أصحاب الكهف ليسوا من العجائب!
  • ما وجهة النظر الإسلامية تجاه عناصر الوجود المادية؟!
  • لماذا تعجز الشعوب المسيحية عن تحقيقي الغرض الحقيقي من التقدم المادي؟!
__
إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (الكهف 8)

التفسير:

يخبر الله تعالى هنا أنه جعل في الدنيا ملايين الأشياء كي يطلع عليها الإنسان وينتفع بها. ذلك أن في كلمة «زينة» إشارةً إلى أنه ليس في الدنيا شيء بدون فائدة، بل كل شيء ذو منفعة حتمًا. أما لو قال الله تعالى: «بعضها زينة»، لكان هناك احتمال كون بعضها مفيدًا وبعضها من دون جدوى، ولكنه تعالى قد وصف كل الأشياء بالزينة، إذًا فالنظرية الإسلامية عن الأشياء تعلن أن في كل شيء نوعًا من النفع والزينة أي أنه يزيد الدنيا نفعًا وجمالاً. الأسف أن المسلمين تغافلوا بمرور الأيام عن الانتفاع بهذه الحكمة القرآنية، ولم يهتموا بالبحث والاختراع كما يجب، بينما عمل الأوروبيون بهذه الحكمة القرآنية رغم رفضهم للقرآن، تقدموا في مجال العلوم تقدمًا جعَلهم غالبين على العالم كله.أما قولـه تعالى لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فهو إشارة إلى أنه تعالى خلق الأشياء ليبحث الناس في شأنها، ويستفيدوا بها لإصلاح حال الإنسانية. ولكن أبناء الشعوب المسيحية قد قصّروا في هذا المجال حيث عملوا على التنقيب عن خواص الأشياء وأسرارها، ولكن لم يقدموا نموذجًا جيدًا في استغلالها من أجل إصلاح حال بني آدم ، بل وضعوا بهذا التقدم العلمي أساسًا للظلم والفساد في الدنيا. وأرى أن هذه الآية تتضمن الإشارة إلى تصرفهم هذا أيضًا.

وإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (الكهف 9)

شرح الكلمات:

صعيدًا: الصعيد: الترابُ، وقيل: وجهُ الأرض ترابًا كان أم غيره؛ المرتفعُ من الأرض، وقيل: هو ما لم يخالطه رملٌ ولا سبخةٌ؛ الطريقُ؛ القبرُ (الأقرب). يقال: صارت الحديقة صعيدًا: أي أرضًا مستويةً لا شجرَ فيها (المنجد).

جُرُزًا: جرَزه يجرُز: قطَعه. وجرَز الزمانُ زيدًا: اجتاحه. والجَرْزُ والجُرُزُ: الأرض لا تُنبت، أو أُكِلَ نباتُها، أو قُطِعَ (الأقرب). قال : صعيدًا جُرُزًا أي منقطعَ النباتِ (المفردات). ويقال للحديقة إذا خرِبتْ وذهب شجراؤُها: قد صارت صعيدًا أي أرضًا مستوية لا شجر فيها (تاج العروس).

التفسير:

يبين الله تعالى هنا أن المتع الدنيوية ليست حقيقيةً، بل هي متع عابرة قد جعلها الله تعالى سببًا للتسابق بين الشعوب ليسخّروا هذه الأشياءَ في خدمة البشرية وينالوا الثواب من الله تعالى. ولكن الشعوب المسيحية لن يحققوا هذا الغرض، لأنهم سيقومون بالبحث عن خواص الأشياء، وبدلاً من أن يتخذوها ذريعة للعمل الحسن سيسخّرونها لخلق النـزاعات والحروب. ولما كان الهدف من خلق الأشياء أن تكون زينة للدنيا، فإن بحوثهم ومخترعاتهم لن تعمل على تحقيق هذا الهدف، لذا سوف يدمّر الله أعمالهم تدميرًا. فهذه الآية إذًا لا تتنبأ عن دمار الدنيا كلها، بل تتنبأ عن دمار أعمال الذين اتخذوا لله ولدًا.

هذا، وفي قولـه تعالى صعيدًا جُرُزًا إشارة لطيفة إلى تمثيل الجنتين الذي ستتحدث عنه هذه السورة في الآيات رقم 33 إلى 45. ذلك أن الصعيد هي الأرض التي قُطِعَ نباتها حيث يقال للحديقة إذا خرِبتْ وذهَب شجرُها: قد صارت صعيدًا أي أرضًا مستوية لا شجر فيها؛ كما أن كلمة الجُرُز أيضًا تعني الأرض المنقطع نباتها. وفي تمثيل الجنتين ينصح الأخ الناصح أصحابَ الجنة المتكبرين ألا يتباهَوا بجنتهم، حتى لا يحوّل العذابُ النازل من السماء جنّتَهم صعيدًا زَلَقًا. فنجد أن كلمة صعيدًا قد وردت في الآيتين، بينما استُبدلت كلمة زَلَقًا بكلمة جُرُزًا ، ولكن معناهما واحد. وهذا يدلّ على أن تمثيل الجنتين الآتي ذكره بعد قليل يخص المسيحيين أيضًا، وأن الله سيدمر جناتهم التي زرعوها.

ولكن أبناء الشعوب المسيحية لن يحققوا هذا الغرض، لأنهم سيقومون بالبحث عن خواص الأشياء، وبدلاً من أن يتخذوها ذريعة للعمل الحسن سيسخّرونها لخلق النـزاعات والحروب. ولما كان الهدف من خلق الأشياء أن تكون زينة للدنيا، فإن بحوثهم ومخترعاتهم لن تعمل على تحقيق هذا الهدف، لذا سوف يدمّر الله أعمالهم تدميرًا. فهذه الآية إذًا لا تتنبأ عن دمار الدنيا كلها، بل تتنبأ عن دمار أعمال الذين اتخذوا لله ولدًا.

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (الكهف 10)

شرح الكلمات:

الكهف: كالبيت المنقور في الجبل، وجمعه كهوف، إلا أنه واسع، فإذا صغُر فهو غار. الكهف أيضًا الوَزَرُ؛ الملجأُ (الأقرب).

الرقيم: رقَم يرقُم رَقْمًا: كتَب. ورقَم الكتابَ: أعجَمَه وبيَّنه. ورقَم الثوبَ: خطّطه وأعلمَه. والرقيمُ الكتابُ؛ والرقيم المرقومُ (الأقرب).

فأصحاب الرقيم هم القوم الذين كانوا يكتبون ويرسمون. وقد قال بعض المفسرين: هم الذين كانوا يحفرون في الحَجر والحديد (الطبري، وأقرب الموارد)، وعليه فالمراد من أصحاب الرقيم قوم كانوا يكتبون على الأحجار والورق أو يرسمون عليها ويصوّرون.وبما أن الرقيم يعني الشيء المرقوم أيضًا فيعني أصحاب الرقيم قوم كانت عندهم أشياء مرقومة أي الكتبُ واللوحات وما إلى ذلك مما يُكتَب عليه.عَجَبًا: العجب: إنكارُ ما يرِد عليك؛ استطرافُ الشيء؛ رَوعةٌ تعتري الإنسانَ عند استعظام الشيء (الأقرب).

التفسير:

إنه لمن المُضحك المُبكي أن الله تعالى يصرح هنا أن أصحاب الكهف ليسوا من العجائب، بل كانوا آيةً كغيرها من آيات الله ، ولكن المسلمين يقدّمونهم كأعجوبة من العجائب.

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (الكهف 11)

شرح الكلمات:

أَوَى: أوَى إلى منـزله وأوَى منـزلَه: نـزل به ليلاً أو نهارًا (الأقرب).

الفِتْية: جمعُ الفتى وهو الشابُّ الحَدَثُ؛ السخيُّ الكريم (الأقرب).

رحمة: الرحمةُ رقّةُ القلبِ وانعطافٌ يقتضي التفضلَ والإحسان والمغفرة (الأقرب).

التفسير:

اعلم أن الرشد هو الهداية، ولكن الرُّشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، بينما الرَّشَد يقال في الأمور الأخروية لا غير (الأقرب)، وعليه فدعاؤهم هذا يعني: اللهم افتَحْ لنا طريقَ الخروج من محنتنا وبابَ الفلاح في أمرنا.

فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (الكهف 12)

شرح الكلمات:

فضَرَبْنا على آذانهم: ضربه على أذنه. (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى: منعناهم من سماع أخبار الناس بإبقائهم في الكهف لسنين، فلم يعرفوا حال أهل زمانهم. وسأذكر أحوال أصحاب الكهف مفصلة لدى تفسير الآيات القادمة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك