صفحة من سجل  دموعي على أوجاعي

صفحة من سجل  دموعي على أوجاعي

التحرير

  • ماهية الأخلاق
  • التغني بالأخلاق دون مراعاتها
  • غياب الأخلاق من غياب التربية وغياب الرقابة
  • فشل المؤسسات الدينية

__

الأخلاق هي شعور ذاتي بكبرياء يدفع صاحبه إلى احتقار كل ما هو مذموم. الأمر الذي يدفعه إلى تفادي الأخطاء وتصحيحها قبل أن تفرض نفسها عليه. كما أنها حصن لا يسمح بارتكاب المعصية أو المخالفة حيث لا تجد الهواجس المذمومة طريقها إلى كيان المرء وذاته. كما أنها الدافع الأساسي الذي يفرض على المرء الإنصاف والصدق مع الأعداء والأصدقاء. والأخلاق هي التي تولِّد الحياء الذي يمنع المرء من مخالفة الذوق العام والمنطق الإنساني والتشريع السماوي. كما أنها شحنة تفرض على صاحبها الصدق والأمانة والابتعاد عن مواضع الإهانة ومواقف الحرج. فهي الحاجز المعنوي بين الإنسان والانحراف المتعمد وهي الدافع الدائم لتحري الصواب.ولا يختلف عاقلان في أن بغياب الأخلاق يسود قانون الغاب.. ويطير الحق ويختفي. وتوأد الفضيلة على مرء من الرذيلة.. ثم تُسن أعراف جديدة تُعرِّفُ الحقوق بأنها كل ما يستطيع الإنسان الاستحواذ عليه بغض النظر عن الكيفية والأحقّية. وتُعرِّفُ الواجبات على أنها فقط ما لا يستطيع الإنسان التملص منه. وللأسف الشديد هذه هي الأخلاق لدى البعض.

أما الأخلاق السمحاء فأصبحت مجرد شعارات تُرفع في أوقات معينة من السنة.. في رمضان والأعياد. مجرد كلمات اعتاد الناس على سماعها في المساجد والمناسبات الدينية تدخل من أذن وتخرج من أخرى. يتبخر معناها ويضمحل أثرها خلال دقائق معدودة.

ولا يخفى على كل مطلع على ما يجري في شوارع مدننا وأزقتها.. فالكُره أصبح السمة المميزة لكثير من الناس. فيكفى مثلا أن يصبح شخص ما ناجحًا فيكرهه الآخرون، حتى لو كانوا في مجال غير مجاله.ويكفيك إلقاء نظرة على أي مدرسة لترى الكمَّ الهائل من الألفاظ البذيئة التي يتبادلها الشباب. حتى إن بعضهم يعتبر هذا ا لأمر عاديا جدا، وهذه هي لغة المتحضرين. أما عن المشاجرات والسباب والمعاكسات فحدث ولا حرج. حتى أصبح المرء يفقد السيطرة على أعصابه لأبسط الأسباب. أما معاكسة الفتيات والتحرش الجنسي فقد أصبحت من الأخبار الدائمة المألوفة. وقد لا تصدق فضاعة وفحش الصور واللقطات التي يتبادلها شبابنا عبر الجوال.

صفحة من سجل  دموعي على أوجاعي

بطبيعة الحال كلنا نشعر بهذا التحول، واختفاء الأخلاق الجميلة. وكم أتمنى أن يعود الشارع الإسلامي إلى سابق عهده، وأن تعود الشخصية الإسلامية إلى طبيعتها وأخلاقياتها.

فإن الأخلاق والحال هذه تلفظ أنفاسها الأخيرة،  وأرى أنه من واجبنا جميعا نحوها أن ندعو لها بالشفاء العاجل.. وأن نقيم لها صرحًا في ساحات مدننا الكبرى لعلنا بهذا الصنيع نغرسها ثانية في نفوس الذئاب البشرية!!

ولا يختلف اثنان في أن الذي نراه اليوم في مجتمعاتنا العربية الإسلامية هو عدم التزامها بالأخلاق على مستوى الفرد والمجموعة. وغياب قبضة حديدية للسلطة الحاكمة تفرض قانونا ينظم علاقات الناس ويحمي الضعيف والفقير قبل القوي والغني. هذا إلى جانب فشل المؤسسة الدينية في ترك بصماتها على طابع الشخصية الإسلامية التي فقدت مقومات الأخلاق.

وفي ظل هذا الوضع المتردى الذى لا نُحسد عليه فإن صدى لسان حال الساحة الإسلامية يبوح بما في داخله ويقول: إننا نعرف فضيلة الأخلاق وندرك فريضة الإيمان بالله وما يترتب عليها.. وحتمية القيامة والحساب. ونستطيع تطبيق القانون ونعي أهميته. ولكننا نحتاج إلى من يفرض علينا كل هذا.

وبالرغم من كل ذلك يبقى أملنا في الله كبير بأن تعود أمتنا إلى سابق عهدها لتقود العالم وتفتحه بأخلاقها لا بسيفها،

فالمؤمن من بتعظ بغيره، ألا ترون أننا نقتفي آثار الأمم الغربية التي اعترف قانونها بزواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة ولا يرون في ذلك عيبا. وإذا تصفحت سجلات الولادات عندهم فغالبا لا تجد للآباء أثرا، فينسب المولود إلى أمه. وقد يطول الحديث عن تعفن أخلاقهم ودناستها ولكن ليس هذا محور حديثنا. لقد دقت نواقيس الخطر منذرة بآفات فتاكة ستقطع الأمة إلى إرب متناثرة. وما يسعنا إلا أن ندعو العزيز القدير أن يوقظ النفوس النائمة ويطهر القلوب المظلمة ويستقطب آذان الغافلين لدعوة الحق المبين، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وختاما قد تبدو نظرتي قاسية بعض الشيء في طرح هذا الموضوع.. ولكنني لامست وبكل أمانةٍ الواقع وذكرت الحقائق، ربما نود في أحيان كثيرة تجاهلها ولا نريد ذكرها… لأنها مؤلمة لنا جميعا.. لكن إلى متى هذا التجاهل وهذا الإنكار. وبالرغم من كل ذلك يبقى أملنا في الله كبير بأن تعود أمتنا إلى سابق عهدها لتقود العالم وتفتحه بأخلاقها لا بسيفها، واسمحوا لي أن أقول إن ما عالجته في هذا السطور ما هو إلا صفحة من سجِّل دموعي على أوجاعي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك