المكتوب إلى علماء الهند
  • انتشرت الفتن .. وجاء المسيح لإصلاح الزمان..
  • لباس التقوى لا ينفع أحداً من غير حقيقة يعلمها المولى
  • آيات صدق المسيح.. نصائحه للمسلمين.. وتذكير لمن يعتبر

__

سرُّ الخلافة (17)

فمنهم المولوي عبد الجبار الغزنوي، والمولوي عبد الرحمن اللكوكوي، والمولوي غلام دستكير القصوري، والمولوي مشتاق أحمد اللودهيانوي، والمولوي محمد إسحاق البتيالوي، والقاضي سليمان، والمولوي رشيد أحمد الكنكوئي، والمولوي محمد بشير البوفالوي، والمولوي عبد الحق الدهلوي، والمولوي نذير حسين الدهلوي، والشيخ حسين عرب البوفالوي، والحافظ عبد المنان الوزيرابادي، والمولوي شاه دين اللودهانوي، والمولوي عبد المجيد الدهلوي، والمولوي عبد العزيز اللوديانوي، والمولوي عبد الله تلوندي، والمولوي نذير حسين الأنبيتوي السهارنفوري.

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي يُطلع القمر بعد دُجى المحاق، ويُغيث بعد المحل بالبُعاق، ويرسل الرياح بعد الاحتباس، ويهدي عباده بعد وساوس الخنّاس، ويُظهر نوره عند إحاطة الظلمات، وينـزل رُشدًا عند طوفان الجهلات؛ والصلاة والسلام على سيد الرسل وخير الكائنات، وأصحابِه الذين طهّروا الأرض من أنواع الهنات والبدعات، وآلِه الذين تركوا بأعمالهم أسوة حسنة للطيبين والطيبات، وعلى جميع عباد الله الصالحين.

أمّا بعد.. فيا عباد الله، إنكم أنتم تعلمون أن ريح نفحات الإسلام كيف ركدت، ومصابيحه كيف خبَتْ، والفتن كيف عمّت وكثُرت، وأنواع البدع كيف ظهرت وشاعت، وقد مضى رأس المائة الذي كنتم ترقبونه، ففكِّروا لِمَ ما ظهر مجدد كنتم تنتظرونه؟ أظننتم أن الله أخلفَ وعده أو كنتم قومًا غافلين؟

فاعلموا أن الله قد أرسلني لإصلاح هذا الزمان، وأعطاني علم كتابه القرآن، وجعلني مجددًا لأحكم بينكم فيما كنتم فيه مختلفين. فلِمَ لا تطيعون حَكَمَكُم ولِمَ تصولون منكرين؟ وما كنتُ من الكافرين ولا من المرتدين، ولكن ما فهمتم سرَّ الله، وحار فهمكم، وفرط وهمكم، وكفّرتموني، وما بلغتم معشار ما قلتُ لكم، وكنتم قومًا مستعجلين. ووالله إني لا أدّعي النبوة ولا أجاوز الملة، ولا أغترف إلا من فضالة خاتم النبيين. وأؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأصلي وأستقبل القبلة، فلِم تكفّرونني؟ ألا تخافون الله رب العالمين؟

أيها الناس لا تعجلوا عليّ، ويعلم ربّي أني مسلم، فلا تُكفّروا المسلمين. وتدبَّروا صحف الله، وفكِّروا في كتاب مبين. وما خلقكم الله لتكفّروا الناس بغير علم، وتتركوا طرق رفق وحلم وحسن ظن، وتلعنوا المؤمنين. لِمَ تخالفون قول الله وأنتم تعلمون؟ أخُلقتم لتكفير المؤمنين أو شققتم صدورنا، ورأيتم نفاقنا وكُفرنا وزورنا؟ فأيها الناس، توبوا توبوا وتندموا، ولا تغلُوا في ظنكم ولا تُصرّوا، واتقوا الله ولا تجترئوا ولا تيأسوا من روح الله، وإنه لا يُضيع أمة خير المرسلين. خلَق الناس ليعبدوا، وأرسل الرسل ليعرفوا، وليحكُم فيما اختلفوا، وبيّن الأحكام ليطيعوا ويُوجَروا، وبعث المجددين ليُذكّر الناس ما ذهلوا، ودقّق معارفهم ليُبتلوا، وليعلَم الله قومًا أطاعوا وقومًا أعرضوا، وشرع البيعة لأهل الطريقة ليتوارثوا في البركات ويتضاعفوا، وأوجب عليهم حسن الظن ليجتنبوا طرق الهلاك ويُعصَموا، وفتح أبواب التوبة ليُرحَموا ويُغفَروا، والله أوسع فضلا ورحما وهو أرحم الراحمين. وما كان لي أن أفتري على الله، والله يُهلك قوما ظالمين.

وإني سُمّيتُ عيسى ابن مريم بأحكام الإلهام، فما كان لي أن أستقيل من هذا المقام بعدما أقامني عليه أمر الله العلام، وما أراه مخالفا لنصوص كتاب الله ولا آثار خير المرسلين. بل زلّتْ قدمكم، وما خشيتم ندمكم، وما رجعتم إلى القرآن، وما أمعنتم في الآثار حق الإمعان، وتركتم طرق الرشد والسدد، وملتم إلى التعصب واللدد، وغشِيتكم هوى النفس الأمّارة، فما فهمتم معاني العبارة، ووقفتم موقف المتعصبين. يا حسرة عليكم! إنكم تنتصبون لإزراء الناس، ولا ترون عيوب أنفسكم من خدع الخناس، وتمايلتم على الدنيا وأعراضها غافلين. ووالله إن جمع الدنيا والدين أمرٌ لم يحصل قط للطالبين، وإنه أشد وأصعب من نكاح حُرّتَين ومعاشرة ضرّتَين، لو كنتم متدبرين.

اعلموا أن لباس التقوى لا ينفع أحدًا من غير حقيقة يعلمها المولى، وما كلُّ سوداءَ تمرةً ولا كلّ صهباءَ خمرةً، وكم مِن مزوّر يعتلق برب العباد، اعتلاق الحرباء بالأعواد، لا يكون له حظ من ثمرتها، ولا علم من حلاوتها! وكذلك جعل الله قلوب المنافقين؛ يصلّون ولا يعلمون ما الصلاة، ويتصدقون وما يعلمون ما الصدقات، ويصومون وما يعلمون ما الصيام، ويحجّون وما يعلمون ما الإحرام، ويتشهدون وما يعلمون ما التوحيد، ويسترجعون ولا يعرفون مَن المالك الوحيد، إنْ هم إلا كالأنعام بل من أسفل السافلين.

وأما عباد الله الصادقون، وعشّاقه المخلصون، فهم يصلِون إلى لُبّ الحقائق، ودُهن الدقائق، ويغرس الله في قلوبهم شجرة عظمته ودوحة جلاله وعزّته، فيعيشون بمحبته ويموتون لمحبته، وإذا جاء وقت الحشر فيقومون من القبور في محبته. قوم فانون، ولله موجَعون، وإلى الله متبتّلون، وبتحريكه يتحركون، وبإنطاقه ينطقون، وبتبصيره يبصرون، وبإيمائه يُعادون أو يُوالون. الإيمان إيمانهم، والعدم مكانهم، سُتِروا في ملاحف غيرة الله فلا يعرفهم أحد من المحجوبين. يُعرفون بالآيات وخرقِ العادات والتأييدات مِن ربّ يتولاهم، وأنعمَ عليهم بأنواع الإنعامات. يدركهم عند كل مصيبة، وينصرهم في كل معركة بنصر مبين. إنهم تلاميذ الرحمن، واللهُ كان لهم كالقوابل للصبيان، فيكون كل حركتهم مِن يد القدرة، ومِن مُحرِّكٍ غاب من أعين البريّة، ويكون كل فعلهم خارقا للعادة، ويفوقون الناس في جميع أنواع السعادة؛ فصبرهم كرامة، وصدقهم كرامة، ووفاؤهم كرامة، ورضاؤهم كرامة، وحلمهم كرامة، وعلمهم كرامة، وحياؤهم كرامة، ودعاؤهم كرامة، وكلماتهم كرامة، وعباداتهم كرامة، وثباتهم كرامة؛ وينـزلون من الله بمنـزلة لا يعلمها الخلق. وإنهم قوم لا يشقى جليسهم، ولا يُرَدُّ أنيسهم، وتجد ريّا المحبوب في مجالسهم، ونسيم البركات في محافلهم، إن كنتَ لست أخشَمَ ومن المحرومين. وينـزل بركات على جدرانهم وأبوابهم وأحبابهم، فتراها إن كنتَ لستَ من قوم عمين.

أيها الناس.. قد تقطعت معاذيركم، وتبينت دقاريركم، وأقبلتم عليّ إقبالَ سفّاكٍ، ولكن حفظني ربّي من هلاك، فأصبحتُ مظفرًا ومن الغالبين. أيها النّاس.. قد اعتديتم اعتداءً كبيرًا فاخشوا عليمًا خبيرًا، ولا تجعلوا أنفسكم بنَخِّها وجَخِّها كعِظام استخرجت مخَّها، ولا تعثوا في الأرض معتدين. وإنّي امرؤٌ ما أبالي رفعة هذه الدنيا وخفضها، ورفعها وخفضها، بل أحِنّ إلى الفقر والمتربة، حنينَ الشحيح إلى الذهب والفضة، وأتوق إلى التذلل توقانَ السقيم إلى الدواء، وذي الخصاصة إلى أهل الثراء، وأتوكل على الله أحسن الخالقين. وما أخاف حصائد ألسنة، وغوائل كلِمٍ مزخرفةٍ، ويتولاني ربي ويعصمني من كل شرّ ومن فتن المعاندين.

أيها الناس، لا تتبعوا مَن عادى، وقوموا فرادى فرادى، ثم فكروا إن كنتُ على حق، وأنتم لعنتموني وكذّبتموني وكفّرتموني وآذيتموني، فكيف كانت عاقبة الظالمين؟ وما اقتبلتُ أمر الخلافة إلا بحُكم الله ذي الرأفة، وإني بيدَي ربي الدابل، كصبيٍّ في أيدي القوابل، وقد كنت محزونا من فتن الزمان، وغلبة النصارى وأنواع الافتنان، فلما رأى الله استطارةَ فَرَقي واستشاطةَ قلقي، ورأى أن قلبي ضجر، ونهر الدموع انفجر، وطارت النفس شعاعًا، وأُرعدت الفرائص ارتياعا، فنظر إليّ تحننًا وتلطفًا، وتخيَّرني ترحما وتفضلا، وقال: “إِنِّي جَاعِلُكَ في الأَرْضِ خَلِيفَةً”، وقال: “أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَخْلِفَ فَخَلَقْتُ آدَمَ”، فهذا كله من ربي، فلا تحاربوا الله إن كنتم متقين. يفعل ما يريد، أأنتم تعجبون؟ وإني قبلتُ أني أذَلُّ الناس وأني أجهَل الناس كما هو في قلوبكم، ولكن كيف أردّ فضل أرحم الراحمين؟ وما تكلمتُ قبلا في هذا الباب، بل عندي شهادة من الآثار والكتاب، فهل أنتم تقبلون؟ أما ترون كيف بيّن الله وفاة المسيح، وصدّقه خيرُ الرسل بالتصريح، ورَدِفَهما تفسيرُ ابن عباس كما تعلمون؟ أيها الناس، ثم أنتم تنكرون وتتركون قول الله ورسوله ولا تخافون، وتُكِبّون على لفظ النـزول وتعلمون معناه من زُبر الأوّلين. وما قصّ الله عليكم قصّةً إلا وله مثالٌ ذُكر في صحف السابقين. فكيف الضلال وقد خلت لكم الأمثال؟ أتذرون سبل الحق متعمدين؟ وقال الله: ورزقكم في السماء، وأخبركم عن نزول الحديد واللباس والأنعام وكل ما هو تحتاجون إليه، وتعلمون أن هذه الأشياء لا تنـزل من السماء بل يحدث في الأرضين. فما كان إلا إشارة إلى نزول الأسباب المؤثرة من الحرارة والضوء والمطر والأهوية، فما لكم لا تتفكرون وتستعجلون؟ تعلمون ظاهر الأشياء وتنسون حقائقها وتمرون على آيات الله غافلين. وإن كنتم في شك من قولي فانتظروا مآل أمري وإني معكم من المنتظرين. وكم من علوم أخفاها الله ابتلاءً من عنده، فاعلموا أن السر مكنون، وما في يديكم إلا ظنون، فلا تكفروني لظنونكم يا معشر المنكرين. انتهُوا خيرًا لكم، وإني طبتُ نفسا عن كل ما تفعلون من الإيذاء والتحقير والتكذيب والتكفير، وما أشكو إلا إلى الله، بل لما بصرتُ بانقباضكم وتجلّى لي إعراضُكم، علمتُ أنه ابتلاء من ربي، فله العُتبى حتى يرضى، وهو أرحم الراحمين. فذكرتُ ربًا جليلاً، وصبرتُ صبرًا جميلاً، ولكنكم ما اهتديتم، وظلمتم واعتديتم، قال الله لا تَنَابَزُوا ، فنبَزْتم، وقال لا يَسْخَرْ قومٌ مِن قوم ، فسخرتم، وقال يا عيسى إني مُتَوَفِّيكَ ، فأنكرتم، وقال اجْتَنِبُوا كثيرًا مِنَ الظَّنِّ ، فظننتم وكفّرتموني ولعنتم، وقال لا تَجَسَّسُوا ، فتجسّستم، ثم صعّرتم وعبستم، وقال لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ، وقال وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ، فاغتبتم وكفّرتم، وما أراكم إلى هذا الحين منتهين. أنسيتم أَخْذَ الله وضغطةَ القبر، أو لكم براءة في الزبر، أو أُذِنَ لكم من الله رب العالمين؟

فكروا ثم فكروا، أتفتي قلوبُكم أن الله الذي يعينكم عند كل تردُّد هو أقوَى مثلَ هذا الزمان عن مجدد؟ وقد كنتم تستفتحون من قبل، فلما جاء نصر الله صرتم أول المعرضين. ولوَيتم عني عِذاركم، وأبديتم ازوراركم، وصرفتم عني المودة، وبدلتم بالبغض المحبة، وذاب حسن ظنكم واضمحلّ، ورحل حبكم وانسلّ، وصرتم أكبر المعادين. فلما رأيتُ أعراض التزوير وانتهاء الأمر إلى التكفير، علمتُ أن مخاطبتي بهذه الإخوان مجلبة للهوان، فوجهتُ وجهي إلى أعزّة العرب والمتفقهين. وإني أرى أنهم يقبلونني ويأتونني ويعظّمونني، فسرَّني مرأى هذه الوجوه المباركة، ودعاني التفاؤل بتلك الأقدام المبشرة إلى أن عمدت لتنميق بعض الرسائل في عربي مبين. فهمَمْتُ لنفع تلك الإخوان بأن أكتب لهم بعض أسرار العرفان، فألفتُ “التحفة” و”الحمامة”، و”نور الحق” و”الكرامة”، ورسالة “إتمام الحجة” وهذه “سِرّ الخلافة”، وفيها منافع للذين وردتُ منهم مورد الكافرين. وأرجو أن يغفر ربي لكل من يأتيـني كالمقـترفين المعتـرفين.

ألا تنظرون وما بقي مِن حُلل الدين إلا أطمارًا مخرَّقة، وما مِن قصره إلا أطلالا محرَّقة، وكُنا مُضغة للماضغين. أتعجبون مِن أن الله أدركَكم بفضله ومنّته، وما أضاحَكم عن ظل رحمته؟ أكانت لهذا الزمان حاجة إلى دجال، وما كانوا محتاجين إلى نصرة رب فعال؟ ما لكم كيف تخوضون؟ أين ذهبت قوة غور العقل وفهم النقل، وأين رحلت فراستكم، وأي آفة نزلت على بصيرتكم، أنكم لا تعرفون وجوه الصادقين والكاذبين؟ وقد لبثتُ فيكم عُمُرًا من قبله أفلا تعقلون؟ وإن رجلا يبذل قواه وكل ما رزقه الله وآتاه، لإعانة مذهب يرضاه، حتى يُحسب أنه أهله وذراه، وقد رأيتم مواساتي للإسلام، وبَذْلَ جهدي لملة خير الأنام، ثم لا تبصرون. وعرضتُ عليكم كل آية قُبُلاً، ثم لا تنظرون. وإني جئتكم لأُنجيكم من مكرٍ مُرمِض وروعٍ مُومِض، ثم أنتم لا تفكرون. وعزوتم إليّ ادعاء النبوة، وما خشيتم الله عند هذه الفرية، وما كنتم خائفين. ولا تفهمون مقالي، وتحسبون أُجاجًا زلالي، ولا تعقلون. وكيف يفهم الأسرار الإلهيـة مَن سدل ثوب الخيلاء، وعدل عن الحق بجذبات الشحـناء، ورضي بالجهـلات، ومال إلى الخزعبـلات، وأعرض عن الصراط كالعـمين؟

وتقولون إعراضا عن مقالتي، وإظهارًا لضلالتي، إن الملائكة ينـزلون إلى الأرض بأجسامهم ويُقْوُون أماكنَ مقامهم، ويتركون السماوات خالية، وربما تمرّ عليهم برهة من الزمان لا يرجعون إلى مكان، ولا تقرَبونه (1) لتمادي الوقت على وجه الأرض لإتمام مهمات نوع الإنسان، ويضيعون زمان السفر بالبطالة كما هو رأي شيخ البطالة؛ وإنه قال في هذا الباب مجملا، ولكن لزمه ذلك الفساد بداهة، فإن الذي محتاج إلى الحركة لإتمام الخطة، فلا شك أنه محتاج إلى صرف الزمان لقطع المسافة وإتمام العمل المطلوب من هذا السفر ذي الشأن، فالحاجة الأُولى توجب وجود حاجة ثانية، فهذا تصرُّفٌ في عقيدة إيمانية. ثم من المحتمل أن لا يفضُل وقت عن مقصود، ويبقى مقصود آخر كموءود؛ فانظر ما يلزم من المحذورات وذخيرةِ الخزعبلات، فكيف تخرجون من عقيدة إيمانية إلى التصرفات والتصريحات، وأنتم تعلمون أن وجود الملائكة من الإيمانيات، فنـزولهم يشابه نزول الله في جميع الصفات. أيقبل عقلٌ إيمانيٌّ أن تخلو السماوات عند نزول الملائكة ولا تبقى فيها شيء بعد هذه الرحلة؟ كأنّ صفوفها تقوضت، وأبوابها قُفلت، وشؤونها عُطّلت، وأمورها قُلّبت، وكل سماء ألقت ما فيها وتخلّـتْ. إن كان هذا هو الحق فأَخرِجـوا مِن نصٍّ إن كنـتم صـادقين. ولن تستطيـعوا أن تخرجـوا ولو متم، فتوبـوا واتقوا الله يـا مـعشر المعتدين.

اعلموا أن الدراية والرواية توأَمانِ، فمَن لا يراهما بنظر واحد فيقع في هوة الخسران، ويُضيع بضاعة العرفان، ثم بعد ذلك يُضيع حقيقة الإيمان ويلحق بالخاسرين. ومن خصائص ديننا أنه يجمع العقل مع النقل، والدراية مع الرواية، ولا يتركنا كالنائمين.

فنسأل الله تعالى أن يُعطيَنا حقائق الإيمان، ويُوطننا ثرى العرفان، ويرزقَنا مَرْأَى الجِنان بأنوار الجَنان، ويُمْطِيَنا قَرَا الإذعان، لنقتريَ قِرى مرضاة رب (2) الرحمن، ونتخيم بالحضرة ونسلَى عن الأوطان، ونُغلِّس غاديًا إلى مرضاة المولى، ونحفِد إلى ما هو أنسب وأولى، ونخترق في مسالك العرفان، وننصلت في سِكَكِ حُبِّ الرحمن، ونأوي إلى حصون وثيقة، ومَغانٍ أنيقة من صول الشياطين، باتباع النبيّ الأمّيّ خاتم النّبيّين. اللهم فصلِّ وسلِّمْ عليه إلى يوم الدّين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

————-

(1) هذا سهو الناسخ والصحيح “يقربونه”. (التقوى)
(2) هذا سهو الناسخ والصحيح “الرب”. (التقوى)
Share via
تابعونا على الفايس بوك