رماد.. وأشياء أخرى
  • البراكين ..عواقبها السلبية والإيجابية
  • النظر إلى هذه الظواهر بإيجابية فهي آيات تجعلنا ندرك وحدانية الله ورعايته لخلقه، وتفتح أمامنا سبل الرقي.

__

ما بين عامي 943 و 1783 ميلادي غطى الرماد البركاني قارة أوربا ولم يُعِرْ الناس اهتماما لذلك الحدث في حين أنه اليوم يهز الاقتصاد الأوربي بشكل مخيف حيث امتلأت السماء بقطع شبيهة بالزجاج يمكنها إغلاق محركات الطائرات، وهي قاتل حقيقي لأنها تمزق النسيج الرئوي شر تمزيق! هذا الغبار المميت الناتج عن الرماد البركاني لم تطلقه الأسلحة المتطورة التي بذل الانسان المليارات لانتاجها بل جاء عن طريق تلامس بسيط لسطحين الأول هو صهير بركاني تبلغ حرارته 1200 درجة مئوية والسطح الآخر هو الماء الذي تقترب درجة حرارته من التجمد..هكذا بمنتهى البساطة يساهم تلامس سطحين في إيقاف قاطرة اقتصاد عملاق وشل حركة الطيران ودخول شركات عتبة الافلاس حيث يكلف توقف الحركات الجوية لشركات مثل الخطوط الجوية البريطانية (بريتيش إيروايز) ولوفتهانزا حوالي 16.4 مليون دولار في اليوم.

هناك الكثير من الذين لا يحبذون ربط الظواهر الكونية والجغرافية والمناخية بمفاهيم دينية لأنهم يعتقدون أن في هذا اجحاف بحق ما يسمونه (أمنا – الطبيعة) و أنا لا أستطيع أن أوافقهم لأن الطبيعة ليست أمي بل لي اعتقاد بوجود اله قادر وضع ضوابط بالغة الدقة ووضع للكون سننًا ثابتة وربط ذلك كله بمصير الإنسان.قد يستطيع الطالب الذي يدرس في المرحلة الإعدادية الربط بين ظاهرة تلامس السطحين المذكورة آنفا،  وما نتج عنها من خسائر فادحة ويستنتج أن الانسان ضعيف ومغرق في الضعف مهما علا شأنه بوجود إله منظم مقتدر. لكن من يتابع تعليقات القراء العرب والمسلمين تحديدا في المواقع الإلكترونية تعقيبا على ما حدث يفاجئ باللغة المتعنتة والتي لا تخلو من التشفي والتي تبادر فورا بتهديد (الكفار) بأن يوم القيامة قد أزف لوجود ظاهرة الرماد البركاني وتبدأ بجلب الآيات القرآنية لتأييد فكرتها (الفوقية).الحقيقة أنني بعد حدوث ظاهرة الرماد البركاني شرعت في البحث عن الأشياء الأخرى التي يمكنها أن تربط ما بين حدوث هذه الظاهرة قديما وحدوثها اليوم،  وقد وجدت معلومات مثيرة حيث أكد باحثون بيئيون أن الرماد البركاني يسهم في إكمال السلسلة الغذائية للكائنات البحرية ويكافح الاحتباس الحراري بشكل غير مباشر، وأنه يعد بمثابة سمادٍ للمحيطات إذ يساعد الكائنات البحرية الدقيقة المسماة بالعوالق على النمو لتصبح غذاءً للحيوانات البحرية الكبرى.وأفاد العالم كين جونسون أن30 % من المحيطات تفتقر إلى الحديد الذي يسبب انخفاض معدلاته تراجعاً في نمو النباتات البحرية، مشيراً إلى أن انتشار الرماد البركاني المكون من قطع الزجاج الغني بالحديد والعناصر المعدنية يرفع مستوى الحديد وبالتالي تزداد العوالق نمواً وهذا يعني وفرة غذائية تضاف إلى سلسلة الغذاء التي تعيش عليها الحيوانات البحرية.وتعمل العوالق النباتية على سحب غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو لإنتاج الطاقة ونظراً لأنه من الغازات المسببة للاحتباس الحراري فإن عملية سحبه تقلل من هذه الظاهرة.وأظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة جيولوجي أن الرماد الناجم عن أكثر براكين إيسلندا نشاطا رفع نسبة الفوسفات والحديد والماغنسيوم في المحيط بسرعة كبيرة وقد بدا ذلك واضحا على الحياة النباتية.قد تدلنا هذه المعلومات على الأشياء الأخرى التي ننساها في ظل حدوث ظواهر مفاجئة وتتلخص تلك الأشياء في ضرورة أن ندرك أن الله رؤوف رحيم أولا وأنه يرعى هذا الكون بطريقة أبوية وليس بطريقة انتقامية فهو ينشئ الشئ ويعمل على تنشئته النشأة الصحيحة ومن ثم يرتقي به حالاً بعد حال حتى يصل به مرحلة الكمال وفي كل مرحلة يكون أمام المتلقي فرصة التقدم والتراجع بحرية قل نظيرها في عالمنا الأرضي.لقد جرت سنته أن يرينا في محيطنا وأنفسنا قدراته وفتح لنا طريق الترقي دون حدود وألزم ذاته بأن يكون يدنا وعيننا وحتى رجلنا في حال أخلصنا النية له وأحببناه لذاته دون شريك آخر.أتمنى أن لا ننسى هذه الأشياء الأخرى عند حدوث كل ظاهرة جديدة وأن نكون مبشرين لا منفرين وأن نعامل الناس كما يحب الله لا كما يحبون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك