الحكمة من تسمية سورة الرعد
  • الرابط بين سورتي الرعد ويوسف
  • العقاب والرحمة/”المر” و “الر”
  • تسمية (الرعد) وفحوى السورة

__

 سـُورةُ   الرَعـدِ

مكية، وهيَ معَ البسملةِ أربعٌ وأربعونَ آيةً وستةُ ركوعَات

سورة الرعد مكية كلها، عند الحسن وعكرمة وابن جبير (ابن كثير). وأما عطاء فاعتبرها مكية ما عدا قوله تعالى ويقول الذين كفروا لست مرسَلاً . والبعض الآخر يستثنون قوله تعالى هو الذي يريكم البرق ….  وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . وقد استثنى قتادة قوله تعالى ولا يزال الذين كفروا… . وعن علي أيضاً أنها مكية.

ولكنها مدنية عند الكلبي ومقاتل وابن عباس والقاضي منذر بن سعد. وقال ابن عباس بأنها مدنية ما عدا قول الله ولو أن قرآنا ….لا يخلف الميعاد (البحر المحيط).

فالباحثون عامة يعتبرونها مكية، ويبدو أن البعض اعتبرها مدنية لوجود آيات فيها نزلت بالمدينة. واعلم أنه لا يوجد ضمن هذه الآراء أي قول لأي من أكابر الصحابة إلا سيدنا علي الذي يراها مكية. فثبت أنها مكية كما تشير إلى ذلك مواضيع السورة نفسها. مع العلم أن شهادة ابن عباس لا ترقى إلى مستوى شهادة سيدنا علي رضوان الله عليهم، لأن ابن عباس كان طفلاً في حياة النبي .

 الترابط

وعلاقة سورة الرعد بالسور التي قبلها هي أن الله تعالى قد بيّن في سورة يونس أنه يهدي الناس بطريقين: العقاب والرحمة. وركّز في سورة الرعد على بيان موضوع العقاب. ثم في سورة يوسف ألقى القرآن الضوء على موضوع الرحمة. أما في هذه السورة فقد بين كيف سيحقق للنبي   الرقي الذي نبأ به في السور الثلاث الماضية، وما هي التدابير التي سيتخذها الله تعالى لجعل دينه غالباً على الأمم الأخرى بما فيها قومه .

ملخص محتواها

إن الله تعالى يتخذ تدابير غير مرئية لإنجاز ما يريد لا يفطن لها الإنسان إلاّ عند ظهور نتائجها. ترون أن الأرض واحدة والماء واحد -فيما يبدو- ولكن الله يأتي بثمار مختلفة الألوان والأذواق باتخاذ تدابير غير مرئية. فلا تتعجبوا من نجاح هذا الرسول قائلين: كيف يمكن أن ينجح هذا الشخص وهو عديم الوسائل لتحقيق ما يقصده؟ ولا تستغربوا من بعثته، بل الحق أنه لولم يبعث بما جاءكم به لكان أدعى للعجب والاستغراب.

ثم بيّن الطريق التي تَتِمُّ بها غلبة النبي وهلاك الكفار، حيث أخبر أنه تعالى سينزع حمايته عن علية القوم وكبرائهم، وسيُذهب ريحهم وسيُدْخل أولادهم في الإسلام. ذلك أن النواميس الطبيعية تابعة لله تعالى، وسوف يسخّرها في تأييد رسوله الكريم ، أما آلهتهم التي يعبدونها فهي لا تملك أي سلطة ولا قوة في الحقيقة لذا لن تنصرهم شيئاً. إنه   قد زوّد هذا النبي بالقوى الروحانية التي يستطيع بها التغلب عليهم رغم كونه وحيدًا فريداً؛ شأنه شأن الرجل البصير الذي يتغلب على مائة ضرير.

إن تعاليمهم الوثنية لا تقوى على الصمود أمام تعليم التوحيد الذي أتى به نبينا. وكما أن الأحمق ينخدع بالزَبَد المتكون على مياه الفيضان أو الذي  يطفو على الذهب والفضة عند غليانهما، فيظن خطأً أن الزبد هو كل شيء، ولا يهتم بما تحته من ماء أو ذهب، كذلك لا ينظر أعداء النبي إلا إلى الزبد، فرحين به، غير مكترثين بحقيقة ما تحته، مع أن الزبد ذاهب ضائع لا محالة، ولا يبقى إلا الماء أو الذهب. كذلك لن تبقى عقائدهم السطحية الفاسدة إلى أمد طويل، وإنما سيكتب الخلود لما أتى به نبينا من تعليم حقيقي مفيد نافع، لأن تعليمه يتلاءم مع الفطرة الإنسانية، وسوف تقبله الطبائع تدريجيًا عندما تجد  فيه انسجامًا وتلاؤمًا، وعندما ترى الفارق الشاسع بين العاملين بتعليمه وبين الرافضين له.

كما قد أخبر تعالى في هذه السورة أنه سوف يُري العالم معجزات عظيمة بواسطة القرآن الكريم ويغزو بها القلوب. وستكون هذه الآيات ظاهرة وباطنة أيضًا. ومن الآيات الظاهرة أن أهل مكة سوف يطردون محمدًا من وطنه، فيتفاقم الأمر حتى يُشهروا السيوف ضده، فتقع في البداية اشتباكات صغيرة، لتتم لمحمد الغلبة تدريجيًا، وسوف تنتهي هذه الحروب بفتح مكة على يده في آخر المطاف. وجميع هذه المعجزات ستتم بحول الله وقدرته وليس بقوة محمد رسول الله . سوف يظهر الله تعالى صدق نبيه ويقيم دينه الحق بهجمات قوية، ومن أجل ذلك سُميت السورة بالرعد، وكأن هذه التسمية إشارة إلى أن السحاب الروحاني المثقل بالأمطار كان في انتظار هذا الرعد فقط، لكي يهطل غزيراً على الأرض الجدباء .

لقد طعن القسيس “وهيري” في هذه السورة قائلاً: إنها مليئة باعتذارات متكررة من محمد على عدم قدرته على إظهار المعجزات، فكان الأجدر أن تسمى سورة (المعاذير) بدلاً من (الرعد). (تفسير وهيري).

وأقول ردّاً على قوله: إنه قول باطل لأن السورة تحتوي على شتى الأنباء الإنذارية، بحيث كانت تسميتها بالرعد أمرًا منطقيًا وطبيعيًا للغاية.

في سورة يونس جاء في وصف “الكتاب” بأنه “الحكيم”، وفي سورة هود قال إنه قد “فصِّلت آياته”، وفي سورة يوسف وصفه بأنه “مبين”، وأما هنا في سورة الرعد فقد ذكر مجرد “الكتاب” دون ذكر أية صفة له. ذلك أنه تعالى قد جمع في سورة يونس بين الإنذار والتبشير، مبيناً أن”الحكيم” يعامل الناس بما يتلاءم مع الموقف. أما في سورة هود فقد ركّز الله على بيان سنته في العقاب ولذلك وصف الكتاب بأنه “فُصّلتْ آياته”، لأن التفصيل يشير إلى الفصل والتشتيت والتشريد. وأما في سورة يوسف فقد ركّز سبحانه فيها على أمرين: الأول: بيان الحكمة لتأخر غلبة الأنبياء، والثاني: التركيز على موضوع العفو والصلح، ولذلك وصف الكتاب بكلمة “مبين” التي تشير إلى موضوع بيان الأسباب والأعذار. أما سورة الرعد فإنها تبحث في الوسائل التي سوف تُتخذ لتحقيق الهدف، ولذلك ذكر فيها الكتاب دون أي وصف، وقد ذكر الكتاب هنا معرفاً بـ”ال” إما ليبيّن أنه الكتاب الكامل، أو فيه إشارة إلى السور الثلاث الماضية بأن الصفات المذكورة فيها سوف تنكشف في هذه السورة الآن بصورة كاملة.

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (2) (الآيتان 1و2)

شرح الكلمـات:

تلك آيات الكتاب: (راجع الآية رقم2 من سورة يونس).

رب: (راجع الآية رقم4 من سورة يونس).

التفسـير:

قوله تعالى المر : لقد استهلت السور الثلاث السابقة بمقطع الر ، وأما هذه فابتدأت بمقطع المر أي بزيادة “ميم” على المقطع السابق، وفي ذلك إشارة إلى أن موضوع هذه السورة يختلف بعض الشيء عن موضوع السور السالفة. وقد سبق أن ذكرنا في مستهل سورة يونس عند تفسير المقطعات القرآنية أن م تنوب عن (أعلم)، فالمراد من المر أنا الله أعلم وأرى، وكأن إضافة “م” إلى “ر” إشـارة إلى أن موضـوع هذه السـورة يدور حول العـلم والرؤيـة الإلهـيين.

سوف يظهر الله تعالى صدق نبيه ويقيم دينه الحق بهجمات قوية، ومن أجل ذلك سُميت السورة بالرعد، وكأن هذه التسمية إشارة إلى أن السحاب الروحاني المثقل بالأمطار كان في انتظار هذا الرعد فقط، لكي يهطل غزيراً على الأرض الجدباء.

واعلم أن الرؤية بالنسبة للإنسان تعني إدراكه بواسطة حاسة النظر لونَ الشيء  وطولَه وعرضَه. أما العلم فهو أوسع معنىً من الرؤية، فإنه يعني معرفته بما يمكن إدراكه بالعين وغيرها من الحواس من شم أو سمع أو لمس.

وهنا ينشأ سؤال: ما هو المراد إذن من رؤية الله وعلمه؟ الجواب: إن الله يعلم كل شيء دونما حاجة إلى العين أو غيرها من الحواس البشرية، وسواء عنده ما يُدرَك بالعين أو بالحواس الأخرى. وإنما ترد هذه الكلمات في حق الله على سبيل المجاز، تقريباً للمعنى ودلالةً على البون الشاسع بين الله وبين الإنسان فيما يتعلق بهذه القدرات. والمراد أن الله تعالى أكثر إدراكاً من الإنسان لما يراه الإنسان بالبصر، وأعلم منه أيضاً بما يدركه الإنسان بالحواس الأخرى سواء كانت هذه المدركات حسية أو باطنية.

أما قوله تعالى تلك آيات الكتاب فمعناه: أن ما نزل في هذه السورة أو في القرآن من آيات هو من ضمن الكتاب الموعود الذي لم تزل تنتظره عقول العالم كله، أو أنها جزء من ذلك الكتاب الكامل الذي قد سبق التنبؤ عنه منذ زمن سابق. وما دام الأمر هكذا فلن تستطيعوا معارضته ومقاومته. وهل يعقل أن يهمل الله اليوم ما أنبأ به على لسان أنبيائه على مرّ العصـور، أو هل يمكن أن تصمـد ادعاءاتهم إزاء كمـالات هذا الكـتاب ومحاسـنه.

ويعني قوله تعالى والذي أُنزلَ إليك من ربك الحقُّ أي أن ما ينبئ به هذا الكتاب لواقعٌ لا محالة، ولن تقدر قوة على الحيلولة دون وقوعه.

وتعني الآية ككل، أن الإنسان يصبو دائماً إلى المعرفة الصحيحة، ولكن المؤسف هو أن هؤلاء القوم عندما جاءهم الكتاب الذي يسمو عن كل شك وشبهة، أعرضوا عنه، مؤثِرين الشكوك على اليقين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك