في ظلال دلالات الذبح العظيم

في ظلال دلالات الذبح العظيم

التحرير

  • التضحية بالنفس بمنزلة الموت واليقين التام في الله عز وجل
  • النبي الكريم هو المظهر الجلالي للذبح العظيم
  • الأضحى ليس تذكرة بقصص زمن مضى بل غاية بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
  • المسيح الموعود يذكر بحقيقة الأضحى

__

لا شك أن كل تضحية أيًّا كانت، تحمل بين طياتها رسالة عظيمة، ينعم الباحث المنصف بنفحاتها المتعددة الأبعاد ويغوص في معانيها وأهدافها. إلا أنها لا تصل في جوهرها إلى الأهداف الإيمانية والروحانية العظيمة لتضحية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام التي دوّنها القرآن الكريم.

الأضحى.. التضحية بالنفس بالاستسلام لله تعالى استسلاما كاملا بمنـزلة الموت.. موت وهب الحياة لسيدنا إبراهيم حيث إنه سلّم عنقه هو قبل أن يسلّم عُنق ابنه إسماعيل عليهما السلام. فما كان له أن يُقدم على تسليم عنق ابنه والتضحية بنسله في واد غير ذي زرع لولا يقينه التام في الله عز وجل. فهو العاشق الولهان الذي انمحت جذور حب ذاته بنار المحبة الإلهية. إن العلاقة المتينة التي كانت بين سيدنا إبراهيم الخليل وربه قادته إلى التضحية بأعز ما يملك.. بنفس العزيمة والاستسلام يحثنا التعليم الكامل الذي جاء به المصطفى لتقديم التضحية روحانيا وماديا.. وبما أنه لم تتعطل ولا صفة واحدة من صفات الله عز وجل منذ الأزل، وبالرغم من البعد الزمني بيننا وبين العهد الإبراهيمي ومن بعده حفيده خير خلق الله ، فإن الحكمة البالغة من تدوين هذه التضحيات وذكرها إجمالا وتفصيلا  يدل على أن الله تعالى يؤكد علينا أن تكون بيننا وبينه نفس علاقة إبراهيم وحفيده في الخصال الإيمانية والاستسلام الكلي والخضوع التام..

ويظن البعض أن الأضحى ليس سوى تذكرة بقَصص زمن مضى … في حين  أن الأضحى بالنسبة إلى السالكين بالروح الإبراهيمية والإسماعيلية ليس حدثا عابرا بل غاية بعثة المصطفى الذي يجسد التعبير العملي للتضحية

ولا يهدأ بال المؤمن العاشق الولهان حتى تكون له مع الله خلة. ولا يطمئن إلا بعد أن يذوب قلبه في حب الله تعالى أكثر من ذي قبل، حتى يخرج من أعماق قلبه نداء “لبيك اللّهم لبيك”. فكما أن إبراهيم لم يتردد في ذبح ابنه تنفيذا لأمر الله كذلك ينبغي على الإنسان أن يكون كله لله تعالى وألا يكترث بالتضحية بنفسه وأولاده وكل ما يملك طاعة لأمر الله تعالى.. لقد قُدّمت تضحيات عظيمة في زمن الرسول الذي كان أسوة حسنة كاملة في كل سُبل الهداية، والمظهر الجلالي للذبح العظيم. فتأسيا بأسوته قدم المؤمنون به شتى التضحيات المادية والمعنوية لدرجة أنهم رضوا بأن يُقطعوا إربًا إربًا في سبيل طاعة الله ورسوله بصورة لم يشهد لها تاريخ الديانات مثيلا.. ويا حسرتاه على تبخر روح الأضحى عبر العصور، فقد نسي كثير من الناس رسالته واكتفوا بذبح كبش كشعار للكبش الذي أنزل من السماء “حسب اعتقادهم”.

وقد تصدّى المسيح الموعود لهذا الفهم التقليدي البعيد كل البعد عن حقيقة ومقاصد الأضحية الإبراهيمية وروح التضحية في حد ذاتها وفلسفتها مُذكّراً أهل الظاهر أَنَّ عليهم أن تضطرب أرواحهم وتذوب وتُذبح روحيا كي يتولد فيها الاستسلام، وأن الفوائد التي تجلبها روح التضحية الحقّة هذه تكون شبيهة للفوائد الظاهرية التي يستفيد منها الناس عقب ذبح قرابينهم المادية حيث تحظى الروح المضحية بالسُّكون والرِّضى والاطمئنان من الحضرة الأحدية، فينبع منها كل ما هو خير. هذه هي التضحية الحقة التي ما زالت ينبوعا فياضا ومقدسا بفضل بذرة الذبح المحمدي العظيم حيث لا تزال إلى يومنا هذا تسقي بفيوضها السالكين على نهج روح النبوة لأنها روحٌ تدفع إلى الرقي وليست مجرد عاطفة أو قَصص..

إن الأمة في أمس الحاجة للشعور بهذه الصلة الروحية في بعث روح التضحية الإبراهيمية التي تجسدت في شخص الذبح العظيم.. سيدنا ومولانا محمد المصطفى . إلا أن ما آل إليه حال الأمة من انحراف عن المقاصد الروحانية وتقهقر وتشويه وتحجر ليس مجرد مظهر، بل هو نتيجة قحط روحي لعدم إدراك حقيقة تضحية سيدنا إبراهيم وسليل دوحته الطاهرة. إن نظرة المسيح الموعود إلى الأضحى وفلسفته بما ألهمه الله تبارك وتعالى من لب معدنها الإسلامي الأصيل في الخطبة الإلهامية المباركة هو ذلك السبيل إلى تلك الروح التي ترسم لنا معالم مغالبة النفس ومجاهدتها حتى يتم نحر النفس الأمارة بالمنكر والرذيلة. فكم حري بالمسلمين اليوم أن يدركوا الأضحى ومعانيه حتى يستردوا الحقيقة التي تتجلى في المنعم عليهم من حلل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، حتى يتحرروا من الفتور والبؤس والشقاء الذي أصابهم. ولا يتم التحرر من هذا الفتور والسبات الروحي بدون ثمن، ونعتقد حتما أن لا سبيل لذلك ما لم يستسلم المرء استسلاما كليا لما يريده الله منه وأوجبه عليه الرسول بتصديق وقبول الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي قدّر الله له إحياء الدين وإقامة عمائده، فما لم تكن صفة الاستسلام الكامل مظهر هذه الأمة كالتي انصبغ بها إبراهيم في امتثاله لأمر الله فلن يصل أحدٌ إلى إدراك تلك الحالة الجديرة به، اللائقة بصفة خير أمة، وبوعد المنعم عليهم.

فتعبير الأضحى العملي هو الإيمان بالتطهر والمجاهدة والانقياد الكامل، وتاجه التقوى الذي هو غاية الشريعة ومقصدها. ويظن البعض أن الأضحى ليس سوى تذكرة بقَصص زمن مضى – وهذا هو الشائع  والمطبق عند الكثيرين -، في حين  أن الأضحى بالنسبة إلى السالكين بالروح الإبراهيمية والإسماعيلية ليس حدثا عابرا بل غاية بعثة المصطفى الذي يجسد التعبير العملي للتضحية والذي نحر ناقة نفسه وتلّها للجبين لكي يرشدنا لبوابة الدخول في الحضرة الأحدية. فطوبى لكل من أدرك حقيقة هذا الذبح العظيم وسلك سبيله وتأسّى به إلى يوم الدين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبـه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك