الصراع الوجودي مع الخلافة، المشروع الرباني

الصراع الوجودي مع الخلافة، المشروع الرباني

التحرير

  • هل كان صراع الشياطين مع الخلافة امتدادا لصراعهم مع النبوة؟
  • لماذا يصارع الشيطان مقام النبوة أصلا؟
  • وهل لهذا الصراع الوجودي تمثلات في تاريخ الإنسانية؟

___

الجدل الدائر حول قضية الخلافة، والذي يصل دومًا حد الصراع الدموي، لم يبدأ الآن فقط، ولا حتى منذ 14 قرنا منذ عصر صدر الإسلام، ولكنه ضارب في القِدم، منذ بواكير الإنسانية الأولى، منذ أصدر الله عز وجل بيانه:

إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خليفةً (1)،

حتى إننا لا نجانب الصواب لو قلنا أنها أقدم القضايا الإنسانية على الإطلاق، وأكثرها إثارة للجدل إلى هذه اللحظة، الأمر الذي يتضمن ما لهذه القضية، أي الخلافة، من أهمية كبرى، وهي على الأرجح، مدار الخليقة الإنسانية في هذا العالم.

وبالرجوع إلى المشهد الأول، والذي انقدحت فيه الشرارة الأولى للحرب ضد المشروع الرباني، أي الخلافة، نكتشف أن تلك الشرارة كانت سوء الظن مع الكِبر، لا أكثر،

قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (2).

إن سوء الظن مَهْلَكَةٌ كبرى، وأبشع صورها، أن يسيء المرء ظنه في من يقابله بالمحبة والعطف، كأن يُساء الظن بالزوج أو الأبوين أو أولياء الله تعالى. وإن الحرب الناشبة بين الإنسان والشيطان منذ البيان الإلهي آنف الذكر، كانت شرارتها الأولى سوء الظن الذي ألقاه الشيطان في قلوب أوليائه تجاه أولياء الرحمن وخلفائه، الأمر الذي كان ينتج عنه عبر التاريخ مواجهات محمومة بين معسكرين اثنين في العالم الروحاني، وتُلْقِي هذه المواجهات الروحانية بظلالها على العالم المادي، فَتُتَرْجَمُ إلى حروب طاحنة ومآسٍ ونكبات هنا وهناك، وهو ما يشكل التاريخ الإنساني بأكمله حاليا.

ومع أننا لا ننفي أن جريمة قتل الأنبياء المذكورة، تضمن تشويه سيرتهم المطهَّرة، كما فعل ويفعل اليهود والنصارى الآن بتشويه سير الأبرار المذكورة في الكتاب المقدس، وكما يفعل أكثر المسلمين في هذا الزمان مع سيرة حضرة خاتم النبيين الطاهرة، فنرى هذا القول جديرا بالاعتبار، أي أن قتل الأنبياء يعني فيما يعني الإعراض عنهم وتشويه سيرهم، وبالإضافة إلى ذلك المعنى للقتل، فهناك ما قد بلغ مبلغ الدم.

عجيب هو أمر أكثر الناس، فهم لا يطيقون البقاء في حظيرة النبوة، ويعكفون على محاربتها بشتى الوسائل، ولا يلبث النبي أن يبعثه الله تعالى ثم يتوفاه، مقيما خليفةً على أثره، إلا ويخرج هؤلاء الناس عليه، أي على الخليفة، بدعوى أنه غير حائز على قداسة النبوة ولا يمتلك صلاحياتها، حتى أن مثل هؤلاء ممن ارتدوا كانوا مانِعي الزكاة بُعيد وفاة النبي وهُم من قالوا قولتهم المشهورة:

«الْمَأْمُورُ بِهَذَا رَسُولُ اللَّهِ لَا غيره»،

في إشارة منهم إلى أن الخليفة أبا بكر الصديق لا يملك صلاحيات وراثة المقام في القيادة الروحية للأمة، ومن ثم كان شياطينهم يشرعون في الترويج لمدع من مدعيهم على أنه «نبي» أو على الأقل وارث لمقام النبوة الذي بات شاغرا عشيَّة وفاة حضرة خاتم النبيين، لا لشيء إلا لمقاومة القوة القدسية للخليفة، بوصفه القائمَ الحقيقي على أثر النبي الحقيقي. لقد تكرر هذا المشهد مرارا عبر تاريخ النبوَّات، وما زال يتكرر إلى وقتنا هذا. ومن تلك التكرارات الواقعة عبر التاريخ، هناك حادثة السامري، والذي تسبب في كارثة ردة جماعية لأكثر بني إسرائيل بعد نجاتهم من بطش فرعون، وهناك كذلك حوادث خروج أدعياء في جزيرة العرب، أمثال الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، واللذان قُضيَّ عليهما في نفس عام وفاة خاتم النبيين أو بعده بقليل، دون أن تُخَلِّفَ دعاويهم البتراء أثرا يُذكر. الشاهد في الأمر بيان ذلك التناقض الذي يتصف به أكثر الناس من ذوي الاعوجاج الخُلُقي، فهم منذ وقت ليس بالبعيد كانوا من معاندي النبوة، ثم هم بعد حين أدعياء نبوة، وأعداء للخلافة على منهاج النبوة، نعم، قُتِلَ الإنسان، ما أكفره!

فأولياء الشيطان ممن يدعون النبوة كذبا ليس ادعاؤهم هذا حبا في النبوة، وإنما منشؤه معاداة الخلافة الراشدة على منهاجها، بدليل أن أسلافهم كانوا ألد أعداء النبوة في حينها. القضية إذن هي قضية الصراع الوجودي مع الخلافة كمشروع رباني. وخلال المدة المديدة لذلك الصراع، قد تتيسر الفرصة للمجرمين لقتل شخص الخليفة الذي يقيمه الله تعالى، مثلما حدث مع حضرة عثمان وحضرة علي (رضي الله عنهما)، وكما حدث مع كثير من أنبياء بني إسرائيل الذين قُتلوا بأيدي الغوغاء من قومهم، تحريضا من شياطينهم.

ومع أننا لا ننفي أن جريمة قتل الأنبياء المذكورة، تضمن تشويه سيرتهم المطهَّرة، كما فعل ويفعل اليهود والنصارى الآن بتشويه سير الأبرار المذكورة في الكتاب المقدس، وكما يفعل أكثر المسلمين في هذا الزمان مع سيرة حضرة خاتم النبيين الطاهرة، فنرى هذا القول جديرا بالاعتبار، أي أن قتل الأنبياء يعني فيما يعني الإعراض عنهم وتشويه سيرهم، وبالإضافة إلى ذلك المعنى للقتل، فهناك ما قد بلغ مبلغ الدم.

ما من شك في أن الله تعالى يوحي إلى خلقه بشكل دائم، والوحي مدد إلهي تقوم عليه الخليقة بأسرها، وهو مدار تطورها وارتقائها، ولنا أن نتخيَّل مثلا، ماذا لو لم يوح سبحانه وتعالى إلى النحل أن تتخذ من الجبال والشجر بيوتا؟! وماذا لو لم يوح إلى أم موسى أن تلقيه في التابوت فتلقيه في اليم؟! فالله تعالى إذن يوحي إلى خلقه، غير أن من الخلق من يلتقط إشارة وحي الله تعالى، ومنهم من يضيعها، والأمر يعتمد على صفاء قلب المستقبِل. من هنا كان وحي الله تعالى إلى رسله وأنبيائه هو الأصفى والأرقى من بين صور الوحي على الإطلاق. ولقد كان السبب الأبرز وراء قتل حضرة عثمان عدم احتمال المجرمين قتلة الأنبياء فكرة أن الخليفة هو موجَّهٌ من الله تعالى.

ومواكبة للحدث السعيد، حدث قيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، تشارك أسرة مجلة التقوى سائر منصات الجماعة الرسمية الأخرى الاحتفاء بهذا اليوم المبارك، يوم الخلافة، إذ ضمَّد الله تعالى حزن جماعة المؤمنين بُعَيْدَ فقد مسيحهم الموعود بانتقاله إلى الرفيق الأعلى، لتقوم خلافة تسلك نهجه وترعى غرسه إلى ما شاء الله، تحقيقا لنبوءة خير الورى سيدنا خاتم النبيين :

«ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ. ثم سكت …» (3).

الهوامش:

  1. (البقرة: 31)
  2. (الأَعراف: 13)
  3. (مسند أحمد بن حنبل،أول مسند الكوفيين)
Share via
تابعونا على الفايس بوك