الأسباب خلقت للأولياء

واعلمْ أن لأولياء الله بعضَ أفعال لا تدركها العقول، ولا يعترض عليها إلا الجهول. أنسيت قصّة رفيق موسى وهي أكبر من قصّتي كما لا يَخْفَى؟ إنّه قتل نفسًا زكيّةً بغير نفس، ومُنِع فما انتهى، وخرَق السفينة وظُنّ أنه يُغرق أهلها وجاء شيئا إِمْرا.

ثم ههنا نكتة لطيفة وهو أنّ الأسباب خُلقت للأولياء، ولو لا وجودهم لبطلت خواص الأشياء، وما نفَع شيء من حيل الأطبّاء، وأنهم لأهل الأرض كالشفعاء، وأن وجودهم حِرْزُهم، ولولا وجودهم لمات الناس كلّهم بالوباء. فليس الدواء في نفسه شيئا، بل يأتي الفضل من السماء، كما قال لي ربي في وحي منه: “لولا الإكرام لهلك المقام”، وإن في ذلك لعبرة لمن يخشى. ثم جرت عادة الله أنّ بعض الناس يُبْتَلون بكَلِمِ أوليائه ولا يتدبرون ولا يفهمون، ويُضل الله بهم كثيرا، ويهدي بهم كثيرا، وكذلك قَدَّر وقضى. ولا يَضلّون إلا الذين في قلوبهم كبرٌ فهُمْ لكبرهم ينطَحون، ولا يخافون يوم الحساب، ويصرّون على ما يقولون، وما لهم بِهِ علم ولا يتّقون، ويسبّون رسل ربهم بغير علم ويعترضون على قولهم الأَخْفى. ولا يُهْدَونَ إلى نورهم لِشقْوةٍ سبقت، ولذنوب كثرت، ولمعاصٍ بلغت إلى المنتهى. فلا يَرون إلا عيوبهم ولا يُوفَّقون، ويُغشّي الله أبصارهم لئلا يبصروا، ويُصمّ آذانهم لئلا يسمعوا، ويختم على قلوبهم لئلا يفهموا، فينظرون إليهم وهم لا يبصرون. ذلك بما قدمت أيديهم وبما تمايلوا على الدنيا، وداسوا تحت أقدامهم دَار العُقْبى. يسبّون ولا يظلمون إلا أنفسهم ويُبارِزون الله الأغنى. وإنْ سبُّهم إلا حسرةٌ عليهم وحفرةٌ من النّار، فيقربون الحُفرة ظلمًا وطغوى، ومن دنا منها فقد تردَّى.

(مواهب الرحمن)

Share via
تابعونا على الفايس بوك