نظرة الإسلام إلى السلوك النباتي في التغذية

نظرة الإسلام إلى السلوك النباتي في التغذية

أمة الرازق كرمايكل

  • لصالح من تُشن الحرب الإعلامية على استهلاك اللحوم؟
  • ما هي فلسفة التغذية الإسلامية؟
  • هل يقدم الإسلام إرشادات أخلاقية حول تناول اللحوم؟
  • هل الإسلام يدعم نظامًا غذائيًا خاليًا من اللحوم؟
  • ما فلسفة الأضحية الإسلامية؟

__

لقد شاعت العادات الغذائية النباتية بشكل مُكثف في المجتمع الحديث مع ازدياد عدد سكان العالم. وفي مختلف البلدان حوَّل نسبة كبيرة من الناس نظامهم الغذائي إلى النظام النباتي، الأمر الذي يدعونا إلى النظر في أسباب هذا التحول الغريب، وكذلك محاولة استجلاء مضاره وفوائده، إن كانت له فوائد.

يُعرف النظام الغذائيّ النباتيّ والمعروف بالإنجليزيّة Vegetarianism هو الامتناع عن تناول نوع واحد أو أكثر من أنواع الأطعمة ذات المصدر الحيواني، وخاصةً اللحوم، وتجدر الإشارة إلى أنّه قد ازداد انتشار هذا النظام في الآونة الأخيرة، بدعوى فوائده الصحية الجمة، والمتمثلة في تقليل خطر الإصابة ببعض الأمراض.

أحيانًا، مُجبَرٌ النبات، لا بطل!

في بعض الأحيان يُعزى السلوك الغذائي النباتي إلى الزهد في تناول اللحوم ومشتقاتها، لا سيما في بلدان الغرب المتطورة، غير أن هذا لا ينفي فكرة أن النباتية في كثير من بلدان العالم النامي ليست خيارًا. ففي نيجيريا مثلًا يؤدي عدم توفر الغذاء وقلة القدرة الشرائية على اقتناء اللحوم ومنتجات الألبان إلى سلوك الأسلوب النباتي في التغذية، وهذه الشريحة بطبيعة الحال لا يشملها هذا المقال إذ  لا تمثل قاعدة أو ظاهرة نفسية إنسانية، وبمجرد توفر الفرصة لتناول اللحوم والألبان وغيرهما من الأغذية من المصادر الحيوانية، فإن السلوك النباتي سرعان ما سيتحول من تلقائه.

حرب إعلامية على استهلاك اللحوم

في الوقت الراهن يجري التشكيك في حكمة استهلاك اللحوم استنادًا إلى بعض الاعتبارات الأخلاقية، وعلى رأسها الرحمة بالحيوان المذبوح، حتى إن الجدال حول أكل اللحوم يتخذ منحًى متطرفًا أحيانًا بحيث يُتَّهم مستهلكو اللحوم بالوحشية! وهناك مناقشات تدور حول القيمة الغذائية الإضافية للمأكولات ذات المصدر الحيواني، والمخاطر الصحية المرتبطة بتناول اللحوم، والآثار الصحية الإيجابية المترتبة على اتباع نظام غذائي خلوٍ تماماً من اللحوم.

وكحلقة من حلقات الهجوم المتعدد على الإسلام وشعائره، تتخذ شعيرة القربان الإسلامية ذريعة لاتهام الإسلام بأنه دين يمجد القسوة والعنف والوحشية، لذا فسوف نتحرى في هذا المقال دور اللحوم في نظام غذائي صحي ومتوازن من منظور إسلامي.

 

فلسفة التغذية الإسلامية

يؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء في الكون. والهدف من وجود البشر في هذا العالم هو السعي نحو الترقي والتقدم، ولتحقيق ذلك، نحتاج إلى صقل قدراتنا البدنية والروحية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية؛ وكي نصل إلى أقصى هذه الملَكات، وهبنا الله موارد مختلفة، من بينها جسدنا المادي الذي بدونه لا يمكننا القيام بالأعمال الصالحة والبر والإحسان إلى الآخرين من أجل تقدمنا الروحي والأخلاقي. إن الإسلام يوفر نظام توجيه شامل لرعاية وتعزيز هذا الجهاز الثمين الذي هو الجسد. ولا شك أن الغذاء أحد أهم المؤن اللازمة لبقاء جسم الإنسان والحفاظ على صحته. لذا يشجع التوجيه الإسلامي الإنسان على تناول الغذاء المفيد لنموه وتقدمه، ويمنعه من الطعام الذي يمكن أن يضر بصحته البدنية والأخلاقية والروحية.

إن الفلسفة الإسلامية الرئيسة في جميع الأعمال البشرية تتبع مقولة «خير الأمور أوسطها». يقول القرآن الكريم:

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (1).

أي يُنصح المسلمون بتجنب الإسراف والمغالاة من أي نوع، واعتماد المسار الأوسط. وفيما يتعلق بالطعام، تستند التعاليم الإسلامية إلى المبدأ نفسه، أي ينبغي عند اختيار طعامنا أن نتجنب كل مغالاة، ونختار أوسط الأمور، ويكون علينا أن نتناول جميع الأطعمة النباتية وغير النباتية باعتدال. يقول القرآن الكريم:

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا (2)،

وهناك علاقة وثيقة بين التغذي على الطيبات من الطعام والمستوى الأخلاقي للشخص. هناك مثل إنجليزي قديم يقول: «أنت ما تأكل». وبالتالي فإن وجهة النظر الإسلامية هي أن استهلاك الغذاء الطيب والصحي يؤدي إلى تعزيز الحالة البدنية والعقلية، وهذا مطلوب للقيام بالأعمال الصالحة وفعل الخير، ويؤدي بالتالي إلى التقدم الروحي. وحسب المبدأ الإسلامي الأساسي، فإن الأسبقية للوجود الروحي على الوجود المادي، أي أن هدف التطور المادي في الأساس هو السمو الخلقي والروحاني. لذا فإن أي عمل يومي في حياة المؤمن وإن كان بسيطاً مثل تناوله الطعام، إنما هو بمثابة تذكِرة للتفكر في غاية الحياة، ووجود الله، ولتحقيق التقدم الروحي. وجوهر المفهوم الإسلامي للاستهلاك الغذائي هو أن للغذاء تأثيرًا قويًّا على أخلاق الإنسان، وبالتالي ينبغي أن يكون مصدره حلالاً، وأن يكون مغذيًا وعلى طبيعته الأصلية وأن تؤدي طريقة إعداده واستهلاكه إلى الانتفاع منه على خير وجه ممكن. وفي معرض تفسيره للآية القرآنية السالفة (الأَعراف 32) يقول المسيح الموعود :

«أي كُلوا من اللحوم ومن الأغذية الأخرى أيضًا، ولا تُفرطوا في شيء مما تأكلون، لئلا تتضرر أخلاقكم من هذا الإفراط، ولا تتضرر به صحتكم أيضًا. وكما أن الأفعال الجسمانية تؤثر في الروح، كذلك فإن للروح تأثيرًا يَنبثّ في الجسد أيضًا في بعض الأحيان»(3).

هل يقدم الإسلام إرشادات أخلاقية حول تناول اللحوم؟

يجب التنبه عند النظر في الفلسفة الإسلامية في أكل اللحوم أنه ينبغي علينا أن نقرنها بصفة الله الرزاق:

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (4).

وهناك مبدآن أخلاقيان رئيسيان لاستهلاك اللحوم، أن تأكل باعتدال من ناحية، وتستهلك اللحوم فقط من المصادر الحلال والمفيدة التي سماها القرآن الكريم (الطيبات)

أي يُنصح المسلمون بتجنب الإسراف والمغالاة من أي نوع، واعتماد المسار الأوسط. وفيما يتعلق بالطعام، تستند التعاليم الإسلامية إلى المبدأ نفسه، أي ينبغي عند اختيار طعامنا أن نتجنب كل مغالاة، ونختار أوسط الأمور، ويكون علينا أن نتناول جميع الأطعمة النباتية وغير النباتية باعتدال. يقول القرآن الكريم: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا (2)، وهناك علاقة وثيقة بين التغذي على الطيبات من الطعام والمستوى الأخلاقي للشخص. هناك مثل إنجليزي قديم يقول: «أنت ما تأكل». وبالتالي فإن وجهة النظر الإسلامية هي أن استهلاك الغذاء الطيب والصحي يؤدي إلى تعزيز الحالة البدنية والعقلية، وهذا مطلوب للقيام بالأعمال الصالحة وفعل الخير، ويؤدي بالتالي إلى التقدم الروحي.

من ناحية أخرى. ومبدأ الاعتدال هو المبدأ السائد على جميع جوانب أنماط الحياة الإسلامية. ويتلقى المسلمون تعليماً فحواه أن مغالاتهم في أكل اللحوم الناتجة عن الجشع أو الإسراف أمر غير أخلاقي. فما يسنّه القرآن الكريم هو: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا». فمن المباح للمسلمين بلا أي شك  أن يضموا اللحوم إلى قائمة نظامهم الغذائي، لكن يبقى الاعتدال مبدأً أساسياً ثابتًا فيه. وبالتالي فجديرٌ بالوضع في الحسبان أن يكون أي استهلاك للحوم معتدلاً وقائمًا على التواضع والشعور بالامتنان لله الرزاق. ويحض الإسلام أتباعَه للتعبير عن امتنانهم نحو رازقهم على التبرع بثلث كمية اللحم عند ذبح الأغنام أو البقر أو الإبل في المناسبات. وهكذا، فإن الإسلام يشجع على الاعتدال ويزجر الإفراط في الاستهلاك زجرًا شديدًا. وإن الإفراط في تقديم الأعلاف المصنعة من منتجات اللحوم بكمية وفيرة وأسعار زهيدة هو السبب الرئيسي في السلوكيات المتوحشة للحيوانات التي كانت تتغذى على تلك الأعلاف. مما يؤثر على صحة الإنسان سلبًا من خلال اكتسابه صفات متوحشة تبعًا لتأثير اللحوم التي تغذى عليها، والعكس بالعكس، فإن الامتناع التام عن التغذي على المنتجات الحيوانية لا يخالف فقط فكر الاعتدال، بل يخالف أيضًا تعاليم القرآن، وعندها يصبح من الضروري تناول المكملات الغذائية، ويكون ذلك بمثابة التخلي عن نعمة رفيعة من نعم الله، واختيار ما هو أدنى.

المبدأ الأخلاقي الآخر والهام في استهلاك اللحوم في الإسلام هو مبدأ (الطيّبات)، أي ما هو نقي وصحي. إن التضحية بالحيوانات لأكلها بمثابة تذكير للمسلمين بأن يظلوا ممتنين لله تعالى على كل النعم. يحلّل الإسلام فقط لحوم بعض الحيوانات البرية، وجميع الحيوانات البحرية، والعديد من الطيور. ويطلب من المسلمين الاعتماد على حكمتهم الشخصية وممارسة حقهم في اختياراتهم حسب ظروف كلٍّ منهم، فترك لهم الحق في استهلاك ما هو حلال أو الامتناع عنه تبعًا لمقتضى الأحوال. ولهذا، فإن المبدأ الإسلامي الذي نسترشد به هنا هو أن الصالح العام للمجتمع له الأولوية على المصالح والامتيازات الفردية. ويقتضي هذا المبدأ ألا يؤدي إنتاج اللحوم من أجل استهلاك بعض الأفراد إلى إلحاق الضرر بالمجتمع الأوسع أو المصالح الوطنية العامة أو تلويث البيئة.

فمثلا لا يُستحب أكل لحم الخول والحمير لأن هذه الحيوانات كانت وسائل أساسية للنقل والسفر والحرب. وأكلها كان سيحرم الأمة من مورد مهم يوفر لها تلك الاحتياجات. وهذا مثال عظيم على ممارسة المرء لحرية اختياره لاتخاذ قرارات حكيمة ومناسبة اقتصاديًا بشأن ماهية الاستهلاك الغذائي الذي يجب أن يتبعه حسب ما تمليه عليه المصلحة. هناك بعض الطيور يعجبنا جمالها، مثل العصافير والببغاوات، إلا أنها لا تصلح للأكل مع أنها ليست محرَّمة، فهناك من المخلوقات ما خلقه الله للزينة والمتعة البصرية والسمعية، وإن ذبح تلك الطيور سيخلق نوعًا من الفراغ الجمالي في الكون لن يؤدي دورَه غيرُه. كما يفرض مفهوم «الطيّبات» أن تكون اللحوم التي نتغذى عليها ناتجةً عن تربية الحيوانات بأسلوب صحي، شريطة أن يُراعى الرفق التام في معاملة تلك الحيوانات من يوم ولادتها إلى يوم ذبحها. إن ممارسات التربية الحيوانية المكثفة، والإجراءات المسيئة كأسلوب تغذيتها من أجل الحصول على أوفر كمية لحم منها في أقل وقت ممكن لتحقيق الربح بغض النظر عن جودة اللحم ومدى تأثيره على الصحة العامة للإنسان، كل ذلك يتعارض مع المبدأ الذهبي الذي سماه القرآن الكريم «تناول الطيّبات».

ومن الجوانب الأخرى لمبدأ أكل ما يطيب من اللحوم ألا يسبب تناولنا إياها أي اضطرابات اجتماعية أو جدل عقيم. قال النبي الكريم :

«كلُّ ما استخبثه العرب فهو من الخبائث. وقد شرح المسيح الموعود ، هذا المفهوم بمزيد من التفصيل حيث قال: «إذا تخلى المرء عن حق في سبيل تحقيق هدف أسمى، فإنه لا يخالف روح القانون الإلهي. بل ويُحسب هذا العمل في ديننا من الأعمال التي تقربنا إلى الله الحميد».

ولتعزيز العلاقات بين الأديان، عرض المسيح الموعود أن يتخلى المسلمون عن تناول لحوم البقر إذا ما رد الهندوس على هذه النوايا الحسنة بالمثل. ولقد قال: «تذكروا أن السماح لنا بأكل شيء لا يعني أن علينا أكله»(5). وقد قدم هذا العرض احترامًا لمشاعر الهندوس الذين يعتبرون الأبقار مقدسة.

ومن الجوانب الأخرى لمعنى «الطيبات» تناول اللحوم بكميات تعزز الصحة ولا يكون لها تأثير سلبي عليها. ونصح النبي الكريم بشأن اللحوم بأنه على الرغم من كونها جائزة، إلا أنه ينبغي على المرء أن يأكل لحم البقر بكميات محدودة، فقال:

«عليكم بألْبانِ البقَرِ، فإنَّها دَواءٌ، وأسمانِها فإنَّها شفاءٌ، وإيَّاكمْ ولُحومَها، فإنَّ لُحومَها داءٌ»(6).

وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ :

«عليكُمْ بأَلْبانِ البَقَرِ»، أي: الْزَموها بكَثْرَةِ شُرْبِها كنَوْعٍ من أنْواعِ العِلاجِ؛ «فإنَّها دَواءٌ» من الأمْراضِ، وفي رِوايَةِ أَحْمَدَ من حَديثِ طارقِ بنِ شِهابٍ: «فإنَّها تَرُمُّ مِن كُلِّ الشَّجَرِ»، أي لا تُبْقي شَجرًا ولا نَباتًا إلَّا اعْتَلَفَتْ منه؛ فيَكونُ لَبَنُها مُركَّبًا من قُوى أشْجارٍ مُختلِفَةٍ، ونَباتاتٍ مُتنوِّعَةٍ، فتَنفَعُ في مُختلِفِ الأدْواءِ، إذْ قد يُصادِفُ الداءُ دَواءَه. وقوله: «وأَسْمانَها»، أي: والْزَموا سَمْنَها وشُحومَها المُسْتخلَصَةَ من أَلْبانِها؛ «فإنَّها شِفاءٌ»، أي: فيها شِفاءٌ من الأمْراضِ، لأنَّ السَّمْنَ واللَّبَنَ حادِثٌ عن أخْلاطِ الشَّجَرِ. «وإيَّاكُم ولُحومَها»، أي: احْذَروا من كَثْرةِ أَكْلِ لُحومِها؛ «فإنَّ لُحومَها داءٌ» قيل: فيها مَرَضٌ لمن أَدْمَنَها؛ لأنَّه عَسِرُ الانْهِضامِ…»(7)

هل يدعم الإسلام نظامًا غذائيًا خاليًا من اللحوم؟

يستهلك البشر اللحوم منذ ملايين السنين، وقد صمم الله تعالى  جسم الإنسان بأسلوب يتناسب مع نظام غذائي متوازن يمزج بين المواد الغذائية الأساسية الغنية بالطاقة الموجودة في اللحوم، والفيتامينات والمعادن الأساسية الموجودة في الأطعمة النباتية. تتوفر اللحوم بدرجة كبيرة على مدار السنة في البر والبحر وكذلك في الحيوانات التي تعيش على المراعي الخضراء وكذلك الطيور. إنها نعمة عظيمة من نعم الله علينا، ومن الأفضل اغتنامها لنحيى  هذه الحياة على خير وجه ممكن. وقد بينت هذا المفهوم الآية قوله تعالى:

يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (8).

وقد أظهرت العلوم الحديثة أن النظام الغذائي الخالي تمامًا من اللحوم قد يضر بصحة الإنسان. فداء البلاغرا Pellagra مثلًا هو أحد أمراض سوء التغذية الناتج عن نقص العناصر الغذائية بسبب الاعتماد المفرط على الذرة كغذاء أساسي. وتشمل أعراضه التقزم العاطفي والمعرفي والجسدي إلى جانب ضمور الدماغ، وانخفاض معدل الذكاء، والخرف، وتردي السلوك الاجتماعي. ويتبع الغرب لتخفيف القصور الناجم عن اتباع نظام غذائي نباتي بحت أسلوب تناول المكملات الغذائية. لكنه ليس خيارًا متاحًا في البلدان الفقيرة.

ويعلّم القرآن الكريم استخدام جميع الأحكام المسموح بها والتي أصدرها الله تعالى لمصلحتنا خصوصًا:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (9).

فلا إكراه على أكل اللحم في الإسلام، ومن جهة أخرى لا إكراه على تركه كذلك، فاللحم جزء من نظام غذائي صحي ومتوازن. وقد سخره الله تعالى للإنسان مصدرًا طبيعيًّا للبروتين مغذيًا ونافعًا لصحته ينبغي له الاستفادة منه، مع ضرورة وضع أسلوب تربية الحيوان والظروف التي نشأ فيها في الاعتبار.

«وأَسْمانَها»، أي: والْزَموا سَمْنَها وشُحومَها المُسْتخلَصَةَ من أَلْبانِها؛ «فإنَّها شِفاءٌ»، أي: فيها شِفاءٌ من الأمْراضِ، لأنَّ السَّمْنَ واللَّبَنَ حادِثٌ عن أخْلاطِ الشَّجَرِ. «وإيَّاكُم ولُحومَها»، أي: احْذَروا من كَثْرةِ أَكْلِ لُحومِها؛ «فإنَّ لُحومَها داءٌ» قيل: فيها مَرَضٌ لمن أَدْمَنَها؛ لأنَّه عَسِرُ الانْهِضامِ…»

فلسفة الأضحية الإسلامية

في عيد الأضحى من كل عام يحيي المسلمون ذكرى التضحية التي قدمها النبي إبراهيم . إنها مناسبة يزكي فيها المسلمون نفوسهم، ويطهرون قلوبهم، ويرفعون من مستوى روحانيتهم، وقد قال المسيح الموعود عن التقرب إلى الله تعالى بالأضاحي في العيد:

«وَقَدْ عُدَّ هذا الْعَمَلُ في مِلَّتِنَا مِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ سُبْحَانَه، وَحُسِبَ كَمَطِيئَةٍ تُحَاكِي الْبَرْقَ في السَّيْرِ وَلَمْعَانَه؛ فَلأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ الضَّحَايَا قُرْبَانًا، بِمَا وَرَدَ أَنَّهَا تَزِيدُ قُرْبًا وَلُقْيَانًا، كُلَّ مَنْ قَرَّبَ إِخْلاَصًا وَتَعَبُّدًا وَإِيمَانًا»(10).

إن الدرس الذي يتعلمه المسلمون في إحيائهم لذكرى التضحية التي قدمها النبي إبراهيم هو أن الإيمان بالله يؤدي إلى نتائج حميدة، والإسلام بمعنى الاستسلام له لا يمكن إلا أن يؤدي إلى علاقة وثيقة معه سبحانه. لقد وُضع النبي إبراهيم في مأزق بالغ الصعوبة والخطورة، لكنه قام بواجبه في خدمة الله، مُظهرًا صفات الثبات والإخلاص والتقوى. وقد شرح المسيح الموعود فلسفة التضحية بقوله:

«كان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، مستعدًا لذبح ابنه ليفِي بوصية الله سبحانه وتعالى.. وكان هذا مؤشرًا خفيًّا لحقيقة أن الإنسان يجب أن يكرس نفسه بالكامل لله؛ وأن حياته، ودم أبنائه، وأقاربه، يجب أن تظهر تافهة أمام أمر الله»(11)

الهوامش:

  1. (البقرة 144)
  2. (الأَعراف 32)
  3. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، فلسفة تعاليم الإسلام.
  4. (الذاريات 59)
  5. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، رسالة الصلح
  6. أخرجه الحاكم في «المستدرك»
  7. أبو نعيم في «الطب النبوي»
  8. (المائدة: 88)
  9. (يونس: 60)
  10. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، الخطبة الإلهامية
  11. المرجع السابق
Share via
تابعونا على الفايس بوك