إحياء الإسلام في ظل البعثة الثانية
التاريخ: 2010-04-09

إحياء الإسلام في ظل البعثة الثانية

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • مهمة المسيح إحياء الدين من الموت الروحاني وإثبات أفضلية الإسلام
  • التشديد على التوحيد والتركيز على الدعاء
  • تقديم جمال الإسلام بالموعظة الحسنة

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

لقد بيّنت لكم في الخطبة الماضية أن المهمة التي أنيطت بالمسيح الموعود هي إحياء الدين.. الدين الذي كان قد فقد عظمتَه بمرور الزمن وتعرض للفساد والانحطاط تماما تقريبا، ولم يعُد يُلحَظ صيتُه الذي أحرزه في العالم، بل صار عرضة للهجوم من كل طرف وصوب،  ففي هذا البلد بالذات مثلا بعد إحراز التقدُّم المادي الذي دام بضعة قرون قد أصابه انحطاط لدرجة قد قضي على المسلمين قضاء باتا وزال اسمه أيضا. وقد مارس الملوك المسيحيون القسوة والاعتداء على الذين حاولوا التمسك بالإسلام وأرادوا الحفاظ عليه حتى نصَّروهم قسرا، أو استصدروا منهم الاعتراف باعتناق المسيحية على أقل تقدير، وانقرض الإسلام من أجيالهم تدريجيا. أما من الناحية الروحانية فقد نشر المبشرون المسيحيون شرَكَهم المتين على أوسع نطاق وأوقعوا المسلمين في شِراكهم، ويمكن أن نقول بتعبير آخر إن المسلمين لضعفهم الروحاني كانوا يقعون في فخ المبشرين المسيحيين. وقد سقط مئات الألوف من المسلمين في حضن المسيحية حتى في الهند التي كانت تعتبر صرحَ الإسلام لوجود كثير من الأولياء هناك. فكانوا يقعون بأنفسهم في حضن الموت الروحاني. عندئذ هيأ الله الوسائل للبعثة الثانية للإسلام ببعثة سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني مسيحا موعودا وإماما مهديا، فمن خلال تلقي العلم من الله أثبت لأتباع جميع الأديان أن تعليم الإسلام الجميل الجذاب أفضل وأحسن من تعليم كل دين، ففنَّد دعاوى القساوسة بتفضيل المسيح على النبي محمد ، وجعل القساوسةَ الذين كانوا يعلنون أن المسيحية ستنتصر في الهند كلها وأنهم سيتمكنون من تنصير الهند بأكملها يلجأون للدفاع، بل قد هربوا من الميدان وبدأوا يوجِّهون أتباعهم ألا يخوضوا في أي حوار ديني مع المسلمين الأحمديين وإلا سيردونهم عن دينهم بإثبات أفضلية الإسلام على دينهم. وقد اعترف القساوسة أن محمدا أخذ يستعيد عظمته الأولى بسبب الإسلام الجديد الذي يقدّمه المسيح الموعود وتعليمَ الإسلام الذي يتكلم عنه حضرته. كان ما قدمه حضرته جديدا في نظرهم، أما في الحقيقة فهو الإسلام الحقيقي. فلم يكن الإسلام الذي قدَّمه سيدُنا المسيح الموعود جديدا – كما قلت – بل كان ظهورَ مشاهد إحياء الموتى تحقيقا لوعود الله ، أراها حضرتُه بعلم من الله وأثبت أفضلية الإسلام على المسيحية وسائر الديانات. فإن مهمة إحياء الموتى كما قلت في الخطبة الماضية منوطة بكل أحمدي اليوم. يجب أن تلفتوا انتباها خاصا لتغيير أوضاعكم الروحانية.

وأثبِتوا للعالم أن الإسلام ليس بحاجة إلى السيف لنشره تعليمه الجميل والخلاب، فهو نور ينوِّر قلب كل سعيد، وهذا هو التعليم السامي الرفيع الذي يرفع المستويات الأخلاقية باستمرار.

فكل فرد من أبناء الجماعة في إسبانيا بحاجة إلى أن ينتبه إلى بذل الجهود والمساعي على الصعيد العملي، يجب أن ينفُضوا كل مظاهر الكسل منتفعين بالأدلة والبراهين والكنوز العلمية والروحانية التي أعطاناها سيدنا المسيح الموعود لننشط في مساعينا الدعوية. وليتضح جليا أن أغلبية المسيحيين بشكل عام بعيدون عن الدين، لهذا ثمة حاجة لإقناعهم أولا بضرورة الدين واليقين بوجود الله ، وهذا كما قلت يقتضي التقدم في الروحانية وإحرازَ النماذج العملية، فتمس بنا الحاجة للتقدم في التقوى لأنه ما لم نتقدم في التقوى لا يمكن أن تكون مساعينا الدعوية مباركة. فمن أقدار الله أن الإسلام سيظهر على الأديان كلها إن شاء الله. فقد صدر القرار من الله أن الدين الحقيقي والحي هو الإسلام وحده، كما قد صدر الإعلان من الله أن إطاعة النبي وحدها تُكسب الإنسان حبَّ الله ، وإن الإقرار بوحدانية الله والعمل بمقتضاها فقط يشكل وسيلة للنجاة، فهذا هو الهدف الوحيد الذي بحاجة إلى الدعاء والسعي الدؤوب. وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجب علينا أن ننفذه على أنفسنا وننشر رسالة الإسلام لنجاة العالم. يقول سيدنا المسيح الموعود : إن الله تعالى يحب أن يجذب إلى التوحيد جميعَ الأرواح السعيدة القاطنة في مختلف بقاع الأرض؛ سواء في أوروبا أو في آسيا، ويجمعَ عباده على دين واحد، فهذه هي الغاية الإلهية التي بُعثت من أجل تحقيقها، فاسعوا جاهدين لتحقيق هذه الغاية المتوخاة برفق وبأخلاق نبيلة وبتركيز على الدعاء.

لقد عَهِد إلينا سيدُنا المسيح الموعود أن نعمل جاهدين لتحقيق الهدف الذي من أجله أُرسل حضرته مستغلين كل قوانا وقدراتنا.

إن أوروبا بل العالم كله في العصر الراهن متورط في الشرك باسم الدين، أو هم يرفضون وجود الله نهائيا، وأتحدث عن أوروبا لأنكم تسكنون فيها.

لقد أتى زمن كان فيه صوتُ “لا إله إلا الله” و”الله أكبر” يدوّي في أجواء هذا البلد. وإن وجودَ المساجد في المواضع المختلفة منه يعكس ذلك، وإن الكلمات المحفورة في الجدران في شتى الأماكن تعلن أن أجواء هذا البلد معطرة بعبير إعلان وحدانية الله. لكن المسلمين لانحطاطهم الروحاني جلبوا لهم من ناحيةٍ الذلةَ والهوان لعدم تمكنهم من الحفاظ على التوحيد وأسقطوا هذا البلد في حضن الثالوث من ناحية ثانية. والآن كما قد قال سيدنا المسيح الموعود قد اتخذ الله القرار أن يقيم العالم على التوحيد ويجذبهم إلى الدين الواحد، وقد أرسل في هذا الزمن سيدنا المسيح الموعود حسب سنة الله المستمرة من الأزل – في بعثة الأنبياء لنيل هذا الهدف – ووفَّقَنا بفضله الخاص ورحمته للانضمام إلى جماعته، لكن حضرته لم يعتبر انضمامنا إلى جماعته مبايعين الغاية المنشودة من حياتنا، بل قد قال: إن الغاية من بعثتي إرساءُ دعائم التوحيد وجمع الناس على دين واحد فاتبعوني، عندئذ يمكن أن يقال في حقكم إنكم نلتم الهدف من بعثتي، لكن ذلك يجب أن يكون بالرفق. وهنا تجدر الملاحظة أن الإنسان يتحلى بالرفق حين يملك الأدلة والبراهين، وإن معارضينا يستخدمون كلمات بذيئة وقاسية ويسبون ويمارسون الاعتداء والقسوة – كما تُستخدَم القوة ضدنا – لأنهم لا يملكون البراهين.

فإن سيدنا المسيح الموعود قد قال: لقد أشبعتكم أدلةً وبراهين من القرآن الكريم لدرجة لم تبق لكم حاجة للغضب، فاتخِذوا الرفق في حديثكم وحِواركم، وأثبِتوا للعالم أن الإسلام ليس بحاجة إلى السيف لنشره تعليمه الجميل والخلاب، فهو نور ينوِّر قلب كل سعيد، وهذا هو التعليم السامي الرفيع الذي يرفع المستويات الأخلاقية باستمرار. إذا كان الله يركز على الاهتمام بأداء حقوق الله فإن تعليم الإسلام يلفت انتباهنا إلى أداء حقوق الإنسان أيضا، أما سيدنا المسيح الموعود فقد لفت انتباهنا إلى أمر أساس؛ وهو أن هذا الاتّباع لا يُعدّ اتباعا حقيقيا ولن تتكلل جهودكم بالنجاح ما لم تُرووها بالدعاء وما لم تستعينوا بالدعاء لنجاحها، وإن الوسيلة الوحيدة لإقامة التوحيد وانتشار الدين الواحد هي تقدمُّكم في الروحانية، ولن تتمكنوا من التقدم الروحاني ما لم تنشئوا علاقتكم بالله بالتركيز على الدعاء.

وبدون إنشاء علاقة حية مع الله لا يمكنكم إنجاز العمل الذي هو أحب الأعمال إليه والذي تريدون أن تقوموا به لله ومن أجل الدعوة إليه. فلقد نبَّهَنا المسيح الموعود إلى هذه النقطة الأساسية أن نركز على الأدعية لأنه لا يمكن إحراز فوز حقيقي ولا نيل الهدف المنشود بدونها. وقال المسيح الموعود بصورة واضحة أننا لن ننال الفتح إلا بالأدعية. بالإضافة إلى ذلك نبَّهَنا إلى التبليغ أيضا. فإذا كان الدعاء يرافق السعي الدؤوب فلا بد أن يأتيا بالثمار المطلوبة. وبالإضافة إلى الدعاء لا بد من الاهتمام بتحسين حالاتكم العملية أيضا. وحيثما وجه الله تعالى المؤمنين إلى التبليغ نبههم إلى تحسين أعمالهم أيضا فقال:

  وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت 34)،

فقال الله تعالى إنّ من أحسن أقوالكم وكلامكم دعوتكم الناسَ إلى الله، وتقع جميع الأعمال الأخرى في الدرجة الثانوية. فاستخدموا كل ما في وسعكم واسعوا جاهدين لتكونوا من الذين يقومون بالدعوة إلى الله تعالى. ولا بد أن تنتبهوا إلى أعمالكم أيضا للدعوة إلى الله تعالى، فاعملوا الصالحات التي أمر الله بها. إن القرآن مليء بمئات الأحكام وأُمِر فيه المؤمن بالعمل ببعض هذه الأحكام كما نُهي عن بعضها. فالعمل الصالح هو قيام الإنسان بما أمر به الله تعالى وامتناعه عما نُهي عنه. وإذا حاسبنا أنفسنا وجدنا كثيرا من الحسنات التي نتجاهلها سواء كانت في الأمور العائلية اليومية أو في القضايا الاجتماعية أو في التقيد بنظام الجماعة وفي العبادات أيضا. فلا بد للداعي إلى الله أن يعرف أن الله تعالى قد ذكر شرطًا هاما له وهو أن يكون عاملا الصالحات، لأنه لو كان صالحا لدعا الناس إلى الصلاح والحسنات، وفي هذه الحالة يمكنه أن يدعو الآخرين قائلا إن مبعوثا من الله تعالى قد جاء لإصلاح هذا الزمان، وهو قد علّمني طرقا فزتُ باتباعها برضوان الله تعالى، أو يمكن له القول على الأقل بأنني أشعر بالسكينة والطمأنينة القلبية باتباع تلك الطرق وإن خطواتي تتقدم نحو الرقي المستمر، ولقد توجهت للعمل بهذا التعليم من أجل تحسين حياتي الدنيوية والآخرة، فتعالوا واسمعوا ما أقول، فكما أحاول أن أكون من المسلمين الحقيقين يمكنكم أيضا أن تقبلوا هذا الدين وتسعوا من أجل تحسين دنياكم وعقباكم. وهذا الأمر ضروري للداعي إلى الله، بل هو ضروري لكل أحمدي سواء كان نشيطا في التبليغ أم لا، لأنه إذا كان المجتمع والناس حوله يعرفون أنه أحمدي فلا بد أن يتذكر أنه حتى لو لزم الصمت ولم يبلّغ فإنه بمجرد اقتران اسمه بالأحمدية أصبح داعيا إلى الله. أتلقى في بعض الأحيان رسائل من مسلمين غير أحمديين وحتى من غير مسلمين أيضا يقولون فيها: سمعنا كثيرا عن صلاح جماعتكم، وتدّعون أيضا أنكم أحسن إسلاما بين المسلمين كلهم إلا أن فلانا من الأحمديين قد خدعني فأرجو أن تجبره على أن يدفع لي حقي، فإن عمل أحمديٍّ واحدٍ سبَّبَ تشويه الجماعة كلها. يعرف الله تعالى الفطرةَ الإنسانية حق المعرفة، ولا يمكن لغيره أن يعرف مخلوقه كمعرفته هو بهم، لأنه خلقهم، لذلك عندما قال:

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ

فقد أردف بقوله تعالى إن الداعي إلى الله يجب أن يسعى جاهدًا للأعمال الصالحة أيضا ويعلن: إنني من المسلمين أو أحاول أن أكون من المسلمين، فلست مسلما أحمديا بالاسم فقط، بل أبذل قصارى جهدي من أجل العمل بأحكام الله تعالى، ولا يمكن أن يكون المسلم مسلمًا حقيقيا ما لم يتوجه إلى أداء حقوق الله تعالى وحقوق عباده. يجب أن تتذكروا أن هناك علاقة وطيدة بين أن يكون العبد مسلمًا وبين العبادة. وقال المسيح الموعود إن المسلم هو من يؤمن باستجابة الدعاء ويواظب على التبرعات. فلما دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام – عند رفعهما قواعد البيت – لبعثة نبي عظيم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فإنهما قد أسلفا بالدعاء لهما ولذريتهما أيضا قائلين:

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا (البقرة 129)،

فلا يمكن أن يتحقق بدون الدعاء ذلك الهدف الذي يبعث الأنبياء لأجله والذي جاء لأجله أيضا الإنسان الكامل وأول المسلمين النبي الكريم .

وبدون إنشاء علاقة حية مع الله لا يمكنكم إنجاز العمل الذي هو أحب الأعمال إليه والذي تريدون أن تقوموا به لله ومن أجل الدعوة إليه.

لا يفهم الإنسان كتاب الله وحكمته ما لم يتحلّ بتزكية النفس وطهارتها، ولا تتأتى التزكية ما لم يعلم الإنسان أساليب عبادة الله تعالى وما لم يرشده الله تعالى ويعلمه طرق العبادة التي تُقبل لديه. نحن الأحمديين سعداء إذ آمنا بالنبي الكريم الذي علمنا طرق العبادة التي هي مقبولة لدى الله تعالى. ثم من سعادتنا أيضا أننا – لنيل قرب الله تعالى – وُفقنا للإيمان بالخادم الصادق للنبي الذي نبهنا إلى الأدعية والعبادة مرة بعد أخرى، ووضح لنا أنه لا بد لكم أن تتلقوا علوما من أجل الدعوة إلى الله كما ينبغي أن تحرصوا على تصويب جهة أعمالكم أيضا، واعملوها على النحو الذي أمر به الله تعالى، وفوق كل ذلك يجب أن تركزوا على الأدعية والعبادة. فعلى كل من يعتبر نفسه أحمديا وينتسب إلى المسيح الموعود أن يصلح أعماله لأنه محطّ أنظار الناس، فلو لم يكن داعيا نشطا لقلة علمه ومعرفته فإن أفعاله وأقواله وأعماله فحسب تلفت انتباه الآخرين. فإذا كانت أعماله صالحة فلا بد أن ينجذب الناس إليه متأثرين بصلاحه وحسناته. ولكن إذا لم تكن له أعمال صالحة فلا بد أن يحاول أتباع الشيطان السيطرة عليه من أجل تحقيق أهدافهم، ويجعلونه يتورط في أعمال غير لائقة. لقد انتشر مثل هؤلاء الناس في كل مكان في الوقت الحاضر ويحاولون أن يستحوذوا على الناس ليستغلوهم في تحقيق مآربهم وأهدافهم السيئة. وإذا صار الأحمدي ألعوبة في أيديهم فسيقع في السيئات وبالتالي يشوه سمعة الجماعة.

لا يفهم الإنسان كتاب الله وحكمته ما لم يتحلّ بتزكية النفس وطهارتها، ولا تتأتى التزكية ما لم يعلم الإنسان أساليب عبادة الله تعالى وما لم يرشده الله تعالى ويعلمه طرق العبادة التي تُقبل لديه.

بالإضافة إلى ذلك ربما قلت لكم في الخطاب السابق أن جميع الأحمديين الباكستانيين الذين هاجروا إلى هذه البلاد إنما تمكنوا من ذلك بصفتهم أحمديين بشكل عام. لذلك فعليهم – إلى جانب كسبهم الدنيا – أن يوفروا على الأقل يوما واحدا أسبوعيا للدعوة إلى الله. فلو نشط أفراد الجماعة القاطنين في هذه البلاد البالغ عددهم بضع مئات لازدادت سرعة التبليغ أضعافا. فلو كانت هناك برامج تبليغ على مستوى الجماعة وعلى مستوى المؤسسات الفرعية للجماعة فلا بد أن تصبح الجماعة معروفة في نطاق محدد على الأقل، إن لم تكن في نطاق واسع من هذا المجتمع. وكما قلت لكم إن سكان هذه البلاد في هذه الأيام لا يرون ضرورة للدين وعدد كبير منهم لا يؤمن بوجود الله تعالى. فلا بد أن يتم التبليغ نظرًا إلى معتقد كل فئة. لا شك أن غالبية سكان هذه البلاد – رغم بعدها عن الدين – تخضع للمسيحية الكاثوليكية، وبسبب خضوعهم للمسيحية وممارسة الظلم والإكراه لتنصير المسلمين عبر القرون لا تزال تُحكى في بعض العائلات والقبائل تلك القصص مما يجعلهم ينفرون من الإسلام فلا يريدون حتى السماع عنه، فإما إنهم أصبحوا منقطعين عن الدين أو يخافون.

أما الآن فقد بدأ الناس في البلد يُظهرون قلقهم واضطرابهم بالنسبة إلى المسيحية. وقد أخبرني الدكتور “منصور إلهي” أن احتفالا سيقام في مدينة “فالنسيا” بمناسبة مرور 400 عام على حدث ما وسيعترفون فيه أن الخطة المدروسة والمذبحة التي نفّذوها على نطاق واسع لاستئصال المسملين كان تصرفا خاطئا تماما، وعلينا أن نعتذر عليه. فلمزيد من الإثارة لهذا الشعور – الذي يظهر للعيان في الوقت الراهن – يجب أن يكون لدينا كتب ونقوم بمساعٍ تبشيرية ونُطلعهم على تعليم الإسلام الجميل المحتوي على الحب والأخوة المتبادلة الذي يعلِّّم احترام الأديان الأخرى. ويجب أن نشرح لهم أن ما حدث بهذا الصدد كان ظلما. وهذا الأسلوب سيكون سببا للتعريف بالإسلام. فلا حاجة للمساس بالمسيحية، بل علينا أن نقدم لهم جمال الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يتعرف على الإسلام أكبر عدد ممكن من الناس. ثم يمكن أن تخبروهم أن هذه هي الصورة الصحيحة للإسلام التي قدمها المسيح الموعود في هذا العصر، وهو الكفيل اليوم بنجاة الدنيا.

إن الله تعالى هو الذي قد خلق هذه الظروف وقد هيأ لنا الآن فرصة – حيث وُكِّلنا بمهمة تبليغ الإسلام في الدنيا – لننتهزها على أحسن وجه ونسعى لاستعادة مجد الإسلام الغابر في هذا البلد. وهذا لن يتم ما لم يشعر كل أحمدي يسكن هنا أن الدعوة إلى الله مسؤولية تقع عليه. فيجب ألا تطمئنوا بالقول إن الناس غافلون عن الدين أو لا يريدون أن يسمعوا رسالة الإسلام بسبب تأثير الكاثوليك فيهم. هل كان لأحد أن يفكر قبل 40، أو 50، أو 60 عاما أنه يمكن أن يُسمح للمسلمين أن يبشِّروا في هذا البلد بحرية، أو سنتمكن من إنشاء المسجد هنا؟ أو هل كان ليخطر ببال أحد أن هؤلاء القوم سيندمون على مظالمهم التي صبُّوها على المسلمين، أو يظهرون ندمهم ويميلون إلى الاعتذار على ذلك.

فهذا فعل الله الذي حين يريد أن تنال الأرواح السعيدة توفيقا لمعرفة الحق يُجري الرياح لتميل القلوبُ من تلقائها. فإن إمالة القلوب بيد الله، وأما التبليغ فهو من مسؤولية جماعات الأنبياء. فمن هذا المنطلق علينا أن نبحث عن طرق جديدة للتبليغ نظرا إلى الظروف السائدة في البلاد التي نقطنها. إن تخطيط المبلغين مشروعا تبشيريا يقتصر على يوم أو يومين في الأسبوع أو بضعة أيام في السنة لا يكفي لتبليغ الدعوة بل هناك حاجة لتخطيط أوسع وبشجاعة أكثر، وهناك حاجة لتحديد الهدف أننا سنبلّغ دعوة الجماعة إلى واحد بالمئة أو اثنين بالمئة على الأقل من سكان البلد في العام الواحد مثلا. والبلاد التي تعمل على هذا المشروع وبهذه الطريقة تظهر فيها نتائج مشجعة وناجحة بفضل الله تعالى. ولهذا الغرض يجب أن يتكاتف المبشرون ونظام الجماعة والمنظمات الفرعية كلها ويعملوا بالتعاون المتبادل. هذا ما كلَّف الله به الأنبياء، وهذا ما كُلِّف به سيدنا رسول الله ، وكذلك المسيح الموعود أي ليس عليك إلا البلاغ. يقول الله تعالى:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ (الشورى: 49)

فهذه مسؤولية كل واحد من الأحمديين ولا بد أن يؤدوها في كل الأحوال وفي كل بلد. فعلى سكان هذا البلد أن يؤدوا هذه المسؤولية في بلدهم. ولا حاجة لتوزيع كتب ضخمة لهذا الغرض، بل يمكنكم أن تطبعوا ورقة أو ورقتين محتويتين على تعريف وجيز بالجماعة وعنوان أيم تي أيه وعنوان موقعنا مثلا في الإنترنت. والذين لديهم رغبة في الموضوع يتنبهون إليه بأنفسهم. كذلك يجب على الأحمديين الساكنين في مناطق مختلفة أن يصلوا إلى أناس معروفين في مناطقهم. فلو جرت الأمور على مسارها الصحيح منذ البداية وبحسب توجيهات المركز لكان بالإمكان أن يتعرف الناس على الجماعة إلى الآن بسبب مسجد “البشارة” وحده الذي مضى على بنائه 28 عاما. لو كانت علاقات الجماعة قائمة على خير ما يرام لكانت العرقلة التي تعرضنا لها في مشروع بناء المسجد في مدينة “فالَنسيا” قد زالت منذ البداية. في بعض الأحيان بدلا من أن يفكر الإخوة في تخطيط طويل الأمد ويقيموا علاقات مستديمة لا يبدأون بالتفكير وبذل المساعي إلا حين تعترض العراقيل سبيلهم. إذن فهناك حاجة إلى إحداث التغيير في طريقة التفكير.

فإذا جاءت بعض الوفود إلى هنا لزيارة المسجد – الذي يعود تاريخه إلى 28 عاما – فهذا لا يعَدُّ نجاحا، وهذا لا يعني أنكم أنجزتم مهمة كبيرة أو كسبتم معركة عظيمة. لا تتوفر عندكم حتى كتب  الجماعة بكمية مطلوبة. الدنيا تتوق اليوم أن تسمع أو تقول شيئا حول أمن العالم والأوضاع الاقتصادية السائدة. من المعلوم أن فكرة الجهاد باسم الإسلام قد شوهت صورة الإسلام كثيرا، فيرغب الناس في أن يسمعوا شيئا حول فكرة الجهاد أيضا. فلا بد من إعداد الكتب من هذا المنطلق وتوفير الترجمة باللغة المحلية.

لقد قلت من قبل أنه يجب أن تخرجوا من المدن الكبيرة وتتوجهوا إلى المدن الصغيرة والقرى وتعقدوا فيها جلسات ومؤتمرات. أولاً يجب أن تتعرفوا جيدا على الناس هناك ثم تدعوا زعماء الأديان المختلفة أن يبينوا محاسن أديانهم في جلسة مثلا. ولهذا الغرض يمكن أن تحددوا مواضيع مختلفة. إذا كان السكرتير للتبشير والتبليغ نشيطا وكان نظام الجماعة أيضا نشيطا فيمكن أن تستأجروا قاعات لهذا الغرض. فهناك عدة طرق لنيل هذا الهدف، فلو تنشط المبشرون والمنظمات الفرعية لأمكن إنجاز عمل كثير، ولكن هناك تكاسل يلاحَظ في جميع الجوانب، ولا نستطيع أن ندّعي بأننا أدينا حق التبليغ. هناك كثير من الزوار يأتون إلى هنا، فيمكنكم أن تعِدّوا لهم كتبا بصورة جذابة وتقدموها لهم. صحيح أن بعضهم قد لا يقبلونها وبعضهم سيرمونها بعد مسافة وجيزة ولكن لا بد أن يكون هناك عدد منهم سيقرأها أيضا. فما علينا إلا أن نقوم بأداء مسؤولياتنا بأحسن وجه. ولكن لو جلسنا عاطلين ظنًّا منا أننا لا نتلقى استجابة جيدة فلا يقول الله تعالى بأنكم لو قمتم بتبليغ الرسالة ستتلقون استجابة مشجعة دائما بل يقول:

  إنك لا تهدي من أحببتَ ولكن الله يهدي من يشاء .

إذن، من ناحية هناك اضطراب النبي لإصلاح الدنيا ولكن الله تعالى يقول استجابة لأدعيته إن الهداية في يد الله يهدي من يشاء ولكن الذين لا يملكون فطرة طيبة لا يهتدون. فما عليكم إلا تبليغ الرسالة والتركيز على الدعاء، فاستمروا في ذلك وركِّزوا على الأدعية، فكيف يمكن أن نقول: إن كل جهودنا ستُكلَّل بالنجاح لا محالة؟ إذ إن مَهَمَّتكم إتمام الحجة فقط فأنجزوها، ثم ركِّزوا على الدعاء. نسأل الله أن يسترنا ويغض الطرف عن قصورنا وضَعفِنا، وهذه الأدعية يجب أن ندعو الله تعالى بها. إذا كانت جهودنا ومساعينا في الاتجاه الصحيح فإن تكلّلَها بالنجاح من عمل الله. فلا بد من التأسي بالأسوة التي قدمها لنا رسول الله في الدعاء وبذْل المساعي، هنا أريد أن ألفت انتباهكم إلى أمر آخر هو أن الأولاد الواقفين الجدد الذين قد تربى عدد منهم في هذا الجو والمحيط وهم يتقنون اللغة الإسبانية، وهم بلغوا سن المراهقة ينبغي أن يتقدموا للدراسة في الجامعة الأحمدية لكي نستطيع سد النقص في الدعاة المتقنين لِلغة الإسبانية هنا وفي بلاد العالم الأخرى حيث اللغة الإسبانية. ولكي نتمكن من إيصال الرسالة كما يجب، أو نسعى لذلك على أقل تقدير.

يقول سيدنا المسيح الموعود : نحن بحاجة إلى أناس ينجزون شيئا على أرض الواقع ولا يدّعون باللسان فقط، لأن ادّعاء العلم باللسان لا يجدي شيئا، يجب أن يكونوا قد تخلَّوا نهائيا من كل نخوة وكبر.

ثم يقول حضرته : إن نشر الدعوة بحاجة إلى الجولات والزيارات، لكن ذلك يتطلب أناسا يقفون حياتهم لهذا الغرض وفي هذا السبيل. كان صحابة النبي أيضا يتوجهون إلى البلاد النائية لنشر الإسلام.

ثم يقول حضرته حول نشر الدعوة في أوروبا وغيرها:

لا بد أن يتوجه إلى هذه البلاد أولئك الذين يعرفون لغة أهلها حق المعرفة ولديهم اطلاع كاف على أساليب بيانهم وأفكارهم.

فإن الساكنين ههنا أدرى بهذه الأمور من غيرهم. لقد وفق الله تعالى كثيرًا من الوالديْن نذر أولادهم استجابةً لمشروع “وقف نو” فلا بد لهم الآن أن يربّوهم على هذا النحو منذ طفولتهم بحيث يقدم هؤلاء أنفسهم للدراسة في الجامعة الأحمدية ويتعلموا لغة هذه البلاد وأسلوب حياتها. إن برنامج الدعوة إلى الله في الجماعة ليس برنامجا يستمر بضع سنوات، ولا يقتصر حتى على عشر سنوات بل سيبقى مستمرا إلى الأبد، فلا بد أن توضع – بعد التفكير العميق – برامج وخطط لمدى بعيد أيضا إلى جانب البرامج الطارئة والمؤقتة للدعوة إلى الله، وبعد القيام بكل هذا يمكننا أن نكون من الساعين لأداء حق التبليغ. فلا بد من السعي لنيل هذا الهدف بكل إخلاص، ولا بد من ملء حياتنا بالتقوى. يجب ألا يقتصر اهتمام المسؤولين على مناصبهم بل يجب أن يعرفوا الهدف الحقيقي الذي أعطى الله لهم فرصة الخدمة لتحقيقه. يقول المسيح الموعود :

من مقتضى خشية الله تعالى أن يعرف الإنسان إلى أي مدى يطابق قوله فعله… إن القلب غير الطاهر لا يساوي في نظر الله تعالى شيئا مهما كان قول صاحبه طاهرًا…. يجب أن تفهم جماعتي أنهم قد أتوا إليّ حتى يتم زرع البذرة التي تنمو فتصبح شجرة مثمرة. فلا بد أن يفكر كل واحد حتى يعرف ما بداخله ويدرك حالته الباطنية.

فإن إمالة القلوب بيد الله، وأما التبليغ فهو من مسؤولية جماعات الأنبياء. فمن هذا المنطلق علينا أن نبحث طرقا جديدة للتبليغ نظرا إلى الظروف السائدة في بلاد نقطنها.

قال حضرته: “حتى يتم زرع البذرة”، فإن البذرة تُزرع لتأتي بالثمار. وهناك صورتان ليثمر كل أحمدي؛ إحداهما بإحداث التغيير في حالته وثانيهما من خلال تثبيت أقدام ذريته على الأحمدية وجعلهم يتمسكون بالتقوى، ثم بتبليغه الناس ونشر التعاليم الرائعة والجميلة للإسلام في العالم كله. فإنها شجرة واحدة فحسب إلا أنها تحمل ثمارًا متعددة الأنواع، الأمر الذي يجب أن يفكر فيه كل أحمدي.

وفقنا الله تعالى للعمل بتعاليمه، وألا يكون هناك تعارض بين أقوالنا وأفعالنا، وأن نكون خاضعين أمامه تعالى دوما ونستعين به ونسعى لنيل رضاه، وأن نوفق لأداء مهمة التبليغ التي عُهدت إلينا بواسطة مبعوث هذا الزمان، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك