مخدرات عصر المعلومات

مخدرات عصر المعلومات

التحرير

  • ما وجه الشبه والاختلاف بين السموم بنوعيها، العقاقيرية والفكرية؟
  • الإنترنت سكين ذو حدين، كيف؟!
  • دور الخلافة الراشدة الأحمدية في إبراز خطورة السموم الفكرية.

__

في مقال منشور في مجلة التقوى تحت عنوان «إدمان سلوكي وسموم فكرِية»، كنا افتتحنا به عدد يوليو/ تموز من العام الماضي، تناولنا فيه بشيء من الإجمال الوجه القبيح لما يُسمى «وسائل التواصل الاجتماعي»، وصرحنا عبر سطور المقال الافتتاحي بميلنا إلى تسميتها «وسائل التباعد الاجتماعي»، لا سيما بعد أن أكدت أبحاث المتخصصين النفسيين وخبراء علم النفس الاجتماعي مضار تلك الوسائل التي قد تصل إلى حد الإدمان، بما يماثل تمامًا في تأثيره السلبي تأثير إدمان العقاقير المخدرة.

ولن نبتعد كثيرًا في هذه الافتتاحية عن تلك الفكرة، فإذا كان من الإدمان ما ليس بتناول العقاقير، وإنما بالدأب على عادات ما، كذلك هناك من السموم ما ليس بعقار، وإنما عادات وأفكار. وهذه العبارة هي لب افتتاحيتنا لهذا الشهر. وقد رأينا أن نفتتح عدد يونيو 2020 بهذا الربط مع نظيره في عدد يوليو 2019، لسببين اثنين، أولهما تجدد المناسبة المتمثلة في عكوف أغلب الناس على وسائل التواصل الافتراضية بسبب تداعيات الحجر الصحي بعد أزمة كورونا. وثانيهما أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تشجع على تعاطي المخدرات وتداول السموم «الفكرية» بشكل غير مباشر. الإنترنت يخدمنا بطرق عديدة، نعم، لكنه غالبًا ما يكون سيفا ذا حدين. حيث أصبحت تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي هي المؤثر الأساسي في هذا العصر، فهي تلعب دوراً حاسماً في بناء مواقف الشباب بل والمسنين أيضًا في جميع أنحاء العالم. إن صور تعاطي المخدرات والأخبار واسعة الانتشار عن المشاهير الذين يحترمهم الشباب بصفتهم قدوة يحتذون بها، تشجع الشباب على تبني طرق العالم الجديد بشكل سلبي للغاية.. إذ يقدم الإنترنت ثروة من المعلومات من قبيل أين وكيف وبأي سعر يمكن للمرء الحصول على مجموعة متنوعة من الأدوية! والمراهقون والشباب هم أكثر عرضة لمثل هذه الضغوط.

والسموم الفكرية ليست بأقل خطرًا من السموم المادية، بل إنها أدهى وأمر، فبينما تقتل السموم المادية الأفراد، تُهلك السموم الروحانية والفكرية الأسر والمجتمعات. هذه الدقيقة المعرفية طالما أومأ إليها سيدنا المسيح الموعود .

كم من فكرة كانت مورد هلاك مبتدعها ومتبعها! فلا يظنن ظان أن الإنسان يقتله فقط سمّ يتجرعه، بل من الأهواء ما هو سم أيضا.

إن السموم بمختلف أنواعها انتشرت في العالم. ومن السموم غوائل الآراء وهذا ما ساهمت به شبكة الإنترنت بالرغم من أنها تفيض بالصفحات البناءة والمواقع المفيدة للدين والدنيا، ولكن علينا ألا ننسى في خضم هذه الوفرة الهائلة للمعلومات ما تخفيه بين طياتها من آفات.

وبما أن نعمة هذا العصر متمثلة في إتاحة المعلومات على نطاق واسع، فكذلك نرى أن نقمته في المعلومات أيضًا، فكيف هذا يا ترى؟!

وطالما صرح سيدنا أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز أن من السموم ما هو عقائدي، ينمو نمو الجراثيم السامة في بيئات الأفكار القذرة، تمامًا كما تنمو وتتكاثر الجراثيم المجهرية في بيئة الهواء الفاسد. والسموم الفكرية ليست بأقل خطرًا من السموم المادية، بل إنها أدهى وأمر، فبينما تقتل السموم المادية الأفراد، تُهلك السموم الروحانية والفكرية الأسر والمجتمعات. هذه الدقيقة المعرفية طالما أومأ إليها سيدنا المسيح الموعود الذي هو مبعوث العناية الإلهية لشفاء الإنسانية من أسقامها الروحانية في هذا العصر، وهو نفسه القائل:

وَقَدِ اقْتَضَتْ زَفْرَاتُ مَرْضَى مَقْدَمِي

فَـحَـضَـرْتُ حَمَّـالاً كُـؤُوسَ شِفَــاءِ

إذًا تتلخص مهمة المسيح الموعود في إعادة الإيمان المفقود، وتعليمنا دقائق التقوى، فيندرج تحتها أيضا تصحيح الآراء الفاسدة التي تودي بمن يبتدعها ومن يتبعها. وكم أفنتْ الآراء المسمومة أمما! وكم مزقت شعوبا! وعلى رأس قائمة تلك الآراء والأفكار الفاسدة ذلك القول الباطل بالحرفية في تناول الوحي الإلهي وسائر النصوص المقدسة لدى كافة الأمم والشعوب.

وفي هذا العدد تتاح لقارئ التقوى الكريم فرصة الإمعان في مواد مقالية وثيقة العلاقة بموضوع هذه الافتتاحية، بدءا من الخطاب التربوي الذي ألقاه حضرة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) بمناسبة الجلسة السنوية المنعقدة في الرابع إلى السادس من أكتوبر 2019 في فرنسا، والذي تناول فيه مسؤولية المرأة كأم في حماية بيتها وأولادها خصوصا من مشكلات تعصف بالجيل الناشئ، أبرزها السقوط في هوة الإدمان، ليس في المجتمعات المنفتحة فحسب بل في مجتمعاتنا العربية الإسلامية أيضًا، ثم نعرض مواد مقالية تتحدث عن الخمور والمخدرات، المادية والفكرية، لنكون بمواد هذا العدد قد وفينا حق الكيان الإنساني كله من روح ونفس وجسد، وذلك بقدر ما بالوسع. نأمل أن تجد كل كلمة كُتبت في هذا العدد طريقها إلى ذهن وقلب قارئها، فيباركها الله تعالى فتُسمع وتَنفع، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك