ألست من المتألمين على مصائب الإسلام؟
  • الله يكلم أولياءه
  • قصص الأنبياء تؤكد
  • أليست الضرورة من اشتداد الضرر؟!
  • حال المسيح الموعود على الإسلام
  • حال العلماء

__

\يا أخي أنت تعلم أن كتب القوم مملوّة من ذكر مكالمات الله بأوليائه، ومخاطبات حضرة الحق بعباده المقرّبين، وهو الكريم الذي يُلقي الروح على من يشاء من عباده ويزيد من يشاء في الإيمان واليقين. أما قرأت في “فتوح الغيب” الذي لسيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني كيف ذكر حقيقة المكالمات؟ وقال: إن الله تعالى يكلّم أولياءه بكلام بليغ لذيذ، وينبئهم من أسرار، ويخبرهم من أخبار، ويعطيهم عِلم الأنبياء، ونور الأنبياء، وبصيرة الأنبياء، ومعجزات الأنبياء، ولكن وراثةً لا أصالة، ويجعلهم متصرّفين في الأرض والسماوات وفي جميع ملكوت الله. فانظُرْ إلى مراتبهم ولا تتعجب، فإن الله فيّاضٌ يعطي عباده ما يشاء وليس بضنين.

والله قصّ علينا قصص الملهَمين في كتابه العزيز، وأنبأنا أنه كلَّم أُمَّ موسى ، وكلَّم ذا القرنين، وكلَّم الحواريّين. وما كان أحدٌ منهم نبيًّا ولا رسولاً، ولكن كانوا من عباده المحبوبين. أليس من أعجب العجائب أن يكلّم الله نساء بني إسرائيل ويعطي لهنّ عِزّةَ مكالماته وشرف مخاطباته، وما يعطي لرجال هذه الأمّة نصيبا منها وهي أمّة خير المرسلين؟ وقد سمّاها خير الأمم.. وختَم بها الأمم كلها، وقال: ثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ (1)، يعني فيها كثير من المكمّلات والمكمّلين.(2)

وأنت ترى يا أخي.. عافاك الله في الدارين.. كيف اشتدت الحاجة في هذه الأيام إلى ظهور مجدّد يؤيّد الدين، ويقيم البراهين، ويرجم الشياطين. ألا ترى أن الضلالة قد غلبت، وغارات الكافرين عمّت وأحاطت، وكم من أمم تبّت وهلكت؟ ألا تنظر هذه المفاسد؟ ألست من المتألّمين على مصائب الإسلام؟ ألم تأتك أخبارها أو أنت من الغافلين؟ أما تكاثرت فتن الكفّار؟ أما جاء وقت ظهور الآثار؟ أما عمّت الفتن في البراري والبلاد والديار؟ أما جاء وقت رحمة أرحم الراحمين؟ أما عَنَّ لنا في زمننا هذا قِبَلُ الذياب، في ليلة فتيّة الشباب، غُدافيّة الإهاب، وصرنا كالمحصورين؟

أنظُرْ يا أخي كيف أحاط بالناس ظلام وظلم ومظلمة، وخُوّفنا من كلّ طرف بأنواع النباح، وارتفعت الأصوات بالأرنان والنياح، وضُربت علينا المسكنة بالاكتساح، وصال الكُفار كالحَيْن المجتاح، وعفَتْ آثار التقوى والصلاح، وصُبَّت علينا مصائب لو صُبّت على الجبال لدكّتها وكسّرتها كالرداح، وامتلأت الأرض شِركًا وكذبا وزورًا ومن الأفعال القِباح، وتراءت صفوف الطالحين.

وكنت أبكي بكاء الماخض على ضعف الإسلام في تلك الأيام، وأرى مسالك الهُلْك، وأنظر إلى عون الله العلاّم، فإذا العناية تراءت وهبّتْ نسيم ألطاف الله القسّام، وبُشِّرتُ بأعلى مراتب الإلهام، وأصفى كأس المُدام، كما تُبشَّرُ الحامل عند مخاضها بالغلام، فصرت من المسرورين. فأُمِرتُ أن أُفرِّق خيري على رِفقتي، وكان على الله ثقتي، فكفّروني ولعنوا وسبّوا وأَضْرَوا بي الخطوبَ وألّبوا، وأُوذيت من ألسنة القاطنين والمتغرّبين.

ورأيت أكثر العلماء أسارى في أيدي أنفسهم وأهوائهم، ورأيتهم كغلام عليه سملٌ، وفي مشيه قزلٌ، وفي آذانه وقرٌ، وعلى عينه غشاوة، وفي قلبه مرض، وهو كَلٌّ على مولاه، وليس فيه خير يسرّ المشترين. يُظهرون على الإخوان شَباءةَ(3) اعتدائهم، وينسون صولة أعدائهم، وأرى قلوبهم مائلة إلى الصِّلات لا إلى الصَّلاة، ويستعجلون للاستهداء لا للاستهداء، ويُؤْثِرون ثوب الخيلاء على ثواب مواساة الأخلاّء، ويأبرون إخوانهم كالعقارب، ولو كانوا من الأقارب، لا يخافون رب الأرباب، ولا يتّقونه في أساليب الاكتـساب، ويسـعون إلى باب الأمراء، وينسون حضرة الكـبرياء، ثم يكفِّرون إخوانهم ويحـسبون أنهم من المحسنين.

والذين يؤثرون الله على نفوسهم وأعراضهم وأموالهم لا يضرّهم إكفار المكفرين ولا تكذيب المكذبين. أليس الله بكاف عبده؟ ومن يُصافي مثله بالمصـافين؟ سبقت رحمته حسنات العاملين، ولا يضيع فضله سعي المجاهدين.

(1)  الواقعة:41
(2) هكذا ورد في الأصل وربما حصل هنا سهو من الناسخ، والصحيح: المكلَّمات والمكلَّمين. (التقوى)(3) هكذا ورد في الأصل وربما هو سهو من الناسخ، والصحيح: شَبَاة، وهي إبرة العقرب وحدُّ كل شيء. (التقوى)
Share via
تابعونا على الفايس بوك