كشف الستار عن خلفية دعاية كاذبة وخطيرة ضد الأحمدية في باكستان

كشف الستار عن خلفية دعاية كاذبة وخطيرة ضد الأحمدية في باكستان

كانت حكومة الدكتاتور الباكستاني الراحل ضياء الحق أصدرت في 26/4/1984 حكمًا عسكريًا غاشمًا يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية السلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان، أو قراءة القرآن، أو كتابة أو حيازة آياته، أو تسمية أنفسهم مسلمين، إشارة أو صراحة، شفويًا أو كتابيًا، أو تسمية مساجدهم مساجد.. الأمر الذي كان ولا يزال يحرض بعض المشائخ المتعصبين ومن يأتمر بأمرهم من جهلة الناس على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين الذين لم يعتدوا على أحد أبدًا، ونهب ممتلكاتهم، وتدمير بيوتهم، وهدم مساجدهم، ومبشرًا هؤلاء المتطرفين بالتغاضي عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيبًا باسم “القاديانية.. خطر شديد على الإسلام”، لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة ، وسمّته “البيان الأبيض”. وكان الأجدر أن يطلق عليه “البيان الأسود”، لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسود وتشوه وجه الإسلام الأغر.

ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً ومفندًا كل أعذارهم السخيفة عذرًا عذرًا، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، سنة 1985. وقد بدأت “التقوى” بداية من العدد الماضي نشر هذه الخطب القيمة والهامة حيث نشرت القسط الأول من أولى هذه الخطب التي ألقيت في 25/1/1985 بمسجد “الفضل” لندن. وإليكم القسط الثاني منها. (المحرر)

حقاً إن الحكومة في 1984 منحتنا قبل إصدار القرار ضدنا فرصة الدفاع عن موقفنا خلال النقاشات التي دارت في مجلس الشعب لأربعة عشر يومًا. كما قدمت الجماعة موقفها تحريريًا أيضًا. ولكن لما كانت تلك الحكومة من الدهاء بمكان، لذا أدركت خلال جلسات المجلس الوطني نفسها بأن هذه النقاشات لو أذيعت بين الناس وأطلعت الدنيا على الأسئلة والأجوبة الدائرة فيها بكل تفاصيلها، لن تفلح الحكومة في مخططها، وإنما يحدث العكس. ومن الممكن أن تتعاطف الدنيا مع الجماعة الإسلامية الأحمدية وتعتبرها مظلومة بدل أن تشيد بهذا القرار الذي اتخذ ضد الجماعة بعد إتاحة الفرصة لها للدفاع عن موقفها. ذلك أن الجماعة قد دافعت عن موقفها ببراهين عقلية ونقلية قوية لدرجة أنها لا يمكن لأحد بعد الاطلاع عليها اعتبار الجماعة الإسلامية الأحمدية خارجة عن الإسلام.

الحكومة انتبهت لهذا الخطر ونهتنا من الاحتفاظ بأي تقرير كتابي أو مسجل للمناقشات التي دارت في البرلمان. كما قررت بعدم نشرها.

أما فيما يتعلق بنتائج ومدى تأثير المناقشات الدائرة في المجلس الوطني فيمكن تقديره بالحادث التالي:

سئل أحد أعضاء ذلك المجلس الوطني الباكستاني مرة: لماذا لا تنشرون تقارير تلك المناقشات؟ وكما قلتم فإن كل البرلمان قد قرر بالإجماع باعتبار الجماعة الأحمدية خاطئة وخارجة عن الإسلام بسبب عقائدها. فلماذا لا تنشرون كذبها للعالم بنشر التقارير عن مناقشات المجلس الوطني تلك. فضحك وقال: أنت تقول لماذا لا ننشرها؟ عليك أن تشكرنا، إذ لو نشرناها لدخل نصف سكان باكستان في الأحمدية.

الحق أن قوله: “نصف سكان باكستان” كان تواضعًا منه. إذ أنه تم تبليغ موقف الأحمدية إلى سكان باكستان الشرفاء كما ينبغي فلا أرى أي مانع في دخول الجميع في الأحمدية، إلا عددًا قليلاً من الذين يحرمون من الهدى دائمًا، وكتبت عليهم الضلالة للأبد. ومن يضلله فلا هادي له. فلا بد من مثل هذه الاستثناءات. ولكني أحسن الظن بالأغلبية الأكثرية من باكستان أنهم لو وصل إليهم موقف الجماعة بصورة صحيحة، ولا سيما إلى أبناء الجيل المعاصر الذين يحكمون العقل أكثر ويقلدون أقل من الذين قبلهم، لقبل الأكثرية منهم الأحمدية بعون الله تعالى.

والحكومة الحالية تحاشت هذا الخطر بشن الهجوم على الأحمدية من طرف واحد، مع عدم السماح لها بالدفاع عن نفسها بالرد على اعتراضاتها. بل لم تترك لها الفرصة للدفاع حيث حاولت حتى قبل شن هجماتها على الأحمدية مصادرة تلك الكتب والمنشورات الأحمدية التي يوجد فيها الرد على اعتراضاتها.

إن التعارض الصارخ في استراتيجية الحكومة هذه، وإن كان يومي إلى حمقها فيما يبدو، ولكنه في الحقيقة يدل أكثر على ما نوته من خبث ومكر. فمن ناحية يقولون بأنهم يصادرون كتب سيدنا المسيح الموعود لأنها تجرح مشاعر المسلمين، ومن ناحية أخرى يقتبسون منها جملاً مبتورة تسبب، في زعمهم، تجريح مشاعرهم، وينشرونها. يا لها من غباوة. تقولون نقوم بمصادرة كتب مؤسس الجماعة لأنها تجرح مشاعر المواطنين وخاصة المسلمين منهم، ثم تعودون وتحلون مشكلة تجريح المشاعر هذه أنكم تمنعون الأحمديين بإصدار القانون من نشر ما لا يجرح مشاعركم من كتبه . وأما ما يجرح المشاعر، في زعمكم، فإنكم تنفقون الملايين على نشره وتوزيعه في كل أنحاء العالم!

أمران متعارضان فيما يبدو، ولكنهما في الحقيقة نتيجة لمؤامرة شريرة ماكرة للهجوم على الجماعة، إذ أن الاعتراضات التي أثاروها على مقتبسات من كتب سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، فإن جوابها موجود في الكتب نفسها. وكل رجل شريف عندنا يطالع كتبه ، ويرى السياق والسباق، لا يجد أي مبرر للاعتراض. وهذا بالضبط ما حدث باستمرار في جلسات البرلمان. كان حضرة الخليفة الثالث (لسيدنا المهدي والمسيح) رحمه الله تعالى، شرفني أنا أيضًا بالانضمام إلى وفد الجماعة إلى البرلمان. فكنت أنا وزملائي ندهش لرؤية أنه كلما كانوا يعترضون على أمر ذكره سيدنا المهدي والمسيح في كتبه، كان حضرته رحمه الله يقرأ نفس المقتبس المبتور مع سياقه وسباقه، فكان الاعتراض يزول تلقائيًا، باعثًا الاطمئنان على الحضور، فكانوا يدركون أن هذا الهجوم ليس إلا نتيجة للتحريف الشنيع والحذف المغرض، ولا صحة فيه أصلاً.

نعم، في بعض الأحيان كان حضرته رحمه الله يقوم ببعض التوضيح للعبارة، كلما دعت الحاجة إليه. غير أن كتب سيدنا المهدي والمسيح تشتمل بنفسها على الردود الشافية لهذه الاعتراضات. وأي شك أنه لو أخذت جملة مبتورة وقدمت بدون السياق والسباق بقصد التحريف لأدت إلى تجريح المشاعر. ولكن حضرته لم يقصد ما ينسب إليه، وإنما يحرفون الكلم عن مواضعه عمدًا بقصد إثارة مشاعر القوم ضد حضرته. بينما يخفون عنهم ما كتبناه من الرد. هذه هي الاستراتيجية التي تتبعها هذه الحكومة. فقبل وقوع هذا الحادث بدأوا بمصادرة الكتب، بل قاموا بإغلاق مطابع الجماعة والدوريات والجرائد..

هذا جبن يدل على الضعف والعجز، ولقد اعترفوا بهذا الأسلوب بهزيمتهم فعلاً. ذلك لأن الخصم القوي في حقل الأدلة والبراهين لا يلجأ إلى استخدام السلاح ومنع الطرف الآخر من إيضاح موقفه بسن القوانين. ها خلاف للعقل ومناف لمنافعه هو أيضا. فكل الجهود التي تبذل لشن الهجوم على الجماعة الإسلامية الأحمدية من ناحية، ولمنعها من الدفاع عن موقفها من ناحية أخرى، إنها ولا شك، تشكل دليلاً واضحًا على جبنهم الشديد واعترافهم الصريح بالهزيمة في مجال الأدلة والبراهين.

فمن جهة يقولون للعالم إن عدد أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية لا يتجاوز 70 أو 80 ألفًا فقط، ومن ناحية أخرى يشيعون في الناس أن الأحمدية خطر كبير يهدد العالم الإسلامي بحيث لا يوجد له نظير من قبل.

ولم يكتفوا بهذه الدعايات الكاذبة البغيضة فحسب، بل صادروا كتب الجماعة أيضا. ومع ذلك يفتخرون بهذه الإجراءات قائلين، انظروا كيف تمكنا من القضاء على هذا الخطر! فقد كتبوا في بيانهم الأبيض المزعوم وهم يقارنون بين إجراءات الحكومة السابقة وحكومتهم: إنه (أي اعتبار الجماعة الإسلامية الأحمدية خارجة عن دائرة الإسلام) لمن الإنجازات الكبيرة للبرلمان الوطني حقًا. (مع العلم أنه هو نفس البرلمان الذي ألغوه واتهموا أعضاءه كلهم إلا قليلاً منهم بأنهم أشرار مفسدون. ومع ذلك اعتبروا عملهم هذا إنجازًا كبيرًا. ذلك لأن لهم تفكيرًا مثل تفكيرهم، وأعمالاً مثل أعمالهم. فقالوا: إن هذا إنجاز كبير لذلك البرلمان إذ حلوا بذلك “قضية مائة سنة”. ولكنهم لم يستطيعوا حل “قضية مائة سنة” تمامًا، بل كانت هناك قوانين وقرارات لم تصدر بعد، وإنما كتب الله لنا أن نصدرها. والآن قمنا بإصدارها، وقضينا على هذه الجماعة، واستأصلنا شأفتها. فلا خطر على العالم الإسلامي!

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف قاموا بحل تلك القضية، وكيف حموا المسلمين من ذلك الخطر؟؟ لقد ردوا على هذا السؤال في آخر “البيان الأبيض الحكومي المزعوم” وقالوا: قمنا بحل هذه القضية بإصدار قرار منعنا به أبناء الأحمدية من رفع الأذان، أو الانتماء إلى الإسلام.. فلا يستطيعون الآن أن ينطقوا بالشهادتين، أو يكتبوهما، أو يسموا مساجدهم مساجد.. لا يمكن الآن أن يقوموا بشعار المسلمين، أو يعملوا حسب تعاليم القرآن. انظروا كم نحن مسرورون، وكيف قمنا بحل هذه القضية الخطيرة!!

فكانت هذه النتيجة التي توصلوا إليها في آخر الأمر. ولكني أقول: إن للحمق حدودًا. والحمق يتجلى أحيانًا حتى في أعمال الشاطرين الماكرين أيضا. ذلك أن الذي هو خلو من الصدق يلجأ إلى المكر في تحقيق أهدافه، وبسبب خلوه من الصدق يتسرب الحمق إلى مكره. والحمق لا بد وأن يظهر إلى السطح. فكل هذه الأنواع من الحمق والتعارض في أعمالهم إنما ترجع إلى مكر وكذب. إذ لا يمكن أن يؤدي العقل الصادق إلى هذه التناقضات الصارخة.

فالحكومة الحالية لجأت إلى المكر، وظنت أنها أكثر دهاء من حكومة بوتو، قائلة: إنهم من حمقهم سمحوا للجماعة بالدفاع عن موقفها في مجلس الشعب. بل لقد كتب هؤلاء في “البيان الأبيض المزعوم” بأنه لا يليق أصلاً الحوار مع من يدعون النبوة، ومن الحمق أن يحاول أحد لإفحامهم بالأدلة والبراهين. لذا فإن ما قمنا به هو العلاج الناجع، لا غيره.

فقاموا بنسج سلسلة من الاتهامات القذرة الخطيرة ظلمًا وزورًا. والقرآن يخبرنا أن مساعي الظالمين لن يجديهم شيئًا حيث قال:

فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُون ..

أي الذين يعيشون كالمنافقين، وتتعارض أعمالهم مع أقوالهم.. ويتكلمون بكلام الحكماء ومع ذلك يأتون بأعمال الحمقى.. أولئك لا تنفعهم جهودهم شيئًا.. إنهم يوقدون النار، ولا شك، بنية التفرج على مشاهد معينة، ولكن الله تعالى يحرمهم من التفرج، إنه يسلبهم نور البصيرة. النار يوقدونها للإحراق، ولكن النار نفسها تحرمهم حتى من نور البصيرة، وتتركهم في ظلمات لا يستطيعون فيها الرؤية.

وهذا بالضبط ما حدث بالنسبة لمحاولة الحكومة الحالية ضد الجماعة، إذ جلبت على الجماعة خيرًا كثيرًا في حقيقية الأمر، ولن تزال تجلب خيرًا بعد خير، إن شاء الله تعالى. والحق أن الجماعة في هذه الأيام تمر بمرحلة يصدق عليها قول الله تعالى في القرآن الكريم:

عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ،

أي في بعض الأحيان تكرهون شيئًا ما وتتأذون به وتتألمون، ولكن الله يجعل لكم فيه خيرًا كثيرًا، تمامًا كما تفعلون بالصغار الذين حينما تسقونهم دواء مرًّا أو تجبرونهم على الحقن فإنهم يبكون ويصرخون ويولولون ولكن بدون جدوى. تعاملون الصغار هكذا لأن فيه خيرًا لهم. نحن أيضا نبلوكم في بعض الأحيان بأشياء تتألمون منها كثيرا، ولكنها في آخر المطاف تعود عليكم بخير عميم.

فمن أكبر الفوائد التي جنتها الجماعة مما نشرته ووزعته الحكومة الباكستانية من منشورات قذرة ضدنا في كل أنحاء العالم أن الناس اتجهوا إلى التحقيق في أمرها. فمن قبل لم يكن اسم جماعتنا قد خطر ببالهم، ولكنهم عندما اطلعوا على ما نشروا عنها بدأت الجرائد في كل العالم تكتب عن هذه الأخبار. وبصدور هذا القرار العسكري الغاشم ذاع صيت الجماعة عشرين ضعفًا على الأقل عن ذي قبل. ففي أمريكا، بل في إنجلترا أيضا كانت الأكثرية الغالبة تجهل حقيقة الجماعة تمامًا. وهذا طبيعي إذ كيف يمكن بفتح مركز أو مركزين للتبشير إيقاظ عشرات الملايين. فكان الناس من قبل لا يولون أي اهتمام بالجماعة، ولكن المحن والظروف الصعبة التي مرت بها الجماعة أكسبتها تعاطف القوم، وبالتالي رغبتهم في معرفة أمرها وتحقيق شأنها، بمطالعة الكتب وتوجيه الأسئلة والاستفسارات. لقد ضاعف ذيوع صيت الجماعة ما نشرته الحكومة الباكستانية ضدها من منشورات جائرة. ذلك أن منشوراتهم لها أسلوب خاص يدرك به كل ذي عقل أن وراء الأكمه ما وراءها. إذ تقول الحكومة من جهة: إن الأحمديين شرذمة قليلون، وإنهم رغم محاولاتهم المستميتة في المائة سنة الماضية لم يتجاوز عددهم سبعين ألفًا، ومن جهة أخرى تخافهم هذا الخوف الشديد، رغم كونها حكومة قوية تحكم عشرات الملايين. بل وتعلن بأن الأحمدية خطر يهدد كيان العالم الإسلامي أجمع.

هذا قول غير معقول لا يمكن أن يستسيغه كل واحد طبعا. ولذلك كل من يقرأ البيان الحكومي هذا، وإن كان لا يعرف من أمرها شيئا، يتعاطف مع الجماعة الإسلامية الأحمدية، وعلى الأقل يجد رغبة في التحقيق في أمرها.

لقد أتاح الله بفضله وعونه فرصة جيدة كنا حرمنا منها من قبل. إذ كانت الحكومة السابقة قيدت أيدينا فيما يتعلق بنشر التقارير عن المناقشات التي جرت في المجلس الوطني. أما هؤلاء فكأنهم قد فكوا الآن هذه القيود بإتاحة فرصة سانحة لنا للرد عليهم. حيث سرقوا الاعتراضات من سجلات ذلك المجلس ونشروها. كنت حضرت هذه النقاشات، وأعلم أن كل هذه الاعتراضات هي نفس التي أثيرت في ذلك المجلس. غير أنهم ذكروا بعضها في البيان الأبيض المزعوم، أما الباقية فسلموها إلى مجلة هي في الحقيقة بمثابة مزبلة منتنة لكون لغتها بذيئة منحطة للغاية، وتسمى “قومي دايئجست”. ولا ندري كم أغدقوا على أصحابها من المال. لقد أصدروا منها عددًا خاصًّا كله عبارة عن سب فاحش وشتائم قذرة وتهم شنيعة باطلة ضد سيدنا المهدي والمسيح الموعود . لقد نسبوا فيها إلى حضرته أمورًا منحطة للغاية بأسلوب سوقي لدرجة لا يستطيع قراءتها أي إنسان شريف، ولو حاول قراءتها لعافتها نفسه على الفور ولرمى لتوها هذه “التحفة النادرة للصحافة السوقية القذرة”.

ومع ذلك قد أنفقوا الكثير لإخراجها في شكل مجلة جميلة رائعة، وضمنوها حسب مخطط كل الاعتراضات التي لم ينشروها في البيان الحكومي.

إن الأحراريين في كل يوم جديد ينشرون إعلانات منحطة كهذه التي ليست في الحقيقة إلا أكوامًا من النجاسة القذرة. ولكن الشعب الباكستاني الشريف لا يلقي لها أي بال على الإطلاق. وأما الحكومة فتهتم بها لدرجة أن وزارة الإعلام تقوم بشرائها وإرسالها إلى السفارات الباكستانية في كل أنحاء العالم. كما لو أن السفارات ليست لها أي شغل سوى ذلك. عليهم أن يذهبوا ويروا ماذا يفعل بمثل هذه المنشورات التي يرسلونها إلى السفارات. هذه أيام الشتاء وليس بمستبعد أن يكون أصحاب السفارات يستخدمونها كوقود لإشعال النار واصطلائها، وغير ذلك من الاستعمال المناسب. أقول ذلك لأن العاملين في السفارات لهم أشغالهم وهواياتهم التي لا يرفعون الأنظار عما يتمتع به أهل أوروبا وأمريكا لإضاعة أوقاتهم في قراءة هذه الأكاذيب من طرف واحد. وكل من عمل في حقل الدبلوماسية يدرك جيدًا ماذا يجري في السفارات في الخارج، وما يفعل بمثل هذه المنشورات. إنهم يلقون نظرة عابرة على صفحة العنوان فقط ويرمونها.

وهذا في حد ذاته يشكل نوعًا من التذكير لهم بالجماعة حيث يقولون في أنفسهم بأنها لا بد أن تكون ذات شأن وجديرة بالاهتمام أو إنها تستخدم كوقود لتحضير الشاي أو الاستدفاء. هذا هو مدى تأثير المنشورات المضادة لنا، ولكن الحكومة مع ذلك تشتري وترسل إلى السفارات في الخارج منشورات كهذه مليئة بالسباب والشتائم البذيئة للغاية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

إننا سوف نرد عليها بعون الله تعالى وتوفيقه، ولكن فيما يتعلق بالرد عليها في خطب الجمعة باستمرار بدون انقطاع فلا يمكن ذلك، إذ تجد أمور وضروريات لا بد من ذكرها في الخطب. ومع ذلك سوف أقوم بالرد على بعضها بعون الله تعالى في خطب الجمعة وعلى بعضها الآخر في خطب طويلة نسبيًا بمناسبات أخرى..

والحمد لله تعالى الذي أتاح لنا فرصة كانت انفلتت من أيدينا، إذ كنا نريد في سنة 1974 توصيل وجهة نظرنا إلى العالم كله وإخبارهم بالأسباب التي أدت بالحكومة الباكستانية إلى اعتبارنا كافرين أو غير مسلمين. كان ذلك مستحيلاً لأنهم ألزمونا بذلك عند سن القانون. ولما كنا لا نخلف الوعد كنا مضطرين، ولم نتمكن من نشر الرد وتوضيح موقفها. أما الآن فإن الحكومة الحالية بنفسها قد ألغت ذلك القانون عمليًا حيث بينت موقفها. والآن سوف نبين موقفنا بأنفسنا لا غيرنا، وسوف نوضحه وكما نشاء. نوضحه لكل العالم وبكل اللغات. إنهم لا يقدرون أن يقاومونا. إنهم عاجزون عن ذلك تمامًا. لو كان عندهم القدرة على مواجهتنا بالأدلة لآتونا الفرصة للدفاع عن موقفنا. إذا كان لديهم جرأة التصدي بالبراهين ما كانوا بحاجة إلى مصادرة كتبنا، وإيقاف جرائدنا ومجلاتنا، وإغلاق مطابعنا. إنهم جبناء، لا يقدرون على المقاومة. ولكنهم لن يسلبونا هذه الفرصة للرد عليهم. ولسوف نوصل ردنا على منشوراتهم القذرة إلى كل مكان من العالم بما فيه باكستان أيضًا. بعون الله تعالى لن تستطيع أية قوة من الدنيا عرقلة طريق ازدهار الجماعة الإسلامية الأحمدية، لأنها جماعة أقامها الله تعالى بنفسه.

أما السؤال: إلى متى تستمر هذه الظروف الصعبة بالنسبة للجماعة فأقول، كما بينت من قبل أيضا: الله أعلم بذلك. ومع ذلك أود أن ألفت أنظاركم إلى أمر هام قبل إنهاء خطبتي: إن خطابات بعض الإخوة إلي تشتم منها رائحة القنوط واليأس لحد ما، وهذا يؤلمني. يجدر بي أن أسميه باسمٍ غير القنوط، إذ أن أصحاب هذه الخطابات ليسوا قانطين من رحمة الله. ولكن مع ذلك فإن النتيجة التي توصلوا إليها تدل على استعجالهم الشديد في الحكم وعدم التأني، حيث يظنون أن مشيئة الله تعالى في هذه المحن والابتلاءات هي مختلفة عما سبق، وأننا ربما نضطر لنقل المركز الرئيسي من هذا البلد (باكستان)، وأن أمامنا شوطًا طويلاً من الابتلاءات هذه المرة. ولكنهم مع ذلك متأكدون بأنها سوف تتمخض في آخر المطاف عن انتصارات عظيمة للجماعة، كما جرت سنة الله باستمرار من قبل.

أراهم قد استعجلوا في هذا الحكم، ولا أرضى به أبدًا. صحيح أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يعيد نفسه لفظًا لفظًا، وصورةً صورة، واسمًا اسمًا مائة بالمائة. إن التاريخ إنما يعيد نفسه من حيث المبادئ والقواعد. وهذه المبادئ مسجلة محفوظة من عند الله في القرآن الكريم. فالمبادئ سوف تعاد بلا شك، لأنها سنة الله مع أنبيائه، ولكن معالم هذه السنة قد تكون مختلفة من زمن إلى زمن، بمعنى أنه يمكن أن تختلف معالم هذه السنة بحسب اختلاف سيرها عمليًا. فالحكم بأن وقوع حادث ما يعني بالضرورة كذا وكذا حكم غير صائب. فما لم يخبر الله تعالى بنفسه بأمر وبكل وضوح، أو تجلت مشيئته بحيث لا يمكن إنكارها فينبغي أن لا يستعجل الإنسان.

حقاً إنه لا مفر من قدر الله، ولا مناص من مشيئته، ولا سخط (والعياذ بالله) من حكمه، ولكن مع ذلك أوصيكم بألا تستعجلوا في الحكم. ذلك أن هذا سوف يؤدي إلى نقصان عامل الاضطراب في دعواتكم، فلا تجدوا نفس الاضطرار والحرارة فيها. سوف تستسلمون وتقولون في أنفسكم: إن مسلسل الابتلاء سوف يستمر طويلاً. لا بأس، كذلك جرت العادة. وهذا يفقدكم الهمة والحرارة في الدعوات، ويسلبكم الاضطرار في الابتهالات. وهذه خسارة فادحة يجب على الجماعات السماوية تفاديها.

لذا أقول إنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ولا مبدل لكلماته، ولكنكم لماذا تستسلمون وتخفضون مستوى دعواتكم. إن الجندي الشجاع هو ذلك الذي يصمد في ميدان القتال.. يتلقى طعنات العدو بصدره ولا يولي دبره.

مما لا شك فيه أن أحدًا لا يقدر على محاربة مشيئة الله وقدره، ولكن الله تعالى بنفسه قد علمنا طريقًا لمواجهة قدره، وهو ألا ننفك منهمكين في الدعوات والابتهالات بكل خشوع وتواضع، لأن القدر الإلهي الخاص بالدعوات المتواضعة أيضا قدر مستقل في ذاته وجار باستمرار. والله تعالى يخبرنا بأن قدره هذا يصل في بعض الأحيان من القوة بحيث يتغلب على قدر إلهي آخر فيبدله. إن المعجزة العظيمة التي حدثت في الجزيرة العربية قد كتب سيدنا المهدي والمسيح الموعود محللاً إياها وقال: إن معاملة القوم مع النبي كان يقتضي نتيجة حتمية واحدة فقط لاغير.. أن يهلك القوم كلهم، وأن يجعل سافل أرضهم عاليًا. فكانوا أشد جرمًا من قوم نوح وأحق منهم بالعقاب لدرجة كان يجب أن لا يترك أحد منهم حيًّا. وإن ما وقع في سفره إلى الطائف من حادث مؤلم للغاية وما أخبر به الله رسوله بواسطة الملائكة، إنما يتضمن نفس السر ويبين نفس الحكمة. وكأن الله تعالى قال في هذا الحادث: إن مشيئتي تقضي بهلاك الأعداء عند كل سلوك سيء. ولكنك يا محمد، فإن أمانيك القلبية ودعواتك الحارة وابتهالاتك الشديدة أيضا تصنع قدرًا سماويًّا. وإن مشاعرك ودعواتك، يا محمد، أهم من مشيئتي. لذا لن أعامل قومك، ولن أنفذ فيهم قدري إلا بعد استشارتك. وما هو القدر السماوي يا ترى؟ ما هو إلا قوله تعالى لرسوله : إنك قد تحملت الكثير من أذى القوم، فإن كنت تنوي إبادتهم فأخبرني حتى آمر الملائكة ليطبقوا جبلين على قرية الطائف بحيث لا تبقى لهم باقية.

هذا حادث صغير وقع ليظهر لنا قدرًا إلهيًّا خفيًّا. ولكن سيدنا محمدًا لم يكن يحظى بحب الله تعالى في ذلك الوقت فقط، كما لم يكن هو الحادث الوحيد الذي تعرض فيه للإيذاء في سبيل الله تعالى، وإنما في كل آن كانت الصواعق تنزل على قلبه، وفي كل يوم كان يضحي بروحه في سبيله حيث جاء في القرآن الكريم:

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأَنعام: 163).

وهذا يعني أنه في كل يوم كان يموت في سبيل الله تعالى، وفي كل يوم كان الله تعالى يحييه. وهذا هو القدر السماوي الذي لم يزل جاريًا باستمرار، وفي المقابل لم ينفك النبي دائبًا على الدعوات بلا انقطاع. وكما يقول سيدنا المهدي والمسيح الموعود فإن القدر السماوي الذي صنعته دعوات النبي المستجابة في السماء هو الذي كتب له الغلبة في آخر الأمر. فكتب الله حياة أبدية لقومه الذي كان إهلاكهم قدرًا مقدورًا.

إنكم أنتم الأحمديين تدينون بسيادة هذا السيد وتدّعون بحبه ، لذا فعليكم باتباع خطواته. فلا تتمنوا هلاك القوم مستعجلين. إنما عليكم بالابتهال إلى الله تعالى لنجاتهم وحياتهم.

تقبل الله دعواتنا، وهدى القوم إلى الصواب.

Share via
تابعونا على الفايس بوك