شجرة غرسها الله بيده

شجرة غرسها الله بيده

نصير أحمد قمر

إن النبوة نعمة عظيمة من نعماء الله عز وجل تُنزّل حين يضل معظم الناس عن الصراط المستقيم وتراهم يتيهون في الظلمات. فهي نور الله تعالى يظهره ليخرج الناس من هذه الظلمات، ولكي ينقذهم من وقوعهم في الحُفَر والخنادق التي أعدها الشيطان للسائرين في الظلام.

إنّ الانحراف عن الصدق والعدل بتأثير مغريات الدنيا والتعصّبات الدنيوية، والسير في طرق الكذب والظلم، هي ظلمات يتعرّض لها مكذّبو النبوة، وأفظعها “الشرك” الذي يبعث الله الأنبياء لينجّي الناس منه. والشرك أمّ الظلمات وأصل كل منكر. فعندما وجد الله الدهر مظلما في هذا العصر، والناس غارقين في بحر الغفلة والكفر والشرك، بعث الإمام المهدي والمسيح الموعود تابعا كاملا لسيدنا محمد وفيوضه الروحية وفق نبوءاته الصادقة، ليعيد الإيمان من “الثريا” ويثبّت دعائم الصدق العلمي والعملي والأخلاقي والإيماني في العالم مرة أخرى. فقال حضرته:

“إنّ الله تعالى قد بعثني إلى الدنيا لأجتذب الغواة إلى هداية الله الطاهرة بالحلم والرفق والأخلاق الحسنة ولأهديهم إلى سواء السبيل بذلك النور الذي أعطيت إيّاه”.

وبمجيء سيدنا الإمام المهدي، نشبت حرب عالمية بين الظلمة والنور وكانت النتيجة أن نوره لا يزال ينتشر في العالم أجمع، وفق وعود الله الصادقة، وحُجب الظلمات تنقشع يوما بعد يوم. وإن هذا الجهاد العظيم لمستمّر، بحيث إن شمس الأحمدية كل يوم تطلع على أفق جديد وترتفع أكثر فأكثر. أمّا أولياء الطاغوت فتراهم يعمهون لكونهم غير قادرين على تحمّل بريق هذه الشمس الساطعة، ويبذلون قصارى جهدهم ليخفوا هذا النور السماوي بحجب كذبهم وافترائهم ولكن بلا جدوى.

وكتب المدير المسؤول لمجلة “الصراط المستقيم” الصادرة من برمنغهام (بريطانيا)، في افتتاحية عدد شهري آب وأيلول 1995، يقول:

“من ذا الذي يجهل فتنة القاديانية في هذا العصر؟ فإن التأثيرات السامة لهذه الشجرة التي غرسها الإنجليز، بدأت تحاصر المسلمين وغير المسلمين بالرغم من المساعي المكثفة للأمة الإسلامية كلها لمواجهتها”.

فعلى الرغم من اعترافه بفشل مساعيهم تلك، فإنه لم يمتنع عن الافتراء على الجماعة الإسلامية الأحمدية واتهامها. وخلال انفعاله المفزوع اليائس قال كلاما يعارض فيه وحدانية الله تعالى. ومن المثير للعجب -حسب ظنه- أنّ من ينتصر فتتوسّع أرضه وينتصر بالرغم من محاولات الأمة الإسلامية لهزمه، هو صُنع الإنجليز، ومن ينهزم باستمرار تُنسب هزيمته إليه تعالى.

هل يمكن تصوّر إساءة الأدب لله فوق هذه الإساءة؟ أربّ الأمة الإسلامية(؟) أضعف من الإنجليز إلى درجة أنه يشاهد أن الشجرة التي غرسها الإنجليز، تزدهر وتثمر، وكل مساعي الأمة الإسلامية لاقتلاعها تذهب أدراج الرياح، ولا يحرّك ساكنا وهو الذي قد وعدَ في كلامه المجيد:

 وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين (الروم:48)

فهل تراجع -والعياذ بالله- عن وعوده فبات ينصر عدوّهم الإنجليز والمسيحيين متخلّيا عن نصر المسلمين؟

ونذكر بهذا الصدد تعريبا لبيت شعر لسيدنا الإمام المهدي:

(ليس من الغريب جدّا أنّ الله بات يؤيد الكافرين وهو الذي كان من شأنه نصر المؤمنين.)

والأمر الواقع هو أنّ ظلمة الجهل، وعاصفة الظن السوء، نزعت الإيمان من صدورهم، فهي أخبلتهم وأعمتهم حتى باتوا لا يرون شيئا، ولا يشعرون بمدى وقاحتهم فيما يلمزون الله تعالى في معارضتهم للأحمدية. فلا يؤمنون بالله ولا يقدّرون صفاته العظيمة حق قدرها. هو الطاهر والأعلى، لا يكون نصير الكاذبين. وهو صادق الوعد وولي الصادقين وناصرهم دائما.

أما الأمة الإسلامية -التي يسرد المدير الآنف الذكر فشل جهودها المستميتة- فإنها مسلمة اليوم بالاسم فقط وفقًا لما قال الرسول ، وابتعدت عن الإسلام وحقيقته. لذلك لم تعد جديرة بوعود الله تعالى لنصرها. فالأجدر بهم أن يكفّوا عن خرق الأدب في حضرة الله تعالى، وألا يتجاسروا على الله الذي له الأسماء الحسنى.

بل يجب أن تختبروا أعمالهم وأخلاقهم ثم يدخلوا تائبين، منيبين إلى الله، في جماعته التي تتمتع اليوم بنصرته وتأييداته. وهي تلك الجماعة التي آمنت بالإمام المهدي فصارت “الجماعة” والتي يد الله فوقها، وهي تتقدم وتتقدّم بعون الله وتأييده، في طريق غلبة الإسلام بسرعة فائقة، في العالم بأسره.

فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية ليست شجرة غرسها الإنجليز، ولا أي إنسان آخر، بل هي شجرة مزدهرة غرسها الله بيده. ألا ترون أنّ أرضكم تتناقص يوما بعد يوم، وأن أرض الأحمدية تتوسع وتزداد؟ أفأنتم غالبون إذن؟ كلا والله لا! بل سيغلبن من تكون يد الله القادر والقاهر فوق رأسه، وهو الذي لن يغلبه أحد. ألا! إن هذه اليد اليوم فوق رأس الجماعة الأحمدية.

يقول سيدنا المسيح الموعود عليه السلام: “الدنيا لا تعرفني ولكنّ الذي أرسلني هو يعرفني حق المعرفة. وإنه لمن خطأ هؤلاء وشقائهم، أنهم يريدون هلاكي. ألآ! إنني تلك الشجرة التي غرسها الله بيده ….

أيها الناس كونوا على ثقة أنّ معي يدًا لن تهجرني حتى آخر لحظة في حياتي. ولو اتّحدتم في الدعاء لطلب هلاكي، رجالا، ونساءً، وشبابًا، وشيوخًا، وصغارًا وكبارًا، حتى تهترئ أنوفكم من كثرة السجود، وشُلّت أياديكم، فلن يتقبّل الله دعواتكم، ولن يتوقف حتى يتم عمله. فلا تظلموا أنفسكم. إن للكاذبين وجوها وللصادقين وجوها أخرى. إن الله لا يترك أمرا دون الفصل فيه…

فهو سيحكم الآن أيضًا، كما حكم يومًا بين المرسلين الصادقين وبين المكذبين، قبل هذا. إنّ لمجيء المرسلين مواسم، ولرحيلهم مواسم أخرى. فاعلموا! أنني لم آت في غير وقت مجيئي، ولن أذهب في غير وقت ذهابي. لا تحاربوا الله. فإنه ليس بوسعكم أن تهلكوني”. (تحفة غولرويه: الخزائن الروحانية ج 17 ص 49،50).

Share via
تابعونا على الفايس بوك