أفبنعمة الله يجحدون..!!

أفبنعمة الله يجحدون..!!

التحرير

كثيرة هي تلك النعم التي وهبها الله الخلق كافة برحمانيته وهي من جميل إحساناته عز وجل التي عمّت كل شيء في الوجود وإنها لا تُعّد ولا تُحصى لقوله تعالى:

(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) (النحل: 20).

ما أعظمها من نعمٍ ظاهرة وباطنة، تلهج بها ألسُن العابدين حمداً وشكراً لله، وهي تتوارى عن أعين الجاحدين نُكرانا وكُفرا.

وما أكثر هذه النعم في الحياة التي لو أمعن فيها الإنسان لاهتدى إلى خالقه وشكره عليها.. لكن الغفلة والهوى تعمي البصائر عن إدراك المُنعم والتقرب إليه، ففي عصرنا هذا الذي غزا فيه حب الدنيا الدنية الأفئدة والقلوب، وتباعدت فيه الخُطى نحو الرب المعبود، لم يعد كثير من الناس يُقدرون نعم المُنعم فتراهم يتجاهلونها ويرجعون الفضل إلى مداركهم العقلية وجهودهم المادية، وينسون فضل ذلك الإله المحسن الكريم:

(..ثم إذا خوَّلناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون* قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون* فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين* أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) (الزمر: 50-53)

إن تمادي الإنسان المعاصر في الكفران بنعم الله أفقده الإحساس بوجودها، مما أوقعه في نكبات ومآس شملت مختلف نواحي حياته الاجتماعية والاقتصادية والروحية، فأنى له أن يجد علاجاً لأسقامه على الرغم من نعمة تقدمه في المجال الطبي الذي لا يُحفِّزه لمساعدة المرضى من بني جنسه! وأنى له أن يساعد أخاه الإنسان ونعمة الغنى لا تحفّزه للوقوف إلى جانب الفقراء والمحتاجين!.. وما أبعده عن نعمة العلوم والمعارف التي لا تحفّزه لتعليم غيره من الراقدين في وَحْل الجهل والتخلف.. أبهذه الطريقة يشكر الإنسان الله عز وجل على نعمه:

(يعرفون نعمة الله ثم يُنكرونها وأكثرهم الكافرون) (النحل: 84).

ومما لا شك فيه أن هذه المواقف تجر على الإنسان خطر الإيذان بالعذاب والمعاناة حيث قال تعالى:

(لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) (إبراهيم: 8)

فإذا كان عصرنا يتسم بهذه المواصفات فلا حرج من أن نصفه بعصر الدهرية والإلحاد كنتيجة مباشرة لفقدان الإحساس بنعم الله، مما يعني بالبداهة فقدان الإيمان به سبحانه وتعالى كربّ مُنعمٍ مستحق للعبادة.. وعندما يُخِلُّ الإنسان بواجب شكر الله، يخلّ تلقائياً بواجب الإيمان..

فالشرائع السماوية ورسالات الأنبياء هي نعمة روحية أنزلها الله لصالح البشر إلى جانب النعم المادية، حيث كانت الغاية أن يتعرف الإنسان على تلك الذات الكاملة المستحقة للشكر والعبادة من خلال ما وُفر له من رخاء مادي وروحي لاستمرار حياته والمحافظة على نوعه..

لا شك فيه أن هذه النعم الروحانية في الإسلام لا تُنال بالأماني والأحلام بل إنها تصبح حقيقة حين تتحول الأقوال إلى الأفعال..

ولكن التاريخ يُخبرنا كيف قُوبل من حملوا تلك النعمة الأبدية من هدي وشرائع بالتكذيب من قبل الجاحدين الذين فضّلوا الباطل على الحق، وآثروا بأهوائهم وغشاوة أعينهم الثَّرى على الثُّريا.. وقد دوّنت الكتب والأسفار الدينية ذلك، وصدّقها القرآن الكريم باعتباره خاتم الكتب السماوية، كبيان وإعلام عما يلاقيه حَمَلَةُ نَعْماء الله من تكذيب واستهزاء بنعم الرسالة التي يحملونها، وذلك بوصف بليغ يثير المشاعر ويهزّ أوتار القلوب.. والغريب أن النبوة وهي النعمة الجليلة القدر التي يهبها الله لمن يشاء من البشر كأسمى المراتب الروحانية، إلا أنها لم تسْلَم من طعن الطاعنين والساخرين على مدى التاريخ.. قال تعالى:

(يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) (يس: 31)

فالإسلام دين الفطرة الإنسانية وهو نعمة عظيمة ارتضاها الله للعالمين، وهو مجمع البحار الروحانية كلها، وهو نعمة بدونه لا يمكن للبشرية أن تسلك طريقها نحو الله، قال تعالى:

(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة: 4).

ما أعظم هذا الدين الذي يحث أتباعه على المضي قُدُماً حتى يصيروا من الذين نالوا ذلك الحظ العظيم من نعم الله تعالى، وأن لا يرضوا بسافل الدرجات، بل يطلبوا ما حصل عليه أولو النعم من عباد الله بما يفسح القلوب إلى ارتقاء غير محدود! وقد علّم الله المسلمين ذلك الدعاء المبارك في سورة الفاتحة، ليذكّرهم ويشجعهم على ابتغاء الآمال الحافلة بالنعم المقدسة (اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين). والحق أن الديانات السابقة لم تلقن معتنقيها أن يطلبوا هذا المرام كونها لم تبلغ منتهى الرقي والكمال، إلا أن الدين الكامل الذي جاء به الإنسان الكامل محمد المصطفى قد تميز عنها وانفرد بهذا المرام.. ومما لا شك فيه أن هذه النعم الروحانية في الإسلام لا تُنال بالأماني والأحلام بل إنها تصبح حقيقة حين تتحول الأقوال إلى الأفعال.. ليتم في النفوس والقلوب معنى شكر الله، وذلك بالثناء عليه سبحانه وتعالى بوصفه المُنعم، والعمل بطاعته وطاعة رسوله طاعة كاملة، قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) (النساء: 70). فالأسف كل الأسف أنه بالرغم من أن الله قد فتح هذا الباب على مصراعيه لأهل الإسلام إلا أن اليأس قد عمّ في زماننا معظم المسلمين ممن لم يؤمنوا بالإمام المهدي والمسيح الموعود لاعتقادهم أن الإسلام محروم من هذه الفيوض السماوية، وأنها حصرٌ على من كان قبلهم من أمم الأنبياء والمرسلين!!؟ حتى بلغ التمادي بهم في الإنكار إلى تكفير من قال بخلاف قولهم واعتبروه مارقاً عن الدين.

إن أمتنا ولا ريب هي خير الأمم كما أخبر الله ورسوله، بما جعل الله في هديها وشرعها من فيوض نعم روحانية عظمى. وقد يتحسر كل مسلم إلى حال المسلمين البائس في هذا الزمان، ويرى بأم الأعين كيف خُرِبَتْ المنارات وكُسِّرت الأعمدة، وشُرِّد أبناء الأمة وتَنَصَّرَ أولادها!! فأي حال هذا الذي بلغ إليه المسلمون على أيدي العلماء الذين يزعمون أنهم يهدون الناس إلى سبيل الرشاد!؟ وأين أفضال الله عليهم وبركاته لو كانوا على النَّهج القويم، والصراط المستقيم؟، أم أنهم أصبحوا كحال مَن سبقهم الذين أخبر القرآن عنهم:

(ألم ترى إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) (إبراهيم: 29)

أما نحن معشر المسلمين الأحمديين فشغلُنا الشاغل هو شكر الله وحمده على نعماء الإسلام، الذي أحياه الإمام المهدي والمسيح الموعود بأمر من الله بعد أن أصيبت دوحةُ الدين الحنيف بجفاف روحاني خطير، فرأينا من الأنسب تذكير الأمة لعلها بنعمة الله لا تجحد، وعن الرقي الروحاني لا تقعد لقوله تعالى:

(ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً* وإذاً لآتيناهم من لدُنا أجراً عظيماً* ولَهَدَيناهم صراطاً مستقيماً) (النساء: 67-69).

اللهم صلِّ على من جعلته خاتماً للنبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك