رب ظهر الفساد في البر والبحر
  • ما أسباب استشراء الفساد التي ذكرها المسيح الموعود؟
  • ما سبب ما هو فيه من خير وبركة؟

__

ربِّ ظهر الفساد في البرّ والبحر، والعمارات والصحراء، وأرى عبادَك في البلاء، وحيطانَك بالبيداء، ودينَك في البأساء والضرّاء، وأرى الإسلامَ كمحتاجٍ تَرِبَ بعد الإتراب، أو كشيخٍ مرتعش تباعدَ من زمان الشباب، أو كشُذّاذِ الآفاقِ، أو كغريبٍ تناهى عن الرِّفاق، أو كحُرٍّ ابتُلِيَ في الإرقاق، أو كيتيمٍ سقط من الآماق. يميس الباطلُ في بُرْدِ الاستكبار، ويُلطَمُ الحقُّ بأيدي الأشرار. يسعون لإطفاء نوره سَعْيَ العفاريت، واللهُ خيرٌ حافظًا ومَـنْ لنا غير ذلك الخِـرِّيت؟ انْتهى أمرُ الدينِ إلى الكساد، وثارتْ بالأحداث حصْبةُ الفساد وجُذامُ الارتداد. خرجوا مِن قيود الشريعة الغرّاء، ونبذوا أنفسهم بالعراء. تركوا أسوةً حسنةً، واتّخذوا الفلاسفة الضالّة أئمّـةً، واستحْلَوا كلامهم واستجادوا أوهامهم، وأُشرِبوا في قلوبهم عِجْلَ خيالاتِ  اليوْرفِين*، وما هم إلا كجسدٍ له خُوار، وما شمُّوا عرْف العارفين.

وأيْمُ اللهِ، قد كنت أُقمتُ مِن الله لأجدّد الدين بإذنه، وأجدعَ أنْفَ الباطل مِـن مارِنه، وأُمـرتُ لذلك من الله القدير البديع، فلبّيتُ دعوته تلبية المطيـع، وبلّغتُ أوامره وبذلت فيها جهد المستطيعِ. فارتاب القوم بعَزْوتي، وأَبَوا تصديق دعوتي، وسُبِرَ فيه غورُ عقلهم ودعوى نقلهم. فاشتعل المبطلون، وظنّوا بي الظنون، ونهضـوا إليّ بالتكفير، وما لهم بذلك مِن علمٍ مثقـالَ القِطْمير. دخلوا فيما لم يعلموا، وأخذوا اللعن شِرعةً، ولم يفتّشوا حقيقةً. وكلُّ ذلك كان مِن لهبِ الغِلِّ، أَخَذَهم كداءِ السلِّ.

وأما أنا فما كنتُ أن آبى مِن أمر ربّي، أو أفتري عليه مِن تلقاء نفسي. هو محسني ومنعمي. أسبغَ عليّ مِن العطاء، وأتمّ عليّ من كلّ الآلاء، وأعطاني توفيقًا قائدًا إلى الرشد، وفَهْمًا مُدرِكًا للحقّ، وآتاني ما لم يُؤْتَ أحدٌ من الأقران، وإنْ هي إلا تحديث بآلاء الرحمن. هو كفلني وتولّى، وأعطى ما أعطى، وبشّرني بخير العاقبة والأُولى، ودنا مني وأدنى، وحمدني مِن عرشه ومشى إليّ، ورفعني إلى السماوات العُلى. وتلك كلها من بركات المصطفى، الظلُّ بأصله اقتدى، فرأى ما رأى. فالآن لا أخاف ازدراءَ قادحٍ، ولا هَتْكَ فاضحٍ، وأفوّض أمري إلى الله. إِنْ أكُ كاذبًا فعليّ كذبي، وإنْ أَكُ صادقًا فإن الله لا يضيع أمر الصادقين.  (مرآة كمالات الإسلام ص 13 و14)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك