ديانة إبراهيمية أم خلق إبراهيمي؟!

ديانة إبراهيمية أم خلق إبراهيمي؟!

التحرير

  • لم لا يليق بجماعة المؤمنين القلق بإزاء الدعاوى الصاخبة لما يسمى بالدين الإبراهيمي؟

___

جوهر «الدين الإبراهيمي» كما نفهمه

 

في مفتتح هذا العام الجديد، لم نكن لنرغب في الحديث عما تتداوله العديد من وسائل الإعلام غير الرسمي عما يقال أنه دين جديد، ولكننا نُضطر لنواكب الأحداث إلى إعارة القراء منظورنا إلى الأشياء، والذي نسعى دومًا إلى أن يكون منظورًا موضوعيًّا وحياديًا.

يقول تعالى في كتابه العزيز:

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران: 68-69)

آيتان من سورة آل عمران تبدوان وكأنهما تلخصان حديث الساعة الذي يدور حوله الجدل، فيما اشتُهر مؤخرًا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بـ «الدين الإبراهيمي». ولأن الموضوع لم يزل يكتنفه الكثير من الغموض، فلا يحسن بنا تناوله، لا بالاستحسان، ولا بالاستهجان، وإنما سيكون مدار حديثنا حول القيم المشتركة التي من شأنها أن تجمع كافة الناس من كافة الأطياف، دون أية حاجة إلى استحداث أية أسماء جديدة. هذا على الرغم من أن مصطلح «الأديان الإبراهيمية» هو مصطلح قديم نسبيًّا ومعروف على الساحة الأكاديمية وتاريخ الفكر الديني ومقارنة الأديان، وتعرف تلك الأديان الإبراهيمية بأنها الأديان التي انبثقت مما عرف بالتقاليد الإبراهيمية نسبة لشخصية النبي إبراهيم الخليل، والمذكور في التوراة بوصفه أبًا للأنبياء. ولا نجد اتفاقًا أكاديميًا تامًا على ماهية الأديان التي يجمعها مصطلح الأديان الإبراهيمية، فالمصطلح يشير لدى البعض إلى اليهودية و‌المسيحية و‌الإسلام في الغالب، ولدى البعض الآخر ثمة أديان أخرى توصف كأديان إبراهيمية مثل المندائية و‌السامرية و‌الدرزية و‌البابية و‌البهائية والمورمونية و‌الراستافارية التي تطورت في جامايكا خلال ثلاثينيات القرن العشرين.

فمصطلح الأديان الإبراهيمية إذن مصطلح قديم نسبيًّا كما أسلفنا، وليس وليد اللحظة بحيث كان صادمًا أو مفاجئًا للكثيرين. إنما الجديد في الأمر هو الصيغة التي تم بها تقديم المصطلح عبر وسائل الإعلام، فقد تم تداوله بصيغة الإفراد، أي «الدين الإبراهيمي»، وليس الجمع كالسابق، وهذا هو بالضبط ما أحدث الضجة بين الخواص والعوام على حد سواء، حيث بدا الأمر وكأنه دعوة إلى دين توفيقي بمزج عدة أديان متخالفة معًا في دين واحد.. والحق أن هذا لأمر مُحفِظ بالفعل، إذ إنه قد يتعرض لأغلى وأقدس ما يمكن للإنسان أن يمتلكه، ألا وهو حريته في اختيار معتقده. ولكن على أية حال، ودون الحاجة إلى إساءة الظنون بمن أطلق المصطلح أو ساهم في ترويجه، لا يبدو مصطلح «الدين الإبراهيمي» مقلقًا إلا بالنسبة للدوائر والمؤسسات الرسمية التي تُنصب نفسها وصية على دين أتباعها، بينما الدين، كما نفهمه كمسلمين أحمديين، رسالة الله تعالى المعنية بالإنسان الفرد أولا ومن ثم الإنسانية جمعاء،، دون وساطة من مؤسسات رسمية منصوص عليها في دساتير الدول،  فالدين علاقة تكتنفها الخصوصية بين الإنسان وربه في المقام الأول، وتحدد ذلك الدين شريعة واضحة الفلسفة والتعاليم، فلا خوف بعدها على الدين من تلاعب المتلاعبين.

وكمسلمين، مأمورين بتقديم حسن الظن إلى أن يثبت العكس، فإننا نفهم مصطلح «الدين الإبراهيمي» على أنه وصية إبراهيم لبنيه بالتزام جوهر الإسلام دينا. ونعني بجوهر الإسلام إسلام الوجه لله عز وجل، حيث تاريخيا لم يكن الإسلام، كشريعة ممثلة في القرآن الكريم، حیث یقول الله تعالى معرفًا إيانا بهذه الوصية الإبراهيمية – حين لم يكن قد نزل الإسلام كشريعة ممثلة في القرآن الكريم:

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة: 133)

لا شك وأن المهتمين لأمر دينهم قد تساءلوا جميعًا عمَّا إذا كانت الدعوة لـ «دين إبراهيمي» دعوة حسنة النية هدفها نشر الصلح والوئام بين شعوب وحضارات أعيتها الخصومة الدينية، أم أن الأمر غير ذلك؟!

فبافتراض حسن النية وسمو الغاية، سنصل إلى نتيجة مفادها أن ذلك الدين الإبراهيمي هو الإسلام نفسه لا غير، حيث إنه الدين الوحيد الذي اشتمل على دعوة الصلح والوئام هذه دون الحاجة إلى نفي الآخر أو تهميشه، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز ناصًّا على هذه الدعوة:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 65).

وعلينا كمسلمين أن نتيقن أن ظهور الإسلام الحق لا يعني بتاتًا محو سائر الأديان الباطلة، بل إن الظهور لا يكون ظهوًرا أجلى إلا مع وجود الأغيار، أو كما يقال: «بضدها تتميز الأشياء».

وكيف يليق بنا أن نقلق ونحن في ظل الخلافة؟! وقد ضمن الله تعالى لنا بهذا المشروع الإلهي العظيم أمرين اثنين جوهريين: الأول تمكين الدين وإظهاره على الدين كله، والثاني تبديل الخوف أمنًا. فلعل ما يقلق إخواننا المسلمين من غير الأحمديين في هذه الآونة من نداءات لـ «دين إبراهيمي» أو فلاني كادت تُغرِق وسائل الإعلام، لعلها فرصة لتوجيه رسالة دعوة إلى سائر المسلمين ليركبوا معنا سفينة الخلافة، حيث لا عاصم اليوم من الغرق في طوفان الضلالات المرئية والمخفية إلا بركوب سفينة الخلافة المرضية.

قارئ التقوى العزيز، نهدي إليك عدد هذا الشهر مفعمًا بطاقة من الحب وحسن الظن والتفاؤل بالخير مع مطلع هذا العام الجديد 2022، الذي نخطو عتبة بابه واثقين بالله تعالى الذي وعد سلفًا بنصرة الإسلام لخير جميع الأنام، ويستمد عدد يناير 2022 طاقته، ككل عدد، من كلمة إمام الوقت سيدنا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، وهذا الشهر يقدم حضرته في إطار تاريخي ديني نموذجًا لخُلق سيدنا أبي بكر الصديق الذي صدَّق المصطفى بدون أن يطالب بمعجزة بل اكتفى بما رأت عين قلبه فاستحق بدون منازع لقب الصدّيق.

Share via
تابعونا على الفايس بوك