الملك الفارسي "كورش" من الملهمين
  • أي أقوام هؤلاء الذين لقيهم ذو القرنين عند المشرق وعند المغرب؟
  • أي نبوءات حملت سورة الكهف فيما يخص هؤلاء الأقوام؟
  • ماذا عساه يثبت لنا كون الملك الفارسي كورش كان من الموحى إليهم؟

___

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا   (الكهف 85)

 شرح الكلمات:

مَكَّنّا: صيغة جمع المتكلم مِن مَكَّنَه من الشيء: جعَل لـه عليه سلطانًا وقدرةً (الأقرب).

سببًا: ما يُتوصّل به إلى غيره (الأقرب).

 

التفسير:

يعلن الله تعالى: لقد كنّا وهبنا لذي القرنين في الدنيا قوة كبيرة، وهيّأنا له من كل الأسباب.

لقد أثبتنا فيما مضى بشواهد من الكتاب المقدس وأقوال كورش نفسه أن الله تعالى كان قد وهب له قوة كبيرة بفضله الخاص.

  فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا 86-87)

 شرح الكلمات:

حَمِئَة: أي ذات الحَمَأَةِ (الأقرب). والحمأة: الطين الأسود.

التفسير:

اعلم أن قوله تعالى حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ لا يعني أنه بلغ الحد الغربي النهائي من الأرض، بل المراد منه الحد الغربي لممالكه المفتوحة أي الحد الغربي الشمالي لآسيا الصغرى.

ولفظ عَيْنٍ حَمِئَةٍ يعني الماء الممزوج بالطين الأسود حيث يبدو لونه مائلاً إلى السواد بسبب الطين، والمراد منه هنا البحر الأسود؛ وقد سمِّي بذلك لأن لون مائه مائل إلى السواد بسبب عمقه؛ كما أن معنى الحمئة – أي الماء المخلوط بالطين – أيضًا ينطبق على هذا البحر حرفيًّا، إذ يمتاز عن سائر البحار بكون مائه أقل ملوحة. ذلك أن معظم مياهه تأتي من الأنهار والفيضانات المنحدرة إليه من أراضي روسيا وأرمينياØ وبلغاريا؛ مما يجعل ماءه أكثرَ طينًا وأقلَّ ملوحة بالمقارنة بالبحار الأخرى.(الموسوعة البريطانية مجلد 2 ص 258 كلمة: Black sea)

وفي قوله تعالى: وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ لا يراد بالعين عين ماء عادية، بل بحر واسع جدًّا بحيث لو قام أحد على شاطئه يبدو لـه كأن الشمس تغرب فيه. وقد سمى البحر عينًا للدلالة على بُعدِ عُمقه، وعلى أن الماء يتفجر من تحت أديم الأرض ويختلط بمائه.

والمراد من القوم في قوله تعالى وَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا الدولة الحاكمة على الساحل الشرقي لآسيا الصغرى،والتي تحالفت مع الحكومات الأخرى للهجوم على كورش دونما سبب بعد فتح بابل. ثم يبين الله تعالى: قُلْنا لذي القرنين عن هذه الشعوب: إما أن تعذّبهم على شرورهم، وإما أن تحسن إليهم لاستمالتهم.

  قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (الكهف 88)

التفسير:

هذا جواب كورش الملِكِ على هذا الإلهام حيث قال: إنما أريد العفو عنهم هذه المرة، وسأعذّبهم إن عادوا إلى شرورهم.

وفي قوله ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ دليل على أن كورش كان يعتنق دينًا يحث على الإيمان بالبعث بعد الموت. ويشهد التاريخ أنه كان من أتباع الديانة الزرادشتية المخلصين، وهي الديانة التي تمتاز – بعد الإسلام – بالتأكيد على البعث بعد الموت من بين جميع الديانات. (الموسوعة اليهودية مجلد 4 ص 404)

والمراد من القوم في قوله تعالى وَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا الدولة الحاكمة على الساحل الشرقي لآسيا الصغرى،والتي تحالفت مع الحكومات الأخرى للهجوم على كورش دونما سبب بعد فتح بابل. ثم يبين الله تعالى: قُلْنا لذي القرنين عن هذه الشعوب: إما أن تعذّبهم على شرورهم، وإما أن تحسن إليهم لاستمالتهم.

وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (89)

  التفسير:

بهذه الآية يبدأ كلام ذي القرنين، ولا شك أنه دليل على حسن أخلاقه. وقد سبق أن ذكرنا أن كورش كان رحيمًا، وكان يعامل الشعوب التي فتح بلدانها بمنتهى المحبة والرحمة.

ولو قيل هنا: لماذا خيّره الله تعالى بين التعذيب والإحسان وقال: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا فالجواب أن هذا أسلوب رباني لطيف لترغيبه في الرفق والرحمة. لقد قدّم الله تعالى ذكر العذاب لبيان أنه يحق لك أن تعذبهم لأنهم ارتكبوا الشر، ثم أعقبه بقوله وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا أي هناك خيار آخر أمامك وهو أن تترفق بهم؛ وهكذا بأسلوب لطيف أتاح لذي القرنين الفرصة لاكتساب حسنة خالصة. لأنه لو رحمهم بأمر من الله تعالى لم تكن هناك فرصة لإظهار فطرته الحسنة ولقيامه بالخير بطبعه وعن طواعية، ولكن هذا الأسلوب أدى هذا الغرض، فاستحق ذو القرنين ثوابًا أكثر.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90 و91)

التفسير:

تتحدث هذه الآية عن سفر ذي القرنين إلى الجانب الشرقي أي أفغانستان.

وقد يكون المراد من قوله تعالى لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا أن أولئك القوم لم يكونوا متحضرين، وكانت البيوت والمباني عندهم قليلة، فكانوا يسكنون في الأكواخ أو الخيام. وهكذا كانت حالة القبائل الأفغانية في ذلك الزمان، فلم يكونوا متحضرين بما يكفي.

ولكني أرى أن التدبر في ألفاظ القرآن الكريم يؤدي بنا إلى الاعتقاد أن المنطقة المشار إليها هي بلوجستان، لأن الآية تقول: وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا .. أي أن أشعّة الشمس كانت تقع عليهم رأسًا ولم يكن بينها وبينهم حاجز؛ أي أن الأراضي كانت سهولاً جرداء ليس بها أشجار عالية ولا جبال شامخة. علمًا أن عامة المؤرخين كانوا يونانيين فذكروا على العموم تلك الانتصارات التي حققها ذو القرنين في منطقتهم، أما انتصاراته التي حصلت في بلاد الشرق فلم يتناولوها بالتفصيل، وإنما قالوا بإيجاز شديد إن كورش زحف على أفغانستان تجاه الشرق وفتح تلك البلاد. وبما أن منطقة سيستان كانت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية لذلك أرى أن هذه الآية تشير إلى ولاية بلوجستان ذات الصحراء الرملية والتلال. أما إذا اكتفينا ببيان التاريخ فيبدو أنها تشير إلى القوم القاطنين في أرض ذات صحراء وسهول ممتدة لمئات الأميال في الجانب الغربي لهرات وسيستان وفي الجهة الشمالية من دُزداب إلى مشهد من البلاد الفارسية.

كذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (92)

 التفسير:

أي أن الواقع كما ذكرنا، ففتحُه لهذه البلاد والممالك أمر مؤكد لا ريب فيه.

أما قوله تعالى وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا فيعني أننا قمنا بحمايته وحراسته في جميع أسفاره، ذلك أن الإحاطة بكل ما لديه خُبرًا لا يعني سوى مراقبة أحواله ورعايته.

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا   (الكهف 93)

 التفسير:

هذه الآية تشير إلى الرحلة الثالثة لكورش التي قام بها ناحية الشمال من إيران إلى الولاية الواقعة بين بحر قزوين وجبال قوقاز. (الموسوعة البريطانية مجلد 5 ص 410 كلمة Cyrus)

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (الكهف 94)

 شرح الكلمات:

السَّدَّينِ: صيغة المثنى للسدِّ ومعناه: الجبل؛ الحاجز بين الشيئين (الأقرب).

 

التفسير:

لقد سبق أن ذكرنا أن لفظ (كاد) يفيد الإيجاب إذا كان مسبوقًا بحرف النفي، ويفيد النفيَ إذا كان مسبوقًا بحرف الإثبات؛ فتعني الآية أنهم كانوا يفقهون كلام ذي القرنين وقومه ولكن بصعوبة. ويُستنبط من ذلك أن القوم كانوا جيرانًا للفرس يختلطون بهم بكثرة.كانت لغتهم غير لغة كورش ورجاله، ولكنهم كانوا يفقهون كلام أهالي ميديا

وفارس لحد ما نتيجة التجاور والتزاور.

وإذا نظرنا إلى الموقع الجغرافي لمنطقة دربند حيث بُني السد أو الجدار وجدنا الوصف القرآني ينطبق عليها تمامًا، لأن أرضها متصلة بأرض ميديا وفارس، بل صارت فيما بعد جزءًا من فارس، وإن كانت روسيا أدخلتها الآن في مملكتها.

أما المراد من بَيْنَ السَّدَّيْنِ فهو المقام الواقع بين بحر قزوين وجبال قوقاز. وهذان- أي بحر قزوين من جانب وجبال قوقاز من جانب آخر – كانا كسَدَّينِ، وكان المعبر الواقع بينهما يهدد أمن هؤلاء القوم.

قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (الكهف 95)

 شرح الكلمات:

خَرْجًا: الخَرْجُ الخَرَاج (الأقرب).

 

التفسير:

وبما أن هؤلاء كانوا ساكنين في جوار يأجوج ومأجوج وكانوا هدفًا لغاراتهم بكثرة، فاستدعَوا كورشَ أن يجعل لهم على نفقتهم سدًّا يحميهم من هجمات يأجوج ومأجوج.  (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك