رسالة تاريخية إلى قداسة الباب بندبكت السادس عشر
  • الإسلام الحقيقي وبراءته من الصور المشوهة التي تنسب إليه.
  • موقف الجماعة الإسلامية الأحمدية المناصر لجميع الأديان.
  • الانسجام والوئام الديني وحده الذي سيحفظ حقوق الخالق ومخلوقاته أيضاً.

__

حضرة أمير المؤمنين خليفة المسيح أيده الله تعالى بنصره العزيز يوجه رسالة تاريخية إلى قداسة الباب بندبكت السادس عشر

في خضم ما يشهده العالم من اضطرابات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وجه حضرة أمير المؤمينن -أيده الله- رسالة إلى قداسة البابا بنديكت السادس عشر،  أزال حضرته من خلالها المبادئ الخاطئة التي تُلصق بالإسلام والدور الحساس الذي يلعبه الدين الحنيف في تحقيق الأمن والسلام العالمي. كما ركز حضرته على خطورة الموقف الذي يعيشه العالم اليوم والمساعي التي يجب اتخاذها كي تتفادى البشرية حربا عالمية ثالثة. وقد سلَّم أمير الجماعة في الديار المقدسة الأستاذ محمد شريف عودة رسالة حضرته باللغة الانجليزية إلى قداسة البابا في الفاتيكان. وقد قامت السيدة ريم شريقي بترجمتها إلى اللغة العربية. وفي ما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلى على رسوله الكريم

وعلى عبده المسيح الموعود

بفضل الله  ورحمته    هو الناصر

لندن 31 أكتوبر 2011

إلى قداسةِ البابا بنديكت السادس عشر

السلامُ عليكمْ ورحمةُ اللهِ  وبركاتُه

بصفتي إمامَ الجماعةِ الإسلاميةِ الأحمديةِ العالميةِ أنقلُ إلى قداسة البابا رسالةَ القرآنِ الكريمِ:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله .

يتعرضُ الإسلامُ في هذه الأيامِ لتهمٍ سخيفة تحت مرأى العالمِ ومسمعِه. والذين يثيرونها لا يدرسونَ تعاليمَه الحقيقيةَ. وللأسفِ الشديدِ فإنّ بعضَ الجماعاتِ الإسلاميةِ المغرضةِ تقدِّمُ صورةً مشوهة للإسلامِ مختلفةً تماما عن صورتهِ الحقيقيةِ. ونتيجةً لذلك قد تلاشت الثقةُ من قلوبِ شعوبِ الدولِ الغربيةِ والشعوبِ غيرِ المسلمةِ تجاه المسلمينَ بحيث بدأ المثقفون أيضا يوجّهون إلى مؤسسِ الإسلامِ الرسولِ الكريمِ محمدٍ تهمًا لا أساسَ لها من الصحةِ.

مما لا شك فيه أنّ كلَّ دينٍ يهدفُ إلى تقريبِ الإنسانِ إلى الله تعالى وإرساءِ دعائم القيمِ الإنسانية، ولم يعلّم أيٌّ من مؤسّسي الأديان أتباعَه الاعتداءَ على حقوقِ الآخرين أو ظلمِهم. لذا ينبغي ألا تُستغَلَّ تصرفاتُ القلةِ من المسلمينِ المضَلَّلين ذريعةً لمهاجمةِ الإسلامِ ومؤسسِه الكريمِ . فقد علّمَنا الإسلامُ احترامَ أنبياءِ جميعِ الأديانِ، وهذا هو السببُ وراءَ ضرورةِ إيمان المسلمِ بجميعِ الأنبياءِ المذكورينَ في الكتابِ المقدسِ أو في القرآنِ الكريمِ، بمن فيهم المسيحُ .

إننا خدام متواضعون للرسولِ الكريمِ محمدٍ ، لذا يحزننا كثيرًا الهجماتُ على نبينا الكريمِ ، ولكننا نردُّ عليها باستمرارٍ من خلال تقديمِ سيرتِه الطيبةِ إلى العالمِ والكشفِ عن المزيدِ من تعاليمِ القرآنِ الكريمِ الجميلةِ.

إِنْ لم يتّبع معتنقُ ديانةٍ ما تعاليمها بصورةٍ صحيحةٍ مع ادّعائِه الالتزام بِها، فلا يجوزُ أن ننسبَ الخطأَ للديانةِ بل إلى المخطئ.  إن معنى كلمة “الإسلام” هو السلامُ والمحبةُ والأمنُ، وإن مسألةَ عدمِ الإكراهِ في الدينِ أمرٌ واضحٌ أكّده القرآنُ الكريمُ ورسَّخَه، فهو يعلِّمنا المحبةَ والمودةَ والسلامَ والتصالحَ وروحَ التضحيةِ. ويؤكدُ القرآنُ الكريمُ مرارًا وتكرارًا أن من لا ينتهجُ سبل التقوى يُطرد من رحمة الله، وأنه بعيدٌ كل البعد عن تعاليم الإسلام. وبالتالي إذا صوّر أيُّ شخصٍ الإسلامَ على أنه دينُ تطرفٍ وعنفٍ وأنه دينٌ مليءٌ بتعاليمِ سفكِ الدماءِ، فهذا تصورٌ لا علاقةَ له بالإسلامِ الحقيقي.

الجماعةُ الإسلاميةُ الأحمديةُ تمارسُ الإسلامَ الصحيحَ فقط، وكلُّ ما تقومُ به وتقدّمه من خدماتٍ فهو لابتغاء مرضاةِ الله فحسب. وكلما كانت كنيسةٌ أو أيُّ دارِ عبادةٍ أخرى بحاجةٍ إلى حماية، فسوف نقفُ متكاتفين دفاعًا عنها، وإنْ صعد صدى أيّةِ رسالة من مساجدنا فلن يكون إلا قولنا: “الله أكبر” وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

إنَّ العاملَ الذي يلعب دورًا رئيسيًا في تدميرِ السلامِ في العالمِ هو أنَّ بعضَ الأشخاصِ يظنون أنهم أذكياءُ ومثقفون وأحرارٌ، لذا يحقُّ لهم الاستهزاءُ والسخريةُ من مؤسسي الأديان. والحق أنه للحفاظِ على السلامِ في المجتمعِ لا بد من إزالةِ كلِّ مشاعرِ العداءِ من قلوبِ الناسِ، ليزدادَ التسامحُ فيما بينهم. هناك حاجةٌ ماسةٌ للوقوفِ للدفاعِ عن احترام أنبياء كل الأديان. فالعالمُ يمرُّ اليومَ بحالة اضطرابٍ وعدمِ ارتياح، ولإزالة هذا القلق والخوف يجب خَلْق جوٍّ من المحبة والمودة، وأن ننقل رسالةَ المحبةِ والسلامِ لمن حولنا، وأنْ نتعلمَ العيشَ بانسجامٍ أكبرَ من أي وقتٍ مضى وبطريقةٍ أفضلَ من ذي قبل، وأن نرسِّخ القيمَ الإنسانيةَ.

تندلعُ الحروبُ في العالم اليوم على نطاقٍ ضيّقٍ، بينما تدّعي القوى العظمى في أماكن أخرى أنها تحاولُ إحلالَ السلام. ولم يعد سرًا أنه يقال لنا في الظاهر شيءٌ، بينما تتمّ الترتيباتُ والمخططاتُ الحقيقيةُ سرًّا وراء الكواليس السياسية. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه في هذا المقامِ هو: هل يمكنُ إحلالُ السلامِ في العالمِ في مثل هذه الظروف؟ مع الأسف فإننا إنْ درسنا الظروفَ الراهنةَ في العالم عن كثب فسنجدُ أن أساسَ حربٍ عالميةٍ أخرى قد وُضع مسبقا. ولو تمَّ اتّباعُ مسارِ العدالةِ بعدَ الحربِ العالمية الثانية لما شهدنا الوضعَ الحالي في العالم بحيث يحيقُ به لهيب الحرب. ولأن العديد من بلدان العالمِ تملك اليوم الأسلحةَ النووية، ونجد الأحقادَ والعداواتِ في تزايدٍ مستمر، فقد أصبح العالمُ على حافة الدمار. ولو استُخدمتْ أسلحة الدمار الشامل، فإن الأجيال القادمة لن تسامحنا على ما ستسببه من العاهاتِ الدائمةِ التي ستلحقُ بها. لا زال هناك وقتٌ أمامَ العالمِ لإيلاءِ اهتمامٍ خاصٍ لحقوقِ الخالقِ وحقوقِ مخلوقاتِه.

أعتقد أن أهم ما علينا فعله الآن بل الأمر البالغُ الأهمية هو أن نكثفَ جهودَنا عاجلًا لإنقاذ العالم من هذا الدمارِ بدلًا من التركيزِ على تقدمِ العالم. هناك حاجةٌ ملحةٌ للبشريةِ لمعرفة خالقِها ، لأن هذا هو الكفيلُ الوحيد لبقاءِ البشريةِ، وإلا فإنَّ العالمَ يتحركُ بسرعةٍ نحو تدمير نفسه. فإنْ أراد الإنسانُ اليومَ النجاحَ في إرساء دعائمِ السلام فعلًا، فعليه أن يحاولَ السيطرةَ على الشيطان بداخله بدلًا من البحث عن أخطاءِ الآخرين. على المرءِ أن يقدم مثالًا رائعًا للعدالة بالقضاء على شرور نفسه. وأذكّرُ العالمَ باستمرارٍ أنّ هذه العداواتِ المفرطةِ تجاه الآخرين تجتثُّ القيمَ الإنسانية كليا، وبالتالي تقود العالم نحو الإبادة.

ولما كان لصوتكم تأثير ونفوذ في العالم، فإنني أهيب بكم أن تبلّغوا العالم وعلى نطاق واسع بأنّ وَضْعَ العراقيلِ في طريقِ التوازنِ الطبيعي الذي خلقه اللهُ تعالى، يدفعهم بسرعة نحو الفناء. هناك حاجة ملحة لنقلِ هذه الرسالةِ على نطاقٍ أوسعَ مِن أي وقتٍ مضى وباهتمامٍ أكبرَ بكثير.

إن جميع الديانات في العالم بحاجةِ إلى الانسجامِ والوئامِ الديني، وجميع شعوبِ العالمِ بحاجة إلى خلق روحِ المودةِ والمحبَّةِ والأخوة المتبادلة.

أدعو الله أن يوفقنا لأن نعيَ جميعًا مسؤولياتِنا ونشعرَ بدورنا في إرساءِ السلامِ والمحبة، ومعرفةِ خالقِنا . إننا ندعو دائما خلالَ صلاتِنا ونتضرَّعُ إلى الله تعالى أن يجنّبنا هذا الدمارَ العالمي المحدِق بنا. آمين.

المخلص

ميـرزا ​​مسـرور أحـمد

خليفة المسيح الخامس

إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية

Share via
تابعونا على الفايس بوك