الآثار المدمرة للحرب النووية و الحاجة الماسة إلى العدالة المطلقة
  • دعوة أمير المؤمنين لمن له علاقة بالأحزاب السياسية  لتعزيز السلام كلما سنحت الفرصة.
  • تعلن الجماعة الاسلامية الأحمدية في كل موطن عن السبيل الوحيد لإنقاذ العالم من الدمار وهو نشر المحبة والشعور بالانتماء إلى المجتمع ومعرفة الخالق الأحد.
  • فشل الجهود البشرية سيحدد مصيرها بيد الخالق.
  • العواقب الوخيمة للحروب النووية.

__

في الرابع والعشرين من شهر مارس/آذار لعام 2012 انعقد منتدى السلام السنوي التاسع في مسجد بيت الفتوح -أكبر مسجد في غرب أوروبا- في قاعة سيدنا محمود بمسجد بيت الفتوح “موردن” تحت رعاية الجماعة الإسلامية الأحمدية بالمملكة المتحدة.

لقد جذب هذا الحدث أكثر من 1000 مشارك من بينهم وزراء وسفراء وأعضاء من مجلسي العموم واللوردات وعمدة لندن وغيرهم من كبار الشخصيات. ورجال السلك الدبلوماسي من عدة دول أخرى منها الهند وكندا وإندونيسيا وغينيا. والخبراء والجيران والضيوف من مختلف قطاعات المجتمع. وكان موضوع المنتدى لهذا العام هو”السلام العالمي”.

فيما يلي نقدم الخطاب الذي ألقاه إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية  ميرزا مسرور أحمد، أيده الله تعالى بنصره العزيز، الخليفةُ الخامس لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود :

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.

السادة الضيوف..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اليوم، وبعد مرور عام، تتاح لي الفرصة مجددًا للترحيب بالضيوف الكرام الذين حضروا هذا المنتدى، وإنني أشكركم جزيل الشكر لما بذلتموه من أوقاتكم للحضور والمشاركة. في الواقع إن الكثير منكم على علم بهذا الحدث والمعروف بـ «منتدى السلام» والذي تنظّمه الجماعةُ الإسلامية الأحمدية كلَّ عام. إنه واحد من تلك الجهود الكثيرة التي نبذلها في محاولة لتحقيق ما نأمله من توطيد السلام في العالم أجمع.

يشارك اليوم أصدقاء جدد حضروا هذه الفعالية لأول مرة، بينما الآخرون هم أصدقاء قدامى يدعمون جهودنا منذ سنوات طويلة. على أية حال جميعكم على مستوى عال من الثقافة وتشاركوننا الرغبة في توطيد السلام في العالم كله، ولهذا حضرتم جميعًا هذه المنتدى. لقد جئتم اليوم بقلوب يملؤها الأمل أن يعمّ الحب والمواساة والتآخي العالمَ كله. هذه هي القِيم والـمُثل التي يتوق إليها الغالبية العظمى من شعوب العالم وهم بحق في أمس الحاجة إليها. فإن هذه هي الأسباب التي جعلتكم جميعًا تجلسون أمامي اليوم مع أنكم من خلفيات وشعوب وديانات مختلفة.

وكما قلت، فإننا نعقد هذا المؤتمر كل عام، وفي كل مرة يحدونا جميعًا الشعور نفسه والأمل أن يعمّ السلام العالمَ أمام أعيننا، ولذا فإنني كل عام أطلب منكم أن نسعى لتعزيز السلام في أي مكان تسنح لكم فيه الفرصة، ومع كل من تتصلون به. وبالإضافة إلى ذلك، أطلب أيضا من أولئك الذين لهم علاقة بالأحزاب السياسية أو الحكومات أن ينقلوا رسالة السلام هذه إلى دائرة نفوذهم. إنه لمن الضروري أن يدرك الجميع أنه من أجل توطيد السلام في العالم، هناك حاجة ماسة للقيم الأخلاقية الرفيعة أكثر من أي وقت مضى.

أما فيما يتعلق بالجماعة الإسلامية الأحمدية، فحيثما وكلما سنحت لنا الفرصة، فإننا نعرِب بكل وضوح ونقول علنًا إنه ليس هناك سوى طريق واحد لإنقاذ العالم من الدمار والخراب الذي يتجه نحوه، وهو أن يسعى الجميع لنشر المحبة والمودة والشعور بالانتماء إلى المجتمع. والأهم من ذلك، ينبغي على العالم أن يعرف خالقَه Y، الذي هو الله الأحد. فإن معرفة الخالق هي التي تقودنا نحو الحب والرحمة لخلقه، وعندما يصبح هذا جزءًا من سمتنا، عندها نكون مستحقين لمحبة الله . إننا باستمرار نرفع صوتنا داعين إلى السلام في العالم، وهذا الألم والأسى الذي نشعر به في قلوبنا يلهمنا العمل على تخفيف معاناة الناس وجعل العالم الذي نعيش فيه مكانًا أفضل. في الواقع، هذه المهمة هي واحدة من الجهود العديدة التي نبذلها من أجل تحقيق هذا الهدف.

… رجال السياسة الذين لنا معهم علاقات ودية ويتفقون معنا دائما عندما يكونون في صحبتنا، فإنهم غير قادرين أيضا على الحديث. وعوضًا عن ذلك نجد أصواتهم تحجب ويُمنعون من طرح وجهات نظرهم. هذا إما لأنهم مجبرون على اتباع سياسات الحزب، أو ربما بسبب ضغوط خارجية من قوى عالمية أخرى أو حلفاء سياسيين يضغطون عليهم.

وكما قلت آنفًا، كل واحد منكم لديه هذه الرغبات النبيلة. وإضافة إلى ذلك، لقد طلبت مرارًا وتكرارًا من السياسيين والزعماء الدينيين أن يسعوا من أجل السلام. وعلى الرغم من كل هذه الجهود إلى الآن فإن القلق والاضطراب في استمرار وازدياد في جميع أنحاء العالم. في عالم اليوم، هناك الكثير من الصراع والتوتر والاضطراب. في بعض البلدان نجد أفراد الشعب يتقاتلون ويتحاربون فيما بينهم، وفي بلاد أخرى الشعب يقاتل الحكومة، أو على العكس نجد الحكام يهاجمون شعبهم. والجماعات الإرهابية تدعم الفوضى والاضطراب من أجل مصالحها غير عابئة بمن يُقتلون من النساء والأطفال والمسنين الأبرياء. وفي بعض البلدان، نجد الأحزاب السياسية تتحارب تحقيقًا لمصالحها الخاصة بدلاً من أن تعمل معًا من أجل تحسين أحوال بلدانهم. كذلك نجد بعض الحكومات والدول طامعة باستمرار في موارد الدول الأخرى. وتستهلك الدول الكبرى في العالم جهودها في المحافظة على سلطانها، ولا تدخر وسعًا في تحقيق هذا الهدف.

آخذين كل هذا في الاعتبار، فإننا لا نجد الجماعة الأحمدية ولا الغالبية منكم، الذين هم من الشعب، لديها القدرة أو السلطة على وضع السياسات لإحداث تغيير إيجابي، وذلك لأننا لا نملك أي سلطة حكومية أو نفوذ. في الواقع، يمكنني القول أنه حتى رجال السياسة الذين لنا معهم علاقات ودية ويتفقون معنا دائما عندما يكونون في صحبتنا، فإنهم غير قادرين أيضا على الحديث. وعوضًا عن ذلك نجد أصواتهم تحجب ويُمنعون من طرح وجهات نظرهم. هذا إما لأنهم مجبرون على اتباع سياسات الحزب، أو ربما بسبب ضغوط خارجية من قوى عالمية أخرى أو حلفاء سياسيين يضغطون عليهم.

… مجرد إلقاء خطبة أو محاضرة أو سماعها ليس كافيًا ولن يؤدي إلى إقامة السلام. في الواقع، إن الشرط الرئيس لتحقيق هذا الهدف الأساس هو العدالة المطلقة والإنصاف في جميع المسائل. وقد أعطى القرآن الكريم، في سورة النساء، الآية 136، المبدأ الذهبي والدرس الذي يرشدنا في هذا الموضوع…

ومع ذلك، فنحن المشاركون في ندوة السلام هذه في كل عام، يحدونا الأمل في توطيد السلام، ونعرب عن آرائنا ومشاعرنا أنه ينبغي أن تتوطد المودة والرحمة والأخوة بين جميع الأديان والجنسيات والأعراق.. أي في الواقع بين جميع الناس. إلاَّ أننا للأسف عاجزون أن نُخرج هذه الرؤية للنور، فليس لدينا السلطة أو الوسيلة لتحقيق ما نطمح إليه.

أذكر منذ سنتين وفي هذه القاعة نفسها خلال ندوتنا للسلام، كنت قد ألقيت كلمة شرحت فيها بالتفصيل السبل والوسائل لتحقيق السلام العالمي، وتحدثت أيضا عن كيفية قيام الأمم المتحدة بهذا الأمر. بعد ذلك، علق صديقنا العزيز والمحترم اللورد «Eric AveBury-إيريك إيفبري» أن هذا الخطاب يجب أن يلقى في الأمم المتحدة نفسها. كان قوله هذا نابعًا من نبل أخلاقه وكرمه، ولكن ما أود قوله هو أن مجرد إلقاء خطبة أو محاضرة أو سماعها ليس كافيًا ولن يؤدي إلى إقامة السلام. في الواقع، إن الشرط الرئيس لتحقيق هذا الهدف الأساس هو العدالة المطلقة والإنصاف في جميع المسائل. وقد أعطى القرآن الكريم، في سورة النساء، الآية 136، المبدأ الذهبي والدرس الذي يرشدنا في هذا الموضوع حيث تنص الآية أنه تحقيقًا لمتطلبات العدالة، فحتى لو كانت الشهادة ضد نفسك أو والديك أو الأقارب والأصدقاء المقربين، فعليك أن تشهد بذلك. هذه هي العدالة الحقيقية حيث تُنحَّى المصالح الشخصية جانبا من أجل الصالح العام.

إذا تفكرنا في هذا المبدأ على المستوى الجماعي، فإننا سوف ندرك أنه ينبغي التخلي عن وسائل الاستمالة والاسترضاء غير المشروعة والقائمة على أساس الثروة والنفوذ. وبدلا من ذلك، ينبغي على ممثلي وسفراء كل دولة العملُ بإخلاص وبرغبة في دعم مبادئ العدالة والمساواة. يجب علينا القضاء على جميع أشكال التحيز والتمييز، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام. إذا نظرنا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، فإننا نجد أن عبارات أو كلمات تلقى في كثير من الأحيان الكثير من المديح والشكر، ولكن هذه الإشادة لا معنى لها لأن القرارات الحقيقية تكون قد تحددت سلفا.

وهكذا، حيث يتم اتخاذ القرارات بالضغط أو بالتحالفات من القوى الكبرى بدلا من الوسائل الديمقراطية فعلاً،  فإن هذه الخطب تُجعل جوفاء وعديمة المعنى وتتخد ذريعة لخداع العالم الخارجي. ومع ذلك، لا يعني كل هذا أن نُحبط أو نتخلى عن كل جهودنا. بل عوضًا عن ذلك، ينبغي أن يكون هدفنا -ضمن قوانين البلاد- الاستمرار في تذكير الحكومة بمتطلبات الوقت. يجب علينا أيضا تقديم المشورة بشكل صحيح لتلك الجماعات التي لديها اهتمامات خاصة على المستوى العالمي لكي تسود العدالة. وعندها فقط سوف نرى العالم وقد أصبح ملاذًا للسلام والوئام الذي نأمله جميعًا.

لذا فإننا لا نقدر على أن نتخلى عن جهودنا ولا ينبغي لنا ذلك. إذا توقفنا عن رفع أصواتنا ضد القسوة والظلم، فسوف نصبح من أولئك الذين ليس لديهم قيم أخلاقية أو مثل عليا على الإطلاق. سواء أسُمعت أصواتنا أو كان لها تأثير أم لا فليس هذا هو المهم، بل المهم أن نستمر في نصح الآخرين وحثهم نحو السلام. إنني أشعر دائما ببالغ السرور عندما أرى أنه من أجل إعلاء القيم الإنسانية ورغم الاختلاف في الدين أو الجنسية، فإن الكثير من الناس يأتون إلى هذا المنتدى للاستماع والتعلم والتحدث عن سبل إحلال السلام والتراحم في العالم. لذا فإنني أطلب منكم جميعا أن نسعى لتحقيق السلام بأقصى ما في وسعكم حتى نتمكن من المحافظة على بصيص الأمل إلى أن يأتي الوقت الذي يتوطد فيه السلام الحقيقي والعدالة في جميع أنحاء العالم.

إذا اندلعت حرب نووية فإن أولئك الذين هم على خط النار لن يكون لهم حظ من هذا القبيل. بل سوف يموت هؤلاء الناس على الفور ويجمَدون مثل التماثيل، وسوف تذوب جلودهم. إن جميع مياه الشرب والغذاء والنباتات سوف تتلوث وتتضرر من الاشعاع، ولنا أن نتصور أنواع الأمراض التي سيؤدي هذا التلوث إليها.

يجب أن نتذكر أنه إذا فشلت الجهود البشرية، فإن الله سوف يصدر قراره لتحديد مصير البشرية. لذا قبل أن يدخل القرار الإلهي حيز التنفيذ وقبل أن يجبر الناس على الإذعان له وعلى أن يوفوا حقوق الإنسانية، فإنه من الأفضل بكثير أن ينتبه الناس في العالم بأنفسهم إلى الاهتمام بهذه المسائل الحاسمة، لأنه إذا قرر الله اتخاذ إجراءات بهذا الشأن، فإن غضبه سوف يعم الجنس البشري بشدة وبصورة رهيبة حقًا.

إن أحد المظاهر الرهيبة للقرار الإلهي في عالم اليوم يمكن أن يكون بحرب عالمية أخرى. ما من شك أن آثار هذه الحرب والدمار الذي سوف تحدثه لن يقتصر على الحرب نفسها، أو حتى على هذا الجيل، بل في الواقع سوف تظهر نتائجه المروعة لأجيال عديدة قادمة. أحد هذه النتائج المأساوية لمثل هذه الحرب هو تأثيرها على الأطفال حديثي الولادة سواء الآن أو في المستقبل. إن الأسلحة المتاحة اليوم هي أسلحة مدمرة إلى درجة أنها يمكن أن تؤدي إلى ولادة أطفال بعيوب وراثية أو خلقية خطيرة تمتد لأجيال.

إن اليابان هي البلد التي شهدت العواقب الوخيمة للحرب النووية عندما تعرضت للهجوم بالقنابل النووية خلال الحرب العالمية الثانية. وإلى اليوم عندما تزور اليابان وتلتقي بالناس هناك، فإنك ترى الخوف من الحرب والكراهية المطلقة لها واضحة في عيونهم وأقوالهم. إلاَّ أن القنابل النووية التي استخدمت في ذلك الوقت وتسببت في دمار واسع، هي أقل قوة بكثير من تلك الأسلحة النووية التي تمتلكها الدول اليوم حتى الدول الصغيرة جدًا.

ويُقال في اليابان إنه على مرور سبعة عقود، إلاَّ أن الآثار المترتبة على القنابل الذرية لا تزال مستمرة بوضوح على الأطفال حديثي الولادة. إذا أُطلِقت النار على شخص فمن الممكن في بعض الأحيان بقاؤه على قيد الحياة من خلال العلاج الطبي، ولكن إذا اندلعت حرب نووية فإن أولئك الذين هم على خط النار لن يكون لهم حظ من هذا القبيل. بل سوف يموت هؤلاء الناس على الفور ويجمَدون مثل التماثيل، وسوف تذوب جلودهم. إن جميع مياه الشرب والغذاء والنباتات سوف تتلوث وتتضرر من الاشعاع، ولنا أن نتصور أنواع الأمراض التي سيؤدي هذا التلوث إليها. حتى تلك الأماكن التي لم تُضرب مباشرة وتكون فيها الآثار المترتبة على الإشعاعات أقل حدة، فإن خطر الأمراض والعلل سوف يصبح أكبر، وسوف يكون هناك خطورة كبيرة على الأجيال القادمة.

لذلك، وكما قلت آنفًا، فإن الآثار المدمرة والخراب الذي يسببه هذا النوع من الحروب لن يقتصر على الحرب وتداعياتها، ولكن سوف ينتقل من جيل إلى جيل. هذه هي العواقب الحقيقية لهذا النوع من الحروب، واليوم هناك أناس على درجة من الأنانية والحمق إلى حدٍ أنهم يفخرون باختراعاتهم تلك، ويحسبونها هدية للعالم. والحقيقة أن ما يسمى بالجوانب المفيدة للطاقة والتكنولوجيا النووية يمكن أن يكون في غاية الخطورة، وتؤدي إلى تدمير واسع النطاق إما بسبب الإهمال أو الحوادث. لقد شهدنا بالفعل مثل هذه الكوارث، مثل وقوع الحادث النووي في عام 1986 في تشرنوبيل بأوكرانيا. وكذلك في العام الماضي بعد وقوع الزلزال والتسونامي في اليابان، مما أدى إلى تعرض البلاد لخطر كبير وخوف شديد. عندما تحدث مثل هذه الأحداث، يكون من الصعب جدا إعادة إعمار المناطق المتضررة. وبسبب تجاربهم الفريدة والمأساوية، فإن شعب اليابان قد أصبح في غاية الحذر، وبالفعل فإن شعورهم بالخوف والرعب له ما يبرره.

إنه أمر واضح أن الناس يموتون في الحروب وعندما دخلت اليابان الحرب العالمية الثانية كانت حكومة وشعبا يدركون جيدًا أن بعض الناس سوف يُقتلون. يُقال أن ما يقرب 3 ملايين شخص لقوا حتفهم في اليابان، وهذا نحو 4٪ من السكان. حتى وإن كان عدد من البلدان الأخرى قد عانى من نسب وفيات أعلى من حيث العدد الإجمالي، إلاَّ أن الكراهية والنفور من الحرب التي نجدها في الشعب الياباني لا يزال أعلى بكثير بالمقارنة مع الآخرين، وذلك لسبب بسيط وهو بالتأكيد القنبلتان النوويتان اللتان أسقطتا على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، والعواقب التي ما زالوا يشاهدونها ويكابدونها حتى اليوم. لقد أثبتت اليابان عظمة ومرونة من خلال قدرتها على إعادة إعمار وتأهيل مدنها بسرعة نسبيًا. ولكن ليكن واضحا أنه إذا استخدمت الأسلحة النووية مرة أخرى اليوم، فمن الممكن جدًا أن تمحى أجزاء من بعض البلاد تماما من الخريطة وتزول من الوجود.

إن التقديرات المتحفظة لعدد القتلى في الحرب العالمية الثانية كانت نحو 62 مليون شخص ويُقال أن نحو 40 مليون منهم كانوا من المدنيين. وبعبارة أخرى، فإن عدد القتلى من المدنيين يفوق بكثير العسكريين. لقد وقع كل هذا الدمار مع أن الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب -باستثناء اليابان- كانت تقليدية في كل مكان آخر. ولقد تحملت المملكة المتحدة فقدان نحو نصف مليون شخص. وبالطبع، في ذلك الوقت، كانت المملكة المتحدة لا تزال قوة استعمارية وكانت مستعمراتها تحارب أيضا نيابة عنها. فإذا جمعت هذه الخسائر أيضًا، فإن عدد القتلى يرتفع إلى ملايين. وفي الهند وحدها فإنّ نحو 1.6 مليون شخص فقدوا حياتهم.

أما اليوم فلقد تغير الوضع وتلك البلدان التي كانت مستعمرات للمملكة المتحدة وقاتلوا من أجل الإمبراطورية البريطانية من الممكن أن يحاربوا اليوم ضد بريطانيا العظمى في حال اندلاع الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، وكما ذكرت سابقًا، حتى بعض البلدان الصغيرة قد حصلت على الأسلحة النووية.

فالذي يسبب كثيرًا من الخوف هو معرفة أن مثل هذه الأسلحة النووية يمكن أن يصل إلى أيدي مثل هؤلاء الناس الذين إما لا يملكون حسن التصرف أو يفضلون عدم التفكير في عواقب أفعالهم. في الحقيقة، مثل هؤلاء الناس لا يعيرون أدنى اهتمام للعواقب، وهم مولعون بإطلاق النار.

لذلك إذا لم تتعامل القوى الكبرى بالعدل، ولم تقضِ على مشاعر الإحباط لدى الدول الصغيرة وإذا لم تتبنَّ سياسات عظيمة وحكيمة، فإن الوضع سوف يخرج عن السيطرة. والتدمير الذي سيتبع هذا الأمر هو أبعد بكثير من تصوراتنا وتقديراتنا، حتى غالبية دول العالم التي بالفعل ترغب في السلام سوف يعصف بها هذا الدمار.

لذا، فإنني أتمنى وآمل أن يدرك قادة جميع الدول الكبرى هذا الواقع الرهيب، وبدلاً من تبني السياسات العدوانية واستخدام القوة لتحقيق أهدافها وغاياتها، أن يسعوا إلى تبني سياسات من شأنها تعزيز العدل وتأمينه والمحافظة عليه.

لقد أصدر مؤخرًا أحد كبار القادة العسكريين الروس تحذيرًا خطيرًا حول المخاطر المحتملة للحرب النووية، وكان من رأيه أنه لن تندلع مثل هذه الحرب في آسيا أو في أي مكان آخر، ولكن سوف تخاض على حدود أوروبا، وبأن التهديد بمثل هذه الحرب قد ينشأ ويشتعل من بلدان أوروبا الشرقية. مع أن بعض الناس قد يقولون ببساطة أن هذا هو رأيه الشخصي، وأنا شخصيا لا أعتقد بأن وجهة نظره غير محتملة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، أعتقد أيضا أنه إذا اندلعت مثل هذه الحرب، فمن المرجح جدًا أن تتورط دول آسيوية فيها أيضًا.

ومن الأخبار التي كان لها مؤخرًا انتشار إعلامي واسع ما طرحه رئيس سابق بوكالة الاستخبارات الإسرائيلية –الموساد- خلال مقابلة مع قناة تليفزيونية أميركية مشهورة -شبكة سي بي اس- قال إنه أصبح من الواضح رغبة الحكومة الإسرائيلية في شن حرب على إيران. وقال إن وقع مثل هذا الهجوم، سيكون من المستحيل معرفة أين أو كيف تنتهي هذه الحرب، لذا فإنه يعارض بشدة أي هجوم.

وفي هذا الموضوع، فإن رأيي أن مثل هذه الحرب ستنتهي بالدمار النووي.

لقد قرأت في الآونة الأخيرة مقالاً ذكر فيه الكاتب أن الوضع في العالم اليوم هو مشابه تماما للوضع في عام 1932 من الناحية الاقتصادية والسياسية أيضًا. وكتب قائلا: في بعض البلدان لا يثق الناس في رجال السياسة أو ما يُسمى بالديمقراطية. وقال أيضا أن هناك أوجه تشابه كثيرة تجتمع معا لتشكيل وضع مشابه لما كان الحال عليه قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. قد يختلف البعض مع بعض تحليلاته، ولكني أتفق معه ولهذا السبب أرى ضرورة أن تشعر حكومات العالم بالقلق البالغ إزاء الوضع الراهن. وبالمثل، يتعين على القادة الجائرين لبعض البلاد المسلمة الذين لا هم لهم سوى التشبث بالسلطة بأي وسيلة وبأي ثمن أن يعودوا إلى رشدهم. وإلا فإن تصرفاتهم وحمقهم سوف يكون السبب في زوال حكمهم، والدفع ببلدانهم نحو مصير مرعب.

نحن أعضاء الجماعة الإسلامية الأحمدية نبذل قصارى جهدنا لإنقاذ العالم والبشرية من الدمار، وذلك لأننا في هذا الزمن قد آمنا بإمام العصر الذي أرسله الله وهو المسيح الموعود الذي جاء خادمًا للرسول الكريم محمد الذي بُعث رحمة للعالمين. ولأننا نتبع تعاليم الرسول الكريم فإننا نشعر في قلوبنا بالألم الشديد والكرب من حالة العالم. وذلك الألم هو الذي يدفعنا لبذل الجهود من أجل إنقاذ البشرية من الدمار والمعاناة. لذا فإنني وسائر المسلمين الأحمديين نسعى جاهدين للوفاء بمسؤولياتنا تجاه تحقيق السلام في العالم.

أحد هذه الطرق التي حاولت من خلالها تعزيز السلام هو إرسال سلسلة من الرسائل لبعض زعماء العالم. قبل بضعة أشهر، بعثت برسالة إلى البابا بنديكت السادس عشر، سلمها له ممثل شخصي لي من المسلمين الأحمديين. قلت له في الرسالة أنه لما كان زعيما لطائفة من أكبر الطوائف الدينية في العالم، فإنه يجب أن يسعى لإحلال السلام. وفي سياق مماثل، في الآونة الأخيرة وبناءً على ملاحظة الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل وتصاعدها إلى مستوى في غاية الخطورة، بعثت برسالة إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، أحثهما على التخلي عن كل أشكال التسرع والتهور عند اتخاذ القرارات، وذلك من أجل صالح البشرية.

في الآونة الأخيرة وبناءً على ملاحظة الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل وتصاعدها إلى مستوى في غاية الخطورة، بعثت برسالة إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، أحثهما على التخلي عن كل أشكال التسرع والتهور عند اتخاذ القرارات، وذلك من أجل صالح البشرية.

كما أنني قد كتبت مؤخرًا إلى الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الكندي، ستيفن هاربر، داعيًا كلا منهما إلى القيام بدورهما ومسؤولياتهما نحو إرساء السلام والوئام في العالم. وأنوي في المستقبل القريب أيضًا الكتابة وتحذير رؤساء الدول والقادة الآخرين. إنني لا أعرف إن كانت رسائلي لهؤلاء القادة سوف يكون لها قيمة أو وزن عندهم أم لا، ولكن أيًا كانت ردة فعلهم، فهي محاولة من جانبي كوني الخليفة والزعيم الروحي للملايين من المسلمين الأحمديين في أنحاء العالم لنقل مشاعرهم تجاه الوضع الخطير الذي عليه العالم.

وليكن واضحًا أنني لم أعرب عن هذه المشاعر لخوف شخصي، إنما بدافع حب صادق للإنسانية. وقد نما هذا الحب للبشرية وانغرس في جميع المسلمين الحقيقيين بسبب تعاليم الرسول الكريم محمد ، الذي كما سبق أن أشرت، قد أُرسلَ رحمةً ومواساة لجميع البشر. ربما تندهشون أو تصدمون عندما تسمعون أن حبنا للبشرية هو نتيجة مباشرة لتعاليم الرسول الكريم ، وقد ينشأ تساؤل في عقولكم، فما السبب الذي يجعل تلك الجماعات الإرهابية المسلمة تقتل الأبرياء، أو لماذا هناك حكومات مسلمة ترتكب عمليات القتل الجماعي لأفراد من شعوبهم من أجل حماية كرسيّ سلطانهم؟

فليكن واضحًا تمامًا أن هذه الأعمال الشريرة في واقع الأمر تتنافى تمامًا مع تعاليم الإسلام الحقيقية. إن القرآن الكريم لا يسمح تحت أي ظرف من الظروف بالتطرف أو الإرهاب. وفي هذا العصر، وبحسب إيماننا قد أرسل الله مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ميرزا ​​غلام أحمد القادياني ، المسيح الموعود والإمام المهدي، تابعًا كاملا للرسول الكريم محمد . وقد أُرسل المسيح الموعود لنشر التعاليم الحقيقية والصحيحة للإسلام والقرآن الكريم. لقد جاء لتأسيس رابطة بين الإنسان والله ، ولكي يحدد للإنسان ويعرفه ما عليه من واجبات تجاه أخيه الإنسان. لقد أُرسِل لإنهاء كافة أشكال الحروب الدينية. وقال إنه أُرسل لتوطيد الاحترام والتشريف والتكريم لكل مؤسس أو نبي أي دين. لقد أُرسِل للفت الانتباه إلى تحقيق أعلى مستويات القيم الأخلاقية وإحلال السلام والمحبة والرحمة والأخوة في جميع أنحاء العالم.

إذا ذهبتم إلى أي مكان من العالم، سوف تجدون هذه الصفات جزءًا لا يتجزأ من جميع المسلمين الأحمديين الحقيقيين. وإننا لا نعُدُّ الإرهابيين أو المتطرفين نموذجًا، ولا هؤلاء الطغاة من المسلمين، ولا القوى الغربية أيضًا، إنما النموذج الذي نحذو حذوه ونقتدي به هو مؤسس الإسلام، النبي الكريم محمد ، والتعليمات التي نسترشد بها هي القرآن الكريم.

لذا من منتدى السلام هذا، أبعث برسالة إلى العالم بأسره، أن رسالة الإسلام وتعاليمه هي المحبة والرحمة والعطف والسلام.

للأسف، هناك أقلية من المسلمين تقدم صورة مشوهة تمامًا عن الإسلام وتعمل وفق معتقداتها المضللة. وأقول لكم جميعًا، لا تظنوا أن هذا هو الإسلام الحقيقي، وتتخذوا من تلك الأفعال الخاطئة ذريعة لإيذاء مشاعر الأغلبية المسالمة من المسلمين أو أن تجعلوها هدفًا للقسوة.

إن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس لجميع المسلمين، واستخدام لغة مسيئة أوبذيئة في حقه أو حرقه هو بالتأكيد جرح عميق لمشاعر المسلمين. لقد رأينا أنه عند حدوث ذلك، فإنه يؤدي غالبا إلى رد فعل خاطئ تماما وغير مناسب من قبل المتطرفين المسلمين.

ولقد سمعنا مؤخرًا عن حادثين في أفغانستان، حيث قام بعض الجنود الأميركان بتصرفات فيها عدم احترام للقرآن الكريم، وقتلوا الأبرياء من النساء والأطفال في منازلهم. وبالمثل، أطلق النار شخص بلا رحمة فقتل بعض الجنود الفرنسيين في جنوب فرنسا دون أي سبب، وبعد ذلك ببضعة أيام دخل مدرسة وقتل ثلاثة أطفال من اليهود الأبرياء وإحدى المدرسات. نرى أن هذا السلوك خاطئ تماما ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى السلام. ونرى أيضا مثل هذه الأعمال الوحشية تحدث بانتظام في باكستان وأماكن أخرى وتعطي هذه الأعمال خصوم الإسلام الذريعة لصب حقدهم وتحقيق أهدافهم على أوسع نطاق. إن مثل هذه الأعمال الوحشية التي تحدث على نطاق محدود، ليست بسبب عداوات شخصية أو أحقاد، إنما هي في الواقع نتيجة للسياسات الظالمة التي تنتهجها بعض الحكومات، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي.

لذا، من أجل إحلال السلام في العالم، لابد من انتهاج المعايير الصحيحة للعدل على كل المستويات وفي كل بلد من بلاد العالم. لقد عدَّ القرآن الكريم قتل شخص بريء دون سبب هو بمنزلة قتل البشرية جمعاء.

وهكذا مرة أخرى، ولأنني مسلم أوضح لكم تماما أن الإسلام لا يسمح بالقسوة أو الظلم بأي شكل من الأشكال. هذا ليس أمرًا مطلقًا وبدون استثناء فحسب، بل إن القرآن الكريم يأمرنا أيضا أنه حتى لو كان هناك عداء بيننا وبين أي بلد أو أي شعب، ألا يمنعنا ذلك من التصرف معهم بالعدل والنزاهة التامة وأنه ينبغي ألا تدفعنا أي عداوات أو خصومات إلى الانتقام أو التصرف على نحو غير صحيح. ويأمرنا القرآن الكريم أيضًا بأمر آخر في غاية الأهمية وهو أنه لا ينبغي أن ننظر بحسد أو طمع إلى ثروات وموارد الآخرين.

لقد ذكرت فقط بعض النقاط، ولكنها في غاية الأهمية لأنها تضع الأساس لتحقيق السلام والعدالة في المجتمع والعالم أجمع. أدعو الله أن يولي العالم اهتمامًا لهذه القضايا الأساسية، حتى نُنقَذ من دمار العالم الذي يجرنا إليه الظالمون والكاذبون.

وأود أن أغتنم هذه الفرصة لاعتذر عن الإطالة، ولكن الحقيقة أن موضوع إحلال السلام في العالم أمر في غاية الأهمية.

الوقت ينفد، وقبل فوات الأوان علينا جميعًا أن نُولي ما يفرضه علينا الوقتُ اهتمامًا كبيرًا.

قبل أن أنهي أود أن أتحدث عن شيء هام، كما نعرف جميعًا في هذه الأيام يُحتفل باليوبيل الماسي لصاحبة الجلالة، الملكة إليزابيث الثانية. إذا عدنا بعقارب الساعة إلى الوراء 115 عامًا إلى عام 1897، كان أيضًا يُحتفل باليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا. في ذلك الوقت، بعث مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية برسالة تهنئة إلى الملكة فيكتوريا بلَّغها فيها تعاليم الإسلام، وبعث أيضا برسالة يدعو فيها للحكومة البريطانية وللملكة بطول العمر. كتب المسيح الموعود في رسالته أن أفضل ما في حكومة الملكة هو أن جميع الناس قد مُنحوا الحرية الدينية تحت حكمها.

اليوم لم تعد الحكومة البريطانية حاكمة لشبه القارة الهندية، ولكن لا تزال مبادئ الحرية الدينية في المجتمع البريطاني وقوانينه التي من خلالها يُمنح كل شخص حريته الدينية.

قد أُرسِل لإنهاء كافة أشكال الحروب الدينية. وقال إنه أُرسل لتوطيد الاحترام والتشريف والتكريم لكل مؤسس أو نبي أي دين. لقد أُرسِل للفت الانتباه إلى تحقيق أعلى مستويات القيم الأخلاقية وإحلال السلام والمحبة والرحمة والأخوة في جميع أنحاء العالم.

في الواقع، إن أجمل مثال لهذه الحرية هو ما نشاهده الليلة إذ اجتمع أتباع مختلف الديانات والعقائد والمعتقدات في مكان واحد آملين وساعين إلى إحلال السلام في العالم.

لذلك وباستخدام الكلمات والدعوات نفسها التي استخدمها المسيح الموعود أغتنم هذه الفرصة لتقديم التهاني القلبية للملكة اليزابيث قائلا:

“أهنىء بمنتهى السعادة والامتنان ملكتنا الرحيمة وأتمنى لجلالة الملكة دوام السعادة والرضا». ودعا المسيح الموعود للملكة فكتوريا، وأستخدم مرة ​​أخرى كلماته نفسها:

«أيها الإله القادر الكريم، أَسْعِدْ ملكتَنا المعظَّمةَ بفضلك وكرمك كما نعيش نحن سعداء تحت كرمها ولطفها، وعامِلْها بلطف وإحسان كما نحن نعيش في سلام ورخاء تحت ظل حكومتها العادلة والمحسِنة.  (التحفة القيصرية)

هذه هي مشاعر الامتنان التي يحملها كل من هو مسلم أحمدي وأيضًا مواطن بريطاني.

في النهاية أود أن أعبّر مرة أخرى عن امتناني لكم جميعًا من أعماق قلبي، فبحضوركم قد أعربتم عن المحبة والمودة والأخوّة لنا.

شكرًا جزيلا لكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك