الإسلام وآثار الحياة الروحانية

معنى الإسلام

ما هو الإسلام؟ إنه نار المحبة المتوقدة التي تُحرق حياتَنا السفلى.. وتحرق آلهتَنا الباطلة، ثم تضع أنفسنا ونفائسنا وأعراضنا قربانا بين يدي الإله الحق القُدوس. وبورود هذا المَعين نشرب ماء حياة جديدة، وترتبط ملكاتُنا الروحانية كلها بالله ارتباطَ الخيط بالخيط، وتسطع من داخلنا نارٌ كنار البرق، ونارٌ أخرى تنـزل علينا من أعلى؛ وبامتزاج هاتين الشعلتين يحترق كل ما في قلوبنا من هوًى وهوسٍ ومحبة لغير الله، ويُقضى على حياتنا الأولى. هذه الحالة تسمى “الإسلام” في اصطلاح القرآن المجيد.

آثار الحياة الروحانية

بالإسلام يطرأ الموت على ميولنا النفسانية، ثم بالدعاء نحيا من جديد. وهذه الحياة الثانية تستلزم نـزولَ الوحي الرباني. والوصولُ إلى نفس هذا المقام يسمى اللقاءَ الإلهي.. أي لقاء الله ومشاهدته. ومتى بلغ الإنسان هذه الدرجَة يتصل بالله اتصالا وكأنه يراه بعينه، ويُعطى قوةً، وتُنار حواسه وملكاته الباطنة كلها، وتبدأ الحياة القدسية تجتذبه بكل شدة. وهنالك يصبح الله تعالى للإنسان عينًا يبصر بها، ولسانا ينطق به، ويدًا يبطش بها، وأذنًا يسمع بها، وقدمًا يمشي بها. وإلى هذه المرتبة تشير الآية:

يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (الفتح: 11).. أي أن  يده ( ) هي يد الله التي فوق أيديهم، والآية:

وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى (الأنفال: 18).

وخلاصة القول إن الإنسان في هذه المرتبة يتحد بالله تعالى اتحادا كاملا، وتسري مشيئة الله الخالصة في كل ذرة من كيانه، وتبدو حينئذ قواه الأخلاقيــَّة -التي كانت من قبل واهنة- كالجبال الراسيات، ويبلغ عقله وفراسته الغاية في اللطف. وهذا هو المراد من الآية: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (المجادلة: 23).

ففي هذه الحالة تتدفق أنهارٌ من محبة الله وعشقه.. بحيث يصبح سهلا هينا على الإنسان أن يموت في سبيل الله ويتحمل لأجله صنوف العذاب والخزي والهوان، وكأن ذلك كله لا يساوي عنده كسْرَ قشة. إنه ينجذب إلى الله انجذابا ولا يدري من يجذبه. إن يدًا من الغيب تحمله وتسير به؛ وإن تحقيق مشيئة الله وإرادته يصبح أصل أصول حياته. وفي هذه المرتبة يرى هذا الإنسان ربه جدّ قريبٍ كما يقول سبحانه:

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق: 17)؛

وكما أن الثمرة إذا نضجت لم تلبث أن تسقط من تلقائها، فكذلك الإنسان عندما يصل إلى تلك الدرجة.. تنعدم علاقاته السفلية كلها.. وتزداد صلته بربه عمقًا وتوثقًا، ويبتعد عن المخلوق بعدًا، ويتشرف بكلام الله وحديثه.

باب الوحي مفتوح

والآن أيضا لا تزال الأبواب مفتوحة للوصول إلى هذه المرتبة كما كانت مفتوحة في السابق، ولا ينفك الله يَهَب هذه النعمة لمن ينشدونها كما كان يهبها من قبل. ولكن هذا الصراط لا يهتدي إليه الإنسان بثرثرة اللسان فقط، ولا يُفتح هذا الباب بكلمات فارغة وبأمور لا أساس لها. إن الطلاب كثيرون، ولكن قل من يجدون.. فما السبب في ذلك يا ترى؟

أن بلوغ هذا المقام موقوف على كفاح صادق وتضحية مخلصة. تحدثوا ولو إلى يوم القيامة فلن يحدث شيء. إن أول شرط للسلوك في هذا السبيل أن يضع الإنسان -بكل صدق- أقدامه في نار يفر منها الآخرون خائفين. إذا لم يكن في المرءِ حماسٌ عملي فلا نفع في هتافاتٍ فارغة. يقول الله في هذا الشأن:

وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَني فَإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 187)..

أي لو سألك عبادي أين أنا؟ فقل لهم: إنني قريب جدًّا منهم. إنني أستجيب دعاء من يدعوني. فعليهم أن يبتغوا وصالي بالدعاء، وليؤمنوا بي كي يفلحوا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك