صوموا تصحوا
  • الصوم تاريخياً
  • العلاج بالصيام
  • لمحة فيزيولوجية عن الصيام
  • الفوائد الصحية للصيام

__

الصـوم لغـة هو الإمساك عن الشيء، فإذا أمسك شخص عن الكلام أو الطعام، يُقال إنه صائم وقد جـاء في القرآن الكـريم:

إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (مريم 27)

ويغلب إطلاق كلمة الصوم أو الصيام على الامـتناع عن الطـعام والشراب أو الكلام لفترة معينة. ومـعناه في الشريعة الإسـلامية الإمســاك عن المفطرات من طلوع الفـجر إلى غروب الشمـس بنية العبـادة.

الصوم تاريخـيًا

عُرف الصيام ومورس منذ فجر التاريخ بأشكال وطرق مختلفة وفقاً للمعتقدات الدينية أو بهدف طبي لعلاج بعض الأمراض أو الوقاية منها. فالمصريون القدماء قد مارسوا الصوم كما تشير الكتابات والنقوش. ولا تكاد تخلو أي من الديانات الكبرى كالبوذية والهندوسـية والإسـلام والمسيحية واليهودية من ممارسة الصيام بشكل أو بآخر.

وهدف الصيام في معظم الديانات هو التقرب إلى الله وتزكية النفس وتدريبها على قوة الإرادة والصبر، والتغلب على الشهوات.‏

العلاج بالصـيام

عُرف استخدام الصيام طبياً كوسيلة لعلاج الأمراض والوقاية منها منذ القدم، حـيث استخدمه المصـريون القدماء، وعنهم أخذه اليونان القدماء. وفي اليونان القديمة كان يعتقد أن صوم يوم أفضل من تعاطي العلاج، وكان بعض رجالهم الأفذاذ مثل سقراط وأفلاطون وفيثاغورث يعمــدون للصيام للوصول لذروة الإتقان الذهني والتخلص من طغيان الجسد.

و لعل أبوقراط – القرن الخامس قبل الميلاد –  هو أول من قام بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية، وقد  قال: “إن كل إنسان يمتلك في داخله طبيباً، وعلينا أن نساعد هذا الطبيب في عمله، فإذا أكلت وأنت مريض فإنك غالباً ما تغذي مرضك”، وهو يقصد بذلك أن الامتناع عن تناول الطعام يساعد على الشفاء. وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء.

وفي العصور الوسطى وصف الأطباء العرب الصوم لعلاج السيفلس والجدري وتوسع في ذلك ابن سينا حيث وصف الصوم لعلاج جميع الأمراض المزمنة وكان دواءً مفضلاً عنده إذ يمكن وصفه للغني والفقير، وعالج به الزهري والجدري وأمراض الجلد.

وقد طُبق الصوم في المستشفــيات خلال احتلال نابليون لمصر لاتقاء العدوى.و في مؤتمر لاختصاصيّي الحمية الغذائية عُقد في أمستردام عام 1928 أقر المجتمعون فائدة الصيام لمعالجة الأمراض الناجمة عن فرط التغذية أو اضطراب الاستقلاب وفي حالات تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الدموي وفي الاختلاجات العصبية.ويعرف الصوم الطبي حالياً بأنه امتناع المريض عن الطعام لفترة تتراوح بين 1 إلى 3 أيام مع تناول كميات بسيطة من الماء خلال الصيام. وقد أُلف في الصوم العديد من الكتب الطبية منها كتاب “الصوم الطبي” للدكتور الأمريكي آلان كوت و”التطبيب بالصوم” للروسي ألكس سوفورين.

وفي عصرنا الحاضر  تنتشر في أوروبا وأمريكا مصحات عديدة يمارس فيها  الصوم كعلاج رئيسي لكثير من الأمراض وخاصة اضطرابات الهضم والبدانة وبعض أمراض القلب والكبد  وارتفاع ضغط الدم وأمراض الجلد.

لمحة فيزيولوجية عن الصيـام

الصيام من الناحية الفيزيولوجية هو حرمان البدن من المواد الغذائية لفترة معينة. وقد دلت التجارب على أن الجسم أكثر تحملاً للحرمان من الطعام منه للحرمان من الماء، فالإنسان يعيش نحو 40 يوماً على الماء فقط.

ويستمد الجسم الطاقة أثناء الصيام من مدخراته السكرية أولاً التي تكون على شكل غليكوجين مخزون في الكبد والعضلات. وتنفد هذه خلال الأيام الأولى من الصيام. وبعد ذلك يلجأ البدن إلى مدخراته الشحمية، ثم يعمد الجسم إلى المواد الناتجة عن تحلل الشحوم فيعيد استخدامها لاستخراج الطاقة وصيانة الأعضاء.

وفي الصيام المديد، وبعد أن يستهلك البدن مدخراته من الغليوكوجين والشحوم، يلجأ إلى أكسدة المواد البروتينية ويحولها إلى سكر لتأمين ما يلزم من الطاقة، وهذا يعني تخريب النسج البروتينية المكونة للعضلات مما يؤدي إلى تأذي هذه الأنسجة والأعضاء. وإن الحرمان الشديد يؤدي إلى ظهور اضطربات غذائية عصبية في الدماغ المتوسط مما يؤثر على الغدد الصم وعلى السلوك والانفعالات النفسية.

و من هنا نرى أهمية كون الصيام الإسلامي مؤقتاً من الفجر إلى الغروب دون تحريم لنوع ما من الأغذية مع طلب الاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في فترة الإفطار. وقد نهانا الرسول  عن الوصال في الصوم فقال: “إياكم والوصال” قالها ثلاث مرات. قالوا فإنك تواصل يا رسول الله ؟ قال: ” إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني” (رواه الشيخان). كما قال : “لا صام من صام الدهر” (رواه البخاري).

الفوائد الصحية للصيـام

نتعرض في حياتنا اليومية في الزمن الحاضر للكثير من السموم والملوثات التي تأتي عن طريق الطعام أو الماء أو الهواء، ويشكل الطعام مصدراً هاماً لهذه السموم وخاصة الأطعمة العصرية المعقدة التي يستهلكها أهل المدن خصوصاً، وكذلك نواتج هضم المواد الغذائية أيضاً. وقد زُود الجسم بآليات دفاعية للتعامل مع هذه السموم والتخلص منها بدرجة ما، إلا أن التعرض المستمر قد يفوق قدرة الجسم على التعامل معها فتتراكم هذه المواد ويمكن أن تؤدي مع الزمن إلى أمراض مختلفة كالكثير من أمراض العصر كالداء السكري وتصلب الشرايين والخرف المبكر والشيخوخة المبكرة.

وبالصيام يخف الوارد من هذه السموم بينما تستمر الأجهزة  المسئولة عن نزع السموم من الجسم وإفراغها كالكلى والكبد والبنكرياس في عملها، كما أن قلة نواتج التمثيل الغذائي وفضلاته تسمح بفترة راحة لأجهزة الإفراغ والإطراح هذه  فتستعيد نشاطها وقوتها ويتحسن أداؤها الوظيفي في تنقية الجسم، مما يؤدي إلى ضبط الثوابت الحيوية في الدم وسوائل البدن، ويعطي للذهن توقداً وللذكاء إرهافاً وللجسم نشاطاً وحيوية.

كما أن الراحة الفيزيولوجية التي تُمنح للجهاز الهضمي وملحقاته خاصة وللأعضاء الأخرى عامة تعطي  الجسم الفرصة لتركيز طاقاته على عمليات الشفاء الذاتي والترميم للخلايا والأنسجة التالفة.

ويشكل الصوم علاجاً ووقاية من كثير من أمراض العصر المتنامية كالبدانة والداء السكري وتصلب الشرايين وداء النقرس. فهو يخفف العبء عن جهاز الدوران حيث يقل معدل ضربات القلب خلال الصيام، كما تهبط نسبة الدسم والكولسترول التي لارتفاعها علاقة وثيقة بأمراض التصلب الشرياني ونقص التروية القلبية، كما ينقص حمض البول في الدم الذي لارتفاعه علاقة بالإصابة بالنقرس.

لذا ينصح بعض الأطباء  كل إنسان _ وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته.

إذاً فالصوم كما أنه من الناحية الروحية يطهر النفس من سموم الذنوب والآثام التي اكتسبها الإنسان في حياته، فإنه من الناحية المادية يطهر الجسد من مخلفات السموم المتراكمة بسبب اتباع عادات غذائية وحياتية غير صحية.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله: “في جوع الجسم صفاء القلب وإنفاذ البصيرة لأن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر الشجار فيتبلّد الذهن”.

ونحن كمسلمين إنما نصوم شهر رمضان عبادة للخالق عز وجل، وامتثالاً لأمره سبحانه وخضوعاً لإرادته، وبهدف الوصول إلى تقوى الله، وليس بهدف الحصول على الفوائد الصحية.

قال تعالى:

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 184).

فالتقوى هي الهدف وإن ما يكشفه العلم الحديث من فوائد صحية لهذا الصوم يزيد المؤمن إيماناً بعظمة هذا الدين.

ولا بد للحصول على الفوائد الصحية لهذه العبادة من اتباع بعض الأمور فينصح مثلاً عند الإفطار البدء بتناول بعض التمر والماء أو العصير، والفائدة من ذلك أن السكر الموجود في التمر أو العصير يعطي الجسم الطاقة اللازمة لهضم الطعام وتمثّله كما يعطي بعض الشعور بالشبع سريعاً حيث تمتص السكاكر بسرعة أكبر من باقي العناصر الغذائية فلا يستمر المرء بالأكل حتى تمتلئ معدته لشعوره بالحاجة لمزيد من الطعام.

وقد ورد عن رسول الله أنه كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من الماء.

ويجب عدم الإفراط في تناول الطعام وخاصة المأكولات الدسمة والمقليات لتجنب التخمة، ويحبذ تناول بعض الحساء وسلطات الخضار في وجبة الإفطار. قال تعالى:

  يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف 32)

وقال رسول الله :

“ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه” (رواه الترمذي).

كما أمرنا بالتسحر فقال: “تسحروا فإن في السحور بركة”، وأهمية وجبة السحور هي أنها تقلل المدة التي يحرم فيها الجسم من الطعام والشراب فلا يتعرض للآثار الضارة التي يمكن أن تحدث بسبب الصيام المديد، وينصح أن تكون وجبة السحور وجبة خفيفة تحتوي على المواد النشوية التي تتحلل ببطء إلى مواد سكرية وتعطي الجسم الطاقة لفترة طويلة نسبياً، ولا ينصح بتناول المواد السكرية البسيطة كالحلوى مثلاً، كما لا ينصح بتناول الشاي والقهوة لأنها تسبب إدرار البول الذي ينتج عنه زيادة الشعور بالعطش.

فعملية الصوم إذًا هي عملية تنظيم لفترات تناول الطعام، ويؤدي ذلك إلى إعداد الجهاز الهضمي لتقبل الغذاء في فترتين محدودتين من فترات اليوم، ولكن ينبغي عدم الإفراط في الأكل فتزولَ الفائدة. وهناك حكمة تقول:

“مـن يأكل قليـلاً يُعمـر طويـلاً”.
Share via
تابعونا على الفايس بوك