التقوى منكم وإليكم

التقوى منكم وإليكم

أهمية أسئلة الصغار ودور الكبار في الردِّ عليها

يمثِّل الكلام، اللعب والمودّة ركائز ثلاثة لتغذية الطفل ذهنيا وتساعد في نموّه النفساني والجسماني.

ويخوِّل للأبوين أن يتخذا من هذا المثلث دليلاً إرشاديًا يساعدهما على تنمية قدرات الطفل عبر مراحل نموه المختلفة.

يكتشف الطفل محيطه الممتلئ بالأشخاص والأشياء بالنظر.. كما يوثِّق صلته بوالدته من خلال نظراتها الحنونة واحتضانها الدافئ، فيشعر بالأمان مما يؤدي إلى توازن نفسيته.

فبالرغم من أنّه صغير ولا يفهم الكلام فإنه يُدرك أهمية حديث الأم والأب معه، فيردّ عليهما مُحدِثًا أصواتًا جميلة. ويوحي إليهما: أنا معكما فاستمِرَّا.. فمهما كان الطفل صغيرًا يساعد الحديث معه على التجاوب مع الآخرين. وعدم إهمال الردِّ عليه يقوّي ثقته بنفسه. وعلى الأبوين أخذ الحيطة لعيوبِ النُطق عند الطفل وعدمُ السرور بالطريقة الخاطئة في النطق وعلاجُها مُبكِّرًا.

كما يمنح اللعب حريّة اكتشاف محيطه ويعلِّمه المشاركة والاندماج في المجتمع ويكسبه الثقة بالنفس. ويعتبر اللعب ضرورة تربوية وعنصر أساسي لنمو الطفل ذهنيًّا.

وليس من الضروري اقتناء لعبات باهظة الثمن، فوظيفة اللعبة هي الأساس. وعلى سبيل المثال الورق والأواني الفارغة يمكن أن تكون لعبة تنمي بعض مهارات الطفل. ويعتبر اختيار اللعبة المناسبة أمرًا هامًا إذ يجب الأخذ في الحسبان ملاءمة اللعبة لسنِّ الطفل وعدم خطورة مكوناتها وأجزائها وصلاحيتها لمشاركة أكثر من طفل في اللعب بها.

ويعتبر الأبوان المركز الأول لتعليم الطفل أبجديات العلاقات الاجتماعية والإنسانيّة، لذلك يجب أن ينتقلا في تربيته تدريجيًّا من التدليل إلى التأديب حتى يدرك الطفل جوانب الآداب ومكارم الأخلاق. وقد يلجأ بعض الآباء إلى العنف في تربية أطفالهم مما يدلُّ على فشلهم الذريع للوصول إلى عقليّة الطفل وجعل شخصيّتهم قدوةً له. ولا يصلح العنف في التربية بل يزيد سلوك الطفل حدةً واشمئِزازًا.

والمثير للدهشة في علاقة الآباء بأطفالهم هو أنه عندما يتمكن الأطفال من الإجابة عن أسئلة الآباء بطريقة تلقائيّة وذكيّة تبعث هذه الإجابة الفرحة والسرور في نفس الآباء ويعتبرون أطفالهم قد اكتسبوا القدر الكافي من المعرفة بالحقائق ولديهم زادٌ وافر من المعلومات. وعلى عكس ذلك نجد أنّ الآباء عادةً ما يقابلون أسئلة الأطفال بدون اهتمام ولا اكتراث، أو الإجابة عنها بطريقة ساذجة. ويُطرَح في هذا المقام سؤال نفسه: لماذا يهمل الكبار أسئلة الصغار؟ هنالك عدة أسباب وراء هذه الظاهرة.. منها أنّ الكبار يشعرون بغرابة أسئلة الصغار أو يجدونها تافهةً وغير جادة، وبالتالي لا يعيرونها أي اهتمام. ونستنتج من هذا أنّ الكبار يحرمون الصغار من التساؤل ولا يؤدون واجبهم نحوهم، ويجهلون أنّ الأطفال يطرحون أحيانًا أسئلة ساذجة نابعة من رغبةٍ صادقة في المعرفة أو اكتشاف العالَم المحيط بهم.. هذا بالإضافة إلى الهدف النفسي الملِحّ وهو الرغبة عند الطفل في الحصول على توازنه النفسي بعد التوتر الذي أصابه من جرَّاء هذا الموقف.

ويعجز الكبار على الردِّ عن أسئلة الصغار خاصةً عندما يكون السؤال مرتبطًا بالمحرَّمات الاجتماعيّة والأخلاقيّة لا يسمح لهم بتناول هذه القضايا في سنٍّ معينة.. وهذه الحيرة ما هي إلا مشكلة الكبار وليست مشكلة الصغار!!

ولو أدرك الآباء الأهميّة البالغة لأسئلة صغارهم والدور النفساني الهام الذي تلعبه في تكوينتهم النفسيّة لما شجَّعوا أطفالهم على إلقاء أسئلةٍ عدة.

وعلى الوالدين التحلِّي بالصدق في إجابتهم عن أسئلة الأطفال، والالتزام بالدقَّة العلميّة الموضوعيّة وبِلُغةٍ سهلةٍ وبسيطة. ويساعد الصدق الطفلَ على الثقة والتخلُّص من التوتّرات التي قد يعاني منها، وعادةً ما يُلقي الطفل أسئلةً عن أسباب حياته ومقوِّماتها ويجب أن لا يُعتبر شيء غريبًا أو شاذًا. وقد يشعر طفل بالقلق والخوف بسبب مولد أخ فيسأل من أين يأتي الأطفال؟ ولا يمكن حلَّ المشكلة بمجرَّد الإجابة العلميّة، وذلك أنّه في حاجةٍ إلى معالجة الدافع الأساسي وهو إحساسه بعدم الاستقرار وخوفه أن يفقد اهتمام الأسرة به. وينصح علماء النفس الآباء أن يُعطوا الأطفال أجوبةً مقنعة تحتوي على حقائق موضوعيّة وعلميّة بدون الخوض في التفاصيل. وبفضل الله يحتوي القرآن الكريم على أجوبة شافيةً ولكن يجب على الآباء عرض ما بيّنه القرآن الكريم بطريقةٍ يستوعبها الطفل مع المحافظة على حدود الآداب والأخلاق..

إنّ حرمان الطفل من حقِّ إلقاء الأسئلة ومن حقِّ الاستمتاع بالإجابة عنها إن دلَّ على شيء فإنّما يدلُّ على أنّ التربية الاجتماعيّة للوالدين لا تؤدي الدور المطلوب ولا تحقِّق أهدافها. وفي مثل هذه الحالة تعمل على تدمير عقل وشخصيّة الطفل وتقف في طريق نموّه وتمنعه من التعايش مع مكونات مجتمعه.

كيف يمكن لنا أن نتصوَّر اكتشاف الطفل لِذاتِه وفهمه لمجتمعه وشعوره بالانتماء إليه دون أن ينفتح عقله وقلبه بالإجابات عن أسئلته العديدة وعن كل ما يدور في خاطره من تساؤلات مهما كانت بسيطة.

مساهمة الصديق: م. ع. م (تونس)

Share via
تابعونا على الفايس بوك