كلمة التقوى تحقق وعد الاستخلاف

كلمة التقوى تحقق وعد الاستخلاف

التحرير

 

وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض وبتمكين الدين وبالأمن والأمان. وقد تضمن القرآن الكريم هذا الوعد بصورة جلية واضحة. وكذلك فإن الله تعالى استخلف المؤمنين الصالحين في القرون الغابرة والأمم السالفة. ولكن وعده فيما يخص الأمة الإسلامية كان وعدًا متميزًا حيث يقول تعالى:

وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم الّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنَّا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا

فهذه الآيات تؤكد نقطة هامة جدًا وهي أن الاستخلاف سيكون للأكثر إيمانًا من المسلمين، وأن غاية هذا الاستخلاف ونتائجه هي تمكين الدين وإشاعة الأمن بعد الخوف وتثبيت وحدانية الله تبارك وتعالى.

ولقد ميز الله تعالى في القرآن الكريم بين المسلمين والمؤمنين، فقال جل وعلا:

قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .

فالإسلام هو الانتماء إلى هذا الدين والإقرار بالله ربًا وبمحمد   نبيًا والاستعداد لقبول الأوامر واجتناب النواهي. أما الإيمان فله مدارج والمسلمون يتراوحون بينها. ولكن الوعد الإلهي هنا اختص الفرقة المؤمنة من المسلمين، أي الأفضل منهم، لتكون مظهرًا للاستخلاف ومناطًا له.

وكان ولا يزال هذا الموضوع موضوع خلاف بين المسلمين. فمنهم من يعتقد بأن الاستخلاف يعني أن يكون للمسلمين دولة قوية يتزعمها خليفة ولابد من تحقيق ذلك لتحقق هذا الوعد، ومنهم من يعتقد بأن المسألة متعلقة بظهور الإسلام ورفعة المسلمين وليس بالضرورة بوجود الخليفة. وهم في ذلك يستقرئون التاريخ ويحاولون فهم المسألة وفقًا لذلك.

ولابد للحكم على حالة تاريخية في التاريخ الإسلامي، إن كانت استخلافًا أم لا، أن ننظر إلى النتائج المرجوة من الاستخلاف التي ينبغي أن تتحقق، ألا وهي تمكين الدين أي مقدرة المؤمنين على أن يؤدوا شعائر دينهم بحرية تامة، وأن يقوموا بذلك وهم آمنون مطمئنون لا يخافون، وأن يكونوا مؤمنين موحدين لا يشركون بالله شيئًا. هذه الأمور لا بد من تحققها لتكون هذه الحالة استخلافًا.

وينبغي ألا يغيب عن البال أن هذا الوعد لابد من أن يتحقق بشقيه الظاهري والباطني وهذه سنة الله تعالى في وعوده دومًا، فقد وعد الله تعالى عيسى بن مريم برفعة الذين اتبعوه إلى يوم القيامة، فكان أن جعل الرفعة منذ ذلك اليوم دُولة بين الذين اتبعوه بالفعل وهم المسلمون وبين من اتبعوه ظاهريًا وهم النصارى الذين كانوا قد ألّهوه وافتروا عليه الكذب. فكذلك فإن وعد الاستخلاف لا بد أن يكون كذلك فينبغي ألا تغيب الخلافة عن وجه الأرض وحتى لو كان ذلك ظاهريًا أو صوريًا، وكذلك ينبغي أن يتحقق الوعد بوجود فرقة مؤمنة منذ فجر الإسلام إلى قيام الساعة مستخلفة تنقل الفكر الإسلامي الصحيح، آمنة مطمئنة بوسائل تأييد إلهية، تُعنى بالاهتمام بالتوحيد وإرساء دعائمه على مر الزمان.

وإذا عدنا إلى فجر الإسلام فلقد تحقق الوعد بعد وفاة المصطفى ظاهريًا وباطنيًا بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة. فنشأ منصب الخليفة الذي كان إمام المؤمنين وأميرهم وقائد الدولة. وبعد الخلافة الراشدة أصبح منصب الخليفة منصبًا سياسيًا ولم يعد الخليفة المرجع الديني وإمام التوحيد فتحقق النبأ ظاهريًا ببقاء هذا المنصب وتحقق باطنيًا ببروز أئمة وعلماء من الأمة يعنون بأمور الدين ويحملون راية التوحيد تحت ظل خليفة يوفر سلطانه الأمن والأمان لهم، ويعملون على المحافظة على التوحيد بحيث يُعبَد الله ولا يُشرَك به شيئًا ما استطاعوا.

ولقد عبثت الأطماع السياسية في بنيان الدين حتى اضمحل الجانب الباطني من الاستخلاف وبقي الجانب الظاهري أو الصوري. حتى أرسل الله عبده الإمام المهدي والمسيح الموعود ليحمل لواء الاستخلاف تارة أخرى ظاهريًا ولكن بصورة لم يألفها التاريخ الإسلامي كثيرًا وإن وجدت في بعض الحقب وهي الخلافة المجردة من السلطان الدنيوي، وباطنيًا بإرساء وتوطيد بنيان التوحيد. فكان أن أنهى الله تبارك وتعالى منصب الخلافة كمنصب سياسي بإلغائه بعد سقوط الدولة العثمانية، وكانت الخلافة قد أنشئت في الجماعة الإسلامية الأحمدية قبل ذلك واستمر الوعد وصدق الله ومن أوفى بعهده من الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وينبغي ألا يغيب عن البال أن هذا الوعد لابد من أن يتحقق بشقيه الظاهري والباطني وهذه سنة الله تعالى في وعوده دومًا

ولقد حاول كثير من المسلمين إعادة منصب الخلافة بعد سقوطه لأهداف لا تنسجم مع ما أراده الله لهذا المنصب. فقد حاولت بريطانيا إقامة هذا المنصب في مصر كمنصب صوري ليسهل عليها السيطرة على العرب والمسلمين وليس لإشاعة الأمن والأمان وإقامة التوحيد، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل. كذلك حاولت بعض الجماعات والفرق ذلك ومازالت تحاول ولم تفلح. والحقيقة الوحيدة هي أن الخلافة ومنصب الخليفة ليس بموجود إلا في الجماعة الإسلامية الأحمدية. أما باقي الأمة فلقد فقدت هذه النعمة وهذه الشهادة من الله على الاستخلاف، بل إنهم يرفضون أن يشملهم ذلك الوعد. فهم يرفضون الجماعة الإسلامية الأحمدية ويرفضون خليفتها وهم بذلك يصبحون غير مشمولين بالوعد الإلهي. ولقد أراد الله تعالى أن يجلّي الأمر بإلغاء الخلافة الظاهرية عندهم كي يفقهوا بأنهم ليسوا على صراطه المستقيم. فحتى لو بقيت الخلافة العثمانية الصورية أو غيرها إلى اليوم فإن ذلك لا يبطل استخلاف الجماعة الإسلامية الأحمدية. فلو بقي عندهم خليفة صوري لما حصلوا على ثمرات الاستخلاف التي هي ليست بموجودة عندهم بل إن غيابها هو الطابع الأساسي لحياة المسلمين في كافة بقاع الأرض.

فعلى الأمة الإسلامية أن تحاول الاستفادة من ثمرات الاستخلاف التي وعد الله بها من أمن وأمان وتمكين للدين وإرساء للتوحيد بقبول الجماعة الإسلامية الأحمدية على الأقل كجزء من الأمة. لأن في رفضها كجزء من أمة الإسلام وبال على غيرها. فلو قبلوا خليفة المسلمين لما أصابهم ما يصيبهم الآن. ثم عليهم بعد ذلك أن يتدبروا ويتفكروا، فمن تحقق عندهم هذا الوعد لابد وأن يكونوا هم الفرقة الناجية. والظالمون هم الذين لا ينالون عهد الله كما أخبر الله إبراهيم إذ قال إني جاعلك للناس إمامًا. فهلموا إلى الخلافة التي هي على منهاج النبوة، واشكروا لله الذي لا يخلف وعده ولا ينقض عهده، ولا تكونوا أول المنكرين. فهذه الخلافة فيها سكينة من ربكم وبقية مما ترك سيدنا محمد وآله، تحملها الملائكة، يؤتيها الله من يشاء وينزعها عمن يشاء. ذلك وعد غير مكذوب. فلا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا. فلا راد لفضل الله ولا معقب لحكمه له الحكم وله الأمر وهو خير الفاصلين، والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك