم الذين لا يعملون بها هم المسؤولون عن تصرفاتهم. لقد ربطتُ طاعة الخليفة بطاعة الرسول لقوله تعالى في القرآن الكريم: أولي الأمر منكم ، والمعلوم أن الخلافة الراشدة تأتي لمواصلة مسيرة الرسول، وهي استمرار للنبوة وبركاتها في الحقيقة. فقد قال النبي : عليكم بسنتي وسنة خلفاء الراشدين المهديين. ولقد قال ذلك لأن الخلفاء الراشدين يواصلون مهمة النبي وسنته وشريعته. والحديث الذي أشرتُ إليه هو كالتالي:

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ يَقُولُ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا قَالَ قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ؛ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ. (سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة)

فيقول الله تعالى إنّ هذه هي الطاعة المطلوبة منكم، ثم يقول:

وإن تطيعوه تهتدوا

أي إذا أطعتموه بقيتم على جادة الهداية. ثم أعطى الله تعالى أحكاما عن الخلافة وهي مذكورة في آية الاستخلاف حيث يقول الله تعالى:

وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات

فقد بيّن في هذه الآية وعده للمؤمنين، ثم وضح في الآية الأولى معيار الإيمان والأعمال الصالحة وهو أن عليكم أن تحملوا على رقابكم نير الطاعة الكاملة عندها ستوَفَّقون للتقدم في الأعمال الصالحة. وإذا أحرزتم هذا المعيار حظيتم بنعمة الخلافة، وإلا فلا. لم يقل الله بأن الخلافة ستستمر في المسلمين في كل الأحوال، بل هذا وعد منه مشروط. والشرط الأول والأهم هو أن تكون هناك طاعة كاملة. لقد انقطعت سلسلة الخلافة الراشدة الأولى لأن المسلمين خرجوا من ربقة الطاعة، وحين خرجوا من الطاعة حُرموا من الخلافة الحقيقية. وبدأت تقول بعض الجماعات خروجا عن الطاعة إننا نشترط بيعتنا بشروط، وكان سبب كبير وراء ذلك أخذ الثأر باستشهاد عثمان ، أو صاروا في زمرة الخارجين عن الطاعة متأثرين ببعض مثيري الفتن، مع أن الصحابة كانوا في ذلك الزمن موجودين. فحين خرجوا عن الطاعة الكاملة حُرموا من الخلافة. ولما كان الله هو نفسه تلقَّى قرار جعْل الخليفة، فقد خابت – بعد اختلافهم وخروجهم عن الطاعة – جميعُ جهود انتخاب الخليفة واتخذت الخلافةُ صورة الملكية، فحين قال الله

لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

فمعلوم أنه جعلهم خلفاء في صورة النبوة، حيث كان يرسل فيهم الأنبياء بنفسه، والآن بما أن الشريعة قد اكتملت وأن النبي هو المشرّع إلى يوم القيامة فقد أقام نظام الخلافة الراشدة، حيث يتم انتخاب الخليفة بواسطة الناس في الظاهر، إلا أنه نسَب هذا الانتخاب إلى نفسه بشهادته الفعلية وتأييده المتكرر. على كل حال لما كان الله قد اتخذ القرار أن تكون الغلبة الأخيرة للإسلام وأن تكون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الأخيرة، لهذا قد تنبأ بأن نبيا تابعا للنبي سيُبعث، وتفصيل هذه النبوءة مذكورة في آية

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (الجمعة 4)،

وقد وضَّحها النبيُ بقوله أنه “ ليس بيني وبينه نبيٌ” (أبو داود). فسيدنا مرزا غلام أحمد القادياني مسيحٌ موعود وإمامٌ مهدي وهو نبيٌّ وخاتمُ الخلفاء أيضا، فقد أرسل الله هذا الخليفة تحقيقا لوعده الذي قطعه مع المؤمنين قبل أربعة عشر قرنا، فنال شرف النبوة لكونه من أمة النبي فتسبب في ظهور الخلافة من جديد. حيث قال الله مرة أخرى، صحيح أني ارتضيتُ لكم الإسلام دينا، بيْد أن الفوز بفيضه الحقيقي وتبديلَ الخوف أمنًا لن يتحقق لكم إلا بالتمسك بنظام الخلافة بكامل الطاعة. فهو ضروري جدا، فالذين يظلون متمسكين بهذا النظام فسوف يتبدل به كلُّ خوفٍ لهم أمنا بانتظام، وبواسطة الخلفاء حصرا ستقترب أيامُ غلبة الإسلام، وقد قال هنا: إن من واجب المتمسكين بالخلافة والخليفة، وتقع على عواتقهم مسئولية جسيمة أن يهتموا بالعبادة اهتماما كبيرا بإخلاص. فإن إقامتهم الصلاة والسعي لنشر التوحيد الخالص، ستُكسبهم نعمة الخلافة الدائمة، فسوف يجيب الله أدعيتهم ويزيل اضطرابهم، ويمتّعهم بنعمه، أما الذين يمتنعون عن التمسك بالخلافة حتى بعد مشاهدة كل ذلك، فهم الفاسقون، فسوف يعاقَبون على فسقهم ويُحْرمون من النِعم التي وُعد بها المؤمنون. أنا أقول مرارا وتلاحظون أنتم اليوم أيضا أن اضطرابا وقلقا قد أحاط بعامة المسلمين، وهم بسبب ضغط الآخرين عليهم قد فقدوا الشعور لدرجة يستعين المسلمون بالآخرين ضد المسلمين، نسأل الله تعالى أن يوفِّق الأمة لمعرفة الحق. ثم الآية الأخيرة التي قرأتُها في هذا السياق، تلفت الانتباه مرة أخرى إلى ثلاثة أمور هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة الكاملة، لكي يواصل الله إنزال نعمه رحمةً منه. يجب على كل أحمدي يريد الفوز بفيض الإنعامات التي بدأها الله الآن بواسطة المسيح الموعود أن يتذكر أنه قد قطع وعْده مع المطيعين حق الطاعة، الذين يضعون عبادة الله نصبَ أعينهم دوما، لأن المطيع الكامل هو الذي يذكره على الدوام ويعبده. وإن أمثل أسلوب عُلِّمناه للعبادة هو إقامة الصلاة، فلا يمكن أن يكون الإنسان عضو الجماعات الإلهية بوجه حقيقي إلا إذا سعى جاهدا لإقامة الصلاة. والتفسير الرائع لإقامة الصلاة قد بيَّنه المصلحُ الموعود حيث قال: إن أفضل صلاة هي صلاة الجمعة حيث يلقي الإمام خطبة ويوجه الوعظ والنصح، وإن الخليفة ينصح المسلمين ويقدم لهم التوجيهات بين حين وآخر نظرا لأوضاع العالم بحسب الاحتياجات الطارئة لمختلف الشعوب في العالم، مما يؤدي إلى الوحدة القومية والتضامن القومي، بحيث يسْعى لجعل الجميع يركزون على هدف موحد. واليوم نجد أمامنا الصورة الحقيقية لهذا، حيث نجد في الجماعة الإسلامية الأحمدية هذه الصورة حيث تُسمع خطبة الخليفة في كل بقاع العالم في الوقت الواحد، ويكون الحديث بحسب الأمزجة والاحتياجات المختلفة. فحين أحضِّر الخطبة وألقيها فلا تكونون في بالي الجالسون أمامي فقط، بل أحاول أن يكون التركيز أحيانا على أوضاع أوروبا أكثر في ضوء التقارير التي تصلني من كافة أنحاء العالم وأحيانا أحاول أن يكون التركيز على أوضاع بلد من بلاد آسيا أكثرَ، أو أتكلم عن أوضاع بلاد آسيا بشكل عام، وأحيانا أخرى عن أفريقيا وأحيانا عن الجزر، ولما كان الإسلام دينا عالميا، فكل حديث أتناوله هنا في الخطبة يضم نصيحة لكل طبقة من الأحمديين في كل بلد، بحيث يجدون في بلدهم أيضا شيئا من القضية التي أتحدث عنها، مهما كان الحديث في خطابي عن بلد معين. وإنني أتلقى الرسائل بعد الخطبة من شتى بلاد العالم، فهي تصل من السكان الأصليين في الولايات الروسية، ومن الأفارقة وسكان بلاد أخرى أيضا، ويعرب فيها أصحابها عن انطباعاتهم قائلين: يبدو كأن الخطاب في هذه الخطبة موجه إلينا، باختصار هذا أحد التفاسير لكلمة إقامة الصلاة، والعملُ به رائج في عالم الأحمدية بواسطة الخلافة. ثم إيتاء الزكاة أو تزكية الأموال، فهي تشمل الزكاة المعروفة والتضحيات المالية الأخرى أيضا، فهذا النظام أيضا نراه رائجا في العالم بواسطة الجماعة الإسلامية الأحمدية فقط، بحيث تُسدّ احتياجات أفراد الجماعة ومراكزِ الجماعة بواسطة نظام التبرعات بتوجيه الخليفة، وإذا كان هناك نقصٌ في بلد فهو يُسدّ بمساعدة بلد آخر، كما إذا كان بلد يتمتع بسعة في المال فبأمواله تُسدّ حاجاتُ البلاد الفقيرة المتعلقة بنشر الدعوة، وطباعة الكتب ونشرها وبناء المساجد. فهذه الحاجات تُقضى بمختلف الطرق، فهذا النظام رائج ويعمل في ضوء توجيهات الخليفة، فهذا النظام يسير بحسب توجيهات الخليفة وقيادته، بحيث تسد حاجات الفقراء في بعض المناطق، وفي مناطق أخرى تُسد حاجات المرضى وفي بعض المناطق تسد حاجات الطلاب وفي أخرى تسد نفقات نشر دعوة الإسلام.

والآن بما أن الشريعة قد اكتملت وأن النبي هو المشرّع إلى يوم القيامة فقد أقام نظام الخلافة الراشدة، حيث يتم انتخاب الخليفة بواسطة الناس في الظاهر، إلا أنه نسَب هذا الانتخاب إلى نفسه بشهادته الفعلية وتأييده المتكرر.

فحين قدم سيدنا المسيح الموعود نظام الخلافة ونظام الوصية معا فقد ذكر سدَّ جميع هذه الاحتياجات أيضا، ثم إن الذين يقدمون التبرعات فلديهم ثقة تامة بأن مبالغهم لن تضيَّع على اللهو واللعب واللغو، بل سوف تُنفَق على أعمال الخير، ولنيل هدفٍ نبيل، بل حتى المسلمون غير الأحمديين أيضا يثقون بأنهم إذا قدموا أموال الزكاة للأحمديين فسوف تنفَق في محلها. عندما كنت في غانا كان كثير من المزارعين يقدمون لي الزكاة على مزروعاتهم إيمانا منهم بأن أموالهم ستنفَق في محلها، فكانوا يقدمون أموالهم في مركز الجماعة، كما كان كثير من معارفي الفلاحين يدفعون لي الزكاة على شكل غلال لأصرفها في مصارفها، فكانوا يقولون لي: إذا قدّمنا الزكاة لمشايخنا وأئمتنا فسوف يأكلون هذه الأموال ولن ينفقوها في مصارفها الصحيحة، بل إنني أتلقى رسائل استفسار حتى اليوم من مختلف فروع الجماعة في العالم أن بعض المسلمين غير الأحمديين يريدون أن يقدموا صدقاتهم وأموال الزكاة للجماعة لتنفقها في مصارفها، فأقول يمكن أن تستلم الجماعة منهم أموال الزكاة والصدقات وهي سلفا تستلم حسب رغبتهم، أما التبرعات الإلزامية أو التطوعية المعروفة في الجماعة فهي تؤخذ من أبناء الجماعة حصرا. باختصار إن نظام الزكاة هو الآخر مرتبط بنظام الخلافة.

وفي الأخير ذكَر مرة أخرى موضوع الطاعة. فنشوء العلاقة الصادقة بالله ورسوله والتمسك بالخلافة نتيجةً لذلك يتمحور حول الطاعة التامة، فإذا تحققت الطاعةُ فسوف يتوارث المؤمن الإنعامات الإلهية بانتظام.

الآن أود أن أحدثكم قليلا انطلاقا مما ورد في كتيب الوصية، فقد تكلم سيدنا المسيح الموعود عن الوعد الإلهي والنبأ الإلهي، فكان هناك وعد ونبوءة، بحيث أنبأه الله أن وفاته قريبة، لكنه أنبأه في الوقت نفسه أنه لا شك أن وفاته قريبة لكنه سيذبّ عنه جميع الاعتراضات التي أريد بها هوانُه وذلتُه، وقال له : أنا راضٍ عنك، ثم وعده بأن الآيات البينة الواضحة ستظهر دوما لتصديقه. ورأت الدنيا أن الذين كانوا يبتغون ذلته وسعوا لها كل سعيٍ لقوا الخزي والهوان بأنفسهم، ومحيتْ آثارُهم من الدنيا ولم يعد في الدنيا من يذكر أسماءهم. إن الشاتمين والمتّهمين قد هلكوا وأبيدوا من وجه الأرض، أما جماعته فلا تزال تتقدم بأقدام حثيثة، وإن سلسلة الآيات التي بدأت في زمنه لا تزال جارية اليوم أيضا. إن مئات الآلاف من الإخوة الذين يبايعون كل عام يبايع معظمهم بهدي من الله بصورة مباشرة. فهذه الظاهرة أيضا من آيات الله المؤيدة التي تدل على صدقه . ثم يقول :

“لقد أخبرني كلام الله أن الحوادث واقعةٌ والآفات نازلةٌ على الأرض، فمنها ما يقع في أثناء حياتي ومنها ما يقع من بعدي. وإنه سوف يرزق هذه الجماعة كل تقدم وازدهار، بعضه على يدي وبعضه الآخر من بعدي.”

إذًا، فهذا وعد من الله الذي نرى تحققه وتحقق هذه النبوءة إلى يومنا هذا. كما نرى الآفات أيضا في اشتداد يوما إثر يوم إذ نسمع في كل يوم جديد خبرا عن آفة في هذا البلد أو ذاك؛ فنرى كل يوم بلدا أو آخر عرضة لآفة من الآفات الطبيعية. ولقد سبق أن تنبأ المسيح الموعود من قبل بحلول هذه الآفات، ألا يكفي ذلك أولي الألباب لفتح عيونهم؟ عليهم أن يتفكروا في أن مدّعيا سبق أن أخبر بعد تلقي العلم من الله تعالى أن الآفات ستحل وأن الزلازل ستضرب، وها نحن نرى اليوم ألوان الآفات محيطةً بالدنيا كلها، لذا علينا أن نتأمل في كلام المرسَل من الله. هذا ما يجب أن يقوم به الذين يعارضون المسيح الموعود اليوم. وإن هذا الوضع يهيئ فرصة تأملية للذين شدوا مئزرهم على معارضته ليفكروا أن الجماعة لا تزال تتقدم إلى الأمام في كل لحظة على الرغم من معارضتهم المستمرة والمستميتة، فهل يمكن أن يكون من فعل إنسان أن تنال الجماعة تقدما إثر تقدم وتتأثر بها قلوب الناس تلقائيا؟ بل الحق أن الله تعالى هو الذي يصرف قلوب الناس إلى إمام الزمان. حتّام يحارب اللهَ هؤلاء القومُ؟ لن يجنوا من المحاربة شيئا إلا أن يفسدوا عاقبتهم. لقد قال المسيح الموعود لمعارضيه بكلمات واضحة وصريحة بأنكم لن تقدروا على أن تضروني شيئا ولن تُستجاب أدعيتكم وإن فقئت عيونهم وتآكلت أنوفهم بكثرة السجود على الأرض. فيقول : “هذه هي سنة الله الجارية، منذ أن خلق الإنسان في الأرض ما زال يبدي هذه السنة دون انقطاع أنه ينصر أنبياءه ومُرسَليه. ويكتب لهم الغلبة، كما يقول:

كتب الله لأغلبن أنا ورسلي

والمراد من الغلبة هو أنه كما أن الرسل والأنبياء يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، فإن الله تعالى يظهر صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرة الحق الذي يريدون نشره في الدنيا، غير أنه لا يكمِّله على أيديهم. بل يتوفاهم في وقت يصحبه الخوفُ من الفشل باديَ الرأي، فيُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا. وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتملة لحدٍّ ما.” إن تاريخ الجماعة شاهد اليوم على أن وعد الله هذا، أو نبوءته هذه التي أعلنها بواسطة إمام الزمان تتحقق اليوم بشأن جديد وبعظمة جديدة. سواء أكان عهد الخليفة الأول حين أطلت المعارضة الخارجية برأسها إلى جانب الفتن الداخلية، أو كان عهد الخليفة الثاني حين ظلت الفتن المختلفة والداخلية تطل برأسها من أول يوم إلى نهاية عهد الخلافة تقريبا حتى انشق جزء من الجماعة، واتخذت المعارضة الخارجية أيضا صورة حملة شعواء، ولكن مع كل ذلك لم يتوقف تقدم الجماعة. ثم أطلت الهجمات الخارجية والفتن الداخلية برأسها في زمن الخليفة الثالث أيضا، ولكن الجماعة ظلت تتقدم وظلت الخلافة تدفع الجماعة إلى الأمام باستمرار. ثم جاء عهد الخليفة الرابع وهاجم العدوُ الجماعة بكل ما كان يملك من قوة وقدرة، وقام بخطة متينة بحسب زعمه للقضاء على الجماعة حتى بدا بقاءها مستحيلا، إذ لم يكن هناك سبيل للنجاة. ولكن تحققت كلمات المسيح الموعود بكل عظمة وشأن مرة أخرى حيث قال بأنه تعالى يُظهر قدرته الثانية بكل قوة، فقد ظهرت تلك القدرة على صعيد الواقع. وإن تلك القدرة العظيمة أهلكت الأعداء وأبادتهم نهائيا. ثم جاء عهد الخليفة الخامس، وفي هذا العهد أيضا اشتدت نار الحسد والمعارضة اضطراما وتعرض الأحمديون الضعفاء والعزّل للهجمات الغاشمة وأُهرقت دماؤهم البريئة بظلم يتعذر على المرء أن يميّز هل هذه الأعمال صدرت من أناس أو من خلق أسوأ من الوحوش الضارية. وقد تمت المحاولات في بعض الأماكن لخلق الفُرقة الداخلية في الجماعة حيث سعى لها بعض الناس متنكرين بعباءة مواساة الجماعة. ولكن تصدت القدرة الثانية.. أي الخلافة المؤيَّدة من الله لهذه المحاولات بكل قوة ولا تزال تتصدى بكل حزم وعزم بفضل الله تعالى، بل الحق أن الله تعالى هو الذي يتصدى لها. أنا إنسان ضعيف عديم الحيلة لا أهمية لي، ولكن الخلافة الأحمدية تحظى بتأييد ونصرة من الله تعالى الذي هو قادر وقوي ومصدر كل قوة وقدرة. وقد وعد الله تعالى المسيح الموعود بأنه سيُظهر قوةً عظيمة، فلا يزال يُريها وسيريها في المستقبل أيضا. أما العدو فلسوف يفشل ويخيب ولا ولن يزال يفشل في مكائده وخططه وهجماته. إن العدو يستخدم في هذه الأيام وسائل الإعلام الالكترونية بما فيها الانترنت وغيرها لتقديم العبارات من كتب المسيح الموعود بقص ولصق وبقطعها عن سياقها. ومن ناحية ثانية قد أعطى الله تعالى المسيحَ الموعود في ظل قيادة الخلافة فوجا من الشباب الذين يلعبون في كل بلد دور طلحة ويتصدون للعدو بكل شجاعة وبسالة، ويردون على العدو بما يملأ القلب بحمد الله تعالى تلقائيا، ويزداد المرء إيمانا وإيقانا بوعود الله تعالى. يطمئننا سيدنا المسيح الموعود عن استمرار القدرة الثانية ويقول: ” فيا أحبائي، ما دامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله : إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.

فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبرغم أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها.”

فباختصار، لقد وعد الله تعالى أن الخلافة الأحمدية ستدوم، وهذا الوعد يتعلق بالذين سيأتون فيما بعد والذين يظلون متمسكين بنظام الخلافة، ويُظهرون طاعتهم الكاملة ويبقون على صلة الإخلاص والوفاء مع الخلافة، فسيرون تحقق هذا الوعد بفضل الله تعالى. إن عيون الأعداء الأشقياء محرومة من البصيرة فلا يرون مشاهد تأييدات الله تعالى بينما نرى مشاهد قدرة الله في كل لحظة وآنٍ بفضله تعالى، وتتراءى لنا بتجلّ جديد مظاهر تحقق الوعود المتعلقة بنا التي قطعها الله تعالى مع المسيح الموعود . إن اعتداء العدوّ وهجومه المسلح على الأحمديين العزّل دليل كاف على أنه لا قبل له بمواجهتنا بالحجة والبرهان. وإن إفحام الأحمديين الناسَ بالحجة والبرهان يمثّل دليلا على تحقق وعود الله تعالى أيضا، إذ قال الله تعالى للمسيح الموعود : “سأجعل أتباعك غالبين على غيرهم إلى يوم القيامة”، وتتحقق هذه الغلبة في صورة البراهين التي لا تسع أحدَ المعارضين مقاومتها.

ثم ذكر حضرته الخلافة الأحمدية مرة أخرى وسلط الضوء على ظهور القدرة الثانية وشرح طريق إقامة الخلافة، فقال:

“أنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين. ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة. أيقِنوا أن موتكم قريب، إذ لا تعلمون متى ستحل تلك الساعة! وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي. فالله يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله – عز وجل – التي أُرسلت من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذه الغاية نصب أعينكم، ولكن باللطف وحسن الخلق وكثرة الدعاء. فإلى أن يقوم أحدٌ مؤيَّدا بروح القدس من عند الله، ثابروا جميعًا على العمل بعدي متكاتفين.”

فلقد وضح حضرته هنا ما يجب العمل به من بعد وفاته إلى أن يتم انتخاب الخليفة، ثم ما يجب العمل به في الفترة ما بين وفاة كل خليفة وانتخاب خليفة آخر، وأكد على ألا تضلوا في هذه الفترة القصيرة من يوم أو يومين أو بضعة أيام، وإذا كنتم تريدون أن تتمتعوا ببركات القدرة الثانية فلا بد أن تبقوا متكاتفين ومتحدين خلال هذه الفترة الوسطية وتواظبوا على الدعوات حتى تنتخبوا الخليفة.

فلا ينخدعن أحد بقول حضرته : “وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي” حتى يسوّغ لنفسه القول أن الخلافة لا تتعلق بشخص واحد بل بمجموعة من أفراد الجماعة، فإن فئة غير المبايعين تمسكوا بهذا القول فاعتبروا “الأنجمن” أرفع مكانة من الخليفة، في حين أن حضرته قد شرحه في الحاشية على الصفحة نفسها حيث قال: “يتوقف انتخاب هؤلاء على اتفاق رأي المؤمنين، فمن اتفق عليه (هنا استخدم حضرته ضمير الواحد) أربعون مؤمنا بأنه يتأهل لأخذ البيعة باسمي فهو مجاز لذلك (وهنا أيضا لم يستخدم ضمير الجمع بل قال فهو مجاز). وعليه أن يكون أسوة حسنة للآخرين. (فلم يذكر هنا أن تصبح “الأنجمن” أسوة حسنة للآخرين بل قال يجب أن يكون هو أسوة للآخرين).

فلم يكن المراد هو “الأنجمن” من صيغة الجمع حيثما وردت وإنما كان المراد منه الخلفاء الذين يأتون بعد حضرته وهم الذين سيأخذون البيعة نيابة عنه. إضافة إلى ذلك فهناك مؤسسة قائمة في نظام الجماعة باسم “مجلس انتخاب الخلافة” التي أشرفت على انتخاب الخلفاء من بعد وفاة الخليفة الثاني .

أنا إنسان ضعيف عديم الحيلة لا أهمية لي، ولكن الخلافة الأحمدية تحظى بتأييد ونصرة من الله تعالى الذي هو قادر وقوي ومصدر كل قوة وقدرة. وقد وعد الله تعالى المسيح الموعود بأنه سيُظهر قوةً عظيمة، فلا يزال يُريها وسيريها في المستقبل أيضا.

فلو قال أحد: ما الدليل على أن هذا الانتخاب هو اختيار الله تعالى أيضا. فيكفيه شهادة الله الفعلية وتأييداته للخليفة والرؤى الصالحة التي يريها لأفراد الجماعة، ثم طاعة أفراد الجماعة لأوامر الخليفة من صميم الأفئدة وميل القلوب نحو تأييد الخليفة، كل ذلك يدل على أن الله تعالى بنفسه قد جعله خليفة. ولقد ضربت الأمثلة على ما دأب عليه العدو على مرّ السنين وعلى ما أرى الله تعالى من آياته العظيمة. يوجه سيدنا المسيح الموعود في هذا الكتيب نصيحة ويقول:

“ينبغي أن تنالوا نصيبًا من روح القدس ببركة التعاطف فيما بينكم وتزكية أنفسكم، وذلك لأن التقوى الحقيقية لا تُنال بدون روح القدس. وتَخَلَّوا عن ثوائركم النفسية تمامًا، واسلكوا أعسرَ الطرق وأضيقها ابتغاءَ مرضاة الله تعالى. لا تفتتنوا بملذات الدنيا فإنها تُبعدكم عن الله تعالى، بل اختاروا حياةَ المرارة لوجهه تعالى، فإنَ الألم الذي فيه رضاء الله خير من اللذة التي تجلب غضبه، وإن الهزيمة التي تُرضي الله أفضل من الانتصار الذي يوجب غضبه، فأَقلِعوا عن المحبة التي تدنيكم من غضبه. لو أقبلتم على الله بالقلوب الصافية لنصركم في كل موطن، ولن يقدر عدوّ بعدها على النَّيلِ منكم. ولن تنالوا رضاء الله تعالى ما لم تتخلّوا عن إرادتكم وملذاتكم وعزّتكم وأموالكم وأنفسكم، وما لم تتجشموا في سبيله عز وجل تلك المرارةَ التي تشبه الموت. ولكن لو كابدتم المرارة لكنتم كالطفل الحبيب في حضن الله، ولجُعِلتم ورثة لمن خلا من قبلكم من الصديقين وتُفتح لكم أبوابُ كل نعمة.”

ثم يقول حضرته :

“لا تظنوا أن الله تعالى سوف يضيعكم، أنتم بَذْرةٌ بَذَرَها الله تعالى في الأرض بيده. يقول الله تعالى: إن هذه البَذْرة سوف تَنْمُو وتَزْدَهِرُ وتَتَفَرَّعُ في كل طرف، ولَسَوْف تصبح دَوْحَة عظيمةً. فطوبى لمن يؤمن بقول الله تعالى ولا يخاف الابتلاءاتِ العارضة، لأنه لابد من الابتلاءات أيضا لكي يختبركم الله مَن منكم صادق في ادعائه للبيعة ومن هو كاذب. والذي يَزِلّ بسبب الابتلاء لن يضر الله شيئا، والشقاوة سوف تُوصله إلى الجحيم، ولو لم يُوْلَد لَكان خيرًا له. ولكن الذين يصبرون إلى نِهايَة المَطافِ في حين تأتي عليهم زلازل المصائب وتَهُبُّ عليهم عواصِفُ الابتلاءات، وتَسْخَرُ منهم الأقوامُ وتستهزئ، وتُعاملُهم الدنيا بمنتهى الكراهية؛ فأولئك الذين سوف يفوزون في آخرِ الأمر، وتُفتَح عليهم أبوابُ البركاتِ على مِصْراعَيْها. لقد قال اللهُ تعالى مخاطبا إيَّايَ أن أُخْبر جماعتي بأن الذين يؤمنون إيمانا لا تشوبُهُ شائِبةٌ من الدنيا، وليس ذلك الإيمان مُلوَّثا بالنفاق أو الجُبنِ وليس خاليًا من الطاعة، فأولئك هم المَرْضِيُّون عند الله تعالى. ويقول الله تعالى إنهم هم الذين قدمُهم قدمُ صِدْقٍ.”

لقد بدأت ترتفع مستويات التضحيات في أفراد الجماعة في كل مكان بفضل الله تعالى، ونشاهد تحقق وعود الله التي أعطاها للمسيح الموعود ، فانظروا كيف يتقدم الأحمديون الآن بالتضحية بالنفس والمال بكل شجاعة مفعمين بروح التضحية. ولكن هذه المقتبسات التي قدمتُها تحتوي على بعض الإنذار والبشارات أيضا التي أعطاها المسيح الموعود للمنضمين إلى نظام الخلافة والمنتمين إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية. فمن واجبنا جميعًا – لأخذ حظ من هذه البشارات والاستفاضة بهذه والوعود – أن نرسخ في قلوبنا عظمة الله تعالى، ونتمسك بوحدانيته ونظهرها في جميع أعمالنا، ونواسي الخلق كله، ونطهر قلوبنا من البغض والضغينة، ونأتي إلى الحسنة بكل طرقها، ونحافظ على إيماننا ونبدي نموذجًا مثاليًا للطاعة الكاملة، ونسعى لإحراز الرقي في إيماننا حتى تُعدَّ أقدامنا هي أقدام صدق عند الله تعالى، وبالتالي ننال بركات تحقق وعوده تعالى. لقد دعا المسيح الموعود في هذا الكتيب لأولئك المتقين الذين ازدادوا إيمانًا وسعوا جاهدين لإحراز مراتب سامية فانضموا إلى هذا النظام المالي الذي أسسه حضرته معلنًا أن يوصي جميع المنضمين إليه بنسبة معينة من مداخيلهم وعقاراتهم لتنفق هذه الأموال في رقي الإسلام ونشر علوم القرآن والكتب الدينية وعلى دُعاة الجماعة ووعاظها، كما قال إن في هذه الأموال نصيبًا للأيتام والمساكين والمبايعين الجدد من المسلمين الأحمديين الذين لا يجدون أسبابًا كافية لتأمين لقمة العيش. وقال أيضا بأنني على يقين أن هذه الأموال ستُجمع وتتم بها جميع هذه الأعمال لأن هذا هو وعد ذلك الإله الذي هو مالك الأرض والسماء. كما دعا لكل من سينضم إلى نظام الوصية ويشترك في المساعدة المالية لدين الله ومخلوقه، فقال:“يا إلهي القادر الكريم.. ويا ربي الغفور الرحيم.. خُصَّ هذه المقبرة بالذين يؤمنون إيمانًا صادقًا بمبعوثك هذا، (هذه المقبرة لأولئك الذي ينضمون إلى نظام الوصية لأنهم بعد وفاتهم يدفنون فيها) والذين لا يضمرون في أنفسهم نفاقًا ولا هوًى نفسيا، ولا سوء الظن، بل يؤمنون حق الإيمان ويطيعون حق الطاعة.”فيجب أن ترتفع على الدوام مستويات الإيمان والطاعة والتضحية لجميع المنضمين إلى نظام الوصية، لأنهم عقدوا عهدًا مع الله تعالى فيجب أن يسعوا جاهدين لإحراز الرقي والازدهار في التقوى ولتمتين العلاقة بالخلافة أكثر من ذي قبل. وفق الله تعالى جميع الأحمديين لنيل هذا النـوع من الرقـي. وثمـة ضـرورة قصوى ليستـفيض كل أحمدي من بركات الوعود الإلهـية المتعلقة بنـظام الخـلافة، وذلك حتى يـستمر هذا النـظام على الدوام ونستفيـض ببركاـته، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك