في التصوف الإسلامي

هل للسالك أن يترك الشريعة في وقت من الأوقات؟

 تقدم إلي مرة رجل غريب بعدما فرغت من صلاة الجمعة في هذا المسجد وقال: أريد أن أسئلكم سؤالا. فقلت له تفضل، سل عما بدا لك. قال: لو كنا في سفينة قد وصلت الشاطيء، فماذا نصنع عند ذلك؟ فألهمني ربي ببقية سؤاله، وبما كان يرمي إليه. فلم أقل له انزلوا من تلك السفينة، لأنها وصلت الشاطئ، بل قلت: إذا كان البحر الذي تسبح فيه السفينة محمودًا، فلا بأس أن تنزلوا منها، ولكن إذا كان البحر لا ساحل له، ولا منتهى لمياهه، فلا خير في النزول من السفينة، لأنكم حيثما تنزلون ظانين أن هناك شاطئا تغرقون.

وكان الرجل من تلك الطائفة البائسة من المسلمين التي تقول بأن الصوم والصلاة والأوامر الشرعية الأخرى كسفينة للوصول إلى الرب، فلما وصل الإنسان إلى ربه فلا معنى لمكوثه في السفينة، أي لا لزوم عندئذ للإتيان بالصوم والصلاة. وكأن السائل يريد أن يقول لي: إنني قد وصلت إلى الله، فلا أصلي، ولا أصوم، كما هو دأب هؤلاء القوم. وأما أنتم فلا تزالون في وسط البحر، فعليكم بأوامر الشريعة.

ولكن الله علمني مراده فأجبته بما لم يترك له مجالا لهذا الاستنتاج الباطل، وقلت له: إذا كان البحر ذا سواحل وشواطئ، فالأمر أمرك. وأما إذا كان لا ساحل له ولا شاطئ، لا بداية له ولا نهاية، فأينما هممت بالخروج من السفينة غرقت. فالإله الحق الذي خلقنا لعبادته لا يحد، ومراتب التقرب إليه لا نهاية لها، حتى أن سيد البشر وأكمل الأنبياء والمرسلين محمدًا أيضا يترقى في تلك المراتب كل حين وآن. فالقول إن هناك إنسانا لم يبق أمامه مجال للرقي يعني أنه صار إلهًا.

كثيرا ما يقول الذين لا يدركون الحقائق: هل يجزي الله عباده الصالحين على أعمالهم المحدودة جزاءً غير محدود؟ وفي أغلب الأحيان أقول لهم: نعم، يفعل الله هكذا ليظهر أنه الإله الواحد الذي لا شريك له، ولو أن الله جزى الإنسان جزاء محدودًا، ثم أغلق عليه أبواب الرقي، لكان له أن يقول خشى الرب من ترقياتي، وأوجس خيفة مني أن أشاركه في لاهوته.

ولكن الإله الحق يقول: أنا أجزيكم جزاء لا نهاية له.. ترقوا، ثم ترقوا دائما، وهناك تعرفون أن الإله واحد لا شريك له. فالتوحيد الكامل لا يثبت بدون نعمة كاملة من الله. والأديان التي تقول بأن جزاء الأعمال محدود، هي التي تجعل مقام التوحيد الإلهي مبهما غير واضح. وموجز القول بأن مقامات تكميل الإنسان غير محصاة وغير واضح.

وموجز القول بأن مقامات تكميل الإنسان غير محصاة وغير محدودة، ولابد للإنسان أن يدأب على التوبة والاستغفار إلى الله، وأن يوقظ وينشط روحه للحصول على تلك المقامات. فالدعاء والاستغفار والإنابة إلى الله دائما ممَّا لا بد منه لتكميل الروحانية، وهي لا تدل في كل حين على أن صاحبها مذنب وأثيم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك