المشروع الجليل لغلبة الإسلام
التاريخ: 1985-04-26

المشروع الجليل لغلبة الإسلام

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

من خطب الجمعة

 

* خطبة جمعة ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

ألقيت في 26 أبريل عام 1985م في مسجد “الفضل” بلندن

ترجمة: عبد المجيد عامر

(داعية إسلامي أحمدي)

* هي الخطبة الخامسة عشرة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا ميرزا طاهر أحمد، الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ردًّا على تهم باطلة ألصقتْها بجماعته حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام.”

لقد ردَّ الخطيب في كلمته هذه على التهم التالية:

  • أن مؤسس الأحمدية يحاول إثبات كونه عيسى ابن مريم من خلال تأويلات غريبة، فإنه يقدم نفسه كمريم أولا، ثم يذكر نفخ روح عيسى فيه.
  • وأن القاديانيين (الأحمديين) قاموا بمؤامرة خطيرة وهي محاولتهم لتحويل باكستان إلى دولة قاديانية.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (آمين).

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم: 12- 13)

اعتراض غريب

لا شك أن كافة الاعتراضات التي أثارتها الحكومة الباكستانية في “البيان الأبيض” المزعوم ضد سيدنا أحمد ، إنما هي نتيجةُ إهمالهم آية أو آيات من القرآن الكريم أو تعليمًا من تعاليمه، غير أن الآية التي استهللتُ بها خطبتي تتناول بوضوح الموضوع الذي غضوا عنه الطرف قصدًا أو بغير قصد فوجّهوا اعتراضا غريبا إلى سيدنا أحمد مستهزئين بعنوان: “التأويلات الغريبة والمضحكة” جاء فيه:

“يقدم الميرزا تأويلات غريبة على كونه المسيح ابن مريم حيث يعتبر نفسه مريم أولا، ثم يسرد قصة نفخ روح عيسى في نفسه.” (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص24)

” وإن قولكم هذا يشبه قول أولئك الظالمين الغاشمين الذين كانوا يسمون النبي مجنونًا وساحرًا من ناحية، ومن ناحية ثانية كانوا يرونه خطرا محدقا بالعالم كله. ثم لم يعتبروه خطرا لمائة سنة فقط بل إلى مئات السنين وحاولوا مثلكم كَبْتَ دينه بنشر الفساد والدعاية الكاذبة ضده متذرعين بالخطر الافتراضي. وكتبُ المسيحيين مليئة بهذا “الخطر الافتراضي” والجدال القذر“

قمة السخرية والتكذيب

وأسلوب السخرية الذي اختاروه هو نفس الأسلوب الذي اختاره معارضو الأنبياء منذ فجر الأديان، بل يزيدون عليه وينسجون قصصًا مكذبين مستهزئين بغية التلذذ بها، وكأن حضرته كان يعتقد أنه حَمَل فعلا وتكوَّنَ الجنينُ في أحشائه، والعياذ بالله، وذلك الجنين هو المسيح الموعود نفسه. فهكذا كانوا ولا يزالون يعترضون بغية التكذيب والسخرية.

لقد أوردوا العبارة المذكورة أعلاه ليخدعوا في باكستان وخارجها أناسًا ليس لديهم معرفة دقيقة بهذه الأمور وخلفياتها، فيتركوا على القراء البسطاء انطباعًا أن سيدنا أحمد كان معتوهًا -والعياذ بالله- واختلَّتْ قواه الذهنية لدرجة يعتبر فيها نفسه امرأةً رغم كونه رجلاً .. يقول إنه حمل وأنجب. أليس أسلوب تفكيره هذا يشبه تفكير المجانين والمعتوهين؟!

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إذا كان حضرته شخصًا مجنونًا كما يزعمون فكيف لحق بالإسلام أو بباكستان خطرٌ من قِبله؟ هناك ألوف من المجانين بل مئات الألوف منهم في الدنيا، ولا يعتبرهم شخص أو قوم يملكون قليلا من العقل خطرًا عليهم. فأيها المعارضون إن كذبكم مكشوف ومفضوح لأنكم من ناحية تقدمون حضرته كمجنون ومختل الذهن ومصاب بالصرع، ومن ناحية ثانية تصرخون بأعلى صوتكم أنه يشكل خطرًا رهيبًا على عالم الإسلام كله. وإن قولكم هذا يشبه قول أولئك الظالمين الغاشمين الذين كانوا يسمون النبي مجنونًا وساحرًا من ناحية، ومن ناحية ثانية كانوا يرونه خطرا محدقا بالعالم كله. ثم لم يعتبروه خطرا لمائة سنة فقط بل إلى مئات السنين وحاولوا مثلكم كَبْتَ دينه بنشر الفساد والدعاية الكاذبة ضده متذرعين بالخطر الافتراضي. وكتبُ المسيحيين مليئة بهذا “الخطر الافتراضي” والجدال القذر.

أقول “الخطر الافتراضي” لأنه لم يشكّل قط خطرًا على أية حسنة أو فضيلة، وإنما كان خطرًا على كل نوع من الفساد والقذارة والكذب والباطل. فبهذا المعنى يصح قول المعارضين إن سيدنا أحمد كان خطرًا كبيرًا على الفساد والباطل والكذب. ولكنهم لم يقولوا ذلك، بل قالوا إنه خطر على كل فضيلة وعلى الإسلام، وهذا باطل بالبداهة لأنني كما قلت سابقا إن الاعتراض الذي نحن بصدده يُبطل نفسَه بنفسه، لأن شخصًا مجنونًا ومعتوهًا لا يمكن أن يشكل خطرًا إلا على نفسه.

حالتان للمؤمنين

والآية التي نبذها المعارضون وراء ظهورهم تفرض عليهم أن يختاروا لأنفسهم أحد الأمرين، وإلا سوف يخرجون تلقائيا من دائرة الإسلام والإيمان بدلاً من أن يُخرِجوا غيرَهم منها. إنهم يحاولون أن يهاجموا سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ولكن سيف القرآن الكريم يتصدى لهجومهم هذا ويمزّقهم إربًا ويقطع دابرهم. وسيف القرآن صارم وبتّار لدرجة أنه سمّي بـ “الفرقان” ولا يمكن لأحد أن ينقذ نفسه منه.

فالآية التي استهللت بها خطبتي تبين حالتين اثنتين للمؤمنين لا ثالثة لهما. يبين الله الحالة الأولى للمؤمنين في قوله:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .

ثم يبين الله الحالةَ الثانية للمؤمنين قائلا:

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ .

هنا لا يضرب الله مَثَلَ امرأة عادية بل مَثَل مريم التي نُفِختْ فيها الروحُ وحملتْ وأنجبتْ. أي لا ينطبق على المؤمنين إلا مَثَلُ امرأة فرعون أو مَثَلَ مريَمَ بنتِ عمران لا غيرهما. إذن فالقرآن يبين مثلَينِ أو حالتين اثنتين للمؤمنين ولا يذكر ثالثتهما. فأقول للمعارضين: إن كنتم لا تريدون أن ينطبق عليكم مَثَلُ مريم فكونوا كامرأة فرعون إن أردتم. أما إذا لم تصبحوا مثل مريم ولا مثل امرأة فرعون (..أي لو لم ينطبق عليكم أحد المثلَين المذكورَينِ في القرآن الكريم) لخرجتم من دائرة الإيمان تلقائيًا، لأن الآية تتطلَّب أن تنطبق على المؤمنين واحدة من الحالتين لا محالة.

مشائخ متجردون من الفهم

الواقع أن المعارضين ليس لديهم أدنى إلمام بالقرآن الكريم ولا يدركون تعاليم النبي وسنته الشريفة، ولا يعرفون شيئا عن تفاسير الصلحاء الأسلاف والعلماء القدامى. ولو كانت لديهم أدنى إلمام بالمصادر المذكورة لما كان لهم أن يتصوروا ما يقومون به من هجمات قذرة.

لقد قدَّمتُ هذه الآية في إحدى المناسبات أمام شيخ سليط اللسان من معارضي الأحمدية وقلت له: إنك تسخر من سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وتسأل متلذذا مستهزءًا عن كيفية الحمل والإنجاب المزعومَينِ، وما مرّ به من متاعبهما، وبما أنك لا تريد أن تكون مثل مريم، رغم ادعائك بكونك مسلما ومؤمنا، ففي هذه الحالة لا بد أن تقر بكونك امرأة فرعون. وبما أن القرآن الكريم يورد مَثَلَ امرأةِ فرعون قبل مثل السيدة مريم، لذا إنني أسألك أن تخبرني أوّلاً كيف أصبحتَ امرأة فرعون، ثم بعد ذلك سوف أشرح لك كيفية انطباق مَثل السيدة مريم على سيدنا أحمد متبعا في ذلك الأسلوبَ نفسه الذي ستتبعه خلال شرحك. فما كان من الشيخ إلا السكوت المطبق.

الواقع إنهم متجردون من المعرفة الحقيقية، ولا يفهمون من القرآن شيئا وإلا ما شنوا هذه الهجمات التي بسببها يشن عليهم القرآنُ الكريم هجمات مضادة.

الآن أوضح لكم أن القرآن يبين من خلال هذا المـَثل أنَّ مِن المؤمنين مَن هم أقوى إيمانا ومنهم مَن هو دون ذلك. والمؤمن الأضعف إيمانا -الذي يقبله القرآن كمؤمن والذي يدّعي بانتمائه إلى رسول الله – مثَلُه كمثل امرأة فرعون حيث كان زوجها ملكا جبَّارا ومستَبدًّا يملك الأمر والنهي في دولة عظيمة، وكان من الاعتزاز بنفسه والاستكبار بحيث كان يتحدى ربَّ السماوات والأرض ويقول لِهامان:

..فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى (القصص:39)،

وكانت تحت هذا الملك المستكبر والمستبد امرأةٌ ضعيفة كزوجة له، لا حول لها ولا قوة. يقول القرآن الكريم إنها مع ذلك حافظتْ على إيمانها وظلت تتضرع إلى الله وتبتهل إليه وتتقوى من خلال التضرعات قائلة:

رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .

ما أَرْوَعَه من مَثَل وما أَجْودَه! لكن المتجردين من دقائق المعرفة يجعلونه عرضة للسخرية والاستهزاء. والقرآن يقول: إن هذا المثل العظيم ينطبق على أضعف الناس إيمانا من خدام النبي ولا ينطبق على أقواهم، لأن الذين يحتلون أدنى منزلة من الإيمان في أمة محمد يملكون قوة إيمانية لدرجة لا يتخلون عن الإيمان حتى أمام اضطهاد أشد الملوك ظلمًا واستبدادا. أما الأقوياء منهم إيمانًا وأصحاب المعرفة الحقيقية الذين يُعَدوُّن من أولياء الله، فمَثَلهم كمثل مريم بنت عمران التي لم تَدْنُ منها الأفكار الشهوانية والأهواء النفسانية بل كانت نزيهة تماما من مس الشيطان، علمًا أن العلاقات الزوجية بعد الزواج لا تُعَّدُ شهوةً دنية. بل هي مسموحة وطبيعية، كما أن العلاقات الزوجية للأطهار لا تعتبر شهوة ممقوتة أبدا، ولكن السيدة مريم بشكل خاص كانت نزيهة تماما عن كل نوع من الهياج العاطفي، ولم تجد الشوائب النفسانية طريقها إليها، ولكن الله رغم ذلك رزقها بولد بفضله وقدرته.

المثل العظيم عرضة للسخرية

فيبين الله تعالى أن عبادي المؤمنين عندما يحصلون على مراتب سامية جديدة، فلا تشوبهم أدنى شائبة من أهواء النفس، ولا يهمس أي شيطان في أذنهم أن قوموا بإعلان عن مراتبكم السامية كذا وكذا، ولا تحرضهم الأهواءُ النفسانية أو الزهوُ على ابتغاء المراتب العليا، بل إنهم يكونون عباد الله المتواضعين للغاية. فعباد الله المتواضعون هؤلاء كلما وُهِبوا مراتب سامية ازدادوا تواضعا وقالوا كما قال سيدنا الإمام المهدي على سبيل المجاز والاستعارة في بيت شعر له ما تعريبه:

“إنني مثل حشرة من حشرات الأرض يا حبيبي! وكأنني لست من نسل آدم. والناس يكرهونني ويحسبونني عارًا عليهم.” (البراهين الأحمدية الجزء الخامس، الخزائن الروحانية ج 21 ص 127)

فكلما يدعي هؤلاء العباد الصلحاء بشيء لا يكون ذلك ناتجا عن أهوائهم النفسانية، بل حين تُنفَخ فيهم روحٌ من السماء، وينزل عليهم أمر من السماء أَنِ انهضُوا وأَعلِنوا عن خَلْقِكم الروحي الجديد فيضطرون لإعلان هذا الأمر على الملأ. عندها يولد من بينهم أمثال عيسى الذين يكونون أحياء بأنفسهم ويهبون الحياة للآخرين أيضا، ويتداركون الأقوام الميتة. كم هو عظيم هذا المـَثل الذي جعله الظالمون عرضة للسخرية.

الإكراه في الدين في ظل الدكتاتورية

إذن فلا بد للمعارضين من أن يقبلوا أحد الأمرين: إذا كانوا لا يستطيعون الوصول إلى مرتبة السيدة مريم فليحاولوا الارتقاء إلى منزلة امرأة فرعون إن كانوا على ذلك من القادرين. ولكن معظمهم -للأسف الشديد- لا يقدرون على ذلك أيضا. إنهم يحاولون استبدال دين الآخرين قهرا وإكراها، ولكنهم بدورهم لا يقدرون على حماية دينهم إزاء الإكراه والقهر بل يشرعون في عبادة حاكم مستبد وظالم، ويخضع القوم كله لدكتاتور مستبد. لا شك أن فيهم المضطهَدين والمظلومين والضعفاء أيضا الذين لا حول لهم ولا قوة، كما أعلم أن فيهم أصحابَ الهمم العالية أيضا، ولكنهم أقل عددا نسبيًا. بينما الأغلبية الساحقة من الأمة قد أصبحت -أو جُعِلتْ قهرا- من الجبن بحيث لا تقدر على قول الحق.

وفيما يتعلق بنا، نحن الأحمديين، فقد أوردنا على أنفسنا كلتا الحالتين بحيث إن الأضعف منا أيضا مستعد تمام الاستعداد لتقديم أية تضحية لحماية دينه، بل لايزال يقدمها بالصبر والمثابرة. وأنتم، يا معارضينا، شاهدون على ذلك!! كم من أحمدي صببتم عليه مصائب جمّة وزججتم به في السجون؟ وكم منهم الذين أهرقتم دماءهم، فهل استطعتم تبديل دين واحدٍ منهم أو نزع كلمة الشهادة من صدره قهرا واستبدادا؟ لاحِظوا بأية قوة وثبات يتمسك عباد الله المتواضعون هؤلاء بمنزلة بيَّنها القرآن الكريم؟ فلم ولن يمتنعوا من شهادة: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” حتى تحت سيوف حاكم ظالم ومستبد.

نكات المعرفة

هذه حالة الضعفاء منهم، ولقد ظهر من بينهم الأقوياء أيضا، ولن يزالوا يظهرون بفضل الله تعالى، الذين سوف يهبهم الله مراتب شبيهة بالسيدة مريم أيضا، ومن بينهم سوف يتولد أناس آخرون مثلهم. لقد توَصَّل إلى نقطة المعرفة هذه -بالإضافة إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود – أصحابُ الكشوف والوحي القدامى الذين كانوا مقربين إلى الله تعالى حقًا، ومنهم الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله الذي يقول للمريد في إحدى مقالاته:

“لا تكشف البرقع والقناع…عن وجهك.” (شرح فتوح الغيب، مقال 26 ص 146 طبعة 1896)

من المعلوم أن البرقع والقناع لباس النساء، فلماذا يقول حضرة عبد القادر الجيلاني هذا الكلام لغيرهن؟

يقول الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي في شرح كلام حضرة عبد القادر الجيلاني ما معناه:

يُؤوَّل البرقعُ والقناع بلباس النساء، وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل يظل في منزلة المرأة إلى ظهور الكمال، ولا يصح ادعاؤه بالرجولة. (المرجع السابق)

أيْ أن الحالة الأولى للسالك أيضا حالةُ طهارة دونما شك، ولكنها لم تُنجب كيانًا جديدا بعدُ، لذا فإنها تُسمى بحالة مريمية عند الصلحاء الأسلاف.

ويقول مولانا الرومي -وهو مِن الصوفية الكبار والصلحاء العظام، وشاعرٌ معروف أيضا- في بيت شعر له بالفارسية وتعريبه:

حبلتِ النفسُ مثل السيدة مريم بواسطة ظل الحبيب وحملتْ في أحشائها مسيحًا جميلا. (مثنوي مولوي معنوي الدفتر الثاني ص 30)

لاحظوا كيف كشف الله تعالى في الماضي أيضا تفسير الآية السالفة الذكر على أهل العلم والمعرفة، وهذا ما أعلنوه دائما. فقولوا بالله أيها المستهزئون كم مِن الصلحاء تستهزئون بهم، وكم منهم تجعلونهم عرضة للسخرية والتهكم؟

خداع آخر

هناك اعتراض آخر وُجِّه إلى الأحمدية بأن المؤامرة الأكثر خطورة التي قام بها القاديانيون بعد تأسيس باكستان هي كما يلي:

“المؤامرة الأكثر خطورة التي قام بها القاديانيون بعد تأسيس باكستان هي محاولتهم لتحويل هذه الدولة الإسلامية الحديثة إلى دولة قاديانية يسيطر عليها القاديانيون، وذلك بفصل إقليم منها وإنشاء سلطنة قاديانية فيه. لقد ألقى زعيم القاديانيين في مدينة “كوئته” (الباكستانية) خطابا في 23 تموز/يوليو 1948م وذلك قبل انقضاء عام واحد على تأسيس باكستان، وهذا الخطاب نُشر في جريدتهم “الفضل” 13 آب/أغسطس 1948م، حيث نصح أمير القاديانيين أتباعه بما يلي:

“إن إقليم بلوجستان البريطاني الذي يسمَّى ببلوجستان الباكستاني اليوم، يبلغ عدد سكانه حاليًّا نصف مليون نسمة. ورغم أن عدد سكانه أقل من المقاطعات الأخرى، ولكنه هام جدا لكونه وحدة من وحدات الدولة، ومنزلته من الدولة كمنزلة الفرد الواحد من المجتمع. ولإيضاح الأمر أكثر يمكننا أن نضرب مَثَلَ دستورِ أمريكا حيث تُعطَى كل ولاية حقّا متساويًا للتمثيل في مجلس الشيوخ سواء أكان عددُ سكانها مليونا أو عشرة ملايين. إذن فرغم أن عدد سكان إقليم بلوجستان الباكستاني يبلغ نصف مليون أو يزيد قليلا بعد أن نضيف إليه الولايات المجاورة، ولكن له أهميته لكونه وحدة من وحدات الدولة. والمعلوم أيضا أن ضمَّ عدد كبير إلى الأحمدية أمر عسير، أما ضمُّ عدد قليل فسهلٌ نسبيًّا. لذا فلو انتبهت الجماعة جيدًا إلى هذا الأمر لأمكن ضم هذه المقاطعة إلى الأحمدية خلال فترة وجيزة.” (القاديانية، الخطر الرهيب على الإسلام ص 35 و36)

هذه هي المؤامرة الخطيرة والرهيبة والأكثر خطورة في زعمهم وتُشكل خطرا رهيبا على الإسلام والبلاد الإسلامية!

يُوهم المعارضون وكأن هناك خطة أو مؤامرة مِن قِبَل الأحمدية لفصل مقاطعة بلوجستان عن باكستان بالهجوم عليها بشكل نظامي وإثارة الفتنة فيها. ولكنه زعمٌ يدل على غباوتهم المتناهية حيث يقدمون مقتبسًا يُبطل ادعاءهم بنفسه إذ لا يضم أدنى إشارة إلى غزو المقاطعة وفتحها بقوة السيف والسلاح أو فصلها عن باكستان. كان يليق بهم أن يقرؤوا المقتطف بتأمل قبل تقديمه على الملأ.

كل ما في هذه العبارة هو أنه عليكم بالتبليغ والانتصار الروحي، ولا تنفصلوا عن باكستان حتى بعد إحراز الانتصار الروحي، بل يجب أن تلازموها كوحدة، فعلى الرغم من أنكم لن تحرزوا الأكثرية العديدة، ولكنكم سوف تنالون مكانة محترمة كوحدة الدولة، فتستطيعون إبلاغ صوتكم بصورة صحيحة. هذه هي الحقيقة التي حرَّفها المعاندون وقدموها أمام الناس بدون وازع ورادع وفي وضح النهار، ولم يفكروا مرة أن المقتبس الذي نحن بصدده لا يعطي المعنى الذي يستنبطونه بشكل من الأشكال، وهو فصلُ مقاطعة معينة من البلد بقوة السيف والسلاح.

ولكنني أخبركم أنه إذا كانت هذه مؤامرة كما تزعمون فقد قامت الأحمدية من قبل بمؤامرات أخطر منها علنًا. هذه المؤامرة ذُكرتْ، كما تعترفون، في خطبة الجمعة ثم نُشرتْ تفاصيلها على صفحات جريدة “الفضل”. كذلك كل ما قامت به الجماعة من “مؤامرات” من قبل أيضًا مكشوفةٌ للجميع ومنشورة في كتبها، ثم وُزِّعت هذه الكتب عليكم، ثم أنتم الذين تخفونها عن الناس بمصادرتكم إياها. إننا نودُّ كشف “مؤامراتنا” وعرضها للجميع، ولكنكم تغطونها وتخفونها عن أعين الناس بمصادرة كتبنا.

ولكن بغض النظر عن كل هذا هناك أمر آخر جدير بالانتباه بشكل خاص، وهو أن هذه الحكومة حساسة جدًا بالنسبة إلى مقاطعة بلوجستان لدرجة أنها تقصف القبائل فيها لأتفه الأسباب، ويتعرض الناس لأمطار من الرصاصات من المدافع والقنابل. وقد تكرر هذا القصف مرات كثيرة مما أسفر عن أخطار فادحة، وتمَّ بقوة السلاح كبتُ كافة المحاولات التي ظُنَّ بأنها معادية للحكومة، اللهُ أعلم بحقيقتها. ولكن السؤال هو: لماذا لم تحرك الحكومة ساكنًا تجاه هذه المؤامرة من قِبَل الأحمديين، التي نمت أمام أعينكم وازدهرت على حد قولكم والتي تحسبونها اليوم أكثر خطورة من غيرها؟

وأيَّ جيش من الأحمديين قاتلتموه لقمع هذه المؤامرة؟ هل استخففتم “بأكثر المؤامرات خطورة” لدرجة لم تبطشوا بشخصٍ واحدٍ من الأحمديين متورطا فيها؟ ومن ناحية ثانية ملأتم السجون بالناس لأتفه الأمور، ظانين بأنهم متورطون في مؤامرة ضد الحكومة وعذبتموهم أشد تعذيب، قبل أن تثبت جريمتهم. أما المؤامرة التي تعتبرونها الأكثر خطورة فما ألقيتم القبض على أي من الأحمديين بسبب تورطه فيها، وما اكتشفتم شيئا من الأسلحة المستخدمة وما شابهها.

ثم أين كان الجيش الأحمدي الذي كان على وشك غزو مقاطعة بلوجستان؟

إنْ هي إلا قصص افتراضية بحتة. وتعرفون أنتم أيضا جيدًا أنها قصص منحوتة وكاذبة لا أساس لها من الصحة أبدا، ومع ذلك تبذلون قصارى جهودكم لإضلال العالم. لقد ذكرت فيما سبق أن أباطيلكم هذه تذكِّرنا بدور ممثل أسباني شهير يُعرف في بلادنا باسم “دان كيفائي” يقال عنه إنه شاهد طاحونةً وحسبها عملاقا رهيبا فهاجمها، ثم شاهد غنمًا في المرعى وحسبها جيشًا قويا للعدو فهاجمها أيضا بكل ما كان يملك من عدة وعتاد، وقتل منها عددًا لا بأس به. فأنتم أيضا تواجهون مثل هذه الأخطار الافتراضية وتشنون هجوما مثل الهجوم المذكور آنفا على الأبرياء، وتعذبوهم أشد العذاب لجرائم لم يرتكبوها أبدا.

استشهاد الرائد محمود أحمد

والآن سأذكر ردَّ الفعلِ الذي مثُل للعيان نتيجةً لهذه المؤامرة! وسوف أبين أيضا من كان العدو وكيف تم بطشه والتخلص منه! فالمؤامرة الخطيرة التي قام بها الأحمديون -حسب قولهم- للسيطرة على مقاطعة بلوجستان، فقد أحبطتها الحكومة بقتل أحد أفراد جماعتنا وهو الرائد محمود أحمد الذي كان يشتغل طبيبًا في الجيش الباكستاني، وكان رجلا طيبا ولطيفا للغاية بحيث يسعى دائما لإنقاذ حياة الآخرين. فكان عائدا بعد الاشتراك في اجتماع ديني للجماعة، وكان بطبيعة الحال أعزلا من السلاح، فهاجمه المعارضون للجماعة الجبناء وقتلوه برشق الحجارة. وهكذا قمعوا مؤامرةً خطتها الأحمدية بزعمهم ضد مقاطعة بلوجستان، وحُلت القضيةُ على أرضها كما يحسبون. من الواضح تماما أن هذا الشخص البريء ما كان يشكل خطرا على أي شخص، ولم تكن له علاقة بأية مؤامرة لا من قريب ولا من بعيد، بل كان خادما نبيلا للإنسانية، يخدمها بروح التضحية، وإذا اقتضت الحاجة كان لا يتوانى من زيارة المرضى وعلاجهم في بيوتهم أيضا حتى أثناء الليل، وكان هدفه السامي الوحيد هو إنقاذ حياة الناس. فإنكم تخلصتم من الأحمدية كما تزعمون بقتلكم إياه.

الحقيقة أنكم تعيشون في عالَم الأوهام والخيالات، ولا علاقة لكم بالحقائق. إذ إنكم يا معارضينا، لا تعيرون اهتماما بالأخطارَ الحقيقية المحدقة بكم حتى لا تعرفونها أيضا، بل أنتم منها عمون.

أما فيما يتعلق بالأخطار من قبل الأحمدية فأخبركم أن مؤامرة فتح بلوجستان بسيطة وصغيرة. لو أنكم قرأتم كتبنا بأنفسكم، دون أن تستعيروا اعتراضات سخيفة من كتب معارضينا للإدخال في بيانكم الأسود الذي نحن بصدده، لوجدتم عبارات كثيرة أخرى في هذا الشأن، لأن تفاصيل مثل هذه “المؤامرات” منشورة في كتبنا بكل وضوح. لقد أوردتم -بقص ولزق-مقتبسا لسيدنا الخليفة الثاني يتعلق ببلوجستان، ولكنني أقدم إليكم مقتبسًا آخر من كلامه هو حيث قال حضرته عام 1936م ما يلي:

“لم نُخْفِ قط أننا ننوي إقامة الحكومة الإسلامية في العالم كله، بل نقول علنًا إننا لا بد أن نقيم الحكومة الإسلامية في العالم كله.”

 (خطبة الجمعة 13 مارس 1936م، المنشورة في جريدة “الفضل” 18 مارس 1936م ص 4)

غاية الأحمدية المنشودةُ

إننا نخطط لفتح العالم كله، وإنكم لا ترون إلا مؤامرة تتعلق ببلوجستان وحدها. يقول سيدنا الخليفة الثاني في جريدة “الفضل” 8 يناير1937م ص5:

“لا تجلسوا عاطلين لأن غايتكم المنشودة بعيدة المدى، ومهمتكم صعبة، ومسؤولياتكم كبيرة جدًا… إن الله يأمركم أن تغزوا دولَ العالم كلَّها دفعة واحدة، حاملين سيف القرآن الكريم. ثم إما أن تهلكوا في هذا المجال أو تفتحوا هذه البلاد لله ولرسوله . لا تنظروا إلى أمور بسيطة، واجعلوا هدفكم السامي أمام أعينكم دوما. فكل أحمدي -أيا كان عمله في الحياة العادية- يجب أن يركز جهوده ومساعيه على نقطة واحدة، وهي أنه لا بد أن يفتح العالم كله للإسلام.”

إذن فإننا نخطط لفتح العالم وأنتم لا ترون إلا مقاطعة بلوجستان، لأن حادثا معينا قد حدث فيه، وأثرتم أيها المشائخ ضجة بناء عليه، مما أدى إلى استشهاد أحمدي. الحقيقة أنكم ما قرأتم كتب الأحمدية بل قمتم بالهجوم عليها بمجرد قراءة اعتراضات جمعها لكم الآخرون. فإذا كانت هذه مؤامرة، فإنها لم تبدأ من زمن الخليفة الثاني بل بدأت قبل 14 قرنًا، وإنها مذكورة في القرآن الكريم بوضوح تام في أكثر من موضع، إذ يقول الله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة:33).

فالهدف السامي والوحيد لإرسال الرسول هو إظهار الإسلام على الأديان الأخرى. هذه هي المؤامرة التي نقوم بها، ونعترف بتورطنا فيها، ونعترف بارتكابنا هذه الجريمة. فلكم أن تعاقبونا عليها كما يحلو لكم. أما الأحمدية فسوف تنجز لا محالة هذه المهمة المقدسة التي تسمونها مؤامرة.

تقدُّم الأحمدية

إن الله تعالى قد أخبر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود مرارا بفتح بلاد مختلفة، بانتصار الأحمدية ليس في بلد أو بلدين بل في العالم كله. وهو بدوره قام بإعلان غلبة الإسلام النهائية بكل قوة وجلال. فإذا كانت الجماعة بنفسها تعترف بجريمة كبيرة كهذه التي ذُكرتْ آنفا فماذا يفيدكم الصراخ حول “مؤامرة” بسيطة، بأن هذه الجماعة توَدُّ السيطرة على مقاطعة بلوجستان؟

في إحدى المرات حين وُضعت العراقيل في المساعي التبليغية لسيدنا أحمد قال حضرته:

“المعارضون يريدون عرقلة تبليغنا، ولكن الله تعالى أراني جماعتي كذرات الرمل.” (التذكرة، الطبعة الثالثة ص 813)

ثم قال:

“إن الله بشَّرني قائلا: سوف أجعل جماعتك تنتشر في روسيا مثل ذرات الرمل.” (المرجع السابق)

 هذا يعني أن الجماعة تشكل خطرًا على روسيا أيضا؟

ثم قال حضرته بأن الله سبحانه وتعالى أخبرني قائلا ما تعريبه:

“جاء نذير في الدنيا فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبَله ويُظهر صدقَه بصول قوي شديد، صول بعد صول.” (البراهين الأحمدية الجزء الرابع، الخزائن الروحانية ج1 ص 655، الهامش رقم 4 )

وقال حضرته أيضا بأن الله تعالى أوحى إليّ قائلا:

“سأبلّغ دعوتك إلى أقصى أطراف الأرض.”  (جريدة “الحَكَم” ج2 ص13 عدد 5 و6من 27 مارس إلى 6 أبريل 1898م)

فبالله أخبروني أيها المعارضون، هل بقي بلد من بلاد العالم خارج إطار هذه المؤامرة؟ اذهبوا وحرّضوا روسيا أيضا أن هناك مؤامرة قيد التخطيط ضدها، وحُثُّوا اليابان والصين أيضا، ولكنني أقسم بالله أن محاولاتكم كلها سوف تبوء بالفشل الذريع، لأن هذه خطة بيَّنها القرآن الكريم، ولا قوة في الدنيا تستطيع إفشال خطة القرآن الكريم. يعلن سيدنا أحمد عن هذا الفتح النهائي بأنه ليس فتحا دنيويا، ولا يتعلق بالبلاد والتيجان ولا بالعروش، بل هذا فتح روحي. فقال في بيت شعر له ما تعريبه:

ما لي ولهذه البلاد، فإن بلادي تختلف عن الجميع. وما لي وللتيجان، فإن تاجي فهو رضوان الحبيب . (البراهين الأحمدية ج 5، الخزائن الروحانية ج 21 ص 141)، إذن فلا شك في أننا متورطون في هذه المؤامرة، وجاهزون للتضحية بأنفسنا في سبيل رضوان الحبيب ، ولن نتأخر عن تقديم التضحيات في هذا السبيل.

يساعدون المسيحية

ليس لمعارضينا همٌّ إلا أن يبقى القوم منصرفا إلى الأخطار الافتراضية، ولا يعرفوا عن الأخطار الحقيقية شيئا. لا يرون مواقع الخطر ولا اتجاهه، أو أنهم رغم علمهم بذلك يريدون صرف انتباه القوم عنه قصدًا. يرون الخطر الكبير المحدق بهم في الخطط التي تخططها الأحمدية لفتح العالم كله لصالح الإسلام، في حين إنهم غافلون عن المسيحية التي أخبر اللهُ تعالى عنها نبيّه أنها سوف تشكل خطرا حقيقيا على الإسلام وأهله، وسوف يسيطر المسيحيون على العالم كله بصورة الدجال، بل إن هؤلاء المشائخ يساعدونهم وينصرونهم بمحاولتهم للحيلولة دون دعوة المسيح الموعود . ولكن لا أحد يستطيع أن ينجح في مثل هذه المحاولات.

على أية حال حين لاحظت الحكومة أن سمعتها بدأت تتشوه في أعين العالم الخارجي كله بسبب محاولاتها لعرقلة دعوة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، ورأت أن الناس يطعنون فيها قائلين: هذه الحكومة تصدر أحكاما غريبة إذ تفرض حصارًا على المعتقدات والنظريات، وبذلك تضيّق الخناق على حرية الضمير، بدأت الحكومة بعدها تتخذ قرارات أكثر غرابة من ذي قبل. فمن ناحية منعت انعقاد اجتماعنا السنوي الذي كانت قبل ذلك تسمح بعقده على مضض، ومن ناحية ثانية سمحت للقساوسة المسيحيين للتبشير بالمسيحية على التلفاز بحرية تامة، أولئك الذين يقدمون يسوع المسيح كَمنقذ. إن تصرف الحكومة الباكستانية هذا يدل على سيرتهم المزدوجة، ويميط اللثام أيضا عن حقيقة الاتهامات التي يلصقونها بنا.

الحربة السماوية سوف تمزق الدجل

لا شك أن الإنسان كلما اتخذ خطوات خاطئة أسفرت عن نتائج وخيمة. فهكذا عندما حاولت الحكومة سد دعوة الأحمدية باعتبارها خطرا، كانت هناك ضجة في العالم كله ضد تصرفاتها الغاشمة التي سلبت حرية الاعتقاد والضمير، فكان ردُّ فعلها أن أعطت المسيحيين حرية مطلقة لنشر معتقداتهم وذلك لإيهام الناس أنهم محافظون على حرية الضمير. فحدث لأول مرة في باكستان في ظل ما يسمى (بالحكومة الإسلامية) أن تم تبشير المسيحية علنًا عبر التلفاز بصورة نظامية، وتم تقديم يسوع المسيح كَمُنَجٍ. ولكننا لسنا هيابين من موقفهم هذا، ونعلن جهارا أنه إذا كان معارضونا من المسلمين ينوون الهجوم علينا من الخلف فهذا شأنهم، أما نحن فلم ولن نزال متصدّين للقوى المعادية للإسلام دائما.

يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود :

” إنني دائم التفكير في أن يُسوَّى الخلافُ بيننا وبين النصارى بشكل من الأشكال. إن قلبي يدمى نظرًا إلى فتنة عبادة الأموات، ونفسي تشعر بضيق لا يطاق. فليس هناك ما يؤلم القلبَ أكثر من أن إنسانًا ضعيفا قد اتُّخذ إلها، وأن حفنة من التراب قد اعتُبِرتْ رب العالمين. لقد كدت أهلكُ حزنًا على هذا الوضع لو لم يُطَمْئِني ربي القادر القدير أن التوحيد سوف ينتصر في نهاية المطاف، وأن الآلهة الباطلة سوف تهلك لا محالة، وسوف تُجَرَّد عن ألوهيتها. سوف يُقضى على ألوهية مريم وليموتنّ ابنُها “الإله” أيضا. يقول الله القادر: لو شئتُ لأهلكتُ مريم وابنها عيسى ومَن في الأرض جميعا. فأراد سبحانه وتعالى أن يذيق ألوهيتَها الزائفة كأس الممات. فالآن سوف يموت كلاهما ولن يقدر أحد على إنقاذهما. كذلك سوف تفنى تلك الملكات الفاسدة أيضا التي كانت تقبل الآلهةَ الباطلة. سوف تكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة. وقد اقتربت الأيام حين تطلع شمس الصدق من الغرب، وسيطَّلع أوروبا على الإله الحق. ثم يُغلق باب التوبة بعد ذلك، لأن الداخلين سوف يدخلونه مندفعين، ولن يبق خارجه إلا الذين لا يحبون النور بل يحبون الظلمة، والذين سُدَّت الأبواب دون قلوبهم بسبب فطرتهم الفاسدة. يوشك أن تهلك الملل كلها إلا الإسلام، ويوشك أن تنكسر الحِرابُ كلها إلا حَرْبة الإسلام السماوية التي لن تنكسر ولن تَفُلَّ حتى تُمزَّق الدجالية تمزيقا.” (مجموعة الإعلانات ج2 ص304-305، إعلان بتاريخ 14/1/1897م)

هذه هي المؤامرة الخطيرة التي خططها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بناء على تعليم القرآن الكريم، ونحن عاكفون الآن على تنفيذها. لذا فادعوا أيها المعارضون القوى المسيحيةَ كلها لمساعدتكم، وادعوا القوى الملحدة أيضا التي قامت الأحمدية لإهلاك آلهتها الباطلة. أو ادعوا أولئك الذين قامت الأحمدية عاقدة العزم لإبطال تعاليمهم الباطلة والذين رفضوا تعليم رب العالمين وقدموا التعاليم البشرية الجديدة كمنقذة للبشر. ثم يقول سيدنا الإمام المهدي : “لقد حان الوقت لكي ينتشر في البلاد توحيد الله الحقيقي الذي يشعر به حتى سكّانُ الصحارى والبراري والغافلون عن جميع التعاليم أيضا. عندها لن تبقى في الدنيا أية كفارة زائفة ولا إله زائف، ويد الله القوية سوف تبطل مكائد الكفر كلها، ولكن ليس بسيف ولا ببندقية، بل بتنوير الأرواح المستعدة وإنزالِ النور على القلوب الطاهرة. عندها ستفهمون ما أقوله الآن.” (المرجع السابق ص 305)

خطة لفتح العالم

فهذه هي الخطة التي تخططها الأحمدية والتي تسمونها مؤامرة. لم تبدأ الجماعة بهذا المشروع الآن بل بدأت به قبل أكثر من 90 عامًا، كما تقولون أنتم، وليس في بلد واحد بل في كل بلدان العالم. وهذا هو المشروع الذي بُذِرتْ بذرته الأولى في القرآن. إنه لمشروع ظهرت ملامحه للعيان قبل خلق الإنسان، بل قبل خلق الكون أيضًا حين قرّر الله خَلْقَ سيدنا محمد . ليس من الممكن أن يكون هناك تخطيط لخلق سيدنا محمد دونما تخطيط لفتح الكون معه، لا يمكن الفصل بين هذين المشروعين. فوعْدُ الله الذي جاء في القرآن الكريم أنه بعث محمدًا رسول الله لإظهار الإسلام على الأديان كلها يدل دلالة واضحة على وجود هذا المشروع العظيم، ونحن نبذل كل ما في وسعنا من نفس ونفيس لإنجاز هذا المشروع وتنفيذه. أما أنتم فلا تُوفَّقون للمساهمة فيه، ولا تُوفَّقون لتقديم التضحيات بأنفسكم وأموالكم وكرامتكم، ولا لتكريس حياتكم في سبيل غلبة الإسلام، كما لا تُوفّقون لأن تدرسوا وتتأملوا في الأديان الأخرى فتستخرجوا دقائق علمية جديدة ضدها لتتصدَّوا لها وتتغلبوا عليها بالبراهين والحجج. إنكم محرومون من كل ذلك، وليس في جعبتكم إلا السباب والشتائم، ولا تملكون إلا سيف الجبر والعنف والإكراه. غير أننا نجد أنفسنا بفضل الله في وضع محسود. ونجد ملامحنا مرسومة في خريطة رسمها القرآن، فليس على وجه الأرض أمة هي أكثر منا سعادةً. وأنتم بأنفسكم تبرزون ملامحنا هذه للعالم كله حين تعلنون أن هذه هي الجماعة الوحيدة التي تخطط لفتح العالم. ومن المعلوم حقا أنه ليس من نصيب أية جماعة أو حزب غير جماعة محمد أن تنقذ هذا المشروع العظيم. فإننا راضون بقسمتكم هذه، وأقول لكم: اِفعلوا ما شئتم ضدنا، وأَخرِجوا كل ما في جعبتكم، وأجمعوا علينا قواتكم ما استطعتم، وقوموا بدعاية ضدنا في العالم كله أن الأحمدية تشكل خطرا عليهم جميعا، إلا أننا لن نرتدع من تنفيذ مشروعنا هذا، ولن نتأخر قيد شعرة خوفًا منكم، لأننا خدام محمد . لقد اتخذناه سيدًا ومطاعًا، فلن نتخلى عنه، لأن خدام محمد لم يعرفوا التخلف في وقت من الأوقات، لأنهم لم يُخلَقوا من مادة يشوبها الجبنُ.

فإننا سوف نتقدم ولن نفتأ نتقدم بفضل الله تعالى في هذا المجال بل في كل المجالات، وفي كل ناحية. لن نطمئن نحن ولا أجيالنا المقبلة، كبارا وصغارا، حتى ننتزع تاج محمد من رؤوس الظالمين ونعيده إلى سيدنا محمد مرة أخرى. عندها سوف نطمئن وعندها سوف يَقرّ لنا القرار، وفي هذا السبيل نموت ونحيا. وفَّقَنا الله لرفع راية الإسلام فوق قصور أقوى حكومات العالم وفي أقرب وقت ممكن. فلتكن هناك راية واحدة وهي راية محمد ، وليرتفع هتاف واحد وهو: “الله أكبر، الله أكبر”، و “لا إله إلا الله وحده ولا رسولَ الآن إلا محمد “، الذي هو النبي الأخير بصفته صاحب الشريعة والحكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك