مع هموم مالك الحزين

مع هموم مالك الحزين

محمد نعيم الجابي

 

سائق الموت

”وهنا التفت إلي مالك وقال بحماس: أين هذه المعاني من تلك المفاهيم المشوهة التي يحملها أمثال ذلك السائق؟

(ركبت الحافلة وأنا أتمتم بألفاظ البسملة وأخذت الحافلة طريقها بسرعة جعلتني أتمتم بألفاظ المعوذات وبسرعة امتدت يداي لتشد على المقعد بقوة وأنا أحاول تجنب النظر إلى الأمام. كان السائق يسير بسرعة فائقة وهو يحاول إنهاء رحلته بسرعة كي يبدأ أخرى مما سيزيد من دخله اليومي.

بعد برهة قليلة وجدت نفسي على الأرض عندما ضغط السائق على الفرامل بقوة كي يتفادى إحدى السيارات المارة، وعندما وقفت الحافلة تمامًا رجعت إلى مقعدي وأنا أصرخ بالسائق أن يخفف من سرعته، ولكنه التفت إلي ونهرني وهو يقول: إذا لم تعجبك طريقي في القيادة يمكنك أن تستقل حافلة أخرى!!

مالك: كدت تقتلنا جميعًا!..

السائق: لستُ السبب بل هو سائق السيارة الأخرى، ثم إن المكتوب على الجبين لابد أن تراه العين!! وإن كان مقدرًا لنا أن نموت جميعًا فلن تستطيع أنت أن تمنع ذلك!

مالك: ولماذا لا يكون السبب في موتنا طريقتك الجنونية في القيادة؟

السائق: استغفر الله يا رجل.. قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. ألا تقرأ القرآن؟!)

وقف مالك الحزين عن الكلام برهة مما جعلني أحثه على المتابعة، ولكنه رمقني بنظرات انكسار مما جعلني أدرك أنه احتار في الجواب وخرج من معمعة الحافلة خاسرًا…

وما كان مني إلا أن خففت عنه وأخبرته أن الآية التي تفوه بها السائق لا تؤدي المعنى الذي يعتقد الكثيرون أنه مبدأ التسيير الذي ترسخ في أذهان العامة. فالآية مأخوذة من سورة التوبة التي تحض المؤمنين على مجاهدة المشركين وقتالهم حيث يبدأ هذا الحض من قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قيلَ لَكُمْ انفِروا في سَبيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنيا مِن الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إلا قَلِيلٌ *…* إلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا في الْغَار إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِه لا تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ * انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ في سَبيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة: 43-51)

ومن ثم نلاحظ سبحانه يندد بالمنافقين وعرقلتهم سبل الجهاد خشية عواقبه فيقول تعالى:

لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (التوبة: 42-50)

“هي المعاني ذاتها التي آمن بها رسول الله ومن معه واليوم يعيدها إلى الأذهان خادمه الأمين مجدد آخر الزمان الإمام المهدي عليه السلام”.

فيمكنك أن تلاحظ هنا أن المنافقين لا يميزون بين غزو الجاهلية والجهاد في الإسلام وذلك لضعف إيمانهم بالله والرسول. ويظنون أن الأمر مجرد ربح وخسارة غافلين عن صلة الجهاد في الإسلام بوعود الله عز وجل وأقداره الخاصة التي قضاها بحق رسله وأنبيائه الكرام ومن تبعهم من المؤمنين، وكأنه جل شأنه ينبه أذهان هؤلاء إلى الفرق الكائن بين الغزو والجهاد وإلى أن النصر معقود إلى جانب محمد ومن كان معه من المجاهدين. وكأنه تعالى يشير هنا إلى قانونه القدري الخاص الذي تضمنه قوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وكأنه سبحانه وتعالى يتوجه بالخطاب إلى رسوله الكريم ليرد على المنافقين ويقول: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أما ما يقوله هذا السائق يتعارض مع القاعدة الأصلية العامة التي أبرزها القرآن الكريم: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وهنا التفت إليَّ مالك وقال بحماس: أين هذه المعاني من تلك الأفكار المشوهة التي يحملها أمثال ذلك السائق؟

فأجبته على الفور: هي المعاني ذاتها التي آمن بها رسول الله ومن معه واليوم يعيدها إلى الأذهان خادمه الأمين مجدد آخر الزمان الإمام المهدي عليه السلام.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك