بين الاختلاف والخلاف في ظل التفكير والإبداع

بين الاختلاف والخلاف في ظل التفكير والإبداع

التحرير

  • حرية العقيدة وحرية التفكير والإبداع
  • إجماع العلماء وإغلاق الباب أمام التفكير
  • الاختلاف لا يعني النزاع
  • الشك طريق اليقين

__

إن الدراسة المستفيضة لتاريخ الإسلام على امتداد أربعة عشر قرنا المنصرمة تُبرز أن الإنجازات العلمية التي توصل لها المسلمون خصوصا في القرون الأولى كانت نتيجة مباشرة لحث وتأكيد الدين الحنيف على استخدام الملكات العقلية في البحث العلمي وفي المجال الديني على حد سواء. فالعرب الذين لم يكن لهم أي صيت ولا مكانة على ساحة العالم المعروف آنذاك نراهم وفي فترة زمنية وجيزة تصدروا زعامة العالم على مستويات عديدة. ومن أهم المقومات التي لعبت الدور الرئيس هي حرية العقيدة التي نص عليها الدين الحنيف ووضع لها ضوابط وأسسًا ترعاها وتحافظ عليها على مدى حياة الإنسانية. وفي واقع الأمر إن حرية المعتقد هي أساس كل حرية يصبو إليها الإنسان لاسيما حرية التفكير التي ضمن الإسلام لها الانتعاش في كنف إطار ديني متسامح فتح أبواب الإبداع على مصرعيه. فما كان للعالم  المتحضر اليوم أن يصل إلى ما  هو عليه من تقدم ورقي في المجال العلمي بدون الأسس العلمية التي وضعها المسلمون.

الاختلاف لا يحمل معنى المنازعة، وإنما المراد منه أن تختلف الوسيلة مع كون الهدف واحدًا، وهو مغاير للخلاف الذي ينطوي على معنى الشقاق والنزاع والتباين في الرأي دون دليل.

ولكن للأسف الشديد نرى أن أكبر عائق عطل آليات التفكير هو ما عُرف بإجماع العلماء الذي أغلق باب التفكير والاجتهاد في قضايا جوهرية عدة، وبالتالي أصاب التفكير الديني بالشلل وجعله عقيما لا أمل منه ولا فيه. حدث كل هذا خلافا لما وصى به النبي الكريم حيث شجع وحث على التفكير وطرْح الأبحاث بطريقة منطقية في ظل حوار نزيه يسوده احترام الرأي الآخر وتقبل النقد بصدر رحب.. حوار أساسه تقوى الله فقال : “اختلاف أمتي رحمة.” وبالفعل فإن الاختلاف في الرأي في ظل الظروف المذكورة آنفا يفتح أبوابًا كثيرة للتأمل ويفسح مجالات التقدم لأنه يقدم المصلحة العامة على الخاصة علاوة على أن أهم مقوماته تقوى الله عز وجل. ولكن حالات الفوضى التي شهدتها الأمور على مر العصور كانت نتيجة مباشرة لعدم التقيد بهذا المبدأ وبالتالي أدى الاختلاف إلى الخلاف وكما لا يخفى على أحد فإن الاختلاف لا يحمل معنى المنازعة، وإنما المراد منه أن تختلف الوسيلة مع كون الهدف واحدًا، وهو مغاير للخلاف الذي ينطوي على معنى الشقاق والنـزاع والتباين في الرأي دون دليل. وفي ظل هذه الظروف ظهر الشقاق والتمزق وكثرت الأحزاب والفرق وحق فيهم قول الله تعالى:

  فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ .

ظهرت هذه المآسي في غياب وعي ديني مستوحى من صميم الدين وذلك نتيجة مباشرة لتعطيل رجل الدين لآليات التفكير لدى عامة الناس وخاصتها حيث أصبح هو المرجعية الأخيرة في الفصل في القضايا. فتارة يقول بأمر على أنه إجماع أي لا يُسمح بمناقشته بل يتوجب قبوله مبهما كما هو، وتارة أخرى يكفر كل من اختلف معه في الرأي.

إن حالة الفوضى أو إن صح التعبير الفزعة التي تخبطت فيها الأمة لقرون طويلة تُعتبر مرحلة انتقالية ضرورية. فما أن أيقن الجيل الجديد الذي يقيس الأمور بمنظار عقلاني أن المعارف الدينية المتداولة على الساحة لا تُلامس الفهم العقلاني المعاصر، بالإضافة إلى أنها تحتوي على غث وسمين لما فيها من خرافات وخزعبلات بات يبحث عن فهم بديل يتماشى مع المقاييس العلمية التي هي أساس تفكيره. وبالتالي حرر نفسه من قبضة رجل الدين ومن براثن الانتماءات الطائفية وسلك مسلك أحد المجددين “الشك طريق اليقين”.. شكَّ في ما هو متداول وموروث وعَرَضه على العقل وقاسه بمقياس اليقين ثم خرَّ ساجدا طالبا العون والهداية من رب العزة فما ضل سعيه وما كان من الخاسرين بل هداه الله ووضع يده في يد مُحيي الدين الخادم الكامل لسيد المرسلين فأصبح من خدام الدين متحليا بعين اليقين.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك