إيمان العجائب يحمي الإنسان الزلات
التاريخ: 2015-12-04

إيمان العجائب يحمي الإنسان الزلات

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • أحيا الله سبحانه رسالة الإسلام بإرسال المحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم.
  • صحابة الإمام نالوا منه الفيض الروحاني مباشرة.
  • كان صحابة الإمام يطوفون كالعشاق كل صباح حول بيت الإمام ليعلموا ما نزل من وحي جديد من الله تعالى.
  • من يرى الله بعيون الروحانية لا تهزه رياح الفتن.
  • ايمان العجائز يحمي الإنسان من الزلات.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

بدأ الله إحياء الإسلام بإرسال المحب الصادق للنبي بحسب وعده، والذين وجدوا زمن نزول الوحي الجديد بعد أربعة عشر قرنا وبايعوا المسيح الموعود ونالوا الفيض منه مباشرة كانوا محظوظين جدا بالتأكيد. وعندما يتصور الإنسان كيف كان أولئك الصحابة رضي الله عنهم يحمدون الله ويشكرونه على حظّهم بوجودهم حول المسيح الموعود ، يشعر بشعور غريب. ما أصدق الله وعدًا إذ وعد بأنه سيخلق في الآخرين أناسًا يلحقون بالأولين، وقوّى إيمانَ المؤمنين بالمسيح الموعود الخادم الصادق للنبي بإراءتهم آيات جديدة من خلال الوحي والإلهام، والذين كانوا يبدؤون نهارهم كل يوم بالبحث عما ينـزل على المسيح الموعود من جديد الوحي والإلهام.

كانت حالة الأحمديين عن وحي المسيح الموعود أنهم فور طلوع النهار كانوا يبدؤون بالطواف هنا وهناك كالعشاق لكي يعلموا ماذا نزل على حضرته من الوحي هذه الليلة.

لقد ذكر المصلح الموعود كيفية الصحابة هذه قائلا: كانت حالة الأحمديين عن وحي المسيح الموعود أنهم فور طلوع النهار كانوا يبدؤون بالطواف هنا وهناك كالعشاق لكي يعلموا ماذا نزل على حضرته من الوحي هذه الليلة. يقول المصلح الموعود : إذا خرجتُ أنا من البيت بدؤوا يسألونني أو إذا خرج طفل آخر سألوه ما هو الوحي الحديث اليوم؟ ماذا نزل عليه من الإلهام؟ يقول المصلح الموعود : كان من عادتي أنني فور خروج المسيح الموعود للصلاة كنت أفتح دفتره لأرى ما الإلهام الجديد الذي جاءه ؟ أو كنت أذهب إلى المسجد وأسمع من لسانه المبارك. فهذه كانت رغبتهم وشوقهم لكي يزداد إيمانهم صقلا وقوة، وينالوا بركاته، ويشكروا الله ويحمدوه لما وفّقهم للإيمان بالمسيح الموعود .

ثم كان يحدث في بعض الأحيان أن الوحي ينزل عليه حال وجود أحد الصحابة عنده، وكان ذلك الصحابي السعيد أيضًا يسمع وحي الله تعالى. يقول المصلح الموعود وهو يذكر مَثَل هذا الصحابي الذي نزل الوحي وهو عند المسيح الموعود : الدكتور “سيد عنايت الله شاه” المنتمي إلى أسرة أحمدية قديمة جدا، والده “سيد فضل شاه” كان صحابيا مقرّبا جدا للمسيح الموعود ، وكان يخدم المسيح الموعود عموما وكان يرتاد قاديان كثيرا، وكان “سيد ناصر شاه” المراقب -والذي فيما بعد غالبا أصبح (Sub-Divisional Officer)- أخاه، وهو أيضا كان مخلصا جدا يحب المسيح الموعود كثيرا. وهو كان يقول لأخيه سيد فضل شاه: لا تعمل شيئا إلا أن تذهب إلى قاديان وتلتقي بالمسيح الموعود وترسلَ بعض مذكّراته وتطلب منه الدعاء بين حين لآخر وأنا سأبقى أرسل نفقاتك. فكان يساعد أخاه ماديا لكي يبقى جالسا عند المسيح الموعود في قاديان.

إيمان العجائز وحده يستطيع أن يحمي الإنسان من الزلّات، وإلا من يحتالون ويحتجّون ويقِفون عند كل خطوة ويقولون لماذا أُصدر أمر فلاني ولماذا طُلب فعل كذا فهم في معظم الأحيان يزلّون ويضيع إيمانهم الضعيف أيضا، ولكن كامل الإيمان يضع أساس إيمانه على المشاهدة، وهو يسمع أدلة الآخرين ولكن لا يتأثر من اعتراضاتهم لأنه يكون قد رأى الله بعيونه الروحانية. (المسيح الموعود)

يقول المصلح الموعود : إنني أذكر جيدا أن وحي المسيح الموعود -الذي يبدأ بكلمة “الرحى” والذي يعادل بضع آيات قرآنية في طولا- نزل على المسيح الموعود عندما كان يعاني من الوجع في كليته وكان سيد فضل شاه يمسّده، فكان هذا الصحابي يحظى بفضل خاص إذ في حضوره وأثناء تمسيده نزل على حضرته الوحي، وكان هذا الوحي من نوع يجري فيه الكلام أحيانا على لسانه بصوت عال. يقول المصلح الموعود : أذكر أننا كنا أطفالا صغارا فدخلنا بسبب عدم احتياطنا الغرفةَ التي كان المسيح الموعود مستلقيا فيها ملتحفا برداء وكان سيد فضل شاه المرحوم يمسّده، وكان يشعر بأن الوحي ينزل، بل كتب المسيح الموعود أنه نفسه كان يملي عليه الوحي، فأشار لي سيد فضل شاه أن اخْرجوا من هنا فخرجنا، وبعد ذلك علِمْنا أن وحيا طويلا كان ينزل عليه حينها، وهذا الوحي الذي يتحدث عنه المصلح الموعود يتعلق بتلك الحادثة أو القضية التي رُفعت ضد مرزا إمام الدين وأصحابه لما سدّوا الطريق ببناء جدار. والأوراق التي قُدّمت في المحكمة كان يبدو منها أن القضية ستُفصل في حقهم بل أعلنوا أن القضية ستُسقَط عما قريب، ولكن حدث وِفق ما أخبر به الله تعالى تماما، وفي الوقت الأخير وُجد من بين الأوراق ما يُثبت أن مرزا غلام مرتضى والد المسيح الموعود أيضا شريك مع مرزا إمام الدين في ملكية تلك الأرض، فالمحكمة حسمت القضية في حقه وأصدرت الحكم بهدم الجدار. ولأن هذا الوحي يحمل شأنا عظيما لذا أقرأ ترجمته أيضا، وقد ذكر في التذكرة وفي حقيقة الوحي، يقول المسيح الموعود نفسه عنه: “أذكر أن السيد فضل شاه اللاهوري، أخا السيد ناصر شاه المراقب في باره مولا بكشمير، كان يدلِّك عندها قدميّ وكان الوقت ظهرا حين بدأ الإلهام عن القضية المتعلقة بالجدار يتنـزّل. فقلت له إن الإلهام يتعلق بقضية الجدار فعليك أن تكتب كما ينـزل، فأخذ القلم والمحبرة. ثم غلبني النعاس وبدأ الوحي الإلهي يجري على لساني جملةً جملةً كما هي سنة الله وكلما انتهت جملةٌ وسُجِّلت غلبني النعاس مرة ثانية وجرت على لساني جملة أخرى إلى أن نزل الوحي كله وسُجِّل بقلم السيد فضل شاه اللاهوري. وأُلقي في قلبي أنه يتعلق بالجدار الذي بناه إمام الدين ورُفعت بشأنه الدعوى في المحكمة، وأُفهِمتُ أيضا أنها ستُحسَم في حقنا. فحكيت الوحي لعدد كبير من أفراد الجماعة وأخبرتهم أيضا عن سبب نزوله ومعانيه، ونشرته في جريدة “الحَكَم”. وقلت للجميع إن الله تعالى سيهيئ أسبابا ستؤدي إلى نجاحنا في نهاية المطاف لأن هذا هو مضمون الوحي، وإن كانت الظروف الراهنة خطيرة وتبعث على اليأس. والآن نكتب الوحي الإلهي مع شرحه وتفسيره:

“الرحى تدور، وينـزل القضاء؛ أي أن القضية سيتغيّر وَضْعُها، شَأْنَ الرَّحَى التي يختفى عند دورانها جُزْؤها الذي يكون أمام الأعين من قبل، ويظهر جزؤها الذي يكون محجوبا… هذا فضل الله الموعود، وسيأتي حتمًا، وليس بوسع أحد أن يمنعه… قُلْ: أُقسِم بالله ربي أن هذا لهو الحق، ولن يتغير هذا الأمر ولن يخفى. سيظهر أمر يحيرك. هذا وحيٌ من ربّ السماوات العلى. إن ربي لا يحيد عن الصراط المستقيم الذي يسلكه عباده الأخيار، ولا ينسى عبادَه الذين يستحقون النصرة. فاعلمْ أنه سيحالفك في هذه القضية ظفرٌ مبين، ولكن سيتأخر صدور هذا الحُكم إلى أجل قدّره الله… قُل إن الأمر كله بيد الله ربي، ثم ذرْ هذا المعارض سادرًا في غيّه وبطره واستكباره… إن ذلك القادر معك، ويعلم الخفيّ بل الأخفى الذي يفوق إدراك البشر… إنه هو المعبود الحقيقي لا معبود سواه، فلا ينبغي للإنسان أن يثق بغيره بحيث يجعله إلهًا، إنما الله وحده المتصف بهذه الصفة. هو الذي يعلم كل شيء، ويرى كل شيء. وإن الله مع الذين يتقونه ويخشونه، وإذا عملوا الخير عملوه بجميع لوازمه الدقيقة، ولا يعملون الصالحات بشكل سطحي ولا ناقص، بل يقومون بها بأدق جزئياتها وعلى أحسن وجه، وأولئك هُم الذين ينصرهم الله، لأنهم خدام سبل رضوانه، فيسلكونها ويجعلون غيرهم يسلكونها. إنا أرسلنا أحمد –أي هذا العبدَ المتواضعَ- إلى قومه، فأعرَضوا عنه وقالوا كذّاب يريد حُطام الدنيا، أي أنه يريد متاع الدنيا بهذه الحِيَل. وشهدوا عليه في المحاكم ليُسجَن. إنهم ينهالون عليه بهجماتهم كسيلٍ عارمٍ آتٍ مِن علٍ، ولكنه يقول: إن حبيبي قريب مني جدا. إنه قريب ولكنه خفيّ عن أعين المعارضين.”

فتحقق هذا الوحي بكل شأن، وقد ذكر المسيح الموعود ذلك في أماكن مختلفة، وربما يكون قد نزل أكثر من مرة. فظهر أمر خفي وفي النهاية بُتّ في الأمر. وكلما رفع الأعداء عليه قضايا رُدّت مطالبهم في نحورهم وجاءت القرارات ضدهم. يقول المصلح الموعود في موضع وهو يذكر مجالس المسيح الموعود : إلى الآن تدوّي في آذاننا تلك الأصوات التي سمعناها من المسيح الموعود مباشرة، كنتُ صغيرا ولكن كان شغلي الشاغل أن ألازم مجلس المسيح الموعود وأستمع إلى أحاديثه، يقول : قد سمعنا في تلك المجالس مسائل بكثرة حتى أننا عندما نقرأ كتبه فيبدو كأننا سمعنا هذه الأمور كلها من قبل. كان من عادة المسيح الموعود أن كل ما كان يكتبه في النهار يبينه مساءً في مجلسه، لذا نحفظ كل أقواله، ونفهم جيدا تلك المطالب التي تطابق مراد المسيح الموعود وتعليمَه.

ثم يقول المصلح الموعود في ذكر الإيمان الحقيقي: لو أُعطيت أمٌّ مجرد أدلّة على أنه يجب أن تخدم ولدها وإلا سيخرب نظام البيت وسيحدث كذا وكذا فلن تؤثر فيها هذه الأدلة حتى للحظة واحدة، ولا يمكن أن تُجبَر أمٌّ على خدمة ولدها بالأدلة، فإن كانت هي تخدم فتخدم جراء عاطفة الحب التي تعمل في قلبها، لذلك كان المسيح الموعود يقول بأن إيمان العجائز وحده يستطيع أن يحمي الإنسان من الزلّات، وإلا من يحتالون ويحتجّون ويقِفون عند كل خطوة ويقولون لماذا أُصدر أمر فلاني ولماذا طُلب فعل كذا فهم في معظم الأحيان يزلّون ويضيع إيمانهم الضعيف أيضا، ولكن كامل الإيمان يضع أساس إيمانه على المشاهدة، وهو يسمع أدلة الآخرين ولكن لا يتأثر من اعتراضاتهم لأنه يكون قد رأى الله بعيونه الروحانية. ثم قدم مثال منشي أروري خان المحترم، أحد صحابة المسيح الموعود . يقول المصلح الموعود إني أتذكر كلاما لطيفا له- وقد ذكرتُه لكم من قبل أيضا، وأذكره مكررا يقول حضرته- كان المنشي المحترم يقول: بعض الناس قالوا لي لو استمعتَ مرة إلى خطاب المولوي ثناء الله لتبيَّن عليك هل المرزا صادق أم كاذب، فقال قد سمعتُ خطابه مرة، ثم جاء إلي الناس يسألون رأيي بعده، فقالوا أخبرْنا الآن هل بعد سماع كل هذه الأدلة يمكن أن يُعدّ المرزا صادقا؟ فقلت لهم أما أنا فقد رأيت وجه الميرزا فلو ظل المولوي ثناء الله يلقي الخطاب لمدة سنتين على التوالي لما أثر فيَّ خطابُه شيئا، ولما وسِعَني القولُ إن ذلك الوجه كان لكاذب. من المحتمل أن لا أقدر على الردّ على أيٍّ من اعتراضاته لكنني مع ذلك سأقول إن حضرة الميرزا صادق. باختصار ليس من الضروري أن يكون المؤمن الكامل مطَّلعا على الحكمة، لأن إيمانه لا يكون مبنيا على العقل، بل يكون أساسُه على المشاهدة.

فأوضاع العالم هي دليل صدق المسيح الموعود وليس ثمة حاجة لأدلة أخرى، لأن النبي كان قد تنبأ عن هذا الزمن الفاسد، فالذي له علاقة بالله تعالى يخشاه أيضا ولا يحتاج لكثرة المعجزات والبراهين. فحاجة العصر وكلُّ لحظة من حياته برهان على صدقه..

كان يجب تناولُ قصة منشي أروري خان انطلاقا من أنه يجب علينا أن ننظر إلى الله بعيون روحانية، ولا يمكن ذلك إلا بتوطيد العلاقة بالله، وكذلك عندما نوقن بأن الله قد بعث المسيح الموعود في هذا الزمن لإصلاح العالم بحسب حاجة العصر سيحصل لنا اليقين الحقيقي بصدقه. فالوقت كان يتطلب بعثة مصلح، وكان الوقت يقتضي أن يرسَل المسيح الموعود. فأوضاع العالم هي دليل صدق المسيح الموعود وليس ثمة حاجة لأدلة أخرى، لأن النبي كان قد تنبأ عن هذا الزمن الفاسد، فالذي له علاقة بالله تعالى يخشاه أيضا ولا يحتاج لكثرة المعجزات والبراهين. فحاجة العصر وكلُّ لحظة من حياته برهان على صدقه ويجب أن نتذكر ذلك دوما. ومن هذا المنطلق يجب أن نقوِّي إيماننا دوما، وليت المسلمين الآخرين يشعرون ويحسُّون بحاجة العصر، فيؤمنوا بإمام الزمان.

يقول المصلح الموعود في موضع في بيان إخلاص منشي أروري خان : بعض الأسماء في جماعتنا تبدو غريبة مثل اسم أحد صحابة المسيح الموعود المخلصين “أرورا”، ثم يبين سبب ذلك وقال: كانت في ذلك الزمن عادة سائدة أن بعض الذين كان أولادهم يموتون كانوا يسحبون أولادا صغارا على المزبلة اعتقادا منهم بأنهم سينجون بذلك، فهذه كانت عادة أو وسيلة أو وهْمهم، ثم كانوا يسمّونه أرورا، واتباعا لهذه العادة كان والدا منشي المحترم سمياه بأرورا، لكنه لم يكن في نظر الله أرورا أي الساكن في مكان المزبلة. وإنما كان والداه سمَّياه بهذا الاسم اعتقادا منهم أنه بذلك سيبقى حيا، لكن الله بإلقائه عند قدمَي المسيح الموعود لم يحفظه من الموت المادي فحسب بل قد حفظه من الموت الروحاني أيضا. كان والداه أرادا أن ينذراه للمزبلة لكن الله اطَّلع على قلبه الطاهر واستخلصه لنفسه، فمكَّنه من الإيمان. فكان من صحابة المسيح الموعود المخلصين، وقطع أشواط الإخلاص الذي يندر له النظير. يقول المسيح الموعود من العبث أن يعقد المرء أملا في النجاة دون أن يتحلى بهذا الإخلاص. كان يتمتع بإخلاص قد أثنى عليه المسيح الموعود نفسه، فقد أثبت هؤلاء إخلاصهم بأسلوب يبعث على الحيرة، كانوا مضرب المثل في الحب والمودة، يقول المصلح الموعود عنه في موضع: ربما كان منشي المرحوم موظفا في مكتب الحاكم أو القاضي، وكان يأتي إلى قاديان مرة في الشهر حتمًا، فلما لم يكن يشبع من عطلة يوم واحد ما لم يأخذ بعض الوقت من السبت أيضا، لذا في اليوم الذي كان يريد أن يذهب إلى قاديان كان مديره يقول للموظفين أنه ينبغي إنهاء العمل عاجلا لأن حضرة المنشي يريد الانطلاق إلى قاديان وإن لم يستطع فسوف يصدر من قلبه آهةٌ تقضي عليَّ، ومن ثم كان يسمح له بالخروج عند الموعد دوما. كان ذلك المسئول هندوسيا إلا أنه كان متأثرا جدا بصلاحه وتقواه وإجابة دعائه بحيث كان بنفسه يهيئ له الفرصة للذهاب إلى قاديان قائلا: إن لم يستطع الذهاب إلى قاديان فسوف يصدر من قلبه آهةٌ تدمِّرني ولن أنجو.

فكان لهؤلاء الصلحاء، الذين كانوا قد رأوا وجه المسيح الموعود تأثيرٌ في الأغيار أيضا وكانوا قد ازدادوا إخلاصا، وكانت لهم علاقة بالله . يقول المصلح الموعود كما يتعامل المرء تجاه الله يكون من الله مثله، فبقدر ما يذيب المرء قلبه لله يعامله الله بحسب ذلك. الدنيا تضربه وتشتمه وتحاول أن تمنعه من التقدم وتعرقل رقيه لكنه في كل مرة يتقدم ويزدهر. فالله يربي وينمي أمثال هؤلاء المؤمنين رغم أنواع العقبات، وهي الجماعة الحقيقية التي تتقدم وتزدهر. لذا ينبغي إنشاء مثل هذا الإيمان. فاجعلوا قلوبكم من هذا القبيل واخلقوا الحب للجماعة ثم انظروا كيف ينميكم الله ويُكثركم، فالذين يكونون لله لا تبقى لهم حاجة في السؤال، فهم أحيانا يقولون بدلال إنهم لن يسألوا، لكن الله بنفسه يقضي حاجاتهم. ولقد سمعت من سيدنا المسيح الموعود هذه القصة أيضًا. يقول المصلح الموعود: كان صالحٌ طرأت عليه مصيبة كبيرة، فقال له أحدٌ لم لا تدعو؟ فقال: إذا كان ربي لا يريد أن يعطيني فسؤالي إساءة ومنافٍ للأدب، إذا كان هو لا يريد فلماذا أسأله، فهذا كان مقامُه. في هذه الحالة أفضل أن لا أُعطَى، أما إذا كان يريد أن يعطيني فسؤالي استعجال. يقول حضرة المصلح الموعود: هذا لا يعني أنهم لا يدعون مطلقا، كلا بل تأتي أحيانا على المؤمنين الكمّل ساعاتٌ وأوضاع حيث يقولون لن نسأل. أما الدعاء فقد أمرَنا الله به بنفسه، وإنما المراد أن هؤلاء أحيانا في حالة خاصة يتدللون على الله لعلاقتهم القوية به ، ويقولون إن الله بنفسه سيقضي حاجاتهم، إلا أن هذا المقام لا يتحقق بسهولة. فمِن دون إنشاء علاقة الحب في القلوب ودون الخضوع والخشوع في الصلاة ودون دفع الصدقات وبالتهاون في تقديم التبرعات واللجوءِ إلى الكذب والاحتيال؛ لا تظنوا أنه يمكن أن ترِثوا أفضال الله الخاصة، فهذا مستحيل.

إلا أن هذا المقام لا يتحقق بسهولة. فمِن دون إنشاء علاقة الحب في القلوب ودون الخضوع والخشوع في الصلاة ودون دفع الصدقات وبالتهاون في تقديم التبرعات واللجوءِ إلى الكذب والاحتيال؛ لا تظنوا أنه يمكن أن ترِثوا أفضال الله الخاصة، فهذا مستحيل.

يقول المصلح الموعود : لقد حدثتُكم قبل هذا مرارا أن المرحوم قاضي أمير حسين كان من صحابة المسيح الموعود المخلصين وقبل مبايعته كان وهابيا متشددا، إذ لم يكن يستطيع أن يتحمل بعض الأمور المنافية للآداب الظاهرة، والمعروف أن الوهابيين متطرفون جدا ولا يتحملون بعض التصرفات. فعندما كان المسيح الموعود يخرج كان الناس يقفون برؤية حضرته، وصحيح أن حضرة القاضي كان قد بايع لكنه كان يظن أن الوقوف هكذا لا يجوز بل هو من الشرك، وكان دوما يناقش هذا الأمر، أنه إذا كانت مثل هذه الأمور موجودة فينا اليوم فماذا سيحدث في المستقبل. يقول المصلح الموعود: كان حضرة القاضي أستاذي أيضا، ويقول ذات يوم في عهد خلافتي خرجتُ من البيت فوقف فورا، فقلت له: يا سيد قاضي، هذا شرك في رأيك. فضحك وقال: ما زلت أتمسك برأيي هذا لكنني لا أتمالك نفسي، فأقف عفو الخاطر تلقائيا. فقلت: هذا هو الجواب لجميع اعتراضاتك، فحين يقف أحدهم تكلفا فهو بلا شك شرك، أما إذا وقف المرء تلقائيا دون أن يتمالك نفسه فليس من الشرك في شيء. هذا ما كان يقوله سيدنا المسيح الموعود أيضا “إن التكلف والتصنع يجعل بعض الأمور شركا”. فينبغي الانتباه إلى ذلك.

كان حضرته يقول: إن عائشة رضي الله عنها أطلقت زفْرةً وضربت وجهها تلقائيا عند وفاة أحد إخوتها، فسألها أحدهم: هل ذلك يجوز؟ قالت: لقد حدث ذلك عفويا ولم أفعله قصدا. يقول المصلح الموعود بأني أذكر قول السيد قاضي المحترم دائما إذ قال: لقد حدث ذلك عفويا وبغير قصد مني. على أية حال، لكلِّ مِن هؤلاء الصحابة أسلوبه الخاص في الإخلاص والحب.

كيف تُري العلاقة بالله معجزات عجيبة، يقول المصلح الموعود في هذا الباب: لقد سمعت من المسيح الموعود أن في عهد الملك هارون الرشيد- على ما أظن- سُجن رجل صالح من أهل البيت اسمه الإمام موسى الرضا بعذر أن وجوده يهدد بالفتنة. وذات ليلة جاءه في السجن شرطي في منتصف الليل بأمر إطلاق سراحه، فاستغرب المسجون كثيرا على صدور الأمر بإطلاق سراحه فورا في هذا الوقت من الليل. عندما قابل الملكَ بعد ذلك سأله: ما القصة، كيف صدر الحكم بإطلاق سراحي بهذه الطريقة السريعة؟ قال الملك: السبب في ذلك أنني كنت نائما فأيقظني أحد وشعرتُ في أثناء النوم كأنني استيقظت وسألته: من أنت؟ وعلمتُ أنه رسول الله . قلتُ: ماذا تأمرني به؟ قال : يا هارون الرشيد! أنت نائم نوما هادئا وابني في السجن، ما هذا؟ فقد ارتعبت بشدة بسماع هذا الكلام وأصدرتُ الحكم بإطلاق سراحك فورا. قال الرجل الصالح: اليوم كنت أنا أيضا أشعر بكُربة شديدة في السجن. لم تنشأ في قلبي أمنية من قبل ليُطلق سراحي أما اليوم فكنتُ مضطربا بشدة ليُفكّ أَسري.

ثم ذكر المصلح الموعود منشي أرورا نفسه الذي كان من المحبين الصادقين للمسيح الموعود وقال: كان من عادته أن يحضر قاديان كل يوم جمعة أو يوم أحَد. لذا كلما كان يجد إجازة كان يحضر قاديان، كما ذُكر من قبل. وكان يأتي مشيا على الأقدام ليوفر بعض النقود ليقدمها إلى المسيح الموعود . في تلك الأيام كان راتبه زهيدا جدا، لعله كان يتقاضى 15 أو 20 روبية شهريا. فكان يبذل منها لمعاشه ويوفر منها نفقات السفر ويقدم بعضها إلى المسيح الموعود أيضا. يقول المصلح الموعود بأنه رآه دائما لابسا معطفا واحدا ولم ير عليه معطفا آخر على مدى عمره. كان يرتدي إزارا وقميصا بسيطا جدا. كانت لديه رغبة عارمة أن يوفر شيئا من النقود ويقدمها إلى المسيح الموعود نذرا. ظل يرتقي في مجال وظيفته رويدا رويدا بسبب أمانته حتى احتل مرتبة المسئول الأعلى في المديرية.

لقد ذكر المصلح الموعود حادثا معروفا يتعلق بالسيد منشي أرورا، فقال: بعد وفاة المسيح الموعود دعاني ذات يوم إلى خارج البيت وبدأ يبكي بكاءً مرا، ولكني لم أفهم سبب بكائه المرير. أخرج بعد هنيهة قطعات ذهبية وأعطانيها قائلا: كنت أتمنى أن أقدمها للمسيح الموعود ولكني لم أُوفَّق لذلك في حياته. أما الآن فقد وفقني الله تعالى لتقديمها وقد ارتحل المسيح الموعود من هذا العالم. يقول المصلح الموعود : هذا هو الحب الحقيقي. ثم يقول : إذا كانت النِعم الدنيوية نِعما حقيقية، وإذا كان ممكنا أن تنفعنا نفعا حقيقيا، فإن قلب المؤمن يتألم حتما عند استخدامها حين يفكر أنه إذا كانت هذه النعم مفيدة فكان النبي أحق بها. لقد ورد في رواية عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها عندما اقتنت خبزا من عجين دقيق اغرورقت عيناها وقالت: لم يكن هذا النوع الرقيق مهيأ في زمن النبي فكان يأكل الخبز من عجين خشن؟

فيتابع المصلح الموعود ويقول أنه إذا كانت هذه النعم نِعما حقيقية فكان النبي أحق بها، ثم كان يجب أن ينالها بعد النبي ظلُّه أي المسيح الموعود . ثم سرد حادثا يبيِّن حبَّه للمسيح الموعود وقال: كنت صغيرا وكنت مولعًا بالصيد منذ زمن المسيح الموعود وكانت عندي بندقية الهواء أصيد بها. كان المسيح الموعود يأكل قدرا قليلا من الطعام ويكثر من الأعمال الفكرية وكنت قد سمعت من طبيب أن لحم الصيد مفيد لمن يعمل أعمالا ذهنية فكنت أقدم له لحم الصيد دائما. ولا أذكر أنني طلبت في ذلك الزمن ولو مرة واحدة أن يُطبخ لي لحم الصيد بل كنت أقدمه للمسيح الموعود . عندما يحب المرء أحدا حبا كاملا فلا يرى أن شيئا يمكن أن يريحه، وإذا وجد شيئا مريحا يحسب أن حبيبه أحق به.

يضيف المصلح الموعود أن الله تعالى كشف عليَّ معارف القرآن الكريم العظيمة، وقد نشأتْ في قلبي بعشرات المناسبات- حين كشف الله عليَّ معارفَ القرآن- رغبةٌ عارمة أنه لو كُشفت عليَّ هذه النقطة في زمن المسيح الموعود أو في عهد الخليفة الأول لقدمتها إليهما ونلتُ رضاهما. لا شك أن الأحق بها كان المسيح الموعود ولكن يذهب وهلي إلى الخليفة الأول لأنه درّسني القرآن الكريم وكان يحبني كثيرا وكان يودّ من الأعماق أن أتدبر القرآن وأستخرج منه الدقائق والمعارف. ثم يقول المصلح الموعود بأن الأشياء الدنيوية لا تعني شيئا بل إذا كان هناك شيء ذو أهمية فهي هذه الأشياء ومن شأنها هي أن تريحنا وتُسعدنا.

هذه كانت قصة محب للمسيح الموعود، كان يحضر قاديان ويتمنى دائما أن يبقى هنالك، كما جاء في قصة السيد فضل شاه وقصة منشي أروري خان.

فمن ناحية كان هؤلاء الناس ينظرون إلى وجه المسيح الموعود ويسعون جاهدين أن يصلوا إلى قاديان وكانوا يضطربون للوصول إليها ويقدمون التضحيات أيضا من أجله . وكان هناك بعض آخرون الذين كان جوّ قاديان بمنـزلة مصيبة لهم، إذ كانت الملذات الدنيوية تغلبهم لدرجة كانوا يريدون أن يتخلصوا من ذلك الجو ويخرجوا من قاديان فورا.

يروي المصلح الموعود قصة شخص من هذا النوع ويقول: جاء شخص إلى قاديان في زمن المسيح الموعود ومكث يوما واحدا وعاد أدراجه. الذين أرسلوه إلى قاديان فعلوا ذلك واضعين في الحسبان أنه سيمكث هنالك لبضعة أيام ويسمع كلام المسيح الموعود ، ويرى الظروف السائدة هنالك وسيأخذ انطباعا إيجابيا عن الأحمدية. ولكنه عاد أدراجه بعد ليلة واحدة، فسأله أصحابه لماذا عدتَ بهذه السرعة؟ قال: يا أصحابي، هل يصلح ذلك المكان لمكوث النبلاء! ظن أصحابه لعله تأثر سلبا من تصرّف أحد الأحمديين من قاديان وتعثّر نتيجة ذلك. فسألوه: ماذا حدث بالضبط حتى عدتَ بهذه السرعة- يقول المصلح الموعود بأن في تلك الأيام كان السفر من بطالة إلى قاديان بعربات الأحصنة- فقال الزائر: وصلت إلى قاديان صباحا، وأُسكِنتُ في دار الضيافة وتمت استضافتي على أحسن وجه. قلتُ: لقد جئت من السند ولم أجد فرصة لتدخين النرجيلة في الطريق، أما الآن فسأجد فرصة مواتية للتدخين على راحتي. لقد تأخر إحضار النرجيلة قليلا وقال شخص في هذا الأثناء بأن حضرة المولوي (أي سيدنا الخليفة الأول ) سيلقي الآن درس الحديث فتعال نسمع الدرس أولا ويمكن أن تدخّن بعد ذلك. قلتُ، ما دمتُ قد جئت إلى هنا فلا بأس في سماع درس الحديث. وعندما عدنا من درس الحديث قال أحد: الطعام جاهز فلتأكل أولا. قلتُ: حسنا، سندخن بعد الطعام بهدوء. لما انتهينا من الأكل قال شخص: لقد أُذّن لصلاة الظهر. قلتُ في نفسي: ما دمتُ هنا فلا بأس في أداء الصلاة أيضا. عندما انتهت الصلاة جلس المرزا المحترم مع الناس وبدأت أحاديثُ مختلفة. قلتُ في نفسي: حسنا، نسمع كلام المرزا المحترم ونرى ماذا يقول ثم سأدخّن النرجيلة. (فكرة التدخين لم تخرج من ذهنه إلى الآن) وعندما عدنا بعد سماع كلامه وفرغتُ من قضاء الحاجة أشعلت النرجيلة وقلت في نفسي: لقد فرغت الآن من كل شيء وسأدخن الآن بهدوء على راحتي. ولكن لم أسحب منها إلا سحبتين فحسب حتى قال أحد: لقد أذن للعصر فهيا بنا إلى الصلاة. تركنا النرجيلة حيثما كانت وذهبنا لصلاة العصر. بعد صلاة العصر كان ظنّي أنني سأتمتع بحريةِ شربِ النرجيلة حتى المساء غير أن أحدًا قال لي: لقد توجّه المولوي الكبير إلى المسجد الأقصى حيث سيلقي درس القرآن الكريم. كنت أرى أن أشرب النرجيلة حتى المساء ولكن قلت في نفسي: ما دمت قد أتيت إلى هنا فلا بد أن أستمع إلى درس القرآن أيضا. فذهبت إلى المسجد الكبير حيث استمعت إلى الدرس ولما رجعت كان قد أذّن المغرب فذهبنا لصلاة المغرب وظلت النرجيلة في مكانها. وبعد صلاة المغرب جلس مرزا صاحب فاضطررت للجلوس وقلت لأستمع إلى أحاديث مرزا صاحب، فلما رجعت من هناك قلت لعلي أجد الآن فرصة لشرب النرجيلة غير أنه قد حضر الطعام وقيل لي أن أتناوله أولا ثم أشرب النرجيلة. فلما تناولت العَشاء فكرت في الجلوس وشرب النرجيلة إلا أنه قد أذن للعشاء، وأصبح الناس يقولون لي: حيّ على صلاة العشاء. فذهبت لصلاة العشاء، وبعد الصلاة شكرت الله على أنه لم يبق عمل آخر، وأنا متفرغ الآن بشكل كامل، فأشرب النرجيلة الآن. ولكن ما أن أشعلت النرجيلة حتى علمت أن المولوي الكبير يوجه بعد العشاء النصائح إلى الوافدين من خارج قاديان. أخذ المولوي الكبير يلقي الوعظ، وبينما هو يعظ ويوجه النصائح وإذ غلبني النوم بسبب مشقة السفر والتعب وبعد ذلك لم أعد أعرف أين كنت وأين كانت نرجيلتي. فلما استيقظت صباحًا حملت فراشي وهربت من قاديان لأنه ليس فيها مكان لأي “نبيل” ليقيم فيه براحة. هذه هي حالة النبلاء المزعومين! لقد حُرِم هذا الشخص من تعلم الدين بسبب إدمانه على النرجيلة، كما حُرِم من الاستفاضة بصحبة المسيح الموعود عليه السلام. وفي هذا عبرة لجميع المدمنين.

لقد بدأ بعض المحلّلين يعترفون الآن وأخذوا يكتبون أيضا أن الحرب العالمية على أشدها. أما أنا فمنذ سنوات ماضية عديدة ألفت الأنظار إلى هذا الأمر، إلا أنهم لم يتكلموا بمثل هذه الأحاديث إلا الآن. ويبدو إلى الآن أنه لن تنتبه القوى الكبرى ولا الحكومات الإسلامية أيضا إلى الالتزام بالعدل. لأنه يبدو وكأن الجميع يظنون أنهم بأخذهم إجراءات لازمة ضد الدولة الإسلامية المزعومة ومن ثم إذا قضوا عليها أو استطاعوا القضاء عليها فسيسود الأمن وتهدأ الأوضاع.

والآن أريد إطلاعكم باختصار على الأوضاع المتغيرة للعالم، وينبغي لأفراد الجماعة التركيز على الإكثار من الدعاء للعالم لأنه متوجه نحو الدمار بسرعة كبيرة. بعد الأحداث الظالمة في فرنسا قررت الدول الغربية اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد “الدولة الإسلامية” المزعومة القائمة في العراق والشام، فقد خططت للقصف الجوي، بل بدأت به، ولكنها إذا كانت تريد توجيه مثل هذه الضربات فعَليها أن توجهها إلى الظالمين. ندعو الله تعالى أن يحفظ الأبرياء وعامة الناس من هذه الهجمات. إن الساكنين هناك ولا سيما في سوريا وغيرها يسحقون في الرحى، ليس لهم أي مهرب ولا إلى خروج من سبيل. ثم إن البلاد المجاورة لهذه المنطقة أيضا ليست جادّة في إنهاء هذه الفتنة. كان ينبغي أن تجتمع الدول المجاورة وتساعد حكومات هذه المنطقة على القضاء على هذه الفتنة إلا أنها تركتها تزداد وتتفاقم إلى أن انتشر هذا الشر في العالم كله. ويقال إلى الآن بأن بعض البلاد المجاورة تقوم بالتجارة مع هذه الدولة الإسلامية المزعومة وتشتري منها النفط. روسيا تتهم تركيا مع أن تركيا ترفض ذلك وبدورها تتهم روسيا بهذه التجارة. على أية حال، هناك شيء ما يحصل، وتتم مثل هذه التجارة بشكل أو بآخر، وهو أمر أتكلم عنه منذ سنين.روسيا أيضا مشاركة مع الدول الغربية في هذه الضربات الجوية رغم اختلافها مع هذه الدول؛ إذ إن روسيا مؤيدة لحكومة بشار الأسد السورية أما بقية العالم فتعارضها، غير أن داعش في الوقت الراهن أصبحت هدفًا مشتركًا للطرفين، مع كل ذلك كما قلت بأن هناك خلافات بينهما. والصين تعلن عن دعمها لموقف روسيا إذا تطورت الظروف أكثر. وتقول حكومة سوريا أن الضربات الجوية لن تكون مفيدة إلا إذا تمت بالتنسيق معها. ثم بعد إسقاطِ تركيا طائرةً روسية كثُرت العداوات وكثر إظهارها وازدادت التصريحات.

إضافة إلى ذلك سمعنا أن هذه الدولة الإسلامية المزعومة قد أعلنت عن خطتها بأنها إذا اضطرت للخروج من العراق والشام فستتخذ من ليبيا مركزًا لها وتقيم فيها حكومتها. فماذا عسى أن تكون نتيجتها؟ نتيجتها واضحة وهي أن هذه القوى ما دامت تريد القضاء عليها فلا بد أن تواصل ضرباتها الجوية هناك في لبيبا أيضا، وهكذا سيهلك عامة الناس مرة أخرى. إن البلاد الغربية تساعد هذه الحكومات في البداية ثم تعاديها في النهاية، فإنها الآن تعادي حكومات ليبيا وسوريا والعراق فإما أنها أطاحت بهذه الحكومات أو تحاول الإطاحة بها. إن انتشار هذا الفساد كله في العالم نتيجةٌ لعدم الالتزام بالعدل منذ فترة طويلة. ومن سوء الحظ أن الحكومات الإسلامية أيضا تمارس الظلم وعدم الإنصاف في بلادها. لقد آلت الأوضاع إلى وضع معقّد جدًّا وكأن حربًا عالمية قائمة ولو على نطاق ضيق، بل ينبغي أن نقول بأن الحرب العالمية قد بدأت الآن. لقد بدأ بعض المحلّلين يعترفون الآن وأخذوا يكتبون أيضا أن الحرب العالمية على أشدها. أما أنا فمنذ سنوات ماضية عديدة ألفت الأنظار إلى هذا الأمر، إلا أنهم لم يتكلموا بمثل هذه الأحاديث إلا الآن. ويبدو إلى الآن أنه لن تنتبه القوى الكبرى ولا الحكومات الإسلامية أيضا إلى الالتزام بالعدل. لأنه يبدو وكأن الجميع يظنون أنهم بأخذهم إجراءات لازمة ضد الدولة الإسلامية المزعومة ومن ثم إذا قضوا عليها أو استطاعوا القضاء عليها فسيسود الأمن وتهدأ الأوضاع. ولكن تشير بعض الأمور إلى أن الأوضاع لن تتحسن ولو قضي على هذه الفتنة، بل ستبدأ القوى الكبرى بالتعارك فيما بينها وليس ببعيد أن يؤدي الأمر إلى نشوب الحرب على نطاق واسع، وذلك لأن الخلافات بين روسيا والدول الغربية أخذت تتفاقم، وإن حدثت الحرب فلن يهلك إلا عامة الناس، فإننا قد رأينا في الحروب السابقة أيضا أن من هلك كانوا عامة الناس والأبرياء. لأجل ذلك هناك حاجة ماسة للأدعية الكثيرة لكي ينجي الله تعالى العالم من الدمار.

إضافة إلى ذلك فقد نبّهت الجماعة في السنوات الماضية إلى اتخاذ التدابير الاحتياطية، فعليكم الانتباه إليها أيضا. ولقد أشرت بكل اختصار إلى بعض الأمـور، إلا أنني أكرر تنبيهكم إلى التـركيز على الدعاء ليـهب الله تعالى العـقل للحكـومات والقوى الكبرى حتى لا تدفع العـالم نحـو الدمـار والخـراب.

Share via
تابعونا على الفايس بوك