كلام الإمام

إن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على المسلمين بنعمة الحكمة والإدراك السليم، وليس هذا فحسب، بل أنعم عليهم أيضا بنور الوحي. ولذلك ينبغي لهم ألا يقتفوا أثر رجال المنطق والفلسفة الذين خلت أفئدتهم من الروحانية. فهؤلاء الناس لهم قدرة عظيمة على الكلام، ولكن قوتهم  الروحانية ضعيفة جدا. ثم إن الله وصف عباده في القرآن المجيد بأنهم حائزون على قوة التأثير الروحاني والبصيرة الروحانية. ولا نجد أي موضع في القرآن المجيد يصف فيه الله تعالى عباده بأنهم من يملكون زمام اللغة أو الكلام. وهذا يدلنا على أن الله يحب فقط أولئك الذين يتدبرون أفعاله وكلامه في ضوء الإدراك السليم والبصيرة الروحانية، ويعملون بما يطابق فعل الله سبحانه وتعالى وكلامه.

ولكن بلوغ هذه الدرجات لا يكون إلا بإصلاح النفس وطهارة الفكر، فإذا كنتم تريدون النجاح في الدنيا والآخرة، وإذا كنتم تحبون أن يكون لكم قدرة التأثير على قلوب الناس فعليكم أن تطهِّروا أنفسكم، وتسيروا حسب توجيه الإدراك السليم والهداية المستمدة من كلام الله .

أصلحوا أنفسك وكونوا مثالا للأخلاق السامية أمام أعين الآخرين، عندئذ، عندئذ فقط يُتوِّجُ النجاح رؤوسكم.

لقد قيل إن الكلام الذي يتدفق من شغاف القلب يؤثر على العقل، وهذا قول صحيح. ولذلك ينبغي لكم أن تهيئوا أذهانكم أولا. وإذا كنتم ترومون أن يكون لكم نعرة التأثير في الآخرين، فنمّوا في أنفسكم قدرة العمل، لأن طلاقة اللسان وحدها دون العمل لا تأتي بأية نتيجة.

هناك ملايين الناس الذين وثهبوا زلاقة اللسان، وبينهم عدد كبير يعتبرون أنفسهم من العلماء، ويدَّعون أنهم ورثة الأنبياء وأنهم خلفاء الرسول ، ويعلون المنابر محذّرين الناس من الكِبر والغرور والفسق، ولكن يمكننا أن نحكم على أفعالهم وأقوالهم عن طريق الأثر الذي تتركه أقوالهم في نفوس السامعين. فلو أن هؤلاء الناس كانوا يتمتعون بنعمة الروح الصادقة للعمل، ولو أنهم كانوا هم أنفسهم يطبقون ما يتفوهون به، لما كانت هناك حاجة لأن يشير القرآن المجيد إلى هؤلاء الناس في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف: 3).

ومن ذلك يتضح أن هذا الصنف من الناس كان موجودا في الأزمان الخالية، وهو موجود أيضا في زماننا هذا، وسيكون موجودا في المستقبل.

أصغوا إليَّ جيدا، وتذكروا دائما أن أقوال الإنسان إذا لم تكن صادرة من قلب صادق مخلص، ولا يعززها القوة والتأثير عن طريق العمل والتطبيق، فإن هذه الأقوال لن يكون لها تأثير على الآخرين.

إن التوافق بين عمل الرسول وكلامه هو الذي أفصح عن صدقه. وإننا لا نجد في تاريخ الإنسانية مثيلا له في النجاح الذي أنعم به الله تعالى عليه، وفي قوة تأثير كلامه على الناس. وما ذلك إلا للتوافق بين أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام.

Share via
تابعونا على الفايس بوك