هل الإسلام صورة تقريبية للمسيحية

هل الإسلام صورة تقريبية للمسيحية

 يزعم بعض المسيحيين ممن يحاولون الحط من دين الإسلام بأن نبيه سرق تعاليمه من الإنجيل، وجمعها، وادعى بأنه رسول الله جاء بدين سماوي جديد. ولقد أثير نفس الاعتراض في الثلاثينات أمام رجل أمريكي راغب في الإسلام. فكتب إلى الداعية الإسلامي الأحمدي في أمريكا آنذاك يسأله الجواب.. ننشر مراسلتهما التي تمت بينهما لإفادة القراء الكرام. (المحرر)

رسالة الأمريكي

حضرة المحترم صوفي مطيع الرحمن البنغالي.

محرر جريدة “مسلم سنرايز الأحمدية”، شيكاغو، أمريكا.

سيدي المحترم

أجد لذة كبرى في تحرير هذا الكتاب إليك. وأود لو تعرف مقدار تمتعي بالمحاضرة العظيمة التي ألقيتها على مسامعنا في منزل المستر هيرد ومدى تأثيرها في نفسي. فإنها لم تكن محاضرة للتعليم والإنارة فحسب، بل كانت مشوقة لدرجة لا يفضل عليها شيء. وبمقدوري أن أقول لكم وكلي اطمئنان بأنه لا يمكنني أن أعارض أو أنكر تلك الحقائق التي أوردتموها باسم الإسلام في خطابكم الفذ، وأسلوبكم الذي يوصل إلى الغرض لا محالة. إني أرى فيكم قوة لا تقاوم. وقد بلغ شغفي بالإسلام مبلغا عميقا، ولكني أود أن أدرس الموضوع بعناية أكثر.

قابلت منذ أيام سيدًا أخبرني أنه قضى ثلاثين عاما في دراسة الأديان. ولما سألته عن رأيه في الإسلام أجابني: لا بأس بالإسلام فما هو إلاّ مسودَّة (صورة تقريبية) من الكتاب المقدس أو المسيحية. وأود سيدي، أن تزيدني علما في هذا الموضوع. وأدعو الله أن يمن عليك بالنجاح، ويكللك بالظفر في العمل الذي تقوم به.

المخلص

ج. و. براون

838 أديسون ستريت،

أنديانا بولس، أمريكا.

الجواب

المستر ج. و. براون

تسلمت كتابكم الكريم، وكم سررت حقيقة بكتابتكم إليَّ، وكان سروري عظيما عندما رجعتم إليَّ في هذا الموضوع. فأرجو أن تلاحظوا النقط التالية في خصوصه.

إنَّ كون الإسلام مسودة (صورة تقريبية) للكتاب المقدس المسيحي أو الديانة المسيحية هي تهمة شنعاء من التهم التي توجهها المسيحية للإسلام لأنه:

أولا: عجب فيما لو كان الإسلام مسودة للمسيحية أو صورة تقريبية للكتاب المقدس المسيحي. فبالله لماذا لا يقبله المسيحيون الذي لا يطلقون عليه لفظ الإسلام بل يسمونه خطأ بالمحمدية.

ثانيًا: لقد توصل الباحثون في علم مقارنة الأديان بعد البحث والتنقيب إلى أن التعاليم المسيحية إنما أخذت حرفا بحرف من الديانة البوذية ومن ديانات قدماء المصريين وغيرها من التعاليم والمعتقدات. فضلا عن أن يسوع نفسه لم يدع بأنه أتى بدين جديد، وأن تعاليمه ما هي إلا بعض مظاهر وصور لناموس موسى: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل) (متى 5:17)

فلو كانت التهمة الموجهة للإسلام صحيحة فإن المسيحية لا تحسد على موقفها، ويكونان في نفس المركز الخطير (في الهوى سواء).

ثالثا: إن الكتاب المقدس الإسلامي وهو القرآن الكريم يحوي من صفحته الأولى إلى صفحته الأخيرة اعتراضا شديدًا ورفضا أبيًا لأهم التعاليم الموجودة في المسيحية الحديثة، سواء كان ذلك ألوهية المسيح أو عقيدة التثليث أو الفداء إلى غير ذلك. فبأي تبجح يتهم المسيحيون الإسلام بعد ذلك بأنه صورة من صور المسيحية.

رابعا: قد نص القرآن الكريم على تعاليم لا وجود لها في الكتاب المقدس المسيحي، كما وأن المسيحية تتجاهل كثيرًا من المواضيع التي بحثها الإسلام بحثا مستفيضا. ولو أخذت قواعد الإسلام وجعلت وحدة أساسية لأركان الحياة، وطبقت هذه القواعد، وأخذ منها حلول للمشاكل المعقدة التي تهتز لها المدنية الحديثة من أساسها، لوجدنا كيف تنحل بسرعة وعلى الوجه الأكمل تلك المشكلات التي حلّت بهذا العالم السفسطائي.

خامسا: إن الخطاب الذي أُلقي على الجبل يتضمن خلاصة التعاليم المسيحية، وإن تعاليم الإسلام لتختلف تماما عن تلك التي يتضمنها خطاب الجبل. فمثلا يقول الإنجيل: “أقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضا”. (متى 5:39)

فالمسيحية هنا توصي بالتسامح لجانب واحد من المتخاصمين، ولكن الإسلام يحتم على أتباعه التسامح والرحمة والشفقة ولا يحتمها على أحد دون الآخر. يقول القرآن الكريم في سورة الشورى الآية 41: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وإن الغرض الأساسي الذي تؤكده هذه الآية وتوصي به هو أنه في محاولتنا لتطبيق العقاب أو الالتجاء إلى الصفح والعفو يجب أن يكون قصدنا الإصلاح، ويجب أن ننظر إلى كل ظرف على حدة، ونرى ما إذا كان يتطلب العفو والصفح، أم يتطلب مقابلة السيئة بمثلها، وأن نعمل تبعا للنتيجة التي نصل إليها. فإن العقاب والشدة في بعض المواضع يفيدان ويقومان من اعوجاج الأمور كما يفعل التسامح والرحمة في مواضع أخرى. فإذا كان يتسنى لك أن تقوّم من اعوجاج المسيء وتصلح من شأن المجتمع بعفوك ومسامحتك فيجب عليك أن تعفو وتتسامح، ولكن أحيانا يكون ضرر التسامح أكثر من نفعه، ويتشجع المسيء على الاستمرار في إساءته. وفي مثل هذه الحالة يجب أن يعاقب المسيء على حد إساءته.

هذا مثل واضح يوضح لنا اختلاف وجهتي نظر الإسلام والمسيحية في موضوع واحد، ومع ذلك نرى دعاة المسيحية يرفعون عقيرتهم بجرأة ويصفون الإسلام بأنه صورة من صورة المسيحية.

سادسا: أود أن أقص عليك قصة تلقي ضوء ساطعًا على هذا الموضوع. سمع مارك توين محاضرة لأحد المبشرين المسيحيين المشهورين. وبعد أن انتهت الحفلة قدم المبشر إلى مارك توين الذي أخذ يطنب في ذكر الخطاب الذي ألقاه المبشر، إلا أنه أعلن بصراحة أن الخطاب لم يحو شيئا جديدًا، وقال: إن عنده في المنزل كتابًا يحوي خطاب المبشر بكلماته وحروفه. فاحتج المبشر بشدة قائلا: إن الخطاب الذي ألقاه في هذه الحفلة إنما أعده في الليلة السابقة، وأنه من المحال أن يوجد هذا الخطاب في كتاب آخر. فرد عليه مارك توين قائلا: إنه سيرسل له الكتاب. وفي البريد التالي استلم المبشر قاموسا.

وعلى ذلك قد نرى بعض التعاليم والرسالات مبعثرة هنا وهناك، ولكن أن نرى مذهبا دينيا قائما وناموسا كاملا يحوي قوانين روحية ومعنوية تكفل كافة حاجيات الإنسان فهو شيء آخر. وهذا ما فعله الإسلام بالضبط.

سابعا: يهاجم المسيحيون القرآن الكريم بسيف ذي حدين، فإذا رأوا في القرآن ما يخالف ما ورد في الكتاب المقدس أسرعوا إلى اتهام القرآن بأنه يحوي أخطاء. وإذا وجدوا فيه بعض ما يؤيد ما ورد في الكتاب المقدس أسرعوا فاتهموه بالانتحال والسرقة. وهم في تجنيهم على القرآن الكريم قد نسوا أن رسل الله الصادقين ما جاءوا إلا لغرض واحد وبرسالة واحدة، وأن الإله لم يتغير على مر الأزمنة.

ومما لا شك فيه أن تجلياته تعالى اختلفت تبعا لحالة الأزمان. فقد جاء موسى بشريعة الانتقام والثأر، بينما جاء عيسى ببشارة وادعة. ولما كان محمد هو آخر الرسل الذين جاءوا بشرائع وقوانين، نرى ناموسه عالميًا وتعاليمه جامعة تحوي الكفاية لقيادة وإرشاد كافة البشر بمختلف المدنيات، وبذلك كمِّل الدين على يديه. وبما أن التعاليم القرآنية شاملة فيتحتم أن يحوي القرآن ما تقدم من الوحي. القرآن شامل لكافة الكتب المنزلة، وفي ذلك معجزة الإسلام.

وأدعو الله أن يمن عليك بفضله.

المخلص

صوفي مطيع الرحمن البنغالي

Share via
تابعونا على الفايس بوك