قبس من عصمة النبي صلى الله عليه و سلم
  • -مكائد الكفار ضد النبي الكريم
  • -يذكرهم الله أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون
  • -الملائكة بنوعيها تحرس النبي بأمر من الله تعالى
  • -المنفعة أو الخسارة أمر نسبي

__

حماية ملائكة السماء و ملائكة الأرض

سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيـْلِ وَسَـارِبٌ بِالنَّهَـارِ   (الرعد 11)

شرح الكلمات:

سارِبٌ: سَرَبَ البعير سروبًا: تَوَجَّهَ للرَعْي. إبِلٌ ساربةٌ: متوجهةٌ للرعي. سرب الماءُ: جرى. وسرَبَ فلان في الأرض: ذهب على وجهه فيها ومضى (الأقرب).

التفسـير:

كان الكفار يكيدون للنبي بنوعين من المكائد؛ علنية أو سرية. فإما أن هددوه على الملأ حتى يخاف ويرتدع، أو تشاوروا في الخفاء لاغتياله. تارة كانوا يهاجمونه نهاراً وجهارًا كاعتدائهم عليه في ذلك الحادث الذي ألقوا فيه على ظهره الكريم سلى الناقة وهو ساجد في صلاته بفناء الكعبة المشرفة (البخاري، الوضوء)،  أو في محاولتهم خنقَ النبي بردائه، وتارةً أخرى كانوا يهاجمونه ليلاً كما فعلوا في ليلة الهجرة. (السيرة النبوية لابن هشام).

فيذكّرهم الله تعالى: إنكم لا تحاربون محمداً، وإنما تحاربون الله،  ولتعلموا أنْ  ليس هناك شيء  تُسِرُّونه خافيًا عليه تعالى ، فلن تستطيعوا بمكائدكم العلنية أو السـرية أن تضروا رسـولي بشيء.

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفـُسِهِـمْ وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَـوْمٍ سُوءًا فلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُـمْ مِـنْ دُونِهِ مِـنْ وَالٍ   (الرعد 12)

شرح الكلـمات:

معقِّبات: عقَّبه: جاء بعَقِبه؛ أتى بشيء بعده. عقَّب فلان: غزا على العدو ثم ثنّى من سَنَته. وعقّب في الأمر: تردّدَ في طلبه مجدّاً. عقّبَ في الصلاة: صلّى فمكثَ في موضِعِه ينتظر صلاة أخرى. عقّب الحاكم على حكم سَلَفِهِ: حكمَ بعد حكمه بغيره. المعقِّبات: ملائكةُ الليل والنهار؛ التسبيحاتُ يخلفُ بعضها بعضًا؛ (النوق) اللواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض فإذا انصرفت ناقة دخلت مكانها أخرى (الأقرب). قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه أي ملائكة يتعاقبون عليه حافظين له (المفردات).

مَرَدّ: رَدَّه عن وجهه: صرَفَهُ. ردَّ عليه الشيءَ: لم يقبله. ردّه إلى منـزله: أرجعه (الأقرب).

والٍ: وَلِيَ الشيء وِلايةً ووَلايةً: ملكَ أمره وقام به. ووليَ فلانًا وعليه: نَصَرَهُ. ووليَ فلانًا وَلايةً: أحبه (الأقرب).

التفسـير:

أرى أن ضمير الغائب في قوله له معقبات.. يعود  على النبي . والمراد أن هناك ملائكةً معقباتٍ حول النبي تقوم بحراسته باستمرار بأمر من الله تعالى، كما يكون للملوك حراس للحماية. وهذا المعنى يتأكد من الحديث الشريف أيضاً، حيث رُوي أن عامر بن طفيل وأربد بن قيس قدما المدينة إلى النبي . فقال له عامر: أتجعل الأمر لي (أي الخلافة) بعد أن أسلمت؟ فرّد عليه النبي : ليس ذلك لك ولا لقومك. فقال: لأملأن البلاد عليك خيلاً ورجالا. فقال النبي : يمنعك الله تعالى. فرجعا غاضبين. فلما خرجا قال عامر: يا أربد، إني سأُلهي محمدًا عنك بالحديث فاضْربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلته لم يزيدوا على أن يرضوا بالدِّيَة ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الدِّية. فقال أربد: أفعلُ. فأقبلا راجعين. فقال عامر: يا محمد، قم معي أُكلّمك. فقام معهما إلى الخارج. فبينما هم في الحديث أراد عامر الواقف وراء النبي أن يسل السيف لقتله ولكنه لم يستطع رفع يده. وورد في بعض الروايات أن يده كانت قد أُصيبت بالفالج، ولكنها تذكر أيضاً أنه كان ركب فرسه عند العودة، مما يعني أنه لم تصب يده بالفالج  بل ألقى الله  في قلبه الرعب، فلم يجرؤ على الهجوم على النبي بل وقف منبهراً مبهوتاً. وتقول الرواية بعد ذلك أن النبي استدار ونظر إلى الخلف فوجد عامرًا واضعًا يده على مقبض السيف، فتنحّى من مكانه إلى الوراء دون التعرض لهما. فرجعا خائبين خاسرين. وفي الطريق نزلت الصاعة على أربد، بينما مات عامر نتيجة دُمَّل كبير. يتضح من هذه الآية أن الصحابة رضوان الله عليهم أيضاً يرون أن هذه الآية تتحدث عن عصمة النبي خاصة.

الحق أن حياة النبي ما بعد الدعوة كلّها شاهدة على العصمة الإلهية. فإن الملائكة هي التي كانت تحرسه في الفترة المكية، وإلا لما كان لينجو من الأعداء الذين حاصروه  من كل صوب. أما بعد الهجرة إلى المدينة فقد تمتع  فعلاً بالحماية بنوعيها: حماية ملائكة السماء وحماية ملائكة الأرض أي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وإن معركة بدر أصدق مثال على هذه الحماية المزدوجة. لقد تعاهد النبي مع أهل المدينة قبل أن يهاجر إليهم، أنه لو حاربه العدو خارج المدينة فلن يكونوا ملزمين بالخروج معه. وقبل أن يخرج النبي لملاقاة العدو في وقعة بدر، استشار المهاجرين والأنصار. فكان المهاجرون يشيرون عليه بكل حماس بالخروج من المدينة، ولكنه لم يزل يقول: أشيروا عليّ أيها الناس. فتقدم المقداد بن الأسود الأنصاريّ* وقال: والله لكأنك تـريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. فقال الأنصاري: يا رسول الله لا شك أننا اشترطنا عليك هذا، ولكنا كنا حين ذاك  حديثي العهد بالإسلام. أما وقد شهدنا الآن واختبرنا أنك رسول الله حقاً،  فلا حاجة للاستشارة. والله لو أمرتنا أن نخوض بخيلنا  البحر لخضناه. والله، إنا لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتِلا إنا ههنا قاعدون. ولكننا سنقاتل العدو عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك ولن يَخلصوا إليك ما لم يطأوا جثثنا الهامدة (البخاري، المغازي، مسلم، الجهاد؛ السيرة لابن هشام، غزوة بدر).

وكانت مقولته هذه أحب إلى الصحابة لدرجة أن قال أحدهم: لقد شهدت مع النبي ثلاث عشرة غزوةً، ولَأنْ أكون صاحب هذه الكلمة أَحَبُّ  إلي مما فعلت (البخاري،المغازي).

فأرى أن هؤلاء الصحابة الفدائيين الكرام رضي الله عنهم أيضاً يندرجون ضمن المعقبات الذين أمرهم الله بحماية نبيه .

وقوله تعالى يحفظونه من أمر الله أي أنهم يقومون بحمايته بأمر من الله تعالى ابتغاء مرضاته، وليس تعصباً لفئة أو لقريب؛ ولا خوفاً من سلطان. إذ لاشيء  يجمعهم على يد واحدة سوى الدين. لقد قال أحد الكفار للنبي عند صلح الحديبية: يا محمد أجمعت أوشاب الناس (أي أخلاطهم). وأيمُ الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك (السيرة لابن هشام). ولكن هؤلاء أكدوا إخلاصهم ووفاءهم وفداءهم له رغم أنه لم تكن هناك صلة دنيوية تربطهم به.

كما تعني الآية أيضاً أن الله تعالى قد عين حراساً لكل إنسان يحمونه من شتى الأخطار. وفي هذه الصورة يكون ضمير الغائب في (له معقبات) عائداً على (من) في قوله سواء منكم مَنْ أسرَّ القول .

الواقع أننا لو أمعنا النظر لأدركنا أن أنواع السموم تدخل أجسامَنا في كل لحظة، فمثلاً عندما نتنفس تدخل فينا الجراثيم لأمراض مختلفة من أنفاس الآخرين. ولكن الله تعالى قد جعل في أجسامنا نظاماً يقضي على هذه السموم المتنوعة فور دخولها في الأجسام. ثم إن الإنسان مهدد في كل حين  بأنواع الأخطار الأخرى من داء بدني أو صدمة نفسيّة أو خسارة مال أو هتك عرض وغيرها، وإنما الله الذي يحميه منها، وعندما يرفع عنه حمايته يقع في الأذى بل إنّه يهلك حتماً.

وإن في هذا تحذيراً للكفار بأنهم يَنعَمون بهذه الراحة بسبب حمايتنا، فإنْ هم أَبَوْا إلا الإصرار على الشر والفساد فسوف نرفع عنهم حمايتنا فيهلكون.

أما قوله تعالى إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم فلا يعني أنه تعالى لا يعامل أهل السوء بالرحمة والشفقة، بل المراد أنه لا يغير معاملته  الحسنة مع الأبرار، اللهم إلا أن يغيروا ما بهم ويصبحوا أشراراً. أي أن سنة الله تعالى أنه يعامل الشرير أيضاً باللطف والرحمة رغم شره، ولكنه لا يعامل أهل الصلاح أبداً إلا بالحسنى إلى أن يتغيروا وينقلبوا أشراراً فاسدين.

حينما يتطرق الفساد إلى قوم ويتعرضون للمصائب التي تشتت شملهم وتهلكهم- كما تعني كلمة التغيير في الحقيقة- فليعلموا أنهم قد غيروا ما بأنفسهم من صلاح وخير، وصاروا أشراراً فاسدين.

وقوله تعالى وإذا أراد الله بقومٍ سوءاً فلا مردَّ له وما لهم من دونه من والٍ فاعلم أن السوء معناه الشر أو الأذى، وكلمة (والٍ) اسم فاعل من وَلِي الأمرَ أي مَلَكَه، والمراد من الجملة أن الله تعالى إذا قرر معاقبة قومٍ فلا أحد يمنعه من ذلك، ولا أحد يستطيع حمايتهم  ولا ينصرهم ضد قضاء الله تعالى. وقد ذكر هنا صفة الولاية ليؤكد كونه المالك الوحيد. كأنه تعالى يقول: ما دمنا نحن الذين نملك كل شيء ونحفظ الجميع، فمن ذا الذي يحفـظ شخصاً رفعنا عنه حمايتـنا. فمـثل هذا الشخـص سيـبقى معرضاً للشـر والأذى.

وقد صرّح بذلك أنه سوف يقوم بحماية محمد ولكنه سوف يرفع حمايته عن أعدائه المجرمـين.

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (الرعد 13)

شرح الكلمـات:

يُنشئُ: أنشأه إنشاءً:ربّاه. أنشأ الشيءَ: أحدثه. أنشأ الله الشيءَ: خلقه. أنشأ الله الخلق: ابتدأ خلقهم. أنشأ فلان الحديثَ: وضعه. أنشأ الله السحابة: رفعها. أنشأ فلان داراً: بدأ بناءها. وأنشأ زيد: أنشد شعراً أو خطبَ بخُطبةٍ فأحسن فيها (الأقرب).

السحاب: الغيم كان فيه ماء أو لم يكن فيه، والواحدة سحابةٌ. ويوصف (السحاب) بالمفرد مراعاة للّفظة كقول القرآن السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ويوصف بالجمع مراعاة لمعناه كقوله أيضاً وينشئ السحاب الثِقال (الأقرب).

التفسـير:

يسبب البرق خوفًا وطمعًا للناس، فَهُم يخافونه كيلا تصيبهم صاعقة منه فتهلكهم، ويحبونه طمعاً في الغيث، لأن البرق ينشأ عموماً في السحب الممطرة. كما أن البرق يشكل خطرًا على الجنين وعلى بعض النباتات، ولكن في الوقت نفسه فإن لَمعانه يقضي على شتى الجراثيم السامة، ويطهر البيئة من مختلف الأوبئة.

وهذا ما تفعله السحب الثقيلة أيضًا، فتارة تكون هذه السحب رحمة إذ تتسبب في عمران البلاد، وتارة أخرى تنقلب نقمةً إذ تخرب المدن وتدمر الزروع .

الحق أن حياة النبي ما بعد الدعوة كلّها شاهدة على العصمة الإلهية. فإن الملائكة هي التي كانت تحرسه في الفترة المكية… أما بعد الهجرة إلى المدينة فقد تمتع  فعلاً بالحماية بنوعيها: حماية ملائكة السماء وحماية ملائكة الأرض أي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

لقد وضح القرآن بهذا المثال أن الشيء الواحد يمكن أن يكون سبب خير وبركة أحياناً، كما يمكن أن يصبح مهلكاً ومدمراً في بعض الأحيان. يلمع البرق وتمطر السماء فيجني بها البعض منافع كثيرة، بينما يتضرر بها الآخرون أضراراً فادحة. فثبت أن الشيء لا يكون في حد ذاته نافعًا أو ضارًا، وإنما نفعه أو ضرره أمر نسبي. فمثلاً لو سُئلنا: هل السحب الثقيلة خير أم لا، فإننا لا نستطيع الجزم بخيرها أو شرها دون النظر إلى الظروف والحاجة. عندما تعلو الغيوم السماءَ يقول الذي يبني بيتاً “إن هذا المطر سيدمّرني”، بينما يقول الفلاح الذي يرى زرعـه يهلك بسبـب الجفاف: “إن هـذا المطر سيـحييني “.

فالله تعالى ينبه الكفار إلى أن المنفعة أو الخسارة المؤقتة أمر نسبي، وعليهم أن لا يتباهَوا ولا ينخدعوا بما عندهم من أسباب ووسائل، فإنها ظل زائل. لأن المال أو البنين أو الأقارب أو السلطة لا تنفع في كل الأحوال ، بل إنها قد تنقلب أحياناً إلى مصائب ومحن. فعليهم أن لا ينظروا إلى ما بأيديهم من أسباب، بل أن ينظروا إلى ما في قلوبهم من مشاعر وأحاسيس. فإذا كانت قلوبهم فاسدة فلن تنفعهم هذه الأموال والأسباب شيئاً ولن تحقـق لهم رقياً، بل إنهـا ستـكون عليهم وبـالاً ودمـاراً.

إن هذا الموضوع -ولا شك- موضوع هامٌّ ولطيف وواسع للغاية، بحيث نستطيع على ضوئه تأليف عشرات المجلدات حـول ظاهـرة رقي الأمـم وانحطاطـها.

وَيُسَبِّـحُ الرَّعْـدُ بِحَمْـدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُـوَ شَدِيـدُ الْمِحَالِ  (الرعد 14)

شرح الكلمـات:

يسبّح: سبّحَ اللهَ: نزّهه (الأقرب)

الرّعدُ: رعد السحابُ: صات وضجّ للإمطار. والرّعدُ: صوت السّحاب (الأقرب)

الصواعق: الصاعقةُ: الموتُ؛ كلُّ عذاب مهلك؛ صيحةُ العذاب؛ نارٌ تسقط من السماء في رعد شديد لا تمرّ على شيء إلاّ أحرقته (الأقرب)

المِحالُ: ماحلَه مُماحلة ومِحالاً: ماكَرَه وكايدَه؛ قاواه حتى يتبيّن أيّهما أشد. المِحال: الكيدُ؛ رَومُ الأمر بالحيل؛ التدبيرُ؛ المكرُ؛ القدرةُ ؛ الجِدالُ؛ العذابُ؛ العقابُ؛ العداوةُ؛ القوةُ والشدَّةُ؛ الهلاكُ؛ الإهلاكُ (الأقرب). وقيل: المِحال من الحَول والحيلةِ. (المفردات)

التفسـير:

إنكم  تظنون أيها الكافرون، وأنتم تنظرون إلى المسلمين المحاصَرين في المحن والمصائب، أن هذا الرعد الرهيب سوف يدمّرهم، ولكن ظنكم خاطئ، لأن الرعد لا يكون مهلكًا لكل إنسان ولا في كل الظروف، كما لا تكون السحب نافعة لكل إنسان في كل وقت.  فإن الشدائد لا تأتي لإهلاك الإنسان المؤمن، بل تتسبب في ازدهاره وظهور ملكاته الكامنة، وترفع معنوياته، وتزيده قربًا وحظوة من ربه. إن البرق والرعد كليهما مِن خلق الله فَأنّى لهذه الظواهر الربانية  أن تهلك عباد الله  المخلصين.  إن هذه الظواهر كلها تسبح الله وتنزّهه  فلو أنها سقطت على محمد وأهلكته-والعياذ بالله- فإنها لن تعتبر مسبحة له سبحانه وتعالى، بل سوف تكون مسيئة إلى الله عز وجل، ولكنها ما دامت طائعةً لأمر الله  فلن تجلب لأحبائه إلا الخير والنفع، ولن تسقط إلا عليكم أيها الأشرار.

ثم قال والملائكة من خيفته أي ليس الرعد وحده، بل إن الملائكة الذين هم السبب الأول المدبر للرعد وغيره أيضاً يسبحون الله خائفين منه . فمن كان الله معه فلن تجلب له النواميس الطبيعية والأسباب المادية بكل أنواعها إلا النفع والخير.

ثم قال ويُرسل الصواعق فيصيبُ بها من يشاء وهم يجادلون في الله   أي لو تدبرتم في الأمر لعرفتم من هو الذي سيُسقط الله عليه الصواعق. هل تظنون أن الله الذي يتحكم فيها سوف يصيب بها الذين ينصرون دينه، أم يُسقطها على الذين يحاربون دينه؟ لا جرم أنه سيدمّر بها أعداء دينه .

وقد صرح بقوله تعالى وهم يجادلون في الله أن الحديث هنا ليس عن النواميس الطبيعية والظواهر العادية، بل إن الله تعالى يوجه بهذا المثال تهديداً بالعذاب لأعداء الإسلام الذين يجادلونه في دينه.

كما أشار بقوله وهو شديدُ المِحال إلى أن الجدال مع الله ليس بأمر هين، لأن تدابيره خفية متينة للغاية، وتأتي بنتائج مدمرة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك