ماهية الداء السكري؟

ماهية الداء السكري؟

إيهاب حمود

  • داء السكري عبر الزمن وأنواعه
  • أعراض السكري وأخطاره والاختلاطات

__

الداء السكري مـرض مزمن يسـتمر مدى الحياة، ويحدث نتيـجة العوز الكمي أو الكيفي للإنسولين. والإنسولين هرمون تفرزه غدة البنكرياس استجابة لارتفاع سكر الدم ويعمل على خفضه بإدخاله إلى الخلايا لإنتاج الطاقة، وما لم يدخل السكر (الغلوكوز) إلى داخل الخلايا، لا يمكن للجسم أن يستخدمه لإنتاج الطاقة. فالداء السكري يحدث عندما تتوقف غدة البنكرياس عن إنتاج ما يكفي من الإنسولين، أو عندما لا يعمل الإنسولين المنتج بكفاءة. مؤدياً لارتفاع السكر في الدم ويبدأ ظهوره في البول عندما يتجاوز مستواه في الدم حدًا معينًا.

تاريخيًـا

أقدم وثيقة تاريخية عُثر فيها على ذكر للداء السكري هي أوراق بردي ترجع إلى عام 1552 قبل الميلاد وذلك من قبل الطبيب المصري “حسي رع”؛ وهي تذكر كثرة التبول كعرض.

وفي القرن الأول قبل الميلاد وُصف السكري من قبل آراتيوس بأنه ذوبان اللحم والأطراف إلى البول. وكان آراتيوس هو أول من أطلق عليه اسم “ديابيتس” وهي كلمة لاتينية  تعني (الماء المتدفق في  شلال) إشارةً إلى كثرة كمية البول عند المرضى وتترجم إلى العربية بلفظ “بيلة”، أما الجزء الثاني من الاسم الحالي أي “ميليتوس” وهي كلمة لاتينية تعني “عسل” فقد أضيفت لاحقاً من قبل (توماس ويليس) عام 1674م ليصبح اسمه “ديابيتس ميليتوس” أي البيلة السكرية. إذ يكون بول المرضى المصابين بالسكري حلو المذاق لوجود السكر فيه.

ومن بين أطباء المسلمين كتب الرازي عن مرض السكري حيث وصف أعراض المرض من كثرة التبول وكثرة شرب الماء وضعف البنية الجسدية وضعف القوى البدنية. كما وصفه الطبيب الكبير الشيخ ابن سينا في كتابه (القانون في الطب) المؤلّف في القرن الحادي عشر الميلادي.

ومع بدايات القرن التاسع عشر طُوّر لأول مرة اختبار كيميائي يكشف وجود السكر في البول. وفي عام 1869 اكتشفت جزيرات من الخلايا في البنكرياس سميت لاحقاً بجزر لانغرهانس نسبة إلى مكتشفـها، وهي تقوم بإفراز الإنسـولين وهرمونـات هامة أخـرى.

اكتُشف الإنسولين في عام 1921، ولاحقاً في عام 1944 طُوِّرَت حقن الإنسولين التي استخدمت في علاج الداء السـكري، وفي عـام 1955 طـورت أدويـة فمـويـة تساعد على خفض سـكر الدم.

أنواع الداء السكري

هناك نوعان رئيسان: وهما داء السكري من النمط الأول وداء السكري من النمط الثاني، وهناك أيضاً السكري الحملي. ويشـكل النمـط الثاني 90% من الحـالات.

داء السكري من النمط الأول

ويدعى أيضاً الشبابي، وهو يصيب عادة الأطفال وصغار البالغين، لكن يمكنه أن يحدث بأي عمر. كما يدعى أيضاً السكري المعتمد على الإنسولين، لأنه يتطلب تعويضاً كاملاً للإنسولين.

في هذا النمط تتخرب خلايا البنكرياس التي تنتج الإنسولين وهي خلايا “بيتا” في جزر لانغرهانس، مؤدية إلى عوز شديد في الإنسولين، ويعتقد أن هذا يحدث نتيجة مهاجمة الجسم نفسه وتدميره هذه الخلايا، ويعرف هذا الأمر بالارتكاس المناعي الذاتي.

ليس سببُ ذلك واضحاً، ولكن هناك عدد من العوامل المتهمة بتحريض هذا الارتكاس منها: الإصابة ببعض أنواع الفيروسات أو الجراثيم، أو التعرض للسموم الكيماوية الموجودة في الأغذية، وتعرض الرضيع بعمر مبكر جداً لحليب البقر. إلا أن هذه تبقى نظريات وليست أسباباً مؤكدة بشكل من الأشكاـل، ولا تلعب الوراثـة دوراً كبيـراً في داء السـكري من النـمـط الأول.

داء السكري من  النمط الثـاني

يُدعى أيضاً داء السكري الكهلي أو غير المعتمد على الإنسولين. يصيب هذا النمط الأشخاص فوق الأربعين، وخاصة السّمان، ومن لديهم قصة عائلية لداء السكري، إلا أن حدوثه آخذ بالازدياد اليوم بين الأعمار الأصغر، وخاصة المراهقين، وربما يرجع ذلك إلى ازدياد انتشار البدانة عند الأطفال في بعض البلدان.

ويحدث عندما لا يعمل إنسولين الجسم بشكل مناسب، ويعزى ذلك للمقاومة للإنسولين، فلا يتمكن الإنسولين المنتج من قبل البنكرياس من التفاعل مع خلايا الأنسجة الشحمية والعضلات لإدخال الغلوكوز لإنتاج الطاقة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع سكر الدم، وللمعاوضة يقوم البنكرياس بإنتاج المزيد من الإنسولين، وتستشعر الخلايا هذا التدفق من الإنسولين فتصبح أكثر مقاومة له، مما يؤدي إلى دارة معيبة. وهذا الإنتاج الزائد يرهق الخلايا المنتجة للإنسولين في البنكرياس؛ فلا تعود قادرة على إنتاج ما يكفي من الإنسولين، والإنسولين المتاح لا يعمل بصورة جيدة. وغالبا ما يترافق بالبـدانة وارتفـاع الكولسـترول.

عوامل الخطورة في النمط الثاني

تلعب العوامل الوراثية دورا كبيراً في السكري من النمط الثاني بخلاف النمط الأول، وإن وجود قصة عائـلية يشكل عامل خطورة للإصابة.

ومن عوامل الخطورة التي تزيد احتمال إصابة الشخص بالسكري من النمط الثاني:

التقدم في السن (فوق 45 سنة)، البدانة وخاصة المتركـزة حـول الخصـر، والعـادات الغـذائـية السيـئة، وقلة النشاط البدني. لكـن المرض يمكن أيضا أن يصيـب النحيـلين وخاصة كبار السن.

ومن العوامل الأخرى: ارتفاع الضغط الشرياني، ارتفاع مستوى الكوليسترول أو الشحوم الثلاثية، والانتماء العرقي؛ حيث  ترتفع نسبة الإصابة بالسكـري لدى بعض المجموعات العـرقية كالأمريكـان من أصل إفريقـي، والهنود الحمـر، وسكان أستـراليا الأصليـين.

أعراض السكري

من أعراض الإصابة بالسكري: كثرة الشعور بالعطش والجوع، كثرة التبول، نقصان الوزن، تشوش الرؤية، الهياج، الشعور بالتنميل والوخز في اليدين أو القدمين، انتانات متكررة في الجلد أو اللثة أو المثانة وبطء شفائها، تأخر شفاء الجروح، تعب شديد غير مفسر، وخلل في القدرة الجنسية عند الرجال.

غالباً ما تكون بداية الأعراض في الداء السكري من النمط الأول حادة أو تحت حادة حيث تتطور الأعراض عادة خلال بضعة أسابيع وأحياناً خلال بضعة أيام وعادة ما يراجع المريض الذي يكون عادة طفلاً أو شاباً بقصة العطش المستمر والتبول المتكرر والاستيقاظ ليلاً بشكل متكرر من أجل التبول، بالإضافة إلى زيادة الأكل ونقص الوزن، وليس من النادر أن يأتي المريض في حالة “حماض خلوني سكري”: وهو حالة طبية طارئة يكون فيها ارتفاع كبير في سكر وخلون (كيتون) الدم، وتترافق عادة بالتجفاف، وتتطلب عناية طبية دقيقة، وعدم العلاج أو التدبير السييء قد يؤدي إلى السُبات (الغيبوبة) ثم الموت.

أما السكري من النمط الثاني فهو يتطور تدريجياً له أعراض لعدة شهور وحتى سنوات.

السكري الحملي

ويحدث لدى بعض السيدات أثناء الحمل، وهو مماثل للنمط الثاني من حيث وجود مقاومة للإنسولين، وسببها أن هرمونات الحمل تعاكس تأثير الإنسولين مما يؤدي لارتفاع السكر عند النساء المؤهبات وراثياً.

ولا بد من ضبط سكر دم الحامل المصابة لأن ارتفاع السكر قد يكون له أثر مشوه على الجنين، كأمراض القلب الولادية والتشوهات الهيكلية، بالإضافة إلى زيادة حجم الجنين الأمر الذي قد يتسبب في عسر الولادة وتعرض المولود والأم للرض أثناء الولادة، وازدياد الحاجة لإجراء عمليات قيصرية، بالإضافة إلى أن مثل هؤلاء الأجنة يكونون عرضة لنقص سكر الدم خلال الساعات الأولى بعد الولادة بسبب اعتياد أجسامهم على مستويات عالية من السكر القادم من دم الأم عبر المشيمة خلال الحمل. ويتحقق ضبط السكر لدى هؤلاء الحوامل من خلال الحمية فقط أو مع استخدام الإنسولين، ولا يمكن استخدام خافضات السكر الفموية لأن لها تأثيراً مشوهاً للأجنة. ويزول السكري الحملي عادة بعد الولادة إلا أنه يعتبر من عوامل الخطورة للإصابة بالسكري من النمط الثاني مستقبلاً.

الاختلاطات

يمكن للسكري أن يتسبب في العديد من الاختلاطات قصيرة أو طويلة الأمد.

المضاعفات قصيرة الأمد وهي حالات إسعافية تتطلب تدخلاً سريعاً ومنها:

نقص السكر وخاصة في المرضى الذين يستخدمون الإنسولين، إما بسبب جرعة زائدة من الإنسولين أو عدم تناول ما يكفي من الطعام أو بذل مجهود بدني فوق المعتاد.

الحماض الخلوني (الكيتوني) السكري، ويصيب عادة مرضى النمط الأول، وغالبا ما يكون السبب هو عدم أخذ بعض جرعات الإنسولين، وهي حالة يحدث فيها خلل استقلابي عميق في الجسم. قد تؤدي إلى السبات والموت في حال عدم العلاج المناسب.

سبات فرط الحلولية (الأوزمولية) اللاكيتوني: ويحدث عادة في النمط الثاني بسبب التجفاف الناتج عن زيادة إدرار البول بسبب الارتفاع الكبير في سكر الدم، دون أن يرافق ذلك ارتفاع كيتون الدم.

الاختلاطات بعيدة الأمد

داء السكري الذي لا يعالج جيداً يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الاختلاطات طويلة الأمد كاعتلال شبكية السكري الذي قد ينتهي بالعمى، واعتلال الكلية السكري، اعتلال الأوعية الدموية المحيطية، التصلب الشرياني، ومرض الشرايين الإكليلية، ارتفاع الضغط الشرياني وارتفاع الكولسترول، اعتلالات الأعصاب العُنَة عند الرجال.

التشخيص: يكون بمعايرة سكر الدم.

العــلاج: الأهداف الأولى للعلاج هي التخلص من الأعراض وضبط مستوى سكر الدم في أقرب مجال إلى المستوى الطبيعي ولأطول فترة زمنية ممكنة. والأهداف بعيدة المنظور هي منع العقابيل الآجلة وإطالة الحياة.

ولحسن الحظ، كما تشير إحدى الدراسات الكبيرة التي أجريت على مدى 10 سنوات، أنه إذا حافظ المرضى على سكر الدم أقرب ما يمكن للطبيعي، فيمكنهم أن يقللوا خطر حدوث بعض هذه الاختلاطات بنسبة 50 %  أو أكثر.

هناك أمور معينة ينبغي على كل مريض بداء السكري سواء أكان من النمط الأول أو الثاني، أن يفعلها حتى يتمتع بالصحة؛ فيجب أن يكون لديهم خطة غذائية، كما ينبغي عليهم أن يهتموا بممارسة النشاطات البدنية، لأنها تساعد الجسم على الاستجابة للإنسولين بشكل أفضل.

بعض مرضى النمط الثاني يمكن تدبيرهم بدون أدوية وذلك من خلال الحمية الغذائية وضبط الوزن والنشاط الفيزيائي المناسب، وهي الأساس في معالجة السكري من النمط الثاني. ويمكن لبعض مرضى هذا النمط إيقاف الأدوية بعد إنقاص الوزن، مع أن الداء السكري ما زال موجوداً لديهم.

وينبغي أن تراعى في الحمية العادات الغذائية للمريض وذوقه الخاص، ويمكن لأخصائي التغذية أن يساعد المريض في تحديد احتياجاته الغذائية.

هناك دراسات حديثة كشفت عن عدد كبير من الجينات المسؤولة عن توزيع الشحوم في الجسم، وتبين أيضاً أن النمط الأسوأ للبدانة هو المترافق بتراكم الشحوم حول الأحشاء ومنطقة البطن (الكرش)، وربما يتم في المستقبل انتاج عقاقير تؤثر على هذه الجينات أو منتجاتها للسيطرة على البدانة وتوزع الشحوم في الجسم، ولكن في الوقت الحاضر تبقى الحمية والتمرين هي الوسيلة الأمثل.

الأدويــة: يحتاج كل مرضى داء السكري من النمط الأول وبعض مرضى النمط الثاني أن يأخذ حقن الإنسولين. بعض مرضى النمط الثاني يأخذون حبوباً تدعى (خافضات السكر الفموية) التي تساعد أجسامهم على زيادة إنتاج الإنسولين أو استخدام الإنسولين الذي ينتجه الجسم على نحو أفضل. عندما لا يستطيع مريض السكري من النمط الثاني الحفاظ على مستويات سكر طبيعية أو قريبة  من الطبيعي من خلال الحمية والتمارين، تضاف الأدوية لخطة العلاج. حيث تعطى خافضات السكر الفموية، وإذا استمر سوء ضبط السكر فإن الطبيب يصف الإنسولين الذي يعطى حقناً تحت الجلد وهناك محاقن مختلفة منها الحقن العادية ومنها أيضاً أقلام الإنسولين وكذلك مضخات الإنسولين.

العناية بالقدم: مرضى السكري عرضة لمشاكل القدم بسبب أذية الأوعية الدموية والأعصاب وانخفاض القدرة على مقاومة الانتانات. وقد تصل الأذية إلى موت الجلد والأنسجة الأخرى، فإن لم تعالج فقد يتطلب الأمر في النهاية بتر القدم. لذلك لا بد من العناية والتفقد اليومي للقدمين لعلاج أي إصابة باكرًا.

الوقـايـة: ينبغي على كل شخص فوق سن 40 فحص مستوى سكر الدم على الأقل مرة كل ثلاث سنوات. ويجب أن يتم هذا الفحص بعمر أصغر وبتواتر أكثر إن كان هناك أي عوامل خطورة للإصابة.

المحافظة على وزن مناسب للجسم وعلى نشاط بدني مناسب، حيث تشير الدراسات أن تغييرات نمط الحياة يمكن أن تمنع أو تؤخر بداية داء السكري من النمط الثاني لدى أولئك الكهول الذين لديهم خطورة عالية للإصابة بالمرض. وينصح بالعمل على تخفيض وزن الجسم بشكل معتدل (بنسبة 5 – 10%) وممارسة نشاط بدني معتدل (30 دقيقة في اليوم).

هناك العديد من الأفكار الخاطئة التي تراكمت عبر السنين عن أسباب الداء السكري. فتناول السكاكر (الحلوى) لا يسبب الداء السكري. ولكنه قد يسبب السمنة التي تؤهب للإصابة بالنمط الثاني منه. الشدة والضغط النفسي لا يسببا الداء السكري، إلا أنهما قد يكون محرضاً لإطلاق ارتكاس المناعة الذاتية كما في النمط الأول. كما أن الداء السكري غير معدي.

هل يمكن الشفاء من الداء السكري؟

ربمـا يومًـا مـا.

قال تعـالى على لسـان سيـدنا إبراهيـم:

وَإِذَا مـَرِضْتُ فَهُـوَ يَشْفِـينِ (الشعراء: 81)
Share via
تابعونا على الفايس بوك