خدمات الحكم العدل
التاريخ: 1985-05-03

خدمات الحكم العدل

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

 

خطبة جمعة ألقاها حضرة مرزا طاهر أحمد – رحمه الله –

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

أُلقيتْ في  3 أيار/مايو عام 1985م في مسجد “الفضل” بلندن

(القسط الأول)

* هي الخطبة السادسة عشرة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا مرزا طاهر أحمد، الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ردّاً على تهمٍ باطلة ألصقتْها بجماعته حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطرٌ رهيب على الإسلام.”

لقد ردّ الخطيب في كلمته على هذه التهمة القائلة بأن الأحمدية تختلف عن بقية المسلمين في معتقداتهم الدينية بل وفي كل شيء له صلة بالدين. ثم استعرض أفكارهم الواهية عن الله وعن الملائكة وعن الأنبياء الأطهار وقال: إذا كانت هذه معتقداتكم فلا شك أن معتقداتنا هي غير معتقداتكم الفاسدة التي بُعث المسيح الموعود لإصلاحها. وإن الجماعة الإسلامية الأحمدية تتمسك بنفس المعتقدات والأفكار التي قدَّمها سيدنا رسول الله .

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)

الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (إبراهيم: 2-4)

ميزة فريدة لنور المصطفى

الآيات التي اخترتها لخطبتي اليوم تذكر صفة مميزة للنبي ، وهي أنه يُخرج الناسَ من الظلمات إلى النور. إنها – من منظور – صفة متميزة له بمعنى أنه هو الشخص الوحيد من بين جميع البشر الذي كلّفه الله بهذه المهمة العظيمة، ووهبه قدرة خارقة على إنجازها، ولكن من منظور آخر، لا تبقى هي صفة متميزة له فقط إذ أقام الله تعالى في أمته خدَّاماً له قد تابعوا تحقيق هذا الهدف النبيل، وسيُقيم الآخرين في المستقبل أيضاً. لأن النور الذي يدعو إليه نبي من أنبياء الله تتصاعد دائماً أصوات أخرى أيضاً منسجمة مع صوته، ويشترك معه في مهمته كثير من خدّامه وأتباعه، وهكذا تضيء مصابيح الهداية في كل حدبٍ وصوب. وقد ألقى سيدنا محمد المصطفى ضوءاً على هذا الموقف الخلّاب بأسلوبٍ جذّاب للغاية إذ قال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.” أي أنّ أصحابي يتلألأون في سماء الروحانية كالنجوم. لقد اقتبسوا من نوري فأصبحوا نورانيين لدرجة أنكم لو اقتديتم بأحدٍ منهم اهتديتم.

ثم يقول الله في هذه الآيات:

… بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

أي أن محمداً كُلِّف بهذه المهمة الجليلة من ربهم. علماً أنّ تعبير “ربهم” لا يُستعمل حين يكون الخطاب موجهاً إلى النبي ، بل يستخدم تعبير “ربك” لهذا الغرض. أما تعبير ” ربهم” الوارد في الآية الآنفة الذكر فقد استُعمل للفت انتباه المخاطَبين إلى أنَّ النبي هو الذي يدعوكم في الظاهر، ولكن الأمر ليس مختصاً به فحسب، بل تذكّروا أنّ الأمر أمر ربكم، ويتحتم عليكم أن تلبّوا دعوته إذا دعاكم إلى الهداية، وفِرُّوا إلى النور الذي يدعوكم إليه.

ثم يُلقي الله ضوءاً أكثر على كلمة “ربهم” فيقول: إنه رب السماوات والأرض، فلو أعرضتم عن أمره فلن تجدوا ملاذاً ولن تحظوا بنجاة أبداً.

عاقبة السالكين المسالكَ المعوجّةَ

ثم يقول الله تعالى

وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ،

أي أنَّ الذين يرفضون هذا الأمر سوف يلقون عذاباً أليماً. وهناك من الأشقياء:

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ،

ولا يكتفون بذلك بل يسدّون طريق الآخرين أيضاً حتى لا يتبعوا الهداية، ويبغون سبيل الله عِوجاً، ويريدون أن تكون سبل الله أيضاً معوجّة مثل طبائعهم ويبغون أن يتبع الناس سبيلهم دون سُبل الله .

ثم قال: أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ وفي ذلك إشارة إلى أنَّ أصحاب الأفكار المعوجّة لا ينجون، بل تصبح نجاتهم أمراً مستبعداً لأنهم في ضلالهم يعمهون باستمرار بحيث يصلون في تماديهم إلى أبعاد شاسعة حتى تستحيل لهم العودة منها. وهذا يعني أنه لا بُدَّ لنا من دعوة أئمة التكفير – الذين يدور الحديث عنهم – إلى الهدى، ولكن بينهم بعض الأشقياء الذين يضلون ضلالاً بعيداً ويتمادون بحيث إنّ الأمل في رجوعهم يغدو ضئيلاً جداً.

أهم واجبات المهدى المنتظر

إنَّ إخراج الناس من الظلمات إلى النور من الناحية الدينية لهميَ مهمةٌ قٌدِّر للإمام المهدي وحده أن يُكلَّف بها في اتباع رسول الله . فقال النبي عنه بأنه سيكون “حَكَماً عَدْلاً”، وسيَظهر حين تصير سُبل الدين معوجّة من جرّاء ابتداع الناس طرقاً أخرى داخل سبل الله ، ويكون الإسلام عُرضةً للتحريف والتغيير، وتكون الخلافات بين المسلمين قد تجاوزت الحدود كلها، عندها سوف يظهر المهدي ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور. ولذلك وُصف المهدي في الحديث بكلمات: “حَكَماً عَدْلاً” لأنه لا بد أن تظهر خلافات حتى يأتي هو “حَكَماً عَدْلاً”، وسوف يُبعث عندما يطفو الظلم والجور على السطح في تعامل الناس فيما بينهم. إذن فكان من المفروض أن يظهر المهدي لتسوية الخلافات الشديدة الظاهرة في العالم ولإصلاح أفكار الناس الفاسدة عن الإسلام. هذا هو الوضع الذي ذكره سيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد ، الخليفة الثاني للإمام المهدي قائلاً:

“لا تزال ترنُّ في أذنيَّ كلماتٌ تفوَّه بها سيدنا المسيح الموعود إذ قال: ” ليس صحيحاً أننا نختلف مع الآخرين في مسألة وفاة المسيح الناصري وفي بعض المسائل الأخرى فقط، بل نختلف معهم في ذات الله ، والنبي والقرآن، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة أيضاً. فبيّن حضرته بالتفصيل أننا نختلف معهم في كل شيء.”

مغالطة الكتيّب الحكومي

لقد قدَّموا – بقصٍّ ولزق – الفقرة المذكورة بكل زهوٍ في الكتيّب الحكومي واستنبطوا منها أنَّ الأحمديين قد أقرّوا بأنفسهم أنَّ إسلامهم غير إسلامنا. فقالوا:

“يعتقد القاديانيون بأنّ وجه الخلاف بينهم وبين المسلمين الآخرين ليس النبوة فقط التي أعلنها الميرزا غلام أحمد، بل إنّهم يدَّعون أنَّ إِلَههم وإسلامهم وقرآنهم وصيامهم بل كافة معتقداتهم تختلف عن المسلمين. فقد اعترف بذلك الميرزا بشير الدين محمود أحمد بن الميرزا غلام أحمد القادياني في خطابه المنشور في جريدة “الفضل” 30 يوليو/تموز عام 1931م…” (الكتيّب ص26) ثم أوردوا الفقرة التي أوردتها آنفاً.

كومةٌ من الكذب

الأمر الأول الجدير بالانتباه هو أنَّ الذي أورد هذه الفقرة في الكتيّب واستنتج منها هذا الاستنتاج، نستطيع أن نقول بكل يقين إنه تعمَّد الكذبَ. إنهم يعرفون جيداً عن معتقدات الجماعة، يعرفها كبار الحكومة وصغارها، كما يعرفها جيّداً العلماء والوزراء أيضاً لأنَّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد أعلن معتقداته للملأ مراراً كثيرة وبوضوحٍ تام. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ سيرة الجماعة وأسوتها مكشوفة أمام المعارضين كصحيفةٍ مفتوحة. فكل واحدٍ منهم يعرفها جيداً، لذلك فقولهم إنَّ الأحمدية تعتقد بإلهٍ غير إلههم، وقرآنٍ غير قرآنهم، وإسلامٍ غير إسلامهم، وصيامٍ غير صيامهم، لهو قولٌ باطل تماماً.

كان المعارضون يقولون فيما مضى إنَّ كلمة الشهادة لدى الأحمديين تختلف عن كلمة الشهادة لدى بقية المسلمين، ولكنهم الآن قاموا بإجراءات اضطروا من جرّائها للبيان أمام العالم أنّ شهادة الأحمديين هي شهادتنا نفسها، ولقد كذبنا من قبل ومازلنا نكذب ونفتري على الأحمديين منذ 90 عاماً، غير أننا لن نسمح لهم الآن بالتمسّك بها. وهكذا فإنّ كذبهم يفتضح للجميع تلقائياً في كل يومٍ جديد. والذي أورد هذه العبارة لا شك أنه خبير في الدجل والتلبيس، وكاذبٌ متعمّد، واحداً كان أم أكثر، هذا لا يهمنا، غير أنّ الحكومة التي نُشر الكتيّبُ بإشرافها لِخِداع العالم كله لمسؤولةٌ عن هذا الكذب الشنيع.

أسلوب بلاغي

لقد قيل من خلال العبارة السالفة الذكر وكأنَّ كل شيء يتعلّق بالدين يختلف لدى الأحمديين عما عند غيرهم من المسلمين. ولكن الأمر ليس هكذا، والعالم كله يعرف جيداً أنَّ من أساليب البلاغة والفصاحة أنَّ القائل في بعض الأحيان يبيّن موضوعاً شاملاً وواسعاً في جملةٍ وجيزة. فعلى سبيل المثال لو قلتَ لشخص: “إنك تختلف عني”، فهل هذا يعني أنك تقصد أنَّ ذلك الشخص ليس إنساناً مثلك بل هو حمارٌ أو كلبٌ وما إلى ذلك؟ كلا! إنما المراد أنه يملك صفات غير التي يملكها القائل، وأنه تغيَّرَ ولم يعد يملك صفات تُعتبر صفات إنسانية شريفة، أما القائل فيتحلى بصفات إنسانية نبيلة، بهذا المعنى بالضبط استخدم سيدنا المصلح الموعود الجُمَلَ السالفة الذكر ليبيّن للأحمديين أنَّ الله لم يؤسّس هذه الجماعة لسببٍ بسيط فقط، بل الحق أنَّ أفكار معارضي الأحمدية عن الله وعن القرآن والملائكة والأنبياء والآخرة والجنة والنار والحياة بعد الممات، أي أفكارهم عن الأمور الدينية الأساسية، تختلف عن أفكار الأحمدية. إنَّ الأحمدية تعلن جهاراً، ولا تزال تكرر إعلانها منذ 90 عاماً أنها تؤمن بالإسلام الذي جاء به سيدنا محمد المصطفى وتؤمن بالإله الذي هو إله محمد المصطفى ، وعقيدتها عن الملائكة هي العقيدة نفسها التي جاء بها سيدنا محمد ، وقرآنها هو ذلك القرآن الذي نزل على قلبٍ طاهرٍ لمحمد الطاهر، كذلك فكرتها عن الجنة والنار هي نفس الفكرة التي قدَّمها القرآن الكريم والتي ثَبتتْ من السنّة النبوية الشريفة، إلا أنهم حاولوا تشويه الحقائق عمداً في الكتيّب الحكومي.

أما فيما يتعلّق بالخلافات الأخرى فقائمتها طويلة جدا، وقد تأخرت من المجيء لإلقاء الخطبة لسبب وحيد وهو أنني كنتُ أحاول قُصارى جهدي منذ أسبوع لاختصار الموضوع بشكلٍ من الأشكال، وانتقاء بعض المقتبسات الهامة في هذا الصدد وترك بعضها الأخرى جانباً، ولكنها من الكثرة بحيث يمكن أن تكفي لما يقارب من عشر خطب، ولكنني سأحاول تلخيصها في خطبة واحدة.

طريق البحث عن الحق

من الواجب على المتقي الورع والباحث عن الحق بنيّةٍ صادقة أن يُورد كل ما قاله سيدنا أحمد عن الله ، ثم يُورد إزاءه أقوال المعارضين للأحمدية في الموضوع نفسه، ثم يقدّم أمام العالم مقارنة عادلة بين الفريقين، ويوضح للناس أنَّ إله الأحمديين هو غير إلهنا حسبما ورد في مصادر الفريقين، ليعرف الجميع من يتمسك بالاعتقاد الصحيح في الله ومن يتشبث بالاعتقاد الخيالي الذي ليست له علاقة بالحقيقة. كذلك كان من واجب المحقق الورع أن يُقدّم كل ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عن النبي والملائكة، والكتب السماوية، والأنبياء الآخرين، ثم يذكر إزاءه أقوال علمائهم أيضاً في الموضوع نفسه، ثم يوضح بأنّ هذه هي أفكار الأحمدية وتلك هي أفكار علمائنا. بما أن مؤلّفي الكتيّب الحكومي لم يفعلوا ذلك، لذا سوف أُقدّم فيمايلي مقارنة عابرة فقط بين الفريقين لضيق الوقت.

تصوّر الشيعة عن الله  

أُقدّم لكم أولاً أفكارهم عن الله تعالى. فقد ورد في كتبهم:

“سيدنا علي إله.” (تذكرة الأئمة ص91)

وجاء في كتاب آخر:

“سيدنا علي إله ومحمد عبدُهُ.” (مناقب مرتضوي، حياة القلوب ج2، باب رقم 49)

وورد أيضاً:

“سيدنا علي ابن الله.” (مجلة نورتن ص36)

ثم جاء في كتاب “حق اليقين المجلسي في بيان تفضيل أمير المؤمنين على سائر الأنبياء” ص28 ما معناه: سيدنا علي أفضل من جميع الأنبياء.

معتقدات وثنية للبريلويين

أما فيما يتعلق بمعتقدات البريلويين فإنهم لا يوزعون صفات الله وقدراته على عباده الأحياء فقط بل على الأموات أيضاً، وكأن قبور هؤلاء الأموات أيضاً تملك قدرات مثل قدرات الله ، وأصحابها شركاء الله في تلك القدرات. وبسبب هذه الأفكار تجدون في باكستان مئات الألوف من القبور قد علَّق عليها هؤلاء القوم شارات وأعلاماً من أقمشة بالية ذات ألوان مختلفة تبركاً وييمُّناً كما يزعمون. فلكل قبر من تلك القبور أهميته وشأنه – حسب زعمهم – منها ما يتوسلون إليه للبرء من الأمراض كالسل أو غيره، ومنها ما يتضرعون إليه ليرزقهم أصحابُها الأولادَ الذكور أو الإناث.

إنَّ البريلويين لا يتوسلون إلى الأحياء فقط، بل إلى الأموات أيضاً لقضاء كافة الحاجات التي لا يقضيها إلا الله وحده، ولجميع الحوائج التي لا يمكن لعبد أن يتصور سؤالها من غير الله . ثم يقدّمون على موقفهم هذا مبررات شرعية حسب زعمهم. فيقول المولوي أحمد رضا خانْ البريلوي في كتاب “أحكام الشريعة” ج2 ص 106 مسألة 2، مستدلاً بقوله تعالى: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ : “إن قيام أولياء الله ببعض الأعمال وهم في قبورهم حقٌّ بلا ريب، أي أنهم يتصرَّفون، من داخل قبورهم، في أمور الدنيا، فيعطون بعضاً ويحرمون بعضاً، ولا شك في ذلك.”

فقد استنبط من هذه الآية أنَّ الذين يئسوا من الأموات وقدراتهم، كلهم كفار. وكأنَّ النص القرآني الصريح يقول حسب رأيهم: إنَّ الأموات شركاء لله بسبب تصرفاتهم هذه، وإنَّ الذين قد يئسوا من هذا الأمر كفارٌ دون شك. ولكن الواقع أنَّ هذه الآية لا تعني بتاتاً ما ذهبوا إليه، وإنما المراد منها أنَّ هؤلاء قد يئسوا من الآخرة كما يئس غيرهم من الكفار من بعثة أصحاب القبور.

كذلك قال حكيم الأمة (كما يسمونه) المفتي أحمد يار خانْ النعيمي، العالم المعروف للطائفة البريلوية:

“يقول (الله ) ما لا ينفعك ولا يضرك أي لا تَدْعُ مَن لا يضر ولا ينفع في حد ذاته. فثبت من ذلك أنَّ الأوثان لا تنفع ولا تضر فلا تَدْعُها. وبما أنَّ الأنبياء والأولياء ينفعون ويضرون لذا فَادْعُهُمْ.” (المواعظ النعيمية، ج2 ص 294).

هذا تصوُّرهم عن الله !!

معتقدات باطلة للديوبنديين

وهناك تصوّر آخر تعتنقه طائفة أخرى من علماء الفرقة نفسها مما يجعلهم يتشاجرون فيما بينهم في هذه الأمور. فطائفة تقول باشتراك العباد العاديين حتى الأموات منهم في صفات الله، وفرقة ثانية تُدخِل اللهَ في عداد العباد المذنبين، وتقول: إنَّ الله أيضاً يملك القدرة على ارتكاب الذنوب. فجاء في كتاب الطائفة الديوبندية:

“لا نعتقد أنَّ صدور الكذب من الله محال في حدِّ ذاته وإلا وجب تفَوُّقُ قدرة الإنسان على قدرة الله.” (يك روزي للمولوي محمد اسماعيل، مطبعة فاروقي ص 145)

لقد جرت بين المشايخ مناقشات طويلة حول هذا الموضوع، ولم يكتفوا بإمكانية صدور الكذب من الله بل زادوا وقالوا:

“كيف يمكن اعتبار الأفعال القبيحة خارج نطاق قدرة الله القديمة.”

وورد أيضاً:

“الأفعال القبيحة في مقدور الله تعالى.”

ثم جاء في مكان آخر:

“يعتبر أهل الحق الأفعالَ القبيحة في مقدور الله تعالى مثل الممكنات الذاتية الأخرى.” (الجهد المقل، ج 1، ص 41)

ويعجز الإنسان عن بيان تلك الأفعال القبيحة التي أحصوها في هذا الصدد. لا شك أنَّ الكلام كلامهم ومع ذلك يستحي الإنسان من إعادته. يقولون:

“والذين يُعارضون فكرة قدرة الله على السرقة وشرب الخمر والجهل والظلم إنما يفعلون ذلك بسبب قلة الفهم… وليس من الضروري أن تفوق قدرة الله على قدرة الإنسان، بينما القاعدة الكلية أنَّ كلّ ما كان بمقدور العبد، كان بمقدور الله.”

(تذكرة الخليل لعاشق إلهي الميرتهي، مطبعة مشن ميرتهــ ص86 مقال السيد محمود الحسن، المنشور في جريدة نظام الملك بتاريخ 25 آب/أغسطس 1889م)

فكلتا الطائفتين من المشائخ أفسدت في الحقيقة التصورَ عن الله من خلال هذا الكلام البذيء الذي هو إهانة كبيرة في حق الله . إحداهما ترفع منزلة العباد لدرجةٍ توصلهم إلى مراتب إلهية. أما الثانية فتُخفض منزلة لدرجة تجعله متساوياً مع العباد.

أقول: هذا الإله الذي يُقدِّمونه ليس ذلك الإله الذي كان قد تجلَّى على سيدنا محمد . وهذا الإله ليس ذلك الإله ليس ذلك الإله الذي هو رب الكون، والذي هو نزيه عن كل عيب ونقيصة، والذي يُسبّح له ما في السماوات وما في الأرض ويحمده ليلَ نهارَ. فأين أفكارهم التافهة من هذا التصوّر الأرفع والأسمى عن الله تعالى؟

إذن فإننا نؤمن بربّ محمد ، ونُعلن على الملأ أنه إذا كان إلهكم هذا الذي وصفتموه بأفكاركم المذكورة أعلاه فنقول حلفاً بالله إنَّ إلهنا غير إلهكم.

لقد نُسِجت عن الله تعالى قصصٌ غريبة تُقدّمه ككائن ضعيف مضطر أمام العباد، وتجعل عباده الضعفاء شركاء له في صفاته لدرجة تترك الإنسان في حيرة من أمره. فمن بين تلك القصص هناك قصة طويلة عن معجزات الشيخ عبد القادر الجيلاني، تبيِّنُ كيف نبشَ حضرته سفينةً غارقةً منذ 12 عاماً مع رُكّابها. فجاء في كتاب شهير للبريلويين:

“إنّ عجوزاً كانت في موكب زواج ابنها الوحيد. وعندما أرادوا اجتياز البحر في السفينة هاجَ النهر، فغرقت السفينة في وسط النهر وبالتالي فَقَدت العجوزُ ابنها. فظلَّت جالسةً على ضفة البحر إلى 12 عاماً، وكانت تغدو وتروح إلى النهر – لتملأ جرَّتها في بادئ الرأي – وتنحب ابنها صباحَ مساءَ. ففي أحد الأيام حدث أنّ مرَّ الشيخ عبد القادر الجيلاني من هناك، فشاهد حالةَ العجوز وسألها عمّا يُقلِقها. فقصَّت قصَّتها فقال: لا تقلقي، ثم ركّز قليلاً فطفحت على السطح السفينةُ الغارقة منذ 12 عاماً. فخرج أصحاب الموكب سالمين وضاحكين مسرورين مع العروس والعريس”. (باقة الكرامات للمفتي غلام سرور، ص21 – 22 طبعة عام 1861م)

هذا هو تصوُّرهم عن الله ! لقد لاحظتم كيف جعلوا عبداً ضعيفاً شريكاً في الألوهيّة حتى استطاع إحياء من أماتهم اللهُ منذ 12 عاماً.

أفكار مُضحكة عن الملائكة

ثم تَصوُّرهم عن الملائكة أيضاً فاسدٌ لدرجةٍ يتحيَّرُ الإنسان ويتساءل أيُّ إسلامٍ يقدِّمونه أمام الناس؟ يقولون:

“لقد اختار الله المَلَكين العَابِدينِ الكبيرينِ، هاروتَ وماروت، من بين الملائكة (لاحِظوا: ليسا من الملائكة العاديين بل اختار الله تعالى المَلَكين العَابِدينِ الكبيرينِ اللذينِ كان الله مُعجباً بعبادتهما) و خلق فيهما أهواءً إنسانيّة كلّها , أرسلهما إلى منطقة بابل في أرض الكوفة، فَشُغِفا حُبَّاً بامرأةٍ جميلة تُسمِّى زهرة البارسيّة، وشربا الخمر من منها. (لاحِظوا كيف يعرفون الأمور بدقة متناهية وتفاصيل دقيقة لتورُّط الملائكة المساكين في حبِّ هذه المرأة). وفي حالةِ السُّكر صدرَ منهما الشِركُ وقتلُ النفسِ عَلاوةً على الزِنا. فَعِقاباً لهذه الذنوب لا تزالُ تحِلُّ بهما أنواع العذاب إلى يوم القيامة.” (أحسن التفاسير للمولوي أحمد حسن المحدّث الدهلوي ج1 ص 108، الناشر: المكتبة السلفية)

أما أفكار الشيعة الواردة في كتبهم حول هذا الموضوع فهي كمايلي:

“نظرا إلى قلة حيلة الإمام الحسين ، ألحَّ الملائكة في حضرة الله على أن يسمح لهم بإغاثته (وكأنَّ الله تعالى كان قد منعهم من ذلك، لأجل ذلك كان الملائكة يُصرّون على الاستئذان)، وفي نهاية المطاف أَذِنَ لهم، ولكن (وللأسف) عندما وصل الملائكة إلى الأرض كان حضرة الإمام حسين قد استُشهِد.” (جلاء العيون الباب الخامس، الفصل 14 ص 498 والفصل 17 ص 539)

وكأنَّ الله تعالى أذِنَ للملائكة متأخراً قليلاً لذا لم يتمكن الملائكة من إغاثته! فكم هو مضحكٌ تصوّرهم عن الله والملائكة، ورغم ذلك يهاجمون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، الحَكَم العَدْلَ. لو قرأتم كتبه لعرفتم عظمة الله والملائكة والكتب السماوية والأنبياء الكرام. والأفكار التي يقدّمها معارضو الأحمدية لا تبلغ عشر معشار عظمة أفكار سيدنا أحمد التي استمدّها من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، ثم قدّمها أمامنا بكلماته الطاهرة.

وهناك قول آخر للشيعة في هذا الصدد جاء فيه:

“وقال مَلَكٌ (لسيدنا علي ): السلام عليك يا وصيَّ رسول الله وخليفته. ثم استأذن باللقاء مع خضر، فأذن له سيدُنا علي بذلك. فقال سلمان الفارسي الذي كان واقفاً بالقرب منه، ألا يستطيع حتى الملائكة أيضاً لقاء أحد دون إذنك؟ فقال (علي ): “والذي رفع السماوات بغير عَمَدٍ ترونها لا أحد من الملائكة كلّهم يستطيع أن يترك مكانه للحظة دون إذني، والحال نفسه بالنسبة إلى ابنيَّ حسن وحسين وأبنائهما.” (المجلة “دُرُّ النجف” الصادرة في مدينة سيالكوت عدد “الحق مع علي” رقم 60، عدد 15 فبراير 1960م)

يقول الله في القرآن الكريم عن الملائكة: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم: 10)، ولكنهم يقدّمون عن الله تعالى والملائكة فكرة مشوَّهة تماماً، وكأنهم لا يستطيعون أن يُحرِّكوا ساكناً دون أمر سيدنا علي، ولا شأن لهم أبداً مقابله.

أفكار فاسدة عن القرآن الكريم

كذلك قيل في الكتيّب الحكومي: إنَّ قرآن الأحمديين يختلف عن قرآن بقية المسلمين. وبالمناسبة أودّ أن أوضِّح لكم أمراً عن القرآن الكريم وهو أنَّ ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في حب القرآن الكريم وعشقه نظماً ونثراً يبلغ من العظمة مبلغاً لا مثيل له. ولو جمعنا كل ما قاله الصلحاء الأسلاف جميعاً في هذا الشأن لما بلغ – كيفاً وكمّاً وعلوماً ومعارفَ – عُشرَ مِعشار ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في مدح القرآن العظيم. يمكنكم أن تقرؤوا كلام أيٍّ من الأسلاف في مدح القرآن الكريم لن تجدوا أبداً في كلامه من العشق والشوق ما يوجد في كلام سيدنا أحمد . ولنِعْمَ ما قال سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في بيت شعر ما تعريبه:

“أتمنى دائماً يا ربِّ أن أُقبِّل مصحفك، وأطوف حول القرآن، فهو كعبتي.” (قاديان كي آريا اورهم، الخزائن الروحانية ج 20 ص 457)

هذه الكلمات لا يمكن أن يتفوَّه بها إلا العاشق الصادق. فالخدمة التي أسداها سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لنشر علوم القرآن الكريم ومعارفه في العالم، وتنزيهه عن تهمٍ مزعومة كانت من نصيبه وحده. ومن هذه التهم التي كانت لسوء الحظ تُلصق بالقرآن من قِبل العلماء المسلمين تهمة وجود النسخ فيه، رغم أنَّ القرآن أسمى وأرفع من أي نوع من الشك والريبة والنسخ. والاعتقاد بالنسخ في الحقيقة أكبر الهجمات على القرآن الكريم، لأنه لو وُجِدَ فيه النسخ، ووجَد المشائخُ فرصةَ اعتبارِ بعض الآيات ناسخة وبعضها منسوخةً لما بقي له أي اعتبار. إنَّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود هو أول مَن قال بوضوحٍ تامٍّ بأنه لم ولن تُنسخ ولو نقطة واحدة من القرآن الكريم إلى يوم القيامة. وقال: إنه لكتابٌ كامل، وسوف يبقى محفوظاً مصوناً إلى الأبد، ولن يحدث فيه تغيّر أو تبدّل إطلاقاً.

أما الأفكار التي قدَّمها العلماء المعارضون لنا وبعض من الأسلاف أيضاً فسأقرأ على مسامعكم بعضاً منها كغيضٍ من فيض. يُعتبر “تفسير الصافي” كتاباً هاماً جداً عند الشيعة جاء فيه:

“القرآن الأصلي مفقود، أما الموجود بين أيدينا فأيضاً هناك عشرة أجزاء مفقودة منه. وهناك تحريف وتغيير في بعض الآيات.” (تفسير الصافي، الجزء 22 ص411، وتفسير لوامع التنزيل للسيد علي الحائري ج4)

والشيخ علي الحائري لا يقول بفقدان عشرة أجزاء من القرآن فقط بل يذكر أسماء عدة سور أيضاً تلك الأجزاء المفقودة، منها سورة “النُورَين” التي تبدأ من “يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورين وتنتهي بـــــ “والحمد لله رب العالمين.” (تفسير لوامع التنزيل ج14 ص15-26 نقلاً عن نشرة “ملخص معتقدات الشيعة”) *

كان هناك أخ في جماعتنا اسمه القاضي محمد يوسف المرحوم يسكن في إقليم “سرحد” بباكستان، وكان مُعجباً بجمع كتب الشيعة، وفي مكتبته هناك مجلة “نورتن” الناطقة باسم الشيعة، فجاء في الصفحة 37 منها: “كان القرآن قد نزل على سيدنا عليّ “. مما يعني أن نزول القرآن على سيدنا محمد المصطفى كان عن طريق الخطأ.

لقد قُدِّمت في كتب الشيعة المختلفة تأويلاتٌ متنوعة لاعتقادهم هذا. فمنهم من يقول إنّ ملامح عليّ كانت تُشبه ملامحَ سيدنا رسول الله لذا وقعَ جبريل في الخطأ. ويقولون أيضاً: إنّ سيدنا رسول الله كان جالساً فجاء جبريل وحسِبَه عليَّاً وأنزل عليه القرآن، ثم اضطرَّ لإنزال القرآن كله على سيدنا محمد بسبب وقوعه في الخطأ في المرة الأولى. فالأباطيل التي نسبوها إلى القرآن الكريم من خلال تفاسيرهم المزعومة تفوقُ الحصرَ والعد. ولو لم يُبعَثْ سيدُنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لقضى هؤلاء على تصوُّر ذلك القرآن الذي نزل على محمد المصطفى ، والذي هو نورٌ على نور. إنّ القُدرةَ التي يمتلكها المشائخ للإخراجِ من النور إلى الظلمات لهي غريبةٌ للغاية. إنّ القرآن الكريم يبلغ من الكمال والشموليّة بحيث يقول الله عنه: لا ريبَ فيه ، ولكنهم ألقوا عليه حُجبَ الظنون والرَيبة، وجاؤوا، بعد بذل جهدٍ كبير، بأمورٍ تؤدي إلى الظلام والظلمات لدرجةٍ تُحيِّر العقول.

رأيهم عن تعاليم القرآن

الفكرة عن الكون التي يُقدِّمها هؤلاء المشائخ من منظور القرآن، حسبَ زعمهم، لو قُدِّمت أمام الناس لكفى لهم عُذراً لرفضهم إلَهَ الإسلام. هناك عالِمٌ يَدَّعي بكونه محقِّقاً كبيراً، فإنّه يستدلُّ من الآيات:

وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: 41)

اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (الرعد: 3)

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا (الفاطر: 42)

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ (الأنبياء: 32)

ثم يقول:

“ودوران الأرض أيضاً مستحيل، وإلا لوجب أن تتغير اتجاهات مساكن الناس دائماً. فمثلاً لو كان مسكني متجهاً إلى المغرب صباحاً لاتّجه إلى المشرق مساءً، وإلى اتجاه آخر ظُهراً، ولكن هذا لا يحدث….. فهذا يعني أنه لا تتحرك السماء ولا الأرض، بل كلتاهما ساكنة جامدة. فالله قد فنّد رأي العلماء المعاصرين برفضه فكرة دوران الأرض والسماء في عدّة مواضع. والبراهين العقليّة الدالّة على سكون الأرض والسماء كثيرةٌ أيضاً، غير أنه لا أهميّة لها في حالة وجود قول الله تعالى”. (العطايا الأحمدية في الفتاوى النعيمية ص186 -188)

وهكذا ينسِبُ هذا الشيخ ُحمقهُ وغباوته كلها إلى الله تعالى. ثم يُضيف قائلاً:

“إنّ دراستي أيضاً تؤكِّد على أنّه لا توجد قوّةُ الجاذبيّة في شيء إلا المغناطيس”.

أقول: لقد مرَّتِ الدنيا بعصر نيوتن، ومرَّتْ بعصر آينشتاين أيضاً، والآن تمرُّ بعصر صاحب الفتاوى النعيمية الذي يقول:

“إنّ دراستي أيضاً تؤكِّد على أنّه لا توجد قوّةُ الجاذبيّة في شيء إلا المغناطيس. والقرآن يرفض وجود قوة الجاذبية في الأرض”.

ثم يستنبط – حسب زعمه – من الآية الكريمة: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ويقول:

“تهبط الأحجار من خشية الله. فاتَّضح أنّ كلّ شيء بما فيه الأحجار تهبط بنفسها وليس بسبب جاذبيّة الأرض، لأنّ دلالة النص لفعل “يهبط” في الآية المذكورة هي أنَّ خالق الكون ذكرَ الأحجارَ في صيغة الفاعل في “يهبط”، في حين يعتبر العلماءُ أنّ الفاعل هو قوّة الجاذبيّة. وهناك آياتٌ وأحاديثُ أخرى كثيرة ترفض قوة الجاذبية. وسببُ هبوط الأحجار في الآية الكريمة هو خشيةُ الله لا قوّة الجاذبيّة”. (المرجع السابق ص194)

لا نملك إلا أن نحوقل على هذا العقل والعلم. أهذه اعتقاداتكم بالله والقرآن أيُّها المعارضون؟ وهل تقدِّمون القرآن كهذا للناس ثم تطلبون منهم الإيمان به؟ كم هي عظيمةٌ مِنَّةُ سيدنا أحمد علينا إذ أخْرَجَنا من الظلمات المنتشرة في كلِّ حدْبٍ وصوب، وأعادنا إلى النور الذي كان قد أُنزِلَ على قلبٍ طاهر لمحمد .

وهذه ليست حالة العلماء المعاصرين فقط، بل هناك من الظلمات ما خلقه الناس في أزمنة مختلفة وألقوا الحُجب، إنْ صحَّ التعبير، على مفاهيم القرآن الكريم المليء بالحِكَمِ والمعارف. وسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد مزَّق تلك الحجب كلها، وقدَّم القرآن الكريم وأنواره بصورتها الأصليّة القادرة على التغلُّب على العالَم. أما هؤلاء الناس فقد ارتكبوا ظُلماً عظيماً بإلقائهم الحجب على تعليم القرآن الحكيم. حتى إنَّ العلّامة ابن جرير – الذي كان من الصلحاء العِظام في عصره، ومن الكُتَّاب المعروفين – لم يكن استثناء من الذين تأثَّروا بظلمات عصرهم. لقد أورد العلّامة الآلوسي في تفسيره “روح المعاني” رواية للعلامة ابن جرير تقول:

“خلقَ الله تعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها، ومن وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الدنيا مترفرفة عليه. ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرّات ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها. ثم خلق وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عدَّ سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة جبال. ثم قال: وذلك قوله تعالى: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ (روح المعاني، ج26، ص171، دار إحياء التراث، بيروت)

نموذج تفسير المودودي

أما فيما يتعلق بالشيخ المودودي فتفاسيره أيضاً طريفة جدّاً، إنْ صحَّ التعبير. سوف أقتطف لكم نموذجاً واحداً من تفسيره الشيِّق، يقول أولاً: “لقد وردت في كل سورةٍ من القرآن الكريم مضامينُ شاملة وواسعة بحيث يستحيل انتقاءُ عناوينها الجامعة والشاملة حسب مضامينها”. (تفهيم القرآن ج1 ص46)

جملته هذه البسيطة ظاهرياً تضعنا أمام وقفةً تأمُّليّة مُحرِجة، لأنّه إذا كان الأمر كما يزعم هو فماذا عن تلك العناوين التي وضعها الله تعالى لهذه السور، مثل “البقرة” و “يوسف” و “محمد”، و”المدثِّر”. فهناك أسماءٌ كثيرة لسور القرآن الكريم، ولكن لا أهمية لها إطلاقاً في رأي المودودي لأنه إذا استحال انتقاء العناوين المناسبة للسور حسب مضامينها الشاملة الواسعة فالعناوين التي وضعها الله للسور تصبح غير جامعة وغير شاملة، وغير فصيحة أيضاً في الوقت نفسه.

هذا القول قمة في الجهل والغباوة، ويمثّل هجوماً غاشماً على فصاحة القرآن وبلاغته لدرجة يترك الإنسان في حيرة من أمره، فيتساءل كيف يأتي بهذا التفسير شخص يدَّعي بكونه عالماً.

الحقيقة أن المودودي لا يقدر على فهم مضامين السور ولا يستوعب صلة عناوينها بمضامينها ثم ينسب قصور رؤيته إلى الله . هذا هو تفسيره ومع ذلك يبالغ أتباعُه في مدحه ويتشَّدقون في العالم كله أنه فسّر القرآن تفسيراً في غاية الروعة.

ويقول المودودي في هامش تفسير سورة الصافات والدخان ص 42 في عبارةٍ طويلة سألخّصها لضيق المجال.. في شرح موضوع “الحُور”:

ربما المراد من الخيام في حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ هي الخيام التي تُنصب للأمراء والرؤساء في المتنزّهات حيث تكون الحور محبوسات في الخيام. ثم يقول: إنَّ الحُور المشار إليهنَّ في الحقيقة بناتٌ قاصراتٌ لغير المسلمين. وبما أنهنَّ لا يقدرن على دخول الجنة لذا سوف تنصب لهنَّ الخيام في الحدائق خارج الجنة. والأبرار الذين يُقيمون مع النساء الصالحات سيودُّون أن يبقوا على لقاءات معهمَّ أيضاً وأن يبيتوا معهنّ الليالي. فيسمح الله تعالى لهم أن يعودوا إلى زوجاتهم بعد قضاء الليالي مع بنات غير المسلمين الجميلات المذكورات اللواتي يكُنَّ عندها قد بلغن سنَّ الشباب. (تفهيم القرآن ج 4 ص 28-29)

ثم يقول في تفسيره ما تعريبه:

“إنَّ الله سيهب لأهل الجنة إياهنَّ كنعمةٍ منه بصورة نساءٍ جميلات ليتمتَّعوا بصحبتهمَّ. لكنهنَّ لَسْنَ من قبيل الجِنِّيَّات والأرواح لأنَّ الإنسان لا يأنس إلى صحبة جنسٍ غير جنسه.” (تفهيم القرآن ج 5 ص 272)

وكأنه يقول بأنه من الخطأ القول عن الحور إنهنَّ كيان روحي. وبما أنه يعتقد بكون الجنة مادية، لذا اختلق القصة كلها. يقول: بأننا نكون هناك بأجسام مادية متكونة من اللحم والدم كأجسامنا في هذه الدنيا، وبما أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يقضي حاجاته بصحبة الجنّات وما شابهها، لذا لا بد أن تكون هناك الحور بأجسام مادية متكونة من اللحم والدم.

ومن أين سيؤتى بهنّ؟ بما أنَّ النساء المسلمات يكُنَّ في الجنة كزوجات أو بصورة الأقارب لأهل الجنة لذا فقد أبعد المودوديُ النجعةَ إذ أوجد سبيلاً غريباً، فقال: إنَّ بنات غير المسلمين اللواتي مِتْنَ وهنَّ قاصرات سوف يؤتى بهنَّ بصورة الحُور! لاحِظوا مدى تقديره واحترامه للقرآن الكريم. لقد تجاوز الأدب كلها لدى التفوّه بهذه الكلمات ثم نسبها إلى القرآن الكريم كمعارف قرآنية، والعياذ بالله. يحتار الإنسان من أمره نظراً إلى مكانة القرآن الكريم عنده.

وهناك بحثٌ آخر قد أُثير في كتاب “رد المحتار على درّ المختار” ج1 ص 154، وهو كتاب الفقه للأحناف والمعترف به لدى الطائفة الديوبندية والبريلوية كلتيهما، جاء فيه:

إذا أُصيب أحدٌ بالرعاف فلتُكتَب سورةُ الفاتحة بالدم على جبينه وأنفه، وهذا يجوز للحصول على الشفاء. كذلك يجوز كتابة سورة الفاتحة بالبول أيضاً. انظروا هذا دينهم! وهذه هي جساراتهم على ارتكاب الإهانات!!

* هذا المقتبس مأخوذ من إعلان نشرته منظمة تنظيم المساجد لأهل السنة ال الكائنة في مدينة غوجرانوالة بباكستان بعنوان: “ملخص معتقدات الشيعة”، إنني لم أتمكن من التحقيق فيه، ولكننا فحصنا في هذا الصدد كتباً أخرى حيث توجد مثل هذه المقتبسات.

Share via
تابعونا على الفايس بوك