غاية الحج
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكِ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلهُ حاضري المسْجِدِ الحرام واتقوا الله واعلموا أَنَّ الله شَديدُ العِقاب (197)

التفسير:

من هنا يبدأ ذكر الأحكام الخاصة بالحج والعمرة. الحج ركن هام من أركان الإسلام. وكل من يريد حج بيت الله الحرام عليه أن يُحرم عند وصوله إلى الميقات. والميقات اسم للأماكن التي يُحرِم من عندها الحجاج بحسب التعاليم الإسلامية. والميقات للحجاج القادمين من المدينة المنورة “ذو الحليفة” ولأهل الشام “الجحفة ” ولأهل العراق “ذات العرق” ولأهل نجد “قرن المنازل ” ولأهل اليمن “يلملم ” وميقات الحجاج من باكستان أيضا يلملم، ويحرمون داخل السفينة بإزائها. ومن هم دون هذه المواقيت لا حاجة بهم إليها، وإنما عليهم أن يُحرموا من حيث يقيمون.

ويبدأ الإحرام بأن يقُصَّ المحرم شَعره، ويستحم، ويتعطر، ثم يستبدل الثياب المخيطة بإزار حول خصره، ورداء على جسمه، ويترك رأسه حاسرا، ويصلي ركعتين نفلا، ثم يقضي أوقاته في التكبير والتلبية والتسبيح والتحميد، ويردد (لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك). ويجب أن يردد هذه التلبية بعد كل صلاة بصوت مرتفع ولا يجوز للمحرم لبس الثياب المخيطة كالسروال والقميص والبيجاما والمعطف، وأغطية الرأس والجورب، واستخدام العطر، ولبس الثياب المعطرة أو الملونة، أو قص الشعر أو نتفه، أو تقليم الأظافر، أو التفلية من القمل أو قتله، أو صيد حيوانات البر، أو ذبح الصيد، أو تحريض أحد على الصيد، أو إعانة الصائد، أو العلاقات الجنسية، أو الكلام الشهواني أو فحش الحديث، أو ترديد الغناء الفاحش، أو الوقوف مواقف الفسق، أو الفجور، أو الشجار. كل هذه أمور محرمة على المحرم.

ويجوز للمحرم أن يغتسل، ويغسل ثيابه، ويصطاد صيد البحر، ويجب على النسوة أن يلتزمن بكل هذه الأمور.. إلا أنه ليس ضروريا لهن لبس الثياب غير المخيطة، وإنما لهن أن يلبسن الملابس العادية، ويغطين رؤوسهن دون ستر الوجه.

وعلى الحاج أن يراعي آداب الحرم عندما يقترب من حدوده في مكة وما حولها.

وعندما يقع نظره لأول مرة على بيت الله تعالى فليرفع يديه للدعاء، فهذا وقت قبول الدعاء. وعندما يصل إلى البيت الحرام يطوف بالكعبة المشرفة سبع مرات، بادئًا طوافه من عند الحجر الأسود، وإذا أمكن له فليقَبِّل الحجر الأسود في كل شوط، وإذ لم يستطع ذلك فعليه أن يشير إليه بيده. وبعد الفراغ من الطواف يصلي ركعتين نفلا. ثم يقوم بالسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط. ويبدأ أول شوط من الصفا، وينتهي الأخير عند المروة.

ثم يقيم الحاج في مكة المشرفة حتى الثامن من ذي الحجة، وفيه يخرج إلى منى ويصلي هناك الصلوات الخمس من الظهر إلى الفجر، وفي الصباح من يوم التاسع بعد صلاة الفجر يخرج من منى ليصلَ إلى عرفات بعد الزوال، وهناك يصلي الظهر والعصر جمعا، ويبقى في عرفات حتى بعد مغيب الشمس ويقضي أوقاته في الذكر والدعاء والعبادة. وبعد غروب الشمس يرجع إلى المزدلفة ليصلي المغرب والعشاء جمعا، ويبيت هناك منهمكا في العبادة والدعاء، وبعد صلاة الفجر لليوم العاشر من ذي الحجة، وقبل طلوع الشمس يذهب إلى المشعر الحرام ليدعو هناك، ثم يذهب إلى منى. وعندما يصلها بعد طلوع الشمس يرمي فقط جمرة العقبة سبع حصوات، ويردد عند كل رمية (الله وأكبر) ثم يذبح أضحيته ويحلق رأسه. ثم يذهب في هذا اليوم أو اليوم التالي إلى مكة المكرمة ليطوف حول الكعبة. والأفضل أن يقوم بهذا الطواف طواف الإفاضة مساء هذا اليوم. وفي اليوم التالي يرجع إلى منى ليرمي الجمار كلها قبل الزوال بدءًا بالجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم العقبة.. سبع حصوات في كل مرة. ويكرر هذا العمل في اليوم الثالث والرابع أيضا. وتسمى الأيام التالية ليوم النحر: 11و12و13 من شهر ذي الحجة “أيام التشريق”. ومن اليوم الثالث عشر يعود الحاج من منى ويقوم بطواف البيت الحرام طواف الوداع. والذي يقوم بكل هذه المناسك يكون قد أدى فريضة الحج وأرضى الله تعالى.

والعمرة أن يُحْرم الإنسان من داخل الحرم إن كان هناك، أما إذا كان قادما من خارج الحرم فليحرِم من ميقاته. ويقوم المعتمر بالطواف بالكعبة سبع مرات، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصر شعره. وإذا أراد أن يقدم الهَدْي فليذبحه. ولكن ليس بضروري أن يقدم هديا للعمرة.

والفرق بين الحج والعُمرة أن العمرة تؤدّى في أي وقت من السنة، أما الحج ففي شهور معينة.. هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. عن جابر أن رسول الله سئل عن العمرة: أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمروا خير لكم (الترمذي، الحج).

(فإذ أحصرتم فما استيسر من الهدي).. هنا بين الله أنه إذا خرج المسلم بنية الحج أو العمرة، ثم اضطر للتوقف في الطريق لمرض أو حرب أو أي سبب قهري آخر.. فلم يستطع الوصول إلى مكة المكرمة ليقوم بمناسك الحج أو العمرة، فعليه أن يقدّم ما تيسر من الهدي ولا يخرج من إحرامه إلا بعد أن يبلغ الهدي محله، أي يصل الهدي إلى مكان ذبحه، ويقول ابن القاسم: إذا كان معه الهدي قدَّمه وإلا فلا. وقول الجمهور إنه يقدم الهدي حيث أُحصر ثم يقوم بحلق رأسه وهو آخر منسك في الحج، ثم يخرج من الإحرام. ويقول الإمامان الشافعي ومالك إن المراد من(مَحِلِّه) نفسُ المكان الذي أُحصر فيه ولكن الإمام أبا حنيفة فيرى أن الحرم هو محل الهدي (البحر المحيط).

ولكنني لا أرى داعيا لهذا الاختلاف، لأنه لو كان هناك حرب أو حالَ العدُوُ دون وصوله إلى مكة فكيف يمكن أن يوصل هدْيَه إلى مكة؟ فلا بد في هذا الحال أن يقدم الهدي حيث أُحصر ويحلق رأسه. وإذا كان قد اضطُر للوقوف في الطريق بسبب مؤقت كالمرض، يرسل هدْيه مع الآخرين إلى الحرم إذا استطاع ذلك، كي يُذبح داخل حدود الحرم، ثم يحلق رأسه.

تتضمن هذه الآية إشارة أيضا إلى أنه سيأتي وقت على المسلمين يُمنعون فيه جبرا من زيارة بيت الله الحرام، ولكن الله سوف يمكنهم من التغلب على الكفار، ويستطيعون أداء الحج في أمن وسلام، وهذا ما حدث في صلح الحديبية حين خرج النبي بنيّة الطواف ببيت الله الحرام ، ولكن قريشا لبسوا جلود النمور، وأخذوا معهم نساءهم وأطفالهم، وأقسموا على الموت أنهم لن يسمحوا للمسلمين بدخول البيت الحرام. وفي آخر المطاف تصالح الطرفان على ألا يدخل المسلمون مكة هذا العام، وإنما يأتون في السنة التالية للطواف حول الكعبة، فرجع النبي وصحابته، ولم تمض فترة طويلة حتى فتح المسلمون مكة وبدءوا يزورون الكعبة بحرية تامة.

(فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك).. هنا يقول الله إنه إذا أصيب الحاج بمرض أو أذى في رأسه مما يضطره لحلق الرأس.. كأن يكثر في شعره القمل، أو تخرج بثور في جلد رأسه، فله أن يحلق رأسه، وعليه في هذا الحال أن يؤدي فدية صيام أو صدقة أو نسك.

ولم يحدد هنا الفدية بأقسامها الثلاثة.. ولكن الرسول عيَّنها في أحد أحاديثه. فقد ورد أن الصحابي كعب بن عُجرة أصيب في رأسه بالقمل، وكثرت الحشرات حتى كانت تتساقط على وجهة، ولما رآه الرسول في هذا الحال قال له(لعلك آذاك هوامُّك؟ فقلت: نعم، يا رسول الله. فقال رسول الله : احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة) (الموطأ، الحج).

وأرى أن ترتيب الفدية في الآية وارد بالنظر إلى فقر الإنسان أو ثرائه، فإذا كان فقيرا صام ثلاثة أيام، وإذا كان متيسرا فعليه إطعام ستة مساكين، وإذا كان ثريا فليقدم نسكا. فالأولى أن يقدم الذبيحة، وإلا فالصدقة وإلا فالصيام. وهذا الحكم ليس للمحصَر فقط وإنما لغير المحصَر أيضا.

(فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي).. إذا انتهت الحرب أو زالت العوائق الأخرى، فمن أراد بعد ذلك أن يجمع بين العمرة والحج.. أي يؤدي جمع القِران أو جمع التمتع، فعليه أن يقدم من الهدي ما تيسر.

أوّلا ذكر أحكام الحج والعمرة على حدة، والآن يذكر أحكامهما معا. وأرى أن المراد من التمتع ليس التمتع الاصطلاحي، وإنما حج القران وحج التمتع كلاهما، يزور الناس مكة المشرفة بأربعة صور: أولا: للحج فقط؛ وثانيا: للعمرة فقط؛ وثالثا: للتمتع، ورابعا: للقران.

والقران أن يخرج الإنسان في أشهر الحج ويُحرم من الميقات بنية الحج والعمرة معا، وبعد وصوله إلى مكة المكرمة يقوم بمناسك العمرة، ويبقى على إحرامه حتى يفرغ من مناسك الحج. وبعض الناس يرون أن على القران طوافا واحدا وسعيا واحدا، ويرى البعض الآخرون أن عليه طوافين وسعيين، وعندما يرجع يطوف طواف الوداع (فتح الباري، الحج).

أما التمتع فهو أن يخرج الإنسان في أشهر الحرم بنية العمرة والحج، محرما من ميقاته، وعندما يدخل مكة يطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر شعره، ثم يُحِل من إحرامه، وينتظر يوم الثامن من ذي الحجة ليحرم مرة أخرى إحراما جديدا بنية الحج ويؤدي مناسكه.

وفي كل من القران والتمتع يجب تقديم الهدي.. أما في الأفراد بالعمرة وحدها أو الحج وحده فتقديم الهدي مستحب، وإذا خرج بنية الحج أو العمرة ثم أحصر فيجب عليه أن يقدم الهدي، وما لم يُذبح الهدي فلا يجوز له أن يحل من الإحرام بتقصير أو حلق رأسه. وإذا استطاع فليبلغ هديه إلى مكة ويظل على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.

ثم أضاف (فإذا أمنتم) ليبين أن هذا الحكم للتمتع أو القران خلاف الحكم السابق. ففي صورتي القران والتمتع يجب تقديم الهدي. أما في صورة الإفراد بالحج أو العمرة فتقديم الهدي ليس ضروريا.. إلا إذا أُحصر الحاج. وإذا لم يستطع القارن أو المتمتع تقديم الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في مكة وسبعة أخرى بعد رجوعه منها.

قوله (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم. تلك عشرة كاملة) للعلماء في (ثلاثة أيام) أقوال:

1 – رأى البعض أن يصوم هذه الأيام في السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة؛

2 –قال الإمام أبو حنيفة: إذا لم يصم في هذه الأيام فعليه تقديم الهدي أيضا؛

3 –قال البعض إنه ما دام صومها عوضا عن الهدي فيجب أن يصومها بعد الحج؛

4 –قالوا أن يصومها في مكة قبل رجوعه؛

5 –أن يصومها فيما بين إحرام العمرة والحج (البحر المحيط).

وأرى أنه يجب صيام هذه الأيام الثلاثة في أيام التشريق (11، 12، 13 من ذي الحجة)، فقوله (في الحج) يعني في أيام الحج. أما الأيام السبعة الأخرى فيصومها عندما يرجع إلى بيته. ولقد زاد عبارة (تلك عشرة كاملة) كي لا يُظن أن “واو العطف” في قوله (وسبعة إذا رجعتم) بمعنى “أو”، فيقول أحد خطأ أن له أن يصوم ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجع. فبيّن أن المراد إكمال أيام الصوم إلى عشرة أيام.

وأخيرا قال (واتقوا الله).. أي أن الغاية من عبادة الحج أن تتولد التقوى في قلوبكم، وألاّ تنظروا إلا إلى الله. وتجعلوه جُنّة لكم. إذا لم تحصل هذه الغاية للحاج من حجه أو عمرته لبيت الله فليدرك أن كِبْرا خفيا فيه قد حال دونه ودون هذه السعادة. فعليه أن يضع جبينه أمام الله على الأرض، وفي وقت انفراد، في زاوية من الخمول، ويستغل ما بقي في قلبه من إخلاص للبكاء والابتهال، أو على الأقل يتباكى، ويتوسل لربه في خشوع وضراعة: يا رب، لقد بذر الآخرون بذرهم، فنبت وأثمر، هم مسرورون سعداء لأنهم تمكنوا من إعداد بساتين روحانية لأنفسهم ولأجيالهم.

أو جاءت هذه الجملة للتأكيد، بمعنى أن صيام الأيام العشرة فدية كاملة عن الهدي أو تعويض عن ثوابه.

قوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).. أي أن التمتع والقران لمن ليس من أهل مكة، لأن هؤلاء يتحملون المشقة في السفر إليها. أما أهل مكة فيمكن لهم أن يؤدوا العمرة في أي وقت ولا مشقة عليهم في ذلك، فلا تمتع ولا قران لهم.

وهناك اختلاف بين المفسرين في معنى قوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) فيرى البعض أن رخصة الصيام عند عدم تيسر الهدي إنما هي لمن ليس من أهل مكة؛ أما أهل مكة فيمكنهم الحصول على الهدي بسهولة من بلدتهم فلا رخصة لهم. وهذا مذهب الإمام الشافعي.

ويرى الآخرون أن الأمر بالصيام ليس موجها لأهل مكة وإنما لمن هو خارجها. ولكنني أرى أن كلا المعنيين غير صحيح، لأن في هذا تيسيرا وسهولة لأهل مكة.

ويرى الإمام أبو حنيفة أن في هذه العبارة إشارة إلى التمتع والقران.. أي أن التمتع والقران لا يجوز لأهل مكة (المرجع السابق). وأرى أن هذا الرأي هو الأصح والأقرب للمنطق والعقل.. لأن أهل مكة يستطيعون القيام بالعمرة في أي وقت.

ثم هناك اختلاف في تعيين معنى قوله (حاضري المسجد الحرام) يرى ابن عباس ومجاهد أن المراد هم كل من في الحرم. ويرى عطاء أنهم كل من دون المواقيت. وقال الزهري: هم كل من يقيم على مسافة يوم أو يومين من الحرم. وقال البعض: هم أهل مكة (المرجع السابق). وأرى أن هذا المعنى الأخير هو الأقرب للقياس.

وأخيرا قال (واتقوا الله).. أي أن الغاية من عبادة الحج أن تتولد التقوى في قلوبكم، وألاّ تنظروا إلا إلى الله. وتجعلوه جُنّة لكم. إذا لم تحصل هذه الغاية للحاج من حجه أو عمرته لبيت الله فليدرك أن كِبْرا خفيا فيه قد حال دونه ودون هذه السعادة. فعليه أن يضع جبينه أمام الله على الأرض، وفي وقت انفراد، في زاوية من الخمول، ويستغل ما بقي في قلبه من إخلاص للبكاء والابتهال، أو على الأقل يتباكى، ويتوسل لربه في خشوع وضراعة: يا رب، لقد بذر الآخرون بذرهم، فنبت وأثمر، هم مسرورون سعداء لأنهم تمكنوا من إعداد بساتين روحانية لأنفسهم ولأجيالهم. وأرى يا رب، أن بذرتي لم تنبت.. فلعل طائرَ استكباري قد أكلها، أو وحش همجيّتي قد داسها، أو وبال أعمالي السابقة تحول إلى حجر وقعت عليها فحالت دون إنباتها! يا رب، ماذا أفعل الآن؟ عندما كنت أملك شيئا أنفقه دون حذر واحتياط فلم ينفعني. أمّا اليوم فليس في قلبي شيء! ليس في بيتي حبة من إيمان لأزرعها. فيا رب، هيّئ بذرتي الضائعة، وأرجع لي متاع الإيمان الذي فقدتُه! إذا كان إيماني قد ضاع فأتوسل إليك أن تهب لي بيدك ومن خزائنك بذرة من رحمتك.. هَبْها لهذا العبد المطرود المردود حتى لا أصبح أنا وأجيالي محرومين من رحمتك، وحتى لا تتأخر أقدامنا عن مقام إخواننا الصادقين الذين يضحون تضحيات صادقة عالية، وحتى نسير كتفا إلى كتف مع عبادك المقبولين!

وبقوله(واعلموا أن الله شديد العقاب) نبّه أن تكونوا دائما في خشية من مؤاخذة الله، وأن تؤسسوا أعمالكم على تقوى الله، وإلا يضيع إيمانكم السابق، وتصبحون محطا لغضب الله.

Share via
تابعونا على الفايس بوك